بسم الله الرحمن الرحيم
17- من دروس القران التوعوية :-
الاجتهاد والتقليد
الناس متفاوتون في الادراك والتفكير والافهام ومستويات الوعي، وقد بين الله تعالى في القران الكريم والسنة المطهرة كيفية التعامل مع تفاوت الناس في الفهم والادراك والوعي؛ ومعالجة ذلك !!
فقد قال الله تعالى مستنهضا الهمم عند الاكفياء من المؤمنين :- {قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة122).
فهذه الآية الكريمة المباركة دلّت على وجوب النّفر للتفقّه في الدّين، وهذا الوجوب المستفاد من دخول (لولا) التحضيضيّة على الفعل الماضي، فقد أكَّدَ علماء اللُّغة بأنّ (لولا) إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت الحضَّ على الفعل والطلب له، وإذا دخلت على الماضي أفادت التّوبيخ واللَّوم على ترك العمل(انظر شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك ج2 ص393).
وعليه فهي هنا قد دخلت على الفعل الماضي، فهي تفيد اللّوم والتّوبيخ على ترك النّفر للتفقُّه في الدّين، وهي بهذا المعنى تفيد وجوب النّفر؛(والنفر في اللغة: هو تجافي الإنسان عن محلّه الذي تواجد فيه، والمراد به في الآية الكريمة: هو الهجرة والسفر لطلب العلم.)؛ لأنَّ اللّوم والتوبيخ على ترك الفعل لا يكون إلا إذا كان الفعل واجباً.
فهذه الآية الكريمة دلَّت على وجوب الاجتهاد ـ الذي هو التفقُّه في الدّين ـ وأنّ هذا الوجوب على نحو الوجوب جماعي كفائيّ لا عينيّ ؛ لأنّ الآية قالت بأنّ هذا الأمر إنّما يجب على طائفة من كلِّ فرقة، فهو وجوبٌ كفائيّ على الجماعة لا عينيّ متعين على كل الافراد. وفي هذا مراعاة لتفاوت الادراك والافهام والاستعدادات الذهنية لقبول العلم والتعلم ...
فهي كما دلَّت على وجوب الاجتهاد في طلب العلم والاجتهاد فيه دلَّت على وجوب تعليمه ؛ وبالتالي وجوب التّقليد أيضاً لأهل العلم في حق من لم يعلم. راسمة بذلك التلازم بين وجوب الاجتهاد و وجوب التّقليد !!
والملازمة هنا قائمة بين إيجاب الإنذار وإيجاب القبول، وإلّا كان التّشريع لغواً.
و بيان ذلك: إن قوله تعالى وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) يفيد وجوب الإنذار على المتفقِّهين، بمعنى: أنّ على الّذين هاجروا وسافروا إلى طلب العلم والتفقُّه في الديّن؛ يجب عليهم أن يقوموا بمهمّة تحذير قومهم و إنذارهم من عدم الإلتزام بالشّريعة إذا رجعوا إليهم، وهذا الإيجاب للإنذار على المتفقّهين يلزم منه إيجاب قبول إنذارهم من الطّرف الآخر المتلقي، وإلا كان إيجاب الإنذار بدون إيجاب القبول لغواً بلا فائدةٍ !!!
فويل للعالم من الجاهل حيث لا يُعلمه !!
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره عند تفسيره للاية العشرين-20- من سورة المؤمنين ما نصه :- "وعن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للعالم من الجاهل وويل للجاهل من العالم ، وويل للمالك من المملوك وويل للمملوك من المالك ، وويل للشديد من الضعيف وويل للضعيف من الشديد ، وويل للسلطان من الرعية وويل للرعية من السلطان ، وبعضهم لبعض فتنة وهو قوله : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون؟ أسنده الثعلبي تغمده الله برحمته" .
فتوعية الناس على ما يصلح حالهم ومآلهم هو واجب شريف لا ينهض اليه الا من علت همته فكان ربانيا؛ والرباني هو من يعلم بواطن الامور ومآلاتها وآثارها ويرى نتائجها قبل احداثها ،فيربي الناس ويرعاهم ويعمل على رعايتهم ويسوسهم بما يرضي الله تعالى عنه وعنهم ومنه ومنهم ..
