الجرف الصامد، المهمّة الأصعب !
د. عادل محمد عايش الأسطل
لو كانت الأسماء تُشترى، لسمّى الفقير ابنه أبخس الأسماء أو يتركه بلا اسم، ولأنها بغير ثمن فإنّ في استطاعته أن يبطر حتى على أعلى الأسماء وأسماها، وإن كانت لا تليق بالمسمّى ولا تنطبق عليه من قريبٍ أو بعيد.
هكذا أبدى الجيش الإسرائيلي فقره مرّةً أخرى، عندما أقدم على إطلاقه تسمية الجرف الصامد، على عمليته العسكرية المشتعلة في الأثناء ضد الفلسطينيين وبالذات ضد حركات المقاومة داخل القطاع وعلى رأسهم حركة حماس، بعد فشل حملته العسكرية مباشرةً (عودة الإخوة) في تحقيقه الأهداف المرجوة، والتي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" وهي عودة المستوطنين إلى بيوتهم وتشتيت شمل حماس والعودة إلى الهدوء.
لم يجتهد الجيش، ولم يبذل كثيراً من الفكر، في شأن اختياره اسم (الجرف الصامد) على عمليته العدوانية الجارية، رغم علمه بحسب تجاربه الماضية، بأنه لن ينطبق لا عليها ولا على الواقع الأمني بشكلٍ أدق، وبيقينه أيضاً بأن مصيرها لن يختلف عمّن سبقها من العمليات العسكريّة التي قامت إسرائيل بها من قبل، وعلى مدار السنوات الست الفائتة، حيث لم تجنِ منذ بداية كل عملية وأثناءها وفي أعقابها، إلاّ الفشل والمزيد منه كلّما تقدم الزمن. حيث كان قادته يأملون في كل مرّة أن ترفع هذه الأسماء، الروح المعنوية والقتالية لديهم قبل رفعها لدى الجندي الإسرائيلي على جبهات القتال، ومن ناحيةٍ أخرى، فهم يعوّلون عليها بأن تُلقي الرعب والرهبة لدى فصائل المقاومة تمهيداً لتحقيق أهداف.
عمليات لا تحصى ولا تُعد، تلك التي قامت إسرائيل بتنفيذها ضد المقاومة لهدف القضاء عليها أو بهدف كسر شوكتها وترويضها على الأقل، فمنذ بدء عمليتها العسكرية الأولي حقل الأشواك بداية فبراير/شباط 2008، ومروراً بجهنم المتدحرجة والسور الواقي والحديد البرتقالي والعنب العنابي، ووصولاً إلى عودة الإخوة أواخر يونيو/حزيران الماضي، إلاّ أنها أخفقت حتى الآن ولا يُنتظر من ورائها أن تحقق شيئاً، وخاصةً عملية الجرف الجارية في الأثناء، برغم اعتماد الجيش خلالها على الغارات الجوية وتميزت باستهداف المنازل الآهلة بالسكان، والسيارات المدنية، والإعلان عن استئناف عمليات الاغتيال لشخصيات وقيادات كبيرة داخل الحركة، سيما وأن المقاومة كانت جاهزة لصد تلك الحملة، حيث أفقدتها عنصري المفاجأة والمخادعة اللذين كانا يعتمدهما قادة الجيش في جل حروبهم ضد القطاع، وكان قد قتل أكثر من مائة من الشرطة والمقاومة معاً، في أول لحظة من بداية عملية الرصاص المصبوب أواخر 2008، واغتالت القيادي في حماس وقائد أركان كتائبها المسلحة "أحمد الجعبري" مع ثُلّة من مرافقيه، لتبدأ بهما على حين غرة، عملية عمود السماء أواخر 2012، ومن ناحيةٍ أخرى لم تكلل نشاطات إسرائيل الاستخبارية بأيّة نجاحات يمكن ذكرها، في التمهيد لتحقيق أهداف مهمّة وذات شأن، حيث يرجع ذلك إلى فقدانها عيونها العاملة، نتيجة لقيام المقاومة باستئصالها خلال السنوات الفائتة، إضافةً إلى حيازتها القدرة، على إخفاء مجهوداتها بما لا يعيق العمل بسلاسة أكبر في مواجهة أية تطورات أمنية مفاجئة.
