هل أنت جزء من المشكلة أم الحل ؟
د. محمود نديم نحاس
اصطدمت سيارتان، فاجتمع الناس من كل حدب وصوب، وتوقفت السيارات، وازدحم المكان. فانقسم الناس عشوائياً إلى ثلاث مجموعات : الأغلبية صامتة دفعها الفضول لتتفرج، وربما أيضاً فضل الوقت الذي لا تعرف كيف تستفيد منه. والفريق الثاني فريق التنظير، الذين بدأوا بسب السائقَين على تهورهما وعدم التزامهما بقواعد المرور، وراح بعضهم يشتم إدارة المرور لعدم وضعها الإشارات الضوئية ليعرف كل سائق حقه، وأخذ بعضهم يقرر الحق مع مَن وعلى مَن، واختلفوا وارتفعت أصواتهم.
أما الفريق الثالث فراح يعمل في صمت. اتصل بعضهم ليخبر شرطة المرور، وبعضهم استدعى الإسعاف، وآخرون راحوا يحاولون فتح أبواب السيارتين لإخراج الركاب، وسخّر بعضهم سيارته لنقل بعض المصابين إلى أقرب مستوصف.
وعندما وصلت شرطة المرور، أخذ فريق المنظّرين يفتي بغير علم، ويحاول كل فرد أن يصل إلى ضابط الشرطة ليخبره برأيه في الحادث. وجاءت سيارة الإسعاف فلم تستطع الوصول إلى السيارتين إلا بشق الأنفس.
لقد كان بعض الناس جزءاً من المشكلة في حين كان آخرون جزءاً من الحل. وهكذا تجري الأمور في كل مناحي الحياة. تقع في مصيبة فيأتيك المتفلسفون ليس لهم همّ إلا أن يفرغوا ما عندهم من كلمات التقريع في أذنك، إضافة إلى قائمة طويلة من النصائح التي ربما تعرفها قبل أن يولدوا. وفي المقابل يأتيك من يضع نفسه تحت تصرفك، طالباً منك أن تأمره لينفذ لك ما تريد، وبعضهم يقوم بعمل ما يراه مناسباً حتى قبل أن تطلب منه.
وقد حدثني قريب لي أنه عندما توفي والده، جاءه من أقاربه مَن راح يسأله كيف حصلت الوفاة، وكيف لم يتصرف بسرعة فيأخذه إلى الطوارئ، وكأنهم أشد حرصاً على أبيه منه، ثم راحوا يقترحون عليه أن يدفنه في مقبرة كذا، وأن يفعل كذا وكذا. وفي مقابل هذا يقول: ما إن سمع احد زملاء العمل بالخبر حتى ترك العمل وجاءني يسعى، ولما رآني متأثراً أخذ يواسيني، ثم أخرج من جيبه رزمة من المال ودفعها إلي قائلاً: لعلك لا تملك مبلغاً كافياً لتغطية بعض المصاريف. وأقسمَ عليّ ألا أردها إليه إلا بعد أن يصبح لدي فائض، ثم أقسم بأنه لا يعرف كم المبلغ وأن علي أن أعدّه بنفسي!
من أراد النجاح فعليه أن يكون ماهراً بطرق امتصاص سخط الناس فيحوِّل انتقاداتهم السلبية إلى مساهمات إيجابية. والشركات الناجحة تحاول أن تجعل زبائنها جزءاً من الحل بدلاً من أن يكونوا جزءاً من المشكلة. فبعض السيارات يتم تعديل تصميمها من خلال استبانات رأي تعملها الشركات المصنّعة، لتعلم عن طريقها المزايا التي يود مستخدمو السيارات أن يروها في سياراتهم وتلك التي لا يريدونها.
وتفعل ذلك أيضاً شركات برمجيات الحاسوب، فتطلب من الناس موافاتها بما يريدون أن يروه في برامجها. وبالمناسبة فإن كثيراً من المزايا التي يطلبها المستخدِمون تكون متوفرة في الإصدارات الحالية من البرامج لكن الناس يجهلون ذلك نظراً لضخامة البرامج وكثرة مزاياها.
ومَن يستخدم الحاسوب يعرف العبارة التي تظهر أمامه عند حدوث خطأ في البرنامج وتسأله إن كان يريد أن يرسل رسالة إلى الشركة. وإذا كان أكثرنا لا يكترث بهذه الرسالة فقد سمعت من شخص كان يعمل في أمريكا أن شركته يأتيها عشرات الآلاف من هذه الرسائل التي تساعدها على اكتشاف أسباب الأخطاء. وهذا العدد ليس بكثير على برامج يبلغ عدد مستخدميها مئات الملايين.
وفي عالم الطيران استطاعت شركة بوينغ أن تحصل على رضا زبائنها المحتملين فأشركت معها في مرحلة تصميم الطائرة 777 مهندسين من شركات خطوط الطيران التي كان متوقعاً أن تشتري الطائرة، فصارت الطائرة وكأنها مصممة حسب طلبهم.