--------------------------------------------------------------------------------
من أسرار يوم القيامة 000استنساخ الأعمال وحضورها
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد بين الله تعالى لنبيه أن بيان ما في القرآن هو على الله عز وجل بعد ذلك، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة، وثم تفيد الترتيب مع التراخي، وبيان القرآن ممتد إلى يوم القيامة0
وقد جاء في القرآن ذكر استنساخ الأعمال؛ (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية0
وذكر حضور الأعمال؛ (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف0
لم يكن يفهم من هذه الآيات إلا أن الأعمال تكتبها الملائكة في كتاب كل إنسان، من خير أو شر، ولا يترك شيء دون كتابة، مهما بلغ من الصغر، والإنسان يحاسب على ما كتب له في سجل أعماله 00 هذا الفهم الذي لا يتصور غيره0
ثم دار الزمان000 وإذا بالإنسان يستطيع أن يرسل صوته إلى أماكن بعيدة لا يقع عليها بصره، ثم استطاع أن يسجل صوته، ويحفظه، ويعيد سماعه 00 وبعد قدرته على التصوير، وإثبات صورته على ألواح، وأوراق، استطاع أن يحفظ صورًا متتابعة له، ويعرضها بسرعة وكأنها تتحرك، 00 ثم بعد ذلك استطاع دمج الصوت مع الصورة، فتراه متحركًا وتسمع صوته 00 ثم بعد ذلك استطاع فعل ذلك مع حفظ جميع الألوان في المكان، فترى المكان والإنسان والأشياء وتسمع ما جرى من أصوات فيها، وكأنك تنظر بعينيك إلى حقيقة وواقع وليس إلى صورة 00 وكل ذلك يحفظ ويعرض في حياة أصحابه وبعد موتهم، فاليوم نرى أحداثًا حدثت في الحرب العالمية الأولى، والثانية، وكثير منا لم يعايش شيئًا منها 00بل هناك أقدم من ذلك مشاهد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر0
فما نراه ونشاهده نسميه فِلْمًا، أو لقطة مصورة، وهو في الحقيقة استنساخ لعمل بعض الناس، أو الجماعات، في مكان ما، وزمان ما، وما نراه هو نسخة من تلك الأعمال، ومن هذه النسخة نستطيع أن نستنسخ عددًا غير محدود من النسخ 00 وبهذا الفعل أصبحنا نرى نسخًا لأفعال أموات قد هلكوا منذ زمن ما أحدثوه في حياتهم0
بعد هذا الذي حدث استطعنا أن نفهم قوله تعالى: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية، فإذا كان البشر استطاعوا أن يستنسخوا أعمالهم فكيف بالذي خلقهم؟! وهو الذي أذن لهم بفتح باب هذه العلوم ليعرفوا بها قدرة الله، وأن الله عز وجل لم يكن جاهلاً بما سيفعله البشر ويتوصلون إليه، عندما أنزل القرآن الكريم ومن قبل أن ينـزله، وقبل خلقهم0
فيوم القيامة يعجب الناس، وخاصة من لم يشاهد ما شاهدناه، أن عمله كله قد عمل له نسخة طبق الأصل، تعرض عليه من يوم مولده إلى يوم وفاته، لا يخفى ولا يغيب ولا يبتر منه شيء 00 بل ويرى أكثر من ذلك، صورة ما يدور في قلبه وعقله، مما لم يطلع عليه البشر من حوله، فيكشف عن نواياهم، وخبايا أنفسهم، فعند عجبهم من ذلك يقول الله لهم: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية0
وقد أشار تعالى إلى نفس الشيء بقوله: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف، كيف يكون عمله حاضرًا وهو قد أصبح ماضيًا؟! لم يكن هناك تفسير لذلك إلا بكتابة الأعمال في سجلات الأعمال 00 ولم يخطر ببالهم أن يكون عملهم أحضر بهذا الاستنساخ الذي كان للأعمال، ولم يسقط منه شيء، وأنه يرى نفسه وهي تعمل العمل0، وكل أعضائه حاضرة شاهدة في هذا الاستنساخ0
وصدق الله تعالى الذي أخبر، وخبره لا يكون إلا صدقًا؛ القائل في كتابه: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة0
والكتاب إنما سمي بالكتاب ليس لنوع ما يكتب عليه، ولا لنوع الأداة التي يكتب بها، ولا لنوع المادة المستعملة في الكتابة، إنما سمي بذلك لأنه مرجع يرجع إليه، يمنع الاختلاف عندما تختلف الأهواء، وتضعف الذكريات، فيخرج ليكون الحكم الحاسم الذي لا ترد شهادته، فكل ما يقوم بذلك فهو كتاب، سواء أكان مكتوبًا على ورق، أم مصورًا في فلم، أم مسجلاً على شريط أم محفوظًا على اسطوانة0
قال الله تعالى: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا(13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء0
النسخ هو حفظ ما يذهب بعمل شيء يماثله ليحل محله ويقوم مقامه في غيابه.
