الجزء الثاني***
بعد أن أنهى الكاتب عرض دراسته قالت الأستاذة فتحية: كما بدأت حديثي عن الأمانة التي نحملها في أعناقنا لننقل حكايتنا للأجيال القادمة، أقول: علينا ألا نستهين بأي معلومة، وأي حكاية سمعناها من آبائنا وأجدادنا، وأضافت: في كتابي الأحدث (كتاب حياتي) وثقت من نهاية ثلاثينيات القرن الماضي منذ تزوج والداي، وسجلت واقعة لمحاولة قنص والدتي برصاص الدمدم عندما كانت تنشر غسيلها على سطح المنزل، وكان ذلك في العام 1945م
كما تحدثت عن دعوة الجيش الأردني للسكان بأن يخلو منازلهم كي يتمكنوا من القضاء على الصهاينة، فاتجهت عائلة الأب وعائلة الأم لشرق وغرب نهر الأردن، فيما اختارا التوجه مع أولادهما لمصر علهم يقضون أسبوعا مريحا فيها
وبينما كانوا يستعدون لاعتلاء الباخرة المتجهة لمصر وقع من باخرة أخرى صندوقا ادعى البريطانيون أن به مواد تموينية لدعم اللاجئين، فيما اتضح أنه محملا بالسلاح لدعم الصهاينة
وتحدثت عن معاناتهم في القنطرة والحجر الصحي، هذه الأحداث رغم بساطتها إلا أن وراءها مأساة عميقة وتاريخ صبغ بالمآسي والظلم العالمي للفلسطينيين
كانت المداخلة الأولى للصحفي أبو نادر الترك الذي ذكر الشهداء وأكد على ضرورة افتتاح جميع الجلسات بقراءة الفاتحة على أرواحهم
ثم قال: حتى الآن لم يُكتب التاريخ الشفوي رغم وجود المراكز الثقافية والجامعات، إن تعليق كل شيء على الدعم وتوفر المال غير مقبول
وعن إتحاد الكتاب قال: أثمن دور الاتحاد ومعاناته، لكن أؤكد على ضرورة تبني الكتاب ومشاريع الروايات، وحبذا لو ترجمت للغات عالمية، وهنا أضع المسئولية على السفراء التجار،
واختتم بتساؤل: أين الغيورين؟ أين من يتحدثون عن الوطنية، إن نكبتنا التي كانت في العام 1948م تتجدد مع هذه النماذج
الأديب عبد الرحمن شحادة بدأ مداخلته بتقديم الشكر لصالون نون الأدبي هذه النافذة الفاعلة في المشهد الثقافي، ثم شكر الكاتب على ما قدمه في ورقته، ثم قال: من خلال قراءتي لكتابات الأدباء في غزة وجدت إبداعا حقيقيا، لكن ما لفت نظري هو غيابا مطلقا لدور المرأة الفلسطينية، رغم أن للمرأة دور فاعل، وتغييبها هو تغييب للحقيقة، لقد كان مختار قرية بيت دراس من أوائل من دعا لتحرير المرأة وهناك نساء استشهدن في بيت دراس منهن شقيقة الدكتور حسين أبو شنب
واختتم شحادة بتوصية: لابد من التماسك بين الكتاب أنفسهم والثورة على من يعيق إبداعاتهم
السيدة المختارة أم محمد عبد المنعم قالت: بداية أشكر جماعة صالون نون الأدبي، وأشكر الحضور، ثم الشكر موصول للكاتب نصار
ثم قالت: موضوع النكبة ليس جديدا علينا، فمنذ شهر والفعاليات تجوب الوطن إحياء لهذه الذكرى، لابد من دحض مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون، لابد من بقاء هذا الموضوع في تجدد مستمر، لأن اغتصاب الأراضي دون وجه حق أمر غير مقبول، لذا أتمنى من الكتاب الاهتمام بهذا الموضوع، فهناك مواقف وأحداث لم يُكشف عنها بعد، ولم نصل لمن يحملها، لابد من معرفتها وتوثيقها.
الأستاذ عوض قنديل قال: أبدأ حديثي من الكاتب نفسه، فالحالة الاقتصادية تحول دون استثمار الكاتب لإبداعاته، والتاريخ الشفوي بحاجة لأموال، لقد جهزنا لفعالية تراثية بمناسبة النكبة، ولأننا لا نمتلك المال لدفع أجرة القاعة في مركز رشاد الشوا، سعينا لأخذ مكانا مفتوحا كالجندي المجهول، وتقدمنا بطلب للداخلية فرفضت، في الوقت الذي شاهدنا في المكان ذاته احتفالا لتخريج أطفال من روضة معينة
بإمكاننا فعل الكثير، لكن المسئولين يقمعوننا ويعيقون عملنا، حتى إتحاد الكتاب هو أشبه ببيت عزاء لا حياة فيه ولا نشاط.
