المظاهرات والمسيرات وحديث خروج المسلمين في صَفَّين
السؤال:
إلىMoadh Seif Elmi
(شيخنا الفاضل، السلام عليكم.. هل حديث خروج المسلمين في صفين على رأس كل واحد عمر وحمزة ضعيف مع الشكر؟)
وإلىAndalusi Maqdisi Andalus
(السلام عليكم شيخنا الفاضل،
في جواب سؤالكم عن المظاهرات استدليتم حفظكم الله بحديث "روى أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430هـ) في كتابه "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: "لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ قَالَ: أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ... قلت: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟، قَالَتْ أُخْتِي: هُوَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ الْأَرْقَمِ عِنْدَ الصَّفَا، فَأَتَيْتُ الدَّارَ... فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ»، قَالَ: فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ، فَأَخْرَجْنَاهُ فِي صَفَّيْنِ، حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا، وَأَنَا فِي الْآخَرِ، لَهُ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَنَظَرَتْ إِلَيَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ، فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلَهَا، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ الْفَارُوقَ، وَفَرَّقَ اللهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ" انتهى.
وعند تتبع هذا الحديث ذكر الألباني أنه منكر وضعفه أغلب أهل الحديث، وسؤالي من شقين: الأول هل يجوز الاستدلال بالضعيف؟ فإن كان نعم فمتى نستدل به وكيف نحاكمه؟ وإن كان الجواب لا فهل عندكم نفعنا الله بعلمكم تخريج غير الذي ذكر في السؤال؟ بارك الله فيكم وفتح عليكم. عبد الله الشامي)
الجواب:
(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إن السؤالين في موضوع واحد، ولذلك فإليكما الجواب:
أيها الأَخَوان الكريمان، ليس بالضرورة إذا قرأتُما أن هناك من ضعَّف رواية أنها ضعيفة قطعاً، فمثلاً هناك من "المشايخ" مَن ضعَّف أحاديث في البخاري ومسلم، أي ضعف أحاديث أخرجها اللذان أخذت الأمة روايتهما بالقبول والاطمئنان، فقد كان البخاري ومسلم يراعيان مقاييس كبيرة عظيمة في صحة الرواية سنداً ومتناً... ومع ذلك فقد طلع علينا من ضعَّف أحاديث فيهما!
نعم إن الحديث إذا تبين ضعفه فلا يجوز الاستدلال به، ولكنْ قد يحكم المحدِّثون أو بعضهم على الحديث بالضعف ويحكم آخرون عليه بأنه حسن ويصلح الاستدلال به. ومن عنده علم بالحديث وأصوله يعلم هذه المسألة فهي مشهورة عند المحدثين، وعند المجتهدين، فتجد هذا يستدل بهذا الحديث وذاك لا يستدل به... وقد وضحنا هذه الأمور بالتفصيل في كتابنا الشخصية الجزء الأول باب "الحديث المقبول والحديث المردود"، وباب "اعتبار الحديث دليلاً في الأحكام الشرعية".
والآن نجيبك عن خروج الصحابة في مكة بعد إسلام عمر رضي الله عنه:
1-إن الرواية التي وردت في جواب السؤال رواها أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430هـ) في كتابه "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"، وأبو نعيم حافظ ثقة، قال عنه الزركلي في أعلام النبلاء:
أَبُو نُعَيم(336 - 430 )هـ = 948 - 1038م أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، أبو نعيم: حافظ، مؤرخ، من الثقات في الحفظ والرواية.
ولد ومات في أصبهان. من تصانيفه (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - ط) عشرة أجزاء، و(معرفة الصحابة) كبير، بقيت منه مخطوطة في مجلدين، عليها قراءة سنة 551 في مكتبة أحمد الثالث، بطوبقبو سراي، باستنبول، الرقم 497 كما في مذكرات الميمني - خ. و(طبقات المحدثين والرواة) و(دلائل النبوة - ط) و(ذكر أخبار أصبهان - ط) مجلدان، وكتاب (الشعراء - خ) انتهى.
