المحقق تيمور
كان ذلك خلال اعتقالي مساء الثلاثاء 2013/9/17 في مقر شرطة القدس المعروف باسم "المسكوبية"، حيث جلس خلف طاولة التحقيق ضابط بلباس مدني عرّف نفسه باسم "تيمور". ولقد كان واضحًا منذ اللحظة الأولى وقد وجه لي تهمة (التخطيط والإعداد لإثارة أعمال عنف في المسجد الأقصى يوم النفير 2013/9/4) ومن خلال قائمة الأسئلة التي وضعت بين يديه، بدا واضحًا النية في إعداد ملف ينضح بالكذب والافتراء ليكون مبررًا لقرار إبعادي عن القدس والمسجد الأقصى المبارك.
لست في معرض الخوض في تفاصيل الأسئلة والتحقيق التي كانت كلها تدور حول نفس الموضوع والهدف، وإنما أود التأكيد على أنه، وبعد أن أنهى أسئلته قال لي المحقق تيمور: هل من شيء تريد ان تقوله؟ فقلت له: نعم! ولتكتب ما أقوله حرفًا حرفًا: (إنني أؤكد أن المسجد الأقصى المبارك كله حقٌ خالصٌ لنا نحن المسلمين وليس لليهود حقٌ ولو في ذرة تراب واحدة فيه، أكتب هذا وضع تحته مئة خط). كتب ونظر إلي بابتسامة صفراء قائلًا: لا مجال لوضع مئة خط. فقلت له: اكتب أن المتهم قال لي: أكتب تحت هذه العبارة مئة خط!!!.
وجاء دور ابتسامتي الصفراء لأقول للمحقق تيمور: هل تعرف من هو تيمور الذي أنت سُميت باسمه؟ فقال: هو رجلٌ من التاريخ لا أعرف من يكون. ثم استدرك قائلًا: طبعًا هذا ليس للبروتوكول!! فقلت له إن تيمور الذي سُميت باسمه هو تيمور لنك إمبراطور المغول الذي عندما سمعت اسمك تذكرتُ قصة له ؛هل تحب أن أقصها عليك؟! فقال: نعم! ثم أسند ظهره إلى كرسيه وأنصت مستمعًا. فقلت له: كان تيمور لنك إمبراطور المغول أعرج، وكانت بين المغول وبين الترك عداوة وحروب استمرت سنين وعقودا. وفي إحدى المعارك انتصر المغول بقيادة تيمور لنك الأعرج على الترك بقيادة السلطان "بايزيد". ووقع بايزيد أسيرًا بيد المغول وأحضروه مقيدًا إلى مقر الإمبراطور الأعرج تيمور لنك. فما أن دخل بايزيد - كان أعور- على تيمور لنك، استولت على تيمور لنك نوبة ضحك هستيرية، أغضبت السلطان الأسير بايزيد الأعور، فوبخه على إهانته وهذا الضحك الهستيري ظانًا أنها الشماتة. فقال تيمور لنك: إني لا أهزأ بشقائك وليست هي الشماتة، وأنا أعلم أنك ملك قومك وسلطانهم، ومن عادة الملوك ألا يشمتوا ببعضهم، ولكني لم أتمالك نفسي من الضحك عندما فكرت كيف يصرف الله أقدار البشر والأمم، فيسلـّم زمام الممالك إلى أعرج مثلي وأعور مثلك!!! ومع علمي ويقيني أن المحقق تيمور لم يفهم قصدي ورسالتي ومغزى قصتي هذه عن تيمور لنك فإنني قلت له شارحًا وموضحًا عن سيطرة هذا الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك والوقوف على أبوابه ومنعنا نحن المسلمين من الدخول إليه والسماح لليهود باقتحامه والصلاة فيه وهم الغرباء الذين لا يربطهم بهذا المكان رابط.
