20- من دروس القران التوعوية :-
اصطفاء امة العرب لقيادة الامم وحمل الرسالة الخاتمة العالمية لهم :
لكل مهمة اهلها المؤهلين للقيام بها ؛ وقد كانت الامة المصطفاة من قبل لتلقي الوحي امة بني اسرائيل .. الا ان الفرق بين اصطفائنا واصطفاءهم هو انهم امة كانت مستضعفة مستذلة ومسخرة لخدمة الحكم الفرعوني ؛ الذي كان وضعهم الاجتماعي في ظله اقل شأنا من العبيد المسترقين ؛ فالعبيد لا تذبح ابناؤهم وتستحيا نساؤهم..! اما هم فكانت تذبح ابناؤهم وتستحيا نساؤهم ..
والعجيب انهم الفوا هذا الامر لدرجة ان كل احد منهم يولد له ولد ذكر في السنة التي يذبح فرعون فيها ذكورهم؛ يذهب الاب والام ليقدمون مولودهم قربانا لنوال رضى الفراعنة !!
ومعلوم ان المملكة الفرعونية كانت قد علت واستولت على حكم الارض، بمعنى انها كانت اعظم دولة في الوجود دان لهااهل الارض جميعا حكاما ومحكومين !! فأراد الله تعالى ان يعطي المصلحين درسا للابد وكذلك موعظة للظالمين ؛ مفادها ان المستضعف ان تحرك ووجد القيادة الصالحة يحطم اعظم الامبراطوريات وينقذ نفسه وغيره من الظلم .. ومن هنا اصبح بنوا اسرائيل المستضعفين الاذلاء قدوة العالمين في زمانهم ؛ ومثلا يُحتذى لتحطيم الفراعنة والقضاء على الظلم والعدوان والاستبداد ..
فالواقع الذي سجله القران لنا يبين ان بني اسرائيل كانت اكثر الامم نبذا واهانة واستضعافا في الارض في ظل حكم فرعون الذي علا في الارض وسيطر عليها .. فجاء زوال ملكه وعلوه على يد من تربى عنده في القصر وعلى يد من نجاه الله تعالى من الذبح والقى محبته في قلب فرعون وزوجه!!
فكانت هذه احدى المعجزات والعبر لبني اسرائيل ذاتهم .. فامة بني اسرائيل ما استطاعوا أن ينهضوا حتى بأنفسهم؛ وإنما نهض بهم موسى نهضة قائمة على الخوارق والمعجزات، وما نهضوا بأنفسهم إلا بعد موسى بزمن مع اتصال حبل النبوة فيهم ، ومغاداة الوحي الإلهي ومراوحته لهم المؤيد بالمعجزات الحسية الخارقة للعادات !!.وانزل لهم التوراة كتابا ودستورا لهم ونورا يقتدي به العالمين ... { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) المائدة} . فاختارهم الله عز وجل لمحو الفرعونية من الارض ؛ وكتب عليهم التيه اربعين سنة لتمحى من نفوسهم رهبة الفراعنة التي غُرست فيها وتناقلتها الاجيال متوارثة لها خلفا عن سلف !! وكانوا كلما تاهوا وتركوا ما ذكروا به بعث الله لهم نبيا يردهمالة الجادة والسنة الصحيحة؛ ولكنهم بقوا على طبعهم مع الله تعالى ومع العالمين ؛ فتسلط عليهم نبوخذ نصر وسباهم السبي الاول ؛ ثم اعيدت لهم الكرة وبعثت لهم الرسل والانبياء، وكان اخر انبيائهم عيسى ابن مريم عليه السلام؛ فارادوا قتله كما قتلوا غيره من الانبياء كيحيى بن زكريا ؛ فعتو ا في الطغيان فتسلط عليهم طيطس الروماني وسباهم السبي الثاني .. واندثر الوجود السياسي والدور القيادي لبني اسرائيل وتفرقوا في الامم والارض اشتاتا.
فالأُمتان — الأمة العربية و الأمة الإسرائيلية — متمايزتان بالأثر ومتمايزتان بحديث القرآن عنهما، وإذا تلمسنا الحكمة المقصودة من اختيار الله لبني إسرائيل مع أنهم غير مستعدين للقيام بنهضة عالمية عامة وجدنا تلك الحكمة في القرآن مجلوة في أبلغ بيان، في قوله تعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ.