ولذلك يمكن الاستناد إلى روايته عن خروج المسلمين في صفين بعد إسلام عمر.
2-ومع ذلك فليست هي الرواية الوحيدة، بل هناك روايات أخرى صحيحة:
- جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم: (...عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الْأَرْقَمِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آوَى فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا حَتَّى تَكَامَلُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ آخِرَهُمْ إِسْلَامًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا كَانُوا أَرْبَعِينَ خَرَجُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ...) قال الحاكم هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ووافقه الذهبي.
- وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: قال:... عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم قال: سمعت جدي عثمان بن الأرقم يقول: "أنا ابن سبعة في الإسلام، أسلم أبي سابع سبعة، وكانت داره بمكة على الصفا، وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون فيها أول الإسلام، وفيها دعا الناس إلى الإسلام وأسلم فيها قوم كثير، وقال ليلة الاثنين فيها: "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام" فجاء عمر بن الخطاب من الغد بكرة فأسلم في دار الأرقم، وخرجوا منها فكبروا وطافوا البيت ظاهرين ودعيت دار الأرقم دار الإسلام...".
- قال ابن إسحاق في السيرة النبوية: (قال عمر عند ذلك: والله لنحن بالإسلام أحق أن ننادي... فليظهرن بمكة دين الله، فإن أراد قومنا بغياً علينا ناجزناهم، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم، فخرج عمر وأصحابه، فجلسوا في المسجد، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم(
- وقد ورد أيضا موضوع الصفين عند تقي الدين المقريزي في "إمتاع الأسماع"، وحسين بن محمد الدِّيار بكري في "تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس"، ومحمد أبو شهبة في "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة"، وصفي الرحمن المباركفوري في "الرحيق المختوم"... وغيرهم
3-هذا مع لفت النظر إلى أن القول بجواز المظاهرات والمسيرات لا يستدل عليه فقط بهذه الروايات، إذ المظاهرات والمسيرات هي أسلوب لإبداء الرأي وإيصال الفكر تماماً كالنشرات، والمحاضرات، والسمينارات، والفيديوهات وغيرها من الوسائل والأساليب، والأصل في الأساليب والوسائل الإباحة ما لم يرد دليل على تحريم بعضها، فيمنع عندها. وهذه الوسائل والأساليب تحرك الناس لحمل الإسلام والتقيد به، والتفاعل معه، والحزب يقوم بهذه الأعمال وفق الميسور له بشرط أن يقيمه الحزب ويديره هو وحده براياته وهتافاته ويجمع الناس بقيادته هو... وليس مشتركاً مع غيره فيرفع كلٌّ رايته وهتافاته... فهذا لا يقوم الحزب به ولا يعمله، فما نستطيع فعله بإدارتنا وقيادتنا نفعله، وقد يمر وقت لا نستطيع، ووقت آخر نستطيع... وهذا مثل أسلوب المكاتب الإعلامية، فقد كان صعباً في عهد أبي إبراهيم رحمه الله، وكان أقل صعوبة في عهد أبي يوسف رحمه الله، فكلفني بأن أكون ناطقاً رسمياً في الأردن، واليوم كما ترى فمكاتبنا الإعلامية لافتة للنظر.
4-وفي الختام أيها الأخوان الكريمان إن كل عمل نعمله، وكل خطوة نخطوها، نتفكر فيها ونتدبر، وليس فقط نبتعد عن الحرام، بل على ما يقترب من شيء من غبار لغبار من حرام، متوكلين على الله سبحانه في السر والعلن والصغير والكبير... إننا نحمل تبعة تنوء بحملها الجبال، أفترانا نستطيع السير لو لم يكن التزام أحكام الشرع في قلوبنا وألسنتنا وكل جوارحنا؟! إننا نسأل الله العون، والهداية لأرشد الأمر، والله يتولى الصالحين
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
10 من شـعبان 1435
الموافق 2014/06/08م