ومثلما أن تيمور لنك الأعرج ضحك وهو يتفكر في أقدار الله التي أخضعت الأرض لأعرج هو تيمور لنك وأعور هو بايزيد، فإنني كذلك أضحك وأعلم وأنا على يقين أن لله سبحانه حكمة وإرادة في كل ما يحصل، وأن له سبحانه حكمة في أن تنتصر إسرائيل خلال ستة أيام في حزيران 1967 على جيوش الدول العربية وتحتل سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس والأقصى، وإلا فكيف سيتحقق وعد الله سبحانه وقضاؤه على بني إسرائيل بالإفساد مرتين بعد الحديث عن المسجد الأقصى المبارك مطلع سورة "الإسراء"؟ وكيف سيتحقق وعد الله سبحانه بعودة الدخول إلى المسجد الأقصى وتحريره كما كان الدخول إليه أول مرة: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوًا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها، فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا).
بربكم أيها الناس ألا يستوجب الدهشة والضحك الهستيري كضحك تيمور لنك الأعرج لما رأى بايزيد الأعور ونحن نرى ونسمع ليبرمان مولود بيلاروسيا وفلان مولود فرنسا وعلان مولود أثيوبيا وقد أصبحوا أعضاء في الكنيست ويتحدثون عن حقهم في المسجد الأقصى نافين متنكرين لحقنا نحن المسلمين فيه؟! ولكنها حكمة الله وإرادته.
في نهاية جلسة التحقيق دخل الضابط المسؤول عن الضابط تيمور، وكان يهوديًا، وراح يقرأ أوراق التحقيق وإجاباتي، فلما وصل إلى جوابي أن المسجد الأقصى ملك وحق خالص للمسلمين نظر إلي قائلًا بالعربية: (يعني فش إلنا خك (يعني حق) بالحغم (يعني بالحرم)؟ فقلت له: نعم! لا حق لكم فيه. وكان عرضه علي بالإبعاد وبموافقتي وتوقيعي عن الأقصى والقدس مدة خمسة عشر يومًا مقابل إطلاق سراحي فورًا، فكان الرفض مني. فقال: إذن تبيت الليلة في الاعتقال لتعرض أمام المحكمة. وكان الغد وكانت المحكمة الظالمة وكان قرار الإبعاد إلى نهاية الأعياد اليهودية وإيداع خمسة آلاف شيكل في حساب المحكمة لضمان عدم إخلالي بقرار الإبعاد. فالحمد لله على نعمة الإسلام. والحمد لله على نعمة الانتماء للحركة الإسلامية. والحمد لله على نعمة الرباط في أكناف بيت المقدس.
المسجد الأقصى؛ الرقم الصعب:
غدًا السبت 2013/9/28 هو اليوم الذي فيه اقتحم شارون زعيم حزب الليكود المعارض يومها باحات المسجد الأقصى وتدنيسه هو وحاشيته. وكان ذلك يوم 2000/9/28، الأمر الذي قاد إلى مظاهرات حاشدة ومواجهات مع شرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي سقط فيها شهداء من أهلنا في القدس الشريف والذين سرعان ما لبى نداءهم ونداء الأقصى أهل الداخل الفلسطيني، الذين سقط منهم ثلاثة عشر شهيدًا في مظاهرات انطلقت غاضبة ضد انتهاك شارون حرمة المسجد الأقصى من أقصى الجنوب إلى أقصى شمال الداخل الفلسطيني.
لقد كان اقتحام شارون ساحات المسجد الأقصى هي الشرارة التي أشعلت نار الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي سقط فيها الشهداء من أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الفلسطيني، حيث للمسجد الأقصى المبارك تلك المكانة المميزة في مشاعر ووجدان كل فلسطيني وكل عربي وكل مسلم في الدنيا، باعتباره المسجد الثالث قدسية من بين كل مساجد الدنيا، وهو الذي سماه الله عز وجل في قرآنه (سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) (الآية 1 من سورة الإسراء).
ومن يوم اندلاع الانتفاضة الثانية يوم انتفاضة الأقصى يوم 2000/9/28 ولمدة خمس سنوات متواصلة، أي حتى العام 2005 فإن قدم يهودي -باستثناء رجال الشرطة- لم تطأ ساحات المسجد الأقصى المبارك لا للسياحة ولا لمجرد الدخول إليه.
