يا لفرحتي بأول يوم في المدرسة، فلقد لبست الحذاء الجديد، وكذلك الجوارب، وبكلات الشعر، كل شيء كان جديدا، وبدأت قدمي تعترض على الحذاء الجديد بآلام، ولكنها حبيبة إلى نفسي. وأصبر نفسي أن الحذاء الجديد يستحق قليلا من التحمل وعلي بالجلد وعدم الدلع. إلا شيئا واحدا وهو الأهم لم يكن جديدا، وهذا ما ينغص علي فرحتي في أول يوم دراسي. وهو مريول المدرسة الذي هو كفستان العروس بالنسبة لهذا اليوم. فلقد ارتديت مريول الروضة، وهذه أكبر إهانة لي، فلقد كبرت ويجب أن أرتدي مريول المدرسة مثل بنات الجيران، ولكن والدي وعدني بأنهم سيوزعون ملابس المدرسة من أول يوم. وعلى الرغم من أنها مدرسة حكومية إلا أنهم صدقوا فقد وزعوا علينا الكتب والدفاتر والمراييل ومن أول يوم، وما أعظم فرحتي بالمريول كعروس ترتدي فستان زفافها، لا أدري كيف تحملت ساعات المدرسة وأنا أنتظر ساعة الانصراف، لم أنتبه للمعلمة ولا لشرح المعلمة ولا ماذا تقول، فكنت أختلس النظر إلى المريول وأمرر يدي عليه مثل أم ترى وليدها لأول مرة، ويبدو أن الأمر تكرر أكثر من مرة، فلم أشعر إلا بصرخة قوية من معلمتي تنهرني فقفزت فزعة من مقعدي، وأنا أرى المعلمة مقبلة نحوي، رأت المعلمة ما أصابني من فزع ويبدو أنها رأفت لحالي، وغيرت خطتها لعقابي إذ بدلا من معاقبتي فقد اكتفت بأن سحبت المريول وفتحت الدرج ورمت به بالمريول داخل الدرج، لكم حقدت علي هذه المدرسة بتصرفها هذا، ولكم بودي أن أثور في وجه هذه المعلمة التي سلبتني حق النظر إلى ……مريولي. وما أن انتهت حصتها، إلا و سارعت بفتح الدرج لأطمئن على رضيعي، هل هو حي يرزق؟ فمسحت على رأسه معتذرة عن تصرف معلمتي غير الأخلاقي، وحضنته ثم أرجعته إلى مكانه معززا مكرما، خوفا من إهانات المغرضين. بدأت أحلم، ، وبدأت فعاليات الحصة التالية، يا الله إنها مملة كسابقتها، والله الروضة كانت أحلى، ولكني أنا كبيرة مثل بنات الجيران، وهذا المريول يستحق أن أصبر على ثقل هذه الحصص. سامحها الله المعلمة، جعلت مهمتي صعبة، كيف أتفقد المريول، آه وجدتها، حين تدير المدرسة وجهها للسبورة أفتح الدرج الذي يفتح من أعلى وبذلك أبث أشواقي وتحياتي لهذا المريول،…….الحمد لله مرت المهمة بسلام…..وكذلك الثانية و……..آه لا أصدق لا أصدق، لقد قال لي بنات الجيران: إن المعلمات في الابتدائي يختلفن عن المعلمات في الروضة، فلهن أعين خفية خلف رؤوسهن بحيث يراقبن الطالبات أثناء كتابتهن على السبورة، لقد ظننتهن يسخرن مني، لم أظنه حقا. خاصة أنني كنت أدقق النظر في زوجة خالي المعلمة جيدا، ولقد ضبطتني أكثر من مرة أنظر خلف رأسها لأرى هذه العيون، لم أر شيئا ولكن في كل مرة كانت تضبطني، كيف؟ لا أدري. في المرة الثالثة وأنا في خضم غرامياتي لمريولي نسيت العالم من حولي، وتهت في رومانسيات مع مريولي وأنا أحلم أحلام يقظة أنني سأتشرف أخيرا بارتدائه. وسأنضم إلى بقية طالبات العالم،وسألبس مثل بنات الجيران. لم أستطع أن أقاوم رغبتي بأن أمسح على مريولي فوق كيسه، بل أطبع قبلة على يدي وأمررها على رأسه، فعذرا أيها العالم لقد أصبح حلمي حقيقة، ودون وعي مني هتفت: قليلا وستخرج، ولم أدر إلا والمعلمة قد انتصبت أمامي وقد سمعت ما نطقت به، ذعرت منها وأطبقت على غطاء الدرج و بقوة و…………نسيت أن يدي الأخرى ما زالت تربض فوق صدر المريول، فصرخت متألمة ولكني صادرت صرختي وبلعتها غصة أجبرتها على الرحيل وهي في مهدها. ارتابت المعلمة في أمري وتوجهت أنظار العالم قبلتي، وخيم سكون قاتم، وهدوء كالذي يسبق العواصف. ـ أخرجي ما في الدرج. صمت، فإن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، يبدو أن هذه السياسة لا تنطبق علي معلمتنا الفاضلة. ـ أخرجي ما في الدرج. فالتزمت الصمت، استشاطت غضبا. - ـ آخر مرة أقولها، أخرجي ما في الدرج. هذا هو النداء الأخير، ثم ماذا؟ هل ستقلع الطائرة، وما هي إلا ثوان، وإذا بمدرستي تقلع من على الأرض وتطير كصقر جائع رأى ضحية وحطت فوق درجي.... - إذا سأفتحه أنا. يجب أن أكون شجاعة، فكرت بعقلي الصغير بسرعة، ماذا أفعل فتدبرت أمري،ورسمت المعادلات والمسببات والنتائج، وعقدت المقارنات، فإذا كانت المعلمة الأولى، قد صادرت مريولي ونفته إلى الدرج، فحتما هذه المعلمة الشديدة ستنفيه إلى صندوق الزبالة، وهذا يعني أنها ستحرمني من ارتداء مريول المدرسة كبنات الجيران، ويستمرون بالضحك علي: يا طفلة، يا صغيرة، طوال عمري. لا، وألف لا، لن أسمح بحدوث مثل هذا ولن أسمح بمصادرة حلمي. وفي المرة القادمة سوف أحكي لكم بقية الحكاية.
د بشرى عبدالله اللهو ...
د بشرى عبدالله اللهو ...