الأستاذ رزق المزعنن قال في مداخلته: لقد اطلعت على البحث قبل أن ينشره الكاتب، ولن أتحدث عنه
لكن أقول: لدينا كاتب من غزة هو الأستاذ رامز فاخرة مدير التربية والتعليم، كان كاتبا وشاعرا، له رواية بعنوان (على الدرب) كانت مقررة علينا في مرحلة الدراسة الإعدادي، هذه الرواية شكلت وعينا، فهي تتحدث عن معركة سلمة قرب يافا، وتحدث عن الحرب وصور النزوح من يافا عبر البحر
أضاف المزعنن: الرواية هي العقل الجمعي للعرب، وبدأت تأخذ مكانة الشعر الذي كان ديوان العرب
وعن الرواية النكبة قال: لم تصل رواية النكبة للعالمية، اللبناني إلياس خوري كتب عن النكبة، وغسان كنفاني كتب، لكن بعد 66 عاما مرت على النكبة، وقد تخمرت لدينا، فإنها لم تصل للعالمية.
الأديب غريب عسقلاني قال: أولا: أود الدخول في ملاحظة جوهرية هي: إن أحد مظاهر الاعتزاز بغزة هو وجود هذه التجمعات الثقافية، وهذه المؤسسات، ونأتي لا لنحتفي ببعضنا البعض، إنما لنتزود بوجبة من المعرفة، إذا المعرفة هي العنوان
علينا ألا نتحدث عن كل شيء ونتشعب للتاريخ الشفوي والمذكرات والتاريخ والسياسة، وموقع الأدب العربي من الآداب العربية، وكأن الأمر انفتح على الغارب
أتمنى علينا جميعا أن نخلع في اللقاءات القادمة معطف الفردي، ونرتدي معطف الجمعي المتخصص
ثانيا: حتى لا نجلد أنفسنا ونقول إن الرواية الفلسطينية لم تؤثر عالميا، وهنا نسأل متى أصبحت الرواية العربية في عمومها للعالمية كي تنافس الروايات العالمية، الرواية تناضل لتصل للعالمية
نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل يعتبر من أقل الكتاب تسويقا في العالم، وأدونيس لم يجد من يترجم له
ولمّا كنّا نحن المأزومين، فإننا نناضل بأزمتنا على كل الأصعدة، لا يجب أن ندخل كل الثقوب لنحيط بالنكبة، سيأتي يوما ونزيل الصدأ
لكن علينا أن نسأل: هل قدمنا نموذجا إسلاميا لنجذب العالم، لقد كتب سلمان رشدي آيات شيطانية فأساء للدين
وعن المؤسسة الفلسطينية قال: المؤسسة لم تلتقط أنفاسها منذ وجدت، لدينا بيت مادي وبيت معنوي يرجع لمنظمة التحرير، ونحن بحاجة لكليهما
وأخيرا أقول: بالعودة للرواية الفلسطينية فهي بالقياس بالمنجز الروائي العربي، وبالقياس لتشظي الفلسطينيين في كل بقاع الأرض نقول: إن الرواية الفلسطينية بخير قياسا للشعوب العربية الأخرى، فما طرح منها في الخمسين سنة الماضية هو أضعاف أضعاف ما نُشر في السودان والجزائر وغيرها
الدكتور سويلم العبسي قال: سأطرح وجهة نظر لكنها نابعة من تجربة، فشعبنا والشعوب العربية عموما أصبحت شعوبا مشاهدة، وليست شعوبا قارئة
أستغرب لمن يقول لا يوجد رواية فلسطينية تتحدث عن النكبة، فلدينا روايات وحكايات عن النكبة، لكن مشكلتنا تكمن في أننا لا نشتغل على هذه القضية وكأنها تُحارب، حتى في السينما فــ(التغريبة الفلسطينية) والتي صفقنا لها، كانت تسيء لنا إذ صورت الفلسطيني بأنه انتهازي يسعى للفتيات البرجوازيات ليحقق وضعا ماديا مريحا
وعن تجربته قال العبسي: كتب محمد نصار (ومازالت تبتسم) توفر لنا الممول لكننا لم نحصل على موافقة من وزارة الإعلام، فخاف الممول على أمواله واستردها
كذلك جهزنا عملا آخر باسم (سيف شمشون) وعدتنا المنظمة بدعمه، ولم تنفذ وعدها
إتحاد الكتاب هو اتحاد رائد ورائع، ورغم إمكانياته الضعيفة فهو رائع وصامد.