عندما يكون لديك شيء غير دائم ويهمك بقاؤه عندك؛ تعمل له نسخة مماثلة له.
أما كان لا يعنيك بقاؤه ولا تريد الرجوع إليه ... فلا تجعل له صورة منسوخة عنه.
وكان التعامل مع الكتب السابقة التي أنزلت على أهل الكتاب بأن جرى تقسيمها إلى ثلاثة أقسام؛
- قسم عفا الله تعالى عنه، ولا حاجة بقيت فيه للرجوع إليه.
- وقسم باطل أضيف إلى الكتاب ويحرم اعتقاده أو الأخذ والعمل به.
- وقسم بقيت فائدة ومنفعة من إعادة ذكره؛ فأعيد ذكره في القرآن الكريم بكلام الله تعالى المعجز، وليس بكلام البشر.
وهذا القسم الأخير هو المقصود في قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) البقرة. الآيات التي تم نسخها كان بإعادة ذكرها بكلام الله في القرآن؛ من قصص الأنبياء وغير ذلك. وقسم تركت ونسيت ولم يعد العمل بها واجبًا.
وجاءت هذه الآية بعد قوله تعالى : (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) البقرة.
فأهل الكتاب لا يريدون أن ينزل شيء جديد على المسلمين، وأن يظلوا هم المختصين بفضل الكتاب فقط.
والنسخ يغنى عن الرجوع إلى كتبهم، فهو بكلام الله المعجز الذي لا يشابهه كلام خير منه، ولا أعذب منه تلاوة، وسماعًا.
وقال تعالى في نفس الشأن: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة.
فما أعاد الله تعالى نسخة؛ شيء مما أظهروه من الكتاب الذي أنزل عليهم، وشيء مما كانوا يحفوه عن الناس، فكشفه الله تعالى بهذا النسخ ، ولم يعد في كتبهم شيء يستحق الرجوع إليه. حتى لا يقع من لا يحسن النظر في الأمور ويميز الحق فيها من الباطل.
فأردت بيان هذه الآية الدالة على نسخ ما عند أهل الكتاب وليس نسخ بعض القرآن ببعضه.
فالنسخ فيه إحلال شيء مكان شيء يغيب بالزوال كالأفعال
أو بالبعد؛ كإرجاع الكتب إلى أصحابها بعد نسخها،
أو بالإحلال مكانه، كما ينسخ الضوء(الضح) الظل.
واستنساخ الأعمال بفعل الملائكة التي هي عن اليمين وعن الشمال قعيد لكل العباد، لا تفارقهم، ولا تنشغل عنهم.
فتحضر يوم القيامة هذا الأعمال، وتعرض بالصوت والصورة، ويعرض فيها الظاهر والباطن لتشهد عليهم،
ولا تكذبها أعضاؤهم، ولا هم يستطيعون إنكارها ... ولن ينكر أحد بعد ذلك شيء مما يعاقب عليه.
والله تعالى أعلم بذلك، وما فوق ذلك؛ مما لا نقدر على إداركه، أو لم نتوصل بعد إلى معرفته.