والاصل في العلم ان يتداوله اكابر القوم والناس لا أصاغرهم؛ ففي ذلك صيانة للعلم لمن يعقل ويتدبر؛!! فقد اخرج ابن المبارك في الزهد والطبراني وابن الخطيب البغدادي عَن أبي أمَيَّةَ الجُمَحيِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (مِن أشراطِ السَّاعةِ أن يُلتَمَسَ العِلمُ عِندَ الأصاغِرِ)
وفي مُصَنَّفِ قاسِمِ بن أصبَغَ - بسَندٍ قال عنه ابنُ حَجَرٍ: صَحيحٌ - عَن عُمَرَ: فسادُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الصَّغيرِ استَعصى عليه الكَبيرُ. وصَلاحُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الكَبيرِ تابَعَه عليه الصَّغيرُ. وذَكرَ أبو عُبَيدةَ أنَّ الْمُرادَ بالصَّغيرِ في هذا صَغيرُ القَدْرِ لا السِّنِّ)؛ "وقيلَ: الأراذِلُ." وقال في التنوير شرح الجامع الصغير:- " يَرغَبُ عَنه ذو الْمَناصِبِ ويَرغَبُ فيه غَيرُهم، فيَقِلُّ نَفعُه على الوَجهينِ" . وهذا المقام يحتاج الى مباحث مستقلة ..!! فلا قيمة لعلم يقود الى جهل وجاهلية افهام وقيم ومقاييس؛؛ ولا خير في تقليد واتباع على الهوى والعمى بلا برهان ودليل ..وقد قال بَعض الحُكَماءِ من اهل العلم : {سَوِّدوا كِبارَكم لتَعزُّوا، ولا تُسَوِّدوا صِغارَكم فتَذِلُّوا...} عبارة حقا تُكتبُ بماء الذهب وتُعلقُ في صدور المجالس بعد ان تعيها صدور دعاة النهضة والوعي والتغيير !!!
فلا قيمة لعلم من مجاهيل !! ولا يربي الصغارُ والاراذلُ اقوامهم حتى يربوا الامم والشعوب !! فلذلك وجدنا علماءنا الاوائل يبينون انسابهم واحسابهم ويعرفون بانفسهم في مقدمات كتبهم او في توقيعاتهم في خواتيمها ؛ ولأهمية المعرفة بمن يأخذ الناس عنه العلم اُلفت في انساب واحساب العلماء وسيرهم مؤلفات !!!
فالأصل فيمن يرب الناس بالعلم ان يكون من اشراف الناس؛ لان الصغار من الاقوام والمجاهيل اثبت التاريخ والواقع انهم اهل نفاق وسدنة الظلم والطغيان !!! وما أُتيت امتنا الا من المجاهيل و الاراذل من ادعياء العلم المتكسبين به !!
وهنا مكمن الوعي ؛ وهنا مكمن النهوض؛ و داعي تحقيق النهضة للامم و المجتمعات والشعوب ..
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا العمل بما تحب وترضى ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
17- من دروس القران التوعوية :-
الاجتهاد والتقليد
الناس متفاوتون في الادراك والتفكير والافهام ومستويات الوعي، وقد بين الله تعالى في القران الكريم والسنة المطهرة كيفية التعامل مع تفاوت الناس في الفهم والادراك والوعي؛ ومعالجة ذلك !!
فقد قال الله تعالى مستنهضا الهمم عند الاكفياء من المؤمنين :- {قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة122).
فهذه الآية الكريمة المباركة دلّت على وجوب النّفر للتفقّه في الدّين، وهذا الوجوب المستفاد من دخول (لولا) التحضيضيّة على الفعل الماضي، فقد أكَّدَ علماء اللُّغة بأنّ (لولا) إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت الحضَّ على الفعل والطلب له، وإذا دخلت على الماضي أفادت التّوبيخ واللَّوم على ترك العمل(انظر شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك ج2 ص393).
وعليه فهي هنا قد دخلت على الفعل الماضي، فهي تفيد اللّوم والتّوبيخ على ترك النّفر للتفقُّه في الدّين، وهي بهذا المعنى تفيد وجوب النّفر؛(والنفر في اللغة: هو تجافي الإنسان عن محلّه الذي تواجد فيه، والمراد به في الآية الكريمة: هو الهجرة والسفر لطلب العلم.)؛ لأنَّ اللّوم والتوبيخ على ترك الفعل لا يكون إلا إذا كان الفعل واجباً.
فهذه الآية الكريمة دلَّت على وجوب الاجتهاد ـ الذي هو التفقُّه في الدّين ـ وأنّ هذا الوجوب على نحو الوجوب جماعي كفائيّ لا عينيّ ؛ لأنّ الآية قالت بأنّ هذا الأمر إنّما يجب على طائفة من كلِّ فرقة، فهو وجوبٌ كفائيّ على الجماعة لا عينيّ متعين على كل الافراد. وفي هذا مراعاة لتفاوت الادراك والافهام والاستعدادات الذهنية لقبول العلم والتعلم ...
فهي كما دلَّت على وجوب الاجتهاد في طلب العلم والاجتهاد فيه دلَّت على وجوب تعليمه ؛ وبالتالي وجوب التّقليد أيضاً لأهل العلم في حق من لم يعلم. راسمة بذلك التلازم بين وجوب الاجتهاد و وجوب التّقليد !!