وفي العام 2005 وخلال تولي المتطرف اليميني "تساحي هنغبي" لوزارة الأمن الداخلي في الحكومة الإسرائيلية فإنه، وبالتدريج، بدأ يرتب ويعمل لإعادة دخول اليهود إلى ساحات المسجد الأقصى معددًا بطولاته الثلاث وإنجازاته المميزة لما قال: "في فترة وزارتي اعتقلت الشيخ رائد صلاح فيما سُمي بملف رهائن الأقصى وطويت صفحة ما سُمي مسجد شهاب الدين في الناصرة وأعدت دخول اليهود إلى المسجد الأقصى بعد انقطاع خمس سنوات".
لم يكن يخطر في وجدان شارون ولا غيره أن تدنيسه للأقصى يمكن أن يشعل أتون ثورة شعبية عارمة وانتفاضة فلسطينية ثانية. لقد فعل شارون فعلته في غمرة حالة الاحتقان التي أحدثتها الأخبار والمعلومات التي تتحدث عن أنفاق تحفر تحت المسجد الأقصى، وعن مفاوضات كانت تجري بين المؤسسة الإسرائيلية وبين السلطة الفلسطينية في رام الله حول عرض أن ما تحت الأرض لليهود وما فوق الأرض للمسلمين. وكانت الصرخة التي أطلقتها الحركة الإسلامية عام 1996 الأقصى في خطر، وظن شارون أنه وبرغم ذلك كله فإنه قادرٌ على أن يدنس الأقصى دون أن يكون لذلك أي رد فعل.
وها نحن في العام 2013 وعشية ذكرى انتفاضة القدس والأقصى، وحيث الصلف الإسرائيلي يبلغ ذروته، وحيث أن الأقصى لم يعد في خطر وإنما هو في أخطار كثيرة، وحيث أصبح الحديث لا يدور حول أنفاق تحت الأرض وإنما إقامة صلوات دينية وتقسيم زماني ومكاني، ليس لما تحت الأرض وإنما لما هو فوق الأرض، وحيث أن من يفعل هذا كله ليست جماعات دينية ولا هي المعارضة السياسية التي تريد إحراج الحكومة، كما فعل شارون عام 2000، وإنما الذي يقف خلف هذا كله إنما هي الحكومة الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء مباشرة.
ها هي المؤسسة الإسرائيلية تستغل حالة الاضطراب التي تعيشها المنطقة العربية، في ظل ما فعله الانقلابيون في مصر وما يفعله الدمويون الكيماويون في سوريا، وحيث أن الأمة كلها مشغولة بهذين القطرين العربيين العزيزين، وإذا بالمؤسسة الإسرائيلية وبكل إمكاناتها تتوجه إلى القدس والمسجد الأقصى تريد أن تنفذ كل مشاريعها السوداء وخططها التهويدية في غفلة من الأمة كلها، ليصل الأمر إلى حد الدعوات الصريحة ليس باقتحام المسجد الأقصى المبارك لإثبات السيادة، وإنما الأمر تعدى ذلك إلى حد الدعوة للصلاة في ساحات المسجد الأقصى المبارك، بل إن لجنة الداخلية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي قد أوصت بتقسيم المسجد الأقصى بنفس آلية التقسيم التي اعتمدت في المسجد الإبراهيمي الشريف.
ها هو القوس السياسي والديني الإسرائيلي من أقصاه إلى أقصاه يلتقي مع بعضه البعض. فرغم خلافاتهم وتباين مواقفهم في قضايا كثيرة إلا أنهم حول تهويد القدس وحول بناء الهيكل وحول هدم المسجد الأقصى المبارك يلتقون ويتأبطون شرًا.
ولكن غباء هؤلاء وحماقتهم تجعلهم يقيسون بالمقياس الخاطئ ويزنون بالميزان المختل. إنهم لا يعلمون أن المسجد الأقصى المبارك ليس أي مسجد.