من أسرار يوم القيامة 000استنساخ الأعمال وحضورها
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد بين الله تعالى لنبيه أن بيان ما في القرآن هو على الله عز وجل بعد ذلك، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة، وثم تفيد الترتيب مع التراخي، وبيان القرآن ممتد إلى يوم القيامة0
وقد جاء في القرآن ذكر استنساخ الأعمال؛ (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية0
وذكر حضور الأعمال؛ (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف0
لم يكن يفهم من هذه الآيات إلا أن الأعمال تكتبها الملائكة في كتاب كل إنسان، من خير أو شر، ولا يترك شيء دون كتابة، مهما بلغ من الصغر، والإنسان يحاسب على ما كتب له في سجل أعماله 00 هذا الفهم الذي لا يتصور غيره0
ثم دار الزمان000 وإذا بالإنسان يستطيع أن يرسل صوته إلى أماكن بعيدة لا يقع عليها بصره، ثم استطاع أن يسجل صوته، ويحفظه، ويعيد سماعه 00 وبعد قدرته على التصوير، وإثبات صورته على ألواح، وأوراق، استطاع أن يحفظ صورًا متتابعة له، ويعرضها بسرعة وكأنها تتحرك، 00 ثم بعد ذلك استطاع دمج الصوت مع الصورة، فتراه متحركًا وتسمع صوته 00 ثم بعد ذلك استطاع فعل ذلك مع حفظ جميع الألوان في المكان، فترى المكان والإنسان والأشياء وتسمع ما جرى من أصوات فيها، وكأنك تنظر بعينيك إلى حقيقة وواقع وليس إلى صورة 00 وكل ذلك يحفظ ويعرض في حياة أصحابه وبعد موتهم، فاليوم نرى أحداثًا حدثت في الحرب العالمية الأولى، والثانية، وكثير منا لم يعايش شيئًا منها 00بل هناك أقدم من ذلك مشاهد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر0
فما نراه ونشاهده نسميه فِلْمًا، أو لقطة مصورة، وهو في الحقيقة استنساخ لعمل بعض الناس، أو الجماعات، في مكان ما، وزمان ما، وما نراه هو نسخة من تلك الأعمال، ومن هذه النسخة نستطيع أن نستنسخ عددًا غير محدود من النسخ 00 وبهذا الفعل أصبحنا نرى نسخًا لأفعال أموات قد هلكوا منذ زمن ما أحدثوه في حياتهم0
بعد هذا الذي حدث استطعنا أن نفهم قوله تعالى: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية، فإذا كان البشر استطاعوا أن يستنسخوا أعمالهم فكيف بالذي خلقهم؟! وهو الذي أذن لهم بفتح باب هذه العلوم ليعرفوا بها قدرة الله، وأن الله عز وجل لم يكن جاهلاً بما سيفعله البشر ويتوصلون إليه، عندما أنزل القرآن الكريم ومن قبل أن ينـزله، وقبل خلقهم0
فيوم القيامة يعجب الناس، وخاصة من لم يشاهد ما شاهدناه، أن عمله كله قد عمل له نسخة طبق الأصل، تعرض عليه من يوم مولده إلى يوم وفاته، لا يخفى ولا يغيب ولا يبتر منه شيء 00 بل ويرى أكثر من ذلك، صورة ما يدور في قلبه وعقله، مما لم يطلع عليه البشر من حوله، فيكشف عن نواياهم، وخبايا أنفسهم، فعند عجبهم من ذلك يقول الله لهم: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية0
وقد أشار تعالى إلى نفس الشيء بقوله: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) الكهف، كيف يكون عمله حاضرًا وهو قد أصبح ماضيًا؟! لم يكن هناك تفسير لذلك إلا بكتابة الأعمال في سجلات الأعمال 00 ولم يخطر ببالهم أن يكون عملهم أحضر بهذا الاستنساخ الذي كان للأعمال، ولم يسقط منه شيء، وأنه يرى نفسه وهي تعمل العمل0، وكل أعضائه حاضرة شاهدة في هذا الاستنساخ0
وصدق الله تعالى الذي أخبر، وخبره لا يكون إلا صدقًا؛ القائل في كتابه: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة0
والكتاب إنما سمي بالكتاب ليس لنوع ما يكتب عليه، ولا لنوع الأداة التي يكتب بها، ولا لنوع المادة المستعملة في الكتابة، إنما سمي بذلك لأنه مرجع يرجع إليه، يمنع الاختلاف عندما تختلف الأهواء، وتضعف الذكريات، فيخرج ليكون الحكم الحاسم الذي لا ترد شهادته، فكل ما يقوم بذلك فهو كتاب، سواء أكان مكتوبًا على ورق، أم مصورًا في فلم، أم مسجلاً على شريط أم محفوظًا على اسطوانة0
قال الله تعالى: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا(13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء0
النسخ هو حفظ ما يذهب بعمل شيء يماثله ليحل محله ويقوم مقامه في غيابه.