اختتم العبسي مداخلته بكلمات مغناة تناسب الموقف:
يا قلب تنص الناس، والناس ما ينعوك والعقل محتار
بأفراحهم منسي، وبأحزانهم يطعموك الصبر مرار
الدكتورة مي نايف رحبت بالضيوف وشكرت الكاتب ثم قالت: نحن لا نقصد أن الرواية الفلسطينية لم تصل للعالمية، بل الحكاية نفسها لم تُصدّق، لقد صدّقوا الحكاية اليهودية، ولم يُصدقوا حكايتنا، لابد أن يسأل الكاتب نفسه: لمن يكتب، هل يكتب لقارئ محلي، أم لقارئ عالمي، فلو قرر أن يكتب للقارئ الغربي سيستطيع أن يطور الفكرة بشكل مقنع لآخرين
لي صديقة في رام الله تجمع الرواية الشفوية من النساء خاصة دون الرجال، فرواية المرأة الفلسطينية تختلف عمّا يقوله الرجال، فالمرأة تتكلم عن أشياء لا يتكلم عنها الرجل، كما أن المرأة تميل لذكر التفاصيل، على العكس من الرجل.
في حرب العام 2008/ 2009م قام مركز شئون المرأة بتدريب للصحفيات على إجراء قصة إخبارية، كانت الصحفيات تسمع الحكاية من الكبار وتصوغها بأسلوبها، ثم قاموا بتوثيق هذه الحكايات في كتاب بنحو ثلاثمائة صفحة، وكانت قصص مختلفة وتوثق للمرحلة.
الأستاذ رزق البياري قال: سأتكلم في نقطة لها علاقة بعنوان الندوة، فأسأل إلى أي مدى استطاعت الرواية أن تُجسد للنكبة، شكرا للكاتب على توثيقه ودراسته لهذه النماذج التي وثقت للرواية من خلال إبداعات الكاتب.
لا شك أن الكتاب أبدعوا، ومن يتتبع الرواية الفلسطينية نجد هذا العنوان لحدّ ما، لقد وفق الكاتب في ذلك قياسا بالرواية العربية، لكن قد تكون هذه مفاتيح للدخول لدهاليز ما كُتب في هذا العنوان.
وعن دور المؤسسة قال البياري: الرواية الفلسطينية لم تستطع أن تواجه الرواية الصهيونية.
الكاتب عندنا يمتلك فنيات العمل الروائي، لكنه لم ينجح في تصدير روايته للآخر، لذا لابد أن نُحدث اختراقا فعليا
بعد هذه المداخلات أجمل الكاتب محمد نصار ردوده في:
أعتقد أن الإشكالية تكمن في العقل السياسي العربي بالدرجة الأولى، فطالما أن هناك قناعة بأن الثقافة نجفة، من الكماليات، سيكون النتاج مدمر، فيوم كانت الثقافة في عقل الحاكم العربي توزن بالذهب، حكمنا العالم
وقال: كيف سيقرؤك العالم وأنت لا تخدم المثقف
لقد قلت في نتائج دراستي إن الرواية لم توافي الحدث، والسبب ليس من الكاتب، لكنها فيمن هم بعد المبدع، فاليهود يدعمون كُتابهم
وقال ردا على: أن الكاتب عندما يكتب ينظر لشيء ما؟
أقول لابد أن ينظر لإنسانيته أولا، عندما كتبت روايتي وفي أحد المشاهد قلت إن الأسير بكى.
انتقدوني، إذ كيف أجعل الأسير يبكي؟
قلت الأسير أولا وأخيرا إنسان، لديه مشاعر وأحاسيس
أخيرا أقول: قد يكون من كتابنا من وصل للعالمية، إلا أننا لم نصل لما وصل له الآخر.
اختتمت الأستاذة فتحية اللقاء، مقدمة الشكر للكاتب والحضور جميعا، ثم قالت:
نغيب عنكم خلال شهر رمضان، لكننا نبقى على وعد للعمل والالتقاء بكم وقد عدنا بصالوننا في حلة جديدة
كل عام وأنتم جميعا بخير، اللهم بلغنا رمضان وتقبل اللهم منّا ومنكم الطاعة وحسن العبادة.