نعم! إن المسجد الأقصى المبارك كان دائمًا الجمرة تحت الرماد. وكان دائمًا البركان الذي يظنه من ينظر إليه أنه هامد فلا حراك فيه، وإذا به، وفي أكثر من مشهد، يفاجئ الجميع بأنه الإعصار والزلزال والبركان الذي إذا ثار فإن ثورته تبلغ الآفاق، وإن لظى نيرانه تصل إلى أرجاء الدنيا كلها.
إنه المسجد الأقصى المبارك الذي يقلب الطاولة على ندماء السوء ومفاوضي الذل والهوان، وعلى كل السماسرة والنخاسين. إن المسجد الأقصى المبارك هو الرقم الصعب الذي لا يقبل القسمة ولا الاختزال.
ما أغباهم هؤلاء الذين ينفخون في كير حرب دينية طاحنة هي نتاج استهدافهم للمسجد الأقصى المبارك عبر مشاريعهم السوداء التهويدية. نعم! إن حربًا دينية سببها المساس بالمسجد الأقصى -وقد ظن الإسرائيليون أن أمة الإسلام قد ماتت وشيعت إلى مثواها الأخير وأنها لن تستيقظ بعد استهداف المسجد الأقصى- إن حربًا كهذه سيكون حصادها كبيرًا وستحرق أيدي كثيرة وسيتلظى بحرها حمقى ومغرورون كثيرون.
إنني أذكر المؤسسة الاسرائيلية وأحذرهم من أن مستقبل كل المشروع الصهيوني والدولة الإسرائيلية سيكون على كف عفريت إذا ما أطلق العنان للحرب الدينية تكون شرارتها الأولى استهداف المسجد الأقصى المبارك.
يا عقلاء المؤسسة الإسرائيلية، إن كان بقي منكم وفيكم عقلاء ؛ لا تلعبوا بالنار، ألجموا صبيانكم، اضربوا على يد مجانينكم ولا تستعجلوا أقدار السماء ولا طوفان الأرض ولا يوم الحريق الكبير، وإياكم والمسجد الأقصى المبارك.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)
كان ذلك خلال اعتقالي مساء الثلاثاء 2013/9/17 في مقر شرطة القدس المعروف باسم "المسكوبية"، حيث جلس خلف طاولة التحقيق ضابط بلباس مدني عرّف نفسه باسم "تيمور". ولقد كان واضحًا منذ اللحظة الأولى وقد وجه لي تهمة (التخطيط والإعداد لإثارة أعمال عنف في المسجد الأقصى يوم النفير 2013/9/4) ومن خلال قائمة الأسئلة التي وضعت بين يديه، بدا واضحًا النية في إعداد ملف ينضح بالكذب والافتراء ليكون مبررًا لقرار إبعادي عن القدس والمسجد الأقصى المبارك.
لست في معرض الخوض في تفاصيل الأسئلة والتحقيق التي كانت كلها تدور حول نفس الموضوع والهدف، وإنما أود التأكيد على أنه، وبعد أن أنهى أسئلته قال لي المحقق تيمور: هل من شيء تريد ان تقوله؟ فقلت له: نعم! ولتكتب ما أقوله حرفًا حرفًا: (إنني أؤكد أن المسجد الأقصى المبارك كله حقٌ خالصٌ لنا نحن المسلمين وليس لليهود حقٌ ولو في ذرة تراب واحدة فيه، أكتب هذا وضع تحته مئة خط). كتب ونظر إلي بابتسامة صفراء قائلًا: لا مجال لوضع مئة خط. فقلت له: اكتب أن المتهم قال لي: أكتب تحت هذه العبارة مئة خط!!!.
