تصنيع الفضيحة و الإثارة الصحفية
الدكتور عادل عامر
مسكين من انفضحت خطيئته في محيط منافق يسن سكاكين الشماتة والتشهير بمن ينكشف أمره. وهؤلاء الذين يفرحون بفضيحة من حولهم تناسوا أنهم ليسوا ملائكة ولا أنبياء، ولو صارحوا أنفسهم قليلاً لاستحضروا “لحظات سوداء” في مرحلة ما من حياتهم. وهنا نفرق بين “الخطيئة” التي فقط الأنبياء وحدهم معصومون منها، وبين “الجريمة” التي هي في الأصل “شذوذ” عن قيم وأخلاقيات الإنسانية.
من منا بلا خطيئة فليرفع يده كي ننزله منزلة الأنبياء والصالحين. هل رفع أحدكم يده؟في حياة الإنسان غالباً لحظات ضعف وتهور وسوء تقدير. يكاد يكون مستحيلاً أن يحيا المرء من دون خطيئة.
من منا نقي من خطايا عابرة، صغيرة أو كبيرة؟ ولكن ما الذي يدفع بالبعض للفرح بـ”غلطة” إنسان وبذل الجهد في الترويج لها، وما يصاحبها من إشاعات تزيد من مأساة صاحبها، ومن حوله، داخل أسرته ومجتمعه الصغير؟ أي قيم وأخلاق ومبادئ نتحدث عنها، وفينا من ينتشي فرحاً بالفضيحة ويبذل قصارى الجهد للترويج لها، وإضافة الكثير من “البهارات” عليها وحولها؟ وأي ثقافة تصنع من “الفضيحة” حديث الناس وفرصة للشماتة والتندر والسقوط من عين المجتمع، الذي تنخر في جسده -أصلاً- كل أشكال النفاق والخداع؟نحن فعلاً نعيش “عصر الفضيحة” خاصة وقد أتاحت التقنية الحديثة للبعض صناعة “الفضيحة” أو تزويرها والترويج لها. وإنك إن رأيت مجتمعاً يحتفي بالفضيحة ويجعلها خبز يومه، فإنك أمام مجتمع “مسكين”، يغض الطرف عن قضاياه الحقيقية، في التنمية والتعليم والإدارة، ليتفرغ لأخبار “الفضيحة” ضارباً عرض الحائط كل خطابات “الفضيلة” التي شبّ وشاب عليها التي منها “من ستر على مسلم ستر الله عليه”!
أن الصحافة المصرية سقطت فى الامتحان أمام الصحافة العربية التى قامت على أكتاف المصريين فيما تم الكشف عن وجود محاولات مستمرة لخنق ووأد كافة التجارب الصحفية الناجحة فى إصدار صحف شابة جديدة لصالح بعض الصحف القومية معاناة شباب الصحفيين فى مصر والذين تحولوا إلى مجرد عبيد فى سوق الكبار مطالبين بضرورة دراسة كافة المشاكل مثل هموم الزملاء المراسلين فى المحافظات والذين يقوم عليهم توزيع أي جريدة من خلال محاولة فرصة وعثوره عليها واصطدامه ببعض سماسرة الصحافة فى هذا الوطن الذى نعيش فيه ويعيش فينا
فى هذا الوطن الاقتصاد فى أيدي مجموعة من رجل الأعمال المتهمون بأشياء كثيرة ويسيطرون على كل شيء .. وأزمة الوطن تنعكس على أزمة الثقافة .. تنعكس على أزمة السياسة ويصبح الوطن هنا { مغشوش } وبالتالي تصبح الصحافة أيضا مغشوشة.. ولاتعد هي الصحافة التى كنا نقرأ عنها أوائل القرن أو منتصف القرن ولا صحافة مصطفى أمين والجيل القديم .. وتصبح فى النهاية صحافة مغشوشة لوطن مغشوش . ونكتشف من خلال هذه الأزمة أن هناك أزمة فى التشريعات عموما فى المجتمع المصري .. التشريعات السياسية والاجتماعية وتأتى التشريعات الصحفية من بينها فمن كثرة التشريعات التى تجرم العمل الصحفي وتجعل الصحفي يتحسس رأسه هناك أكثر من 13 قانون ومادة وكلها تجرم العمل الصحفي وتجعل الصحفي لايرى ولا يسمع ولا يتكلم .