والملازمة هنا قائمة بين إيجاب الإنذار وإيجاب القبول، وإلّا كان التّشريع لغواً.
و بيان ذلك: إن قوله تعالى وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) يفيد وجوب الإنذار على المتفقِّهين، بمعنى: أنّ على الّذين هاجروا وسافروا إلى طلب العلم والتفقُّه في الديّن؛ يجب عليهم أن يقوموا بمهمّة تحذير قومهم و إنذارهم من عدم الإلتزام بالشّريعة إذا رجعوا إليهم، وهذا الإيجاب للإنذار على المتفقّهين يلزم منه إيجاب قبول إنذارهم من الطّرف الآخر المتلقي، وإلا كان إيجاب الإنذار بدون إيجاب القبول لغواً بلا فائدةٍ !!!
فويل للعالم من الجاهل حيث لا يُعلمه !!
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره عند تفسيره للاية العشرين-20- من سورة المؤمنين ما نصه :- "وعن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ويل للعالم من الجاهل وويل للجاهل من العالم ، وويل للمالك من المملوك وويل للمملوك من المالك ، وويل للشديد من الضعيف وويل للضعيف من الشديد ، وويل للسلطان من الرعية وويل للرعية من السلطان ، وبعضهم لبعض فتنة وهو قوله : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون؟ أسنده الثعلبي تغمده الله برحمته" .
فتوعية الناس على ما يصلح حالهم ومآلهم هو واجب شريف لا ينهض اليه الا من علت همته فكان ربانيا؛ والرباني هو من يعلم بواطن الامور ومآلاتها وآثارها ويرى نتائجها قبل احداثها ،فيربي الناس ويرعاهم ويعمل على رعايتهم ويسوسهم بما يرضي الله تعالى عنه وعنهم ومنه ومنهم ..
والاصل في العلم ان يتداوله اكابر القوم والناس لا أصاغرهم؛ ففي ذلك صيانة للعلم لمن يعقل ويتدبر؛!! فقد اخرج ابن المبارك في الزهد والطبراني وابن الخطيب البغدادي عَن أبي أمَيَّةَ الجُمَحيِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (مِن أشراطِ السَّاعةِ أن يُلتَمَسَ العِلمُ عِندَ الأصاغِرِ)
وفي مُصَنَّفِ قاسِمِ بن أصبَغَ - بسَندٍ قال عنه ابنُ حَجَرٍ: صَحيحٌ - عَن عُمَرَ: فسادُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الصَّغيرِ استَعصى عليه الكَبيرُ. وصَلاحُ النَّاسِ إذا جاءَ العِلمُ مِن قِبَلِ الكَبيرِ تابَعَه عليه الصَّغيرُ. وذَكرَ أبو عُبَيدةَ أنَّ الْمُرادَ بالصَّغيرِ في هذا صَغيرُ القَدْرِ لا السِّنِّ)؛ "وقيلَ: الأراذِلُ." وقال في التنوير شرح الجامع الصغير:- " يَرغَبُ عَنه ذو الْمَناصِبِ ويَرغَبُ فيه غَيرُهم، فيَقِلُّ نَفعُه على الوَجهينِ" . وهذا المقام يحتاج الى مباحث مستقلة ..!! فلا قيمة لعلم يقود الى جهل وجاهلية افهام وقيم ومقاييس؛؛ ولا خير في تقليد واتباع على الهوى والعمى بلا برهان ودليل ..وقد قال بَعض الحُكَماءِ من اهل العلم : {سَوِّدوا كِبارَكم لتَعزُّوا، ولا تُسَوِّدوا صِغارَكم فتَذِلُّوا...} عبارة حقا تُكتبُ بماء الذهب وتُعلقُ في صدور المجالس بعد ان تعيها صدور دعاة النهضة والوعي والتغيير !!!
فلا قيمة لعلم من مجاهيل !! ولا يربي الصغارُ والاراذلُ اقوامهم حتى يربوا الامم والشعوب !! فلذلك وجدنا علماءنا الاوائل يبينون انسابهم واحسابهم ويعرفون بانفسهم في مقدمات كتبهم او في توقيعاتهم في خواتيمها ؛ ولأهمية المعرفة بمن يأخذ الناس عنه العلم اُلفت في انساب واحساب العلماء وسيرهم مؤلفات !!!
فالأصل فيمن يرب الناس بالعلم ان يكون من اشراف الناس؛ لان الصغار من الاقوام والمجاهيل اثبت التاريخ والواقع انهم اهل نفاق وسدنة الظلم والطغيان !!! وما أُتيت امتنا الا من المجاهيل و الاراذل من ادعياء العلم المتكسبين به !!
وهنا مكمن الوعي ؛ وهنا مكمن النهوض؛ و داعي تحقيق النهضة للامم و المجتمعات والشعوب ..
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وارزقنا العمل بما تحب وترضى ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..