وجاء دور ابتسامتي الصفراء لأقول للمحقق تيمور: هل تعرف من هو تيمور الذي أنت سُميت باسمه؟ فقال: هو رجلٌ من التاريخ لا أعرف من يكون. ثم استدرك قائلًا: طبعًا هذا ليس للبروتوكول!! فقلت له إن تيمور الذي سُميت باسمه هو تيمور لنك إمبراطور المغول الذي عندما سمعت اسمك تذكرتُ قصة له ؛هل تحب أن أقصها عليك؟! فقال: نعم! ثم أسند ظهره إلى كرسيه وأنصت مستمعًا. فقلت له: كان تيمور لنك إمبراطور المغول أعرج، وكانت بين المغول وبين الترك عداوة وحروب استمرت سنين وعقودا. وفي إحدى المعارك انتصر المغول بقيادة تيمور لنك الأعرج على الترك بقيادة السلطان "بايزيد". ووقع بايزيد أسيرًا بيد المغول وأحضروه مقيدًا إلى مقر الإمبراطور الأعرج تيمور لنك. فما أن دخل بايزيد - كان أعور- على تيمور لنك، استولت على تيمور لنك نوبة ضحك هستيرية، أغضبت السلطان الأسير بايزيد الأعور، فوبخه على إهانته وهذا الضحك الهستيري ظانًا أنها الشماتة. فقال تيمور لنك: إني لا أهزأ بشقائك وليست هي الشماتة، وأنا أعلم أنك ملك قومك وسلطانهم، ومن عادة الملوك ألا يشمتوا ببعضهم، ولكني لم أتمالك نفسي من الضحك عندما فكرت كيف يصرف الله أقدار البشر والأمم، فيسلـّم زمام الممالك إلى أعرج مثلي وأعور مثلك!!! ومع علمي ويقيني أن المحقق تيمور لم يفهم قصدي ورسالتي ومغزى قصتي هذه عن تيمور لنك فإنني قلت له شارحًا وموضحًا عن سيطرة هذا الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك والوقوف على أبوابه ومنعنا نحن المسلمين من الدخول إليه والسماح لليهود باقتحامه والصلاة فيه وهم الغرباء الذين لا يربطهم بهذا المكان رابط.
ومثلما أن تيمور لنك الأعرج ضحك وهو يتفكر في أقدار الله التي أخضعت الأرض لأعرج هو تيمور لنك وأعور هو بايزيد، فإنني كذلك أضحك وأعلم وأنا على يقين أن لله سبحانه حكمة وإرادة في كل ما يحصل، وأن له سبحانه حكمة في أن تنتصر إسرائيل خلال ستة أيام في حزيران 1967 على جيوش الدول العربية وتحتل سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس والأقصى، وإلا فكيف سيتحقق وعد الله سبحانه وقضاؤه على بني إسرائيل بالإفساد مرتين بعد الحديث عن المسجد الأقصى المبارك مطلع سورة "الإسراء"؟ وكيف سيتحقق وعد الله سبحانه بعودة الدخول إلى المسجد الأقصى وتحريره كما كان الدخول إليه أول مرة: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوًا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادًا لنا أولي بأسٍ شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها، فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا).
بربكم أيها الناس ألا يستوجب الدهشة والضحك الهستيري كضحك تيمور لنك الأعرج لما رأى بايزيد الأعور ونحن نرى ونسمع ليبرمان مولود بيلاروسيا وفلان مولود فرنسا وعلان مولود أثيوبيا وقد أصبحوا أعضاء في الكنيست ويتحدثون عن حقهم في المسجد الأقصى نافين متنكرين لحقنا نحن المسلمين فيه؟! ولكنها حكمة الله وإرادته.
في نهاية جلسة التحقيق دخل الضابط المسؤول عن الضابط تيمور، وكان يهوديًا، وراح يقرأ أوراق التحقيق وإجاباتي، فلما وصل إلى جوابي أن المسجد الأقصى ملك وحق خالص للمسلمين نظر إلي قائلًا بالعربية: (يعني فش إلنا خك (يعني حق) بالحغم (يعني بالحرم)؟ فقلت له: نعم! لا حق لكم فيه. وكان عرضه علي بالإبعاد وبموافقتي وتوقيعي عن الأقصى والقدس مدة خمسة عشر يومًا مقابل إطلاق سراحي فورًا، فكان الرفض مني. فقال: إذن تبيت الليلة في الاعتقال لتعرض أمام المحكمة. وكان الغد وكانت المحكمة الظالمة وكان قرار الإبعاد إلى نهاية الأعياد اليهودية وإيداع خمسة آلاف شيكل في حساب المحكمة لضمان عدم إخلالي بقرار الإبعاد. فالحمد لله على نعمة الإسلام. والحمد لله على نعمة الانتماء للحركة الإسلامية. والحمد لله على نعمة الرباط في أكناف بيت المقدس.