وأزمة التشريع فى العمل الصحفي فى منتهى الخطورة والنتيجة تفشى نموذج كتابة الاستقالة قبل التعيين بحيث يطيح بهم وقتما يشاء
والأزمة الثانية من وجهة نظري هي أزمة جيل أو أجيال من الصحفيين لم تتعلم ومثلما ندين الأجيال القديمة فنحن ندين الجيل الجديد فى الصحافة.. والجيل الجديد جزء من مشكلته أنه لم يتعلم العمل الصحفي فالعمل الصحفي ليس هواية فحسب أو موهبة فقط.. أو تقنية فحسب .. هذا الجيل لم يتعلم العمل الصحفي جيدا .. وهو ظلم ودفع دفعا إلى أن يتعلم فقط البحث عن الرزق حيث يعمل الصحفيين فى أكثر من جريدة بحثا عن الرزق إن أزمة هذا الجيل الجديد فى الصحافة
. أيضا لابد من موقف واضح من أجل إرساء مبادئ مهمة فى الصحافة المصرية أهمها أدب الحوار وصياغة الخبر الصحفي بصدق خاصة وأننا أصبحنا نقرأ صحف تبحث وتصنع الفضيحة والإثارة مهما كان الخبر أيضا هناك مشكلة فى منتهى الخطورة تواجه الصحافة والصحفيين الشباب أن بعضهم يحاول الوصول بسرعة دون مجهود من خلال البحث عن الإثارة الصحفية الرخيصة فى الحوادث البسيطة وحرام أن يقوم نجاح الصحفي الشاب على هذا النوع من الصحافة الذى بدأ يتفشى مؤخرا حتى أن القارئ بدأ يشعر أن الفاحشة بدأت تجتاح حياتنا ولابد أن يدرك هؤلاء الصحفيين أن شعبنا مثلما يزخر بمثل هذه الحوادث موضع الإثارة يزخر أيضا بعشرات النماذج الجيدة .. فأين الصحفيين من النماذج الطيبة ؟ من الفلاح الصادق ؟ من العامل المكابد ؟ من الطالب المجتهد ؟ من العلماء البارزين ؟ هذه البيئة التى نشأ فيها الصحفي والتي تمثل 99.5 % من قطاعات المجتمع المصري الحقيقة لا تتأتّى بالكذب والتزوير وفبركة الصور وتحريف الألسنة، لأنَّ مثل تلك الوسائل لن ترسم للمخربين والمتآمرين والمنافقين نموذجاً وطنياً عنوانه الحرية والنزاهة، كما لن تكرّس سوى ديمقراطية مزيّفة تنادي بها فضائيات أُجهدت لجرّ الوضع في مصر نحو الفوضى على الأصعدة كافة.. لقد سقطت بعض الفضائيات من عروش المهنيّة والمصداقية إلى حضيض الكذب والتزييف.
وفي الحقيقة، لا نعرف كيف ستكون مشاعرهم، وهم يرون الصور المزوّرة والفيديوهات الملفّقة هذه تتكشّف حقيقتها على الملأ، ولا نريد أن نعرف.. لا ننتظر منهم أن يعتذروا عن أكثر من خطيئة في حقّ المهنية والمصداقية، بعد افتضاح عملية تزوير الصور هذه. فربما يقول قائل من أولي أمر إحدى الفضائيات: «هذه الأخطاء دافعها حسن النية». وهو، إذ يعني بذلك مناصرة الشارع المصري في حربه على نظام، لم يقبل قط التطبيع مع إسرائيل، ولن يتخلّى أبداً عن المقاومة..
فهذه الفضيحة الإعلامية، كما يحلو لنا تسميتها، ليست شأناً داخلياً حتى نتجنّب الخوض فيها. فالأضرار الخطرة المترتّبة عليها لا تمسّ الوضع في مصر وحسب فتشوهه، ولكنها تخلق واقعاً للثورات العربية مشكوكاً في مصداقيته ومطالبه ووسائله، وتعيدنا إلى المربع الأول مجدداً، وتضعنا جميعاً، أو معظمنا على الأقل، في موضع الاتهام بوطنيتنا ولحمتنا، كأفراد شعب مع عناصر الأمن، والانشغال بالدفاع عن النفس بدل الدفاع عن الوطن.
--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية
وعضو النقابة العامة للعاملين بالصحافة الالكترونية
وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية
ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية
ورئيس لجنتي الشئون القانونية والحريات بنقابة العاملين بالصحافة الالكترونية
محمول
01224121902
الدكتور عادل عامر