عندما يكون لديك شيء غير دائم ويهمك بقاؤه عندك؛ تعمل له نسخة مماثلة له.
أما كان لا يعنيك بقاؤه ولا تريد الرجوع إليه ... فلا تجعل له صورة منسوخة عنه.
وكان التعامل مع الكتب السابقة التي أنزلت على أهل الكتاب بأن جرى تقسيمها إلى ثلاثة أقسام؛
- قسم عفا الله تعالى عنه، ولا حاجة بقيت فيه للرجوع إليه.
- وقسم باطل أضيف إلى الكتاب ويحرم اعتقاده أو الأخذ والعمل به.
- وقسم بقيت فائدة ومنفعة من إعادة ذكره؛ فأعيد ذكره في القرآن الكريم بكلام الله تعالى المعجز، وليس بكلام البشر.
وهذا القسم الأخير هو المقصود في قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) البقرة. الآيات التي تم نسخها كان بإعادة ذكرها بكلام الله في القرآن؛ من قصص الأنبياء وغير ذلك. وقسم تركت ونسيت ولم يعد العمل بها واجبًا.
وجاءت هذه الآية بعد قوله تعالى : (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) البقرة.
فأهل الكتاب لا يريدون أن ينزل شيء جديد على المسلمين، وأن يظلوا هم المختصين بفضل الكتاب فقط.
والنسخ يغنى عن الرجوع إلى كتبهم، فهو بكلام الله المعجز الذي لا يشابهه كلام خير منه، ولا أعذب منه تلاوة، وسماعًا.
وقال تعالى في نفس الشأن: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة.
فما أعاد الله تعالى نسخة؛ شيء مما أظهروه من الكتاب الذي أنزل عليهم، وشيء مما كانوا يحفوه عن الناس، فكشفه الله تعالى بهذا النسخ ، ولم يعد في كتبهم شيء يستحق الرجوع إليه. حتى لا يقع من لا يحسن النظر في الأمور ويميز الحق فيها من الباطل.
فأردت بيان هذه الآية الدالة على نسخ ما عند أهل الكتاب وليس نسخ بعض القرآن ببعضه.
فالنسخ فيه إحلال شيء مكان شيء يغيب بالزوال كالأفعال
أو بالبعد؛ كإرجاع الكتب إلى أصحابها بعد نسخها،
أو بالإحلال مكانه، كما ينسخ الضوء(الضح) الظل.
واستنساخ الأعمال بفعل الملائكة التي هي عن اليمين وعن الشمال قعيد لكل العباد، لا تفارقهم، ولا تنشغل عنهم.
فتحضر يوم القيامة هذا الأعمال، وتعرض بالصوت والصورة، ويعرض فيها الظاهر والباطن لتشهد عليهم،
ولا تكذبها أعضاؤهم، ولا هم يستطيعون إنكارها ... ولن ينكر أحد بعد ذلك شيء مما يعاقب عليه.
والله تعالى أعلم بذلك، وما فوق ذلك؛ مما لا نقدر على إداركه، أو لم نتوصل بعد إلى معرفته.