المسجد الأقصى؛ الرقم الصعب:
غدًا السبت 2013/9/28 هو اليوم الذي فيه اقتحم شارون زعيم حزب الليكود المعارض يومها باحات المسجد الأقصى وتدنيسه هو وحاشيته. وكان ذلك يوم 2000/9/28، الأمر الذي قاد إلى مظاهرات حاشدة ومواجهات مع شرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي سقط فيها شهداء من أهلنا في القدس الشريف والذين سرعان ما لبى نداءهم ونداء الأقصى أهل الداخل الفلسطيني، الذين سقط منهم ثلاثة عشر شهيدًا في مظاهرات انطلقت غاضبة ضد انتهاك شارون حرمة المسجد الأقصى من أقصى الجنوب إلى أقصى شمال الداخل الفلسطيني.
لقد كان اقتحام شارون ساحات المسجد الأقصى هي الشرارة التي أشعلت نار الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي سقط فيها الشهداء من أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الفلسطيني، حيث للمسجد الأقصى المبارك تلك المكانة المميزة في مشاعر ووجدان كل فلسطيني وكل عربي وكل مسلم في الدنيا، باعتباره المسجد الثالث قدسية من بين كل مساجد الدنيا، وهو الذي سماه الله عز وجل في قرآنه (سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) (الآية 1 من سورة الإسراء).
ومن يوم اندلاع الانتفاضة الثانية يوم انتفاضة الأقصى يوم 2000/9/28 ولمدة خمس سنوات متواصلة، أي حتى العام 2005 فإن قدم يهودي -باستثناء رجال الشرطة- لم تطأ ساحات المسجد الأقصى المبارك لا للسياحة ولا لمجرد الدخول إليه.
وفي العام 2005 وخلال تولي المتطرف اليميني "تساحي هنغبي" لوزارة الأمن الداخلي في الحكومة الإسرائيلية فإنه، وبالتدريج، بدأ يرتب ويعمل لإعادة دخول اليهود إلى ساحات المسجد الأقصى معددًا بطولاته الثلاث وإنجازاته المميزة لما قال: "في فترة وزارتي اعتقلت الشيخ رائد صلاح فيما سُمي بملف رهائن الأقصى وطويت صفحة ما سُمي مسجد شهاب الدين في الناصرة وأعدت دخول اليهود إلى المسجد الأقصى بعد انقطاع خمس سنوات".
لم يكن يخطر في وجدان شارون ولا غيره أن تدنيسه للأقصى يمكن أن يشعل أتون ثورة شعبية عارمة وانتفاضة فلسطينية ثانية. لقد فعل شارون فعلته في غمرة حالة الاحتقان التي أحدثتها الأخبار والمعلومات التي تتحدث عن أنفاق تحفر تحت المسجد الأقصى، وعن مفاوضات كانت تجري بين المؤسسة الإسرائيلية وبين السلطة الفلسطينية في رام الله حول عرض أن ما تحت الأرض لليهود وما فوق الأرض للمسلمين. وكانت الصرخة التي أطلقتها الحركة الإسلامية عام 1996 الأقصى في خطر، وظن شارون أنه وبرغم ذلك كله فإنه قادرٌ على أن يدنس الأقصى دون أن يكون لذلك أي رد فعل.
وها نحن في العام 2013 وعشية ذكرى انتفاضة القدس والأقصى، وحيث الصلف الإسرائيلي يبلغ ذروته، وحيث أن الأقصى لم يعد في خطر وإنما هو في أخطار كثيرة، وحيث أصبح الحديث لا يدور حول أنفاق تحت الأرض وإنما إقامة صلوات دينية وتقسيم زماني ومكاني، ليس لما تحت الأرض وإنما لما هو فوق الأرض، وحيث أن من يفعل هذا كله ليست جماعات دينية ولا هي المعارضة السياسية التي تريد إحراج الحكومة، كما فعل شارون عام 2000، وإنما الذي يقف خلف هذا كله إنما هي الحكومة الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء مباشرة.