فالسر المتجلي من هذه الآية هو أن الله أراد بما صنع لبني إسرائيل وبما قال لهم أن يعلم هذا العالم الإنساني من سنن الله في كونه ما لم يكن يعلم؛ وهو إخراج الضد من الضد، وإخراج الحي من الميت، وإنقاذ الأمة الضعيفة التي لا تملك شيئًا من وسائل القوة الروحية ولا من وسائل القوة المادية — من استعباد الأقوياء المتألهين؛ فهو مثل عملي ضربه الله لخلاص أضعف الضعفاء من مخالب أقوى الأقوياء، وجعل المستضعفين أئمة وارثين وسادة غالبين، والتمكين لهم في الأرض، وجعل الأقوياء المستعلين في الأرض يرون عاقبة باطلهم؛ لكيلا ييأس المستضعفون في الأرض من روح الله، وقد قال موسى لبني إسرائيل؛ تمكينًا لهذا المعنى في نفوسهم: {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. فلما فشلوا مرارا متكررة اعرض الله تعالى عنهم بعد ان اقام الحجة عليهم واسبدلهم بامة العرب ؛ الذين يجب علينا أن نعتنيَ بتاريخهم - العرب- وما كان من دولهم وخصائصهم قبل الإسلام؛ وذلك لارتباط تاريخهم بتاريخ الإسلام، ولعناية القرآن بهم، ولاختيار الله النبي ﷺ منهم لتبليغ دين الإسلام وما فيه من آداب وحكم وفضائلَ إلى أمم الأرض.
والباحث بعين البيرة يجد إنهم هُيِّئُوا تاريخيًّا لأجل أن ينهضوا بأعباء هذه الرسالة الإسلامية العالمية، وإن عظمة الرسول وصحابته لا شك فيها؛ إذ لا ينهض بالجليل من الأعمال إلا الجليلُ من الرجال؛ ولا يقوم بعظائم الامور إلا العظامُ من الناس، وقد عني القرآن بتأديبهم وتربيتهم؛ ليأخذوا حظهم كاملًا من التربية قبل الناس كلهم، ولهذا نجد كثيرًا من الآيات القرآنية تبغي إصلاح حال العرب وتطهير مجتمعهم وإثارة معاني العزة والشرف في نفوسهم؛ ومن هذا الباب الآيات التي يذكر بها العرب أن القرآن أنزل بلسانهم ؛ومن هذا الباب الآيات التي يذكر بها العرب انّ هذا القرآن أنزل بلسانهم مثل: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) (الزخرف/ 3)، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف/ 2). والذين يعقلون القرآن قبل الناس كلهم هم العرب.
وقال الله عز وجل: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى : 7]. ثم ان الاعجاز اللغوي في القران لا يقف امامه الا العرب ولا يدرك العجم اعجازه الا اذا تعربوا في المعاني واللسان والتفكير والطباع؛ فان حصل لهم ذاك اصبحوا بلا شك عربا!! فالاسلام جعل العربية اداة اعجاز واداة ثقافة وقيم ومفاهيم تولد الطباع وتصطبغ بها الشخصية المؤمنة؛ فلذلك انظر الى اهل الفتوح الذين فتح المسلمون الصحابة العرب بلادهم!! كيف اصبحوا بنقل الطاقة العربية الى بلادهم عربا !! وانظر الى البلاد التي فتحها اخواننا العثمانيون ولم ينقلوا لهم الطاقة العربية!! بل اُجبروا على تعلم التركية وتلقوا المصطلحات الاسلامية بوصفها جزء من اللغة العثمانية !! فبقوا على لسانهم ولا يكادون ان قدموا للاسلام شيئا؛ في حين انظر الى اهل خوارزم واهل خراسان وحتى اهل الهند قبل مجيء الانجليز!! وكيف برعوا في فهم القران بلسانه و فقهوا احكامه استنياطا واجتهادا بلغته وطريقة تفكيره التي كان ماعونها العربية ... ومما فعله الشعوبيون وهم تحالف من الموتورين من يهود ونصارى ومجوس، مستخدمين لمنافقي العرب؛ كان طمس الصبغة و الهوية العربية في الاسلام باسم الاسلام .. فالناس امام القانون التشريعي سواسية وبالتفاخر والتنافس بلاصول هم سواسية حيث لا بد من الإشارة إلى أن الله اختار العرب وفضلهم لتكون الرسالة فيهم ابتداء، وهذا تكليف أكثر مما هو تشريف؛ حيث إن من نزل عليه الوحي ابتداء مكلف بنشره وأخذه بقوة، وليس هذا أيضاً تفرقة بين العرب وغيرهم بل الكل لآدم وآدم من تراب، وأكرم الناس أتقاهم لله ..
ولنا حول هذا الموضوع تحديدا لقاءُ آخر باذن الله تعالى لمناقشة الشبهات حوله...
اللهم ايقظ المسلمين عامة والعرب خاصة للاضطلاع بمسؤليتهم الرسالية تجاه امم وشعوب الارض وحمل امانة الله تعالى التي استخلفهم وانتدبهم لها.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-09-19, 5:55 am عدل 1 مرات