على مدار الأيام الفائتة وبعد جولات صاخبة متتالية، لم يستطع الكابنيت الإسرائيلي من الخروج بقرار يسمح بتنفيذ عملية بريّة شاملة ضد القطاع، كما كان يطلب عدد من الوزراء – وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان" ووزير الاقتصاد "نفتالي بينت"-، ليس بسبب التقليل من قدرهما أو الاستخفاف بهما، وإنما لأن الأمر أشد من ذلك، مع رغبتهم الجامحة في تلبية الطلب باعتباره مهم جدّاً لسحق المقاومة ولكسب أوراق جديدة أيضاً، لكن ما يُوقف ذلك الجري وتلك الرغبة هي الأثمان المطلوب دفعها، والخسائر التي ستنجم لتحقيق تلك الرغبة. وقد قالوا قديما للفأر: لك عشراً إن أنت مررت بجانب شوارب القطّة، فأجاب: واللهِ إن الكراء جيّد، ولكن الدرب شطّة.
أثناء كل عملية عدوانية، كان القادة العسكريون الإسرائيليون يعلنون أهدافاً محددة، والتي كانت تتمحور حول ضرورة التخلص من المقاومة الفلسطينية ووقف الصواريخ، كما أعلنوا عنها أول مرّة، خلال عملية حقل الأشواك، وتارة حول كسر تهدئة وقلب وتغيير أوضاع، كما أعلنوا بذلك عشيًة عملية الرصاص المصبوب، وتارة أخرى لتحرير مختطفين ومحو حماس من على الخارطة السياسية والأمنية، كما في عملية عودة الإخوة أواخر يونيو/حزيران الفائت، وأيضاً العملية العسكرية الجارية الآن -الجرف الصامد- التي تهدف إلى تدمير البنى التحتية لحماس ونزع شوكتها والتخلص منها، وهكذا، ولكن أياُ من هذه الأهداف لم تتحقق، سيما وأن حماس لم تُمحَ بعد، وكما يبدو فهي غير قابلة للاختفاء أيضاً، بسبب – كما هو مكتوبٌ لديها- أنها حركة مقاومة إلى جانب العديد من الفصائل المقاومة الأخرى، وهي مضطرّة بلا خيارات أخرى، إلى القتال ضد الجيش الإسرائيلي كلّما سمحت الفرصة، بإمكاناتها القليلة نسبة إلى آلته العسكرية الغير قابلة للتصور، وفي ضوء أن مقاومتها ومن معها من الفصائل ليس لها من عونٍ أو سند.
وعلى الرغم من انطلاق عملية الجرف الصامد، بطيشٍ أكبر وبجنونٍ أشد، ولا أحد يعرف ما إذا كانت ستنتهي بسرعة أو ستمتد إلى أيّام أُخر، لكن الكل يعلم بأن إسرائيل عموماً، لا تنام لحظة بدون البحث عن تهدئة أو هدنة ناجحة وثابتة وبالذات مع حركة حماس، بسبب أن الملايين الستة الإسرائيليين لا يُغادرون الملاجئ، والكل يعلم أيضاً بأن العملية ذاتها، ستلحق بالعمليات العدوانية المخزية الأخرى التي سبقتها، وستُضاف حتماً إلى السجلاّت الإسرائيلية السوداء، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
خانيونس/فلسطين
8/7/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
لو كانت الأسماء تُشترى، لسمّى الفقير ابنه أبخس الأسماء أو يتركه بلا اسم، ولأنها بغير ثمن فإنّ في استطاعته أن يبطر حتى على أعلى الأسماء وأسماها، وإن كانت لا تليق بالمسمّى ولا تنطبق عليه من قريبٍ أو بعيد.
هكذا أبدى الجيش الإسرائيلي فقره مرّةً أخرى، عندما أقدم على إطلاقه تسمية الجرف الصامد، على عمليته العسكرية المشتعلة في الأثناء ضد الفلسطينيين وبالذات ضد حركات المقاومة داخل القطاع وعلى رأسهم حركة حماس، بعد فشل حملته العسكرية مباشرةً (عودة الإخوة) في تحقيقه الأهداف المرجوة، والتي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" وهي عودة المستوطنين إلى بيوتهم وتشتيت شمل حماس والعودة إلى الهدوء.