ها هي المؤسسة الإسرائيلية تستغل حالة الاضطراب التي تعيشها المنطقة العربية، في ظل ما فعله الانقلابيون في مصر وما يفعله الدمويون الكيماويون في سوريا، وحيث أن الأمة كلها مشغولة بهذين القطرين العربيين العزيزين، وإذا بالمؤسسة الإسرائيلية وبكل إمكاناتها تتوجه إلى القدس والمسجد الأقصى تريد أن تنفذ كل مشاريعها السوداء وخططها التهويدية في غفلة من الأمة كلها، ليصل الأمر إلى حد الدعوات الصريحة ليس باقتحام المسجد الأقصى المبارك لإثبات السيادة، وإنما الأمر تعدى ذلك إلى حد الدعوة للصلاة في ساحات المسجد الأقصى المبارك، بل إن لجنة الداخلية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي قد أوصت بتقسيم المسجد الأقصى بنفس آلية التقسيم التي اعتمدت في المسجد الإبراهيمي الشريف.
ها هو القوس السياسي والديني الإسرائيلي من أقصاه إلى أقصاه يلتقي مع بعضه البعض. فرغم خلافاتهم وتباين مواقفهم في قضايا كثيرة إلا أنهم حول تهويد القدس وحول بناء الهيكل وحول هدم المسجد الأقصى المبارك يلتقون ويتأبطون شرًا.
ولكن غباء هؤلاء وحماقتهم تجعلهم يقيسون بالمقياس الخاطئ ويزنون بالميزان المختل. إنهم لا يعلمون أن المسجد الأقصى المبارك ليس أي مسجد.
نعم! إن المسجد الأقصى المبارك كان دائمًا الجمرة تحت الرماد. وكان دائمًا البركان الذي يظنه من ينظر إليه أنه هامد فلا حراك فيه، وإذا به، وفي أكثر من مشهد، يفاجئ الجميع بأنه الإعصار والزلزال والبركان الذي إذا ثار فإن ثورته تبلغ الآفاق، وإن لظى نيرانه تصل إلى أرجاء الدنيا كلها.
إنه المسجد الأقصى المبارك الذي يقلب الطاولة على ندماء السوء ومفاوضي الذل والهوان، وعلى كل السماسرة والنخاسين. إن المسجد الأقصى المبارك هو الرقم الصعب الذي لا يقبل القسمة ولا الاختزال.
ما أغباهم هؤلاء الذين ينفخون في كير حرب دينية طاحنة هي نتاج استهدافهم للمسجد الأقصى المبارك عبر مشاريعهم السوداء التهويدية. نعم! إن حربًا دينية سببها المساس بالمسجد الأقصى -وقد ظن الإسرائيليون أن أمة الإسلام قد ماتت وشيعت إلى مثواها الأخير وأنها لن تستيقظ بعد استهداف المسجد الأقصى- إن حربًا كهذه سيكون حصادها كبيرًا وستحرق أيدي كثيرة وسيتلظى بحرها حمقى ومغرورون كثيرون.
إنني أذكر المؤسسة الاسرائيلية وأحذرهم من أن مستقبل كل المشروع الصهيوني والدولة الإسرائيلية سيكون على كف عفريت إذا ما أطلق العنان للحرب الدينية تكون شرارتها الأولى استهداف المسجد الأقصى المبارك.
يا عقلاء المؤسسة الإسرائيلية، إن كان بقي منكم وفيكم عقلاء ؛ لا تلعبوا بالنار، ألجموا صبيانكم، اضربوا على يد مجانينكم ولا تستعجلوا أقدار السماء ولا طوفان الأرض ولا يوم الحريق الكبير، وإياكم والمسجد الأقصى المبارك.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)