خمسة أيام من المفاوضات حسمت شكل النظام السياسي في مصر
أشارت عدّة مصادر إخبارية إلى الاجتماعات المتتالية التي
عقدها المجلس العسكري المصري مع قيادات جماعة الإخوان
المسلمين قبل إعلان النتيجة الرسمية للانتخابات الرئاسية التي
فاز فيها محمد مرسي
ومن تتبّع تلك المصادر وما جاء فيها عن تلك الاجتماعات يترجّح
أنها تناولت شكل النظام السياسي الجديد في مصر، والصلاحيات
الممنوحة للرئيس، وكذلك صلاحيات المجلس العسكري،
كما تطرقت إلى مستقبل عائلة الرئيس المصري السابق محمد حسني
مبارك والاتفاقيات الدولية التي عقدها النظام المصري وعلى
رأسها اتفاقية كامب ديفيد.
وقد سبق هذه المفاوضات إفراغ المجلس العسكري لمجلس الشعب
من مضمونه كما سبقه وقف عمل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور
المصري.
وبالرجوع قليلاً إلى الوراء يلزم التأكيد على أن نظام مبارك لا يزال
قائماً .
وأنّ المجلس العسكري الذي عهد إليه مبارك بالأمر من بعده هو
ركنٌ أساسيّ من أركان نظام مبارك والذي تسلّم العمل السياسيّ
إضافة لمركزه العسكري في مصرأي أنه استلم بعد عزل شخص
مبارك كلّ مقاليد الأمور في مصر، صغيرها وكبيرها
ووضع في يده مفاتيح المرحلة السياسية القادمة يتحكّم بها
كما يشاء!!
ويضع التفصيل السياسيّ والعسكري المستقبلي لمصر وفق
منظوره، أو بالأحرى: وفق المنظور السياسيّ لنظام مبارك بعد
خلع شخص مبارك لضمان بقاء النظام على حاله، بل وبمتانة أكبر
وضبط أعمق وتحكّم أعظم مما كان!!
فعمل المجلس العسكري على إصدار " الإعلان الدستوريّ المكمّل"
الذي كان من أهمّ أطره:
* احتفاظ المجلس العسكري بالولاية العسكرية الكاملة، وهذا يعني
أنه لن تكون في مصر سلطة كائناً ما كانت تستطيع أن تتحكّم بالأمور
العسكرية، فالمجلس العسكري هو الآمر الناهي الأول والأخير في
هذا الجانب الحيوي والمفصلي، وبهذا يكون قد أخرج الأمر السيادي
المتعلق بالعسكر من يد رئيس الدولة ومنعه من أن يكون له قرار
أو ولاية عليه.
* ومن باب استكمال حلقات وضع القرارات السيادية بيد المجلس
العسكري أكد الإعلان الدستوري انه "إذا قام مانع يحول دون
استكمال الجمعية التأسيسية لعملها شكل المجلس الأعلى للقوات
المسلحة خلال اسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف
المجتمع لإعداد مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ
تشكيلها ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه في
شأنه خلال 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده
* ثمّ أنه أعطى لنفسه الحق بالتشريع، وهذا يعني أنه لن يكون
هناك قرار حكومي سياديّ واحد إلا ويمرّ من خلال المجلس
العسكري رفضاً أو قبولاَ، فالشراكة بالتشريع ما بين الرئيس
ومجلس الشعب والمجلس العسكري أعطت –بلا ريب –
الغلبة للمجلس العسكري أن يكون صاحب التشريع الأول فهو
صاحب القرار فيه وحتى وإن كانت مسألة التشريع سيتم نقلها فيما
بعد إلى مجلس الشعب، فإن نقلها سيكون بعد أن يضع المجلس
العسكري كلّ ضوابطه على المسألة من حيث القوانين
التي ستوضع ومن حيث تشكيل مجلس الشعب فيما بعد.
وما كانت لتخرج نتيجة الانتخابات الرئاسية للعلن إلا بعد الاتفاق
على جلّ ما تمّ ذكره أعلاه إن لم يكن كلّه أو يزيد مما خفي وبقي
طيّ الكتمان.
والتصريحات التي أطلّ الرئيس المنتخب بها على الناس وما تخللها
من رسائل التطمين للداخل والخارج جليّة لا تخفى على المهتمين
والسياسيين.
أما الكلام العام عن: احترام المعاهدات والاتفاقيات بين مصر
وغيرها يؤخذ منه نقطة واحدة هامة أو هي الأهمّ في الموضوع كله
وهي أنه لن يكون هناك مَساسٌ باتفاقية كامب ديفيد مع بني يهود.
وهذا المخاض العسير كان المولود الذي خرج إلى العلن بعده:
النظام المصري السابق بحلته الجديدة
ورئيس منزوع الصلاحيات السيادية
وترسيخ قويّ لأركان نظام مبارك.
خمسة أيام كانت كفيلة بتتويج كلّ تلك " الإنجازات " لرجال
مبارك وللأسف: بتوقيع جماعة الإخوان المسلمين ورضوخهم
مقابل منصبٍ سيُيثبتُ المستقبلُ بأنه منصب زورٍ قبلوا به لن
يستطيعوا من خلاله أمراً ولا نهياً إلا في بعض شؤون الناس وأحوالهم
المعيشية إلا أن تعلق ذاك الأمر المعيشيّ بسياسة دولة وبقرار سياديّ
فإن المجلس العسكري هو من سيكون صاحب القرار فيه.
الثورة المصرية فشلت
ونتيجتها عّلمنة مصر بثوب جديد
وحصادها مُرّ
وسيعلم الناسُ في الكنانة يوماً أن ثورتهم قد تمّ سلبها بوقاحة قائمة
على المصالح وأنهم إن لم يلوذوا بدين ربّهم وحده بإخلاص خالصٍ
فلا نجاة ولا فلاح إذ النجاة والفلاح للمسلمين فقط بدين ربّهم:
حاكماً ومشرّعاً وراعياً.
مُدوّنة طريق العزّة - سيف الدّين عابد
مُدوّنة فكرية سياسية تهتم بشؤون الأمة الإسلامية