لم يجتهد الجيش، ولم يبذل كثيراً من الفكر، في شأن اختياره اسم (الجرف الصامد) على عمليته العدوانية الجارية، رغم علمه بحسب تجاربه الماضية، بأنه لن ينطبق لا عليها ولا على الواقع الأمني بشكلٍ أدق، وبيقينه أيضاً بأن مصيرها لن يختلف عمّن سبقها من العمليات العسكريّة التي قامت إسرائيل بها من قبل، وعلى مدار السنوات الست الفائتة، حيث لم تجنِ منذ بداية كل عملية وأثناءها وفي أعقابها، إلاّ الفشل والمزيد منه كلّما تقدم الزمن. حيث كان قادته يأملون في كل مرّة أن ترفع هذه الأسماء، الروح المعنوية والقتالية لديهم قبل رفعها لدى الجندي الإسرائيلي على جبهات القتال، ومن ناحيةٍ أخرى، فهم يعوّلون عليها بأن تُلقي الرعب والرهبة لدى فصائل المقاومة تمهيداً لتحقيق أهداف.
عمليات لا تحصى ولا تُعد، تلك التي قامت إسرائيل بتنفيذها ضد المقاومة لهدف القضاء عليها أو بهدف كسر شوكتها وترويضها على الأقل، فمنذ بدء عمليتها العسكرية الأولي حقل الأشواك بداية فبراير/شباط 2008، ومروراً بجهنم المتدحرجة والسور الواقي والحديد البرتقالي والعنب العنابي، ووصولاً إلى عودة الإخوة أواخر يونيو/حزيران الماضي، إلاّ أنها أخفقت حتى الآن ولا يُنتظر من ورائها أن تحقق شيئاً، وخاصةً عملية الجرف الجارية في الأثناء، برغم اعتماد الجيش خلالها على الغارات الجوية وتميزت باستهداف المنازل الآهلة بالسكان، والسيارات المدنية، والإعلان عن استئناف عمليات الاغتيال لشخصيات وقيادات كبيرة داخل الحركة، سيما وأن المقاومة كانت جاهزة لصد تلك الحملة، حيث أفقدتها عنصري المفاجأة والمخادعة اللذين كانا يعتمدهما قادة الجيش في جل حروبهم ضد القطاع، وكان قد قتل أكثر من مائة من الشرطة والمقاومة معاً، في أول لحظة من بداية عملية الرصاص المصبوب أواخر 2008، واغتالت القيادي في حماس وقائد أركان كتائبها المسلحة "أحمد الجعبري" مع ثُلّة من مرافقيه، لتبدأ بهما على حين غرة، عملية عمود السماء أواخر 2012، ومن ناحيةٍ أخرى لم تكلل نشاطات إسرائيل الاستخبارية بأيّة نجاحات يمكن ذكرها، في التمهيد لتحقيق أهداف مهمّة وذات شأن، حيث يرجع ذلك إلى فقدانها عيونها العاملة، نتيجة لقيام المقاومة باستئصالها خلال السنوات الفائتة، إضافةً إلى حيازتها القدرة، على إخفاء مجهوداتها بما لا يعيق العمل بسلاسة أكبر في مواجهة أية تطورات أمنية مفاجئة.
على مدار الأيام الفائتة وبعد جولات صاخبة متتالية، لم يستطع الكابنيت الإسرائيلي من الخروج بقرار يسمح بتنفيذ عملية بريّة شاملة ضد القطاع، كما كان يطلب عدد من الوزراء – وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان" ووزير الاقتصاد "نفتالي بينت"-، ليس بسبب التقليل من قدرهما أو الاستخفاف بهما، وإنما لأن الأمر أشد من ذلك، مع رغبتهم الجامحة في تلبية الطلب باعتباره مهم جدّاً لسحق المقاومة ولكسب أوراق جديدة أيضاً، لكن ما يُوقف ذلك الجري وتلك الرغبة هي الأثمان المطلوب دفعها، والخسائر التي ستنجم لتحقيق تلك الرغبة. وقد قالوا قديما للفأر: لك عشراً إن أنت مررت بجانب شوارب القطّة، فأجاب: واللهِ إن الكراء جيّد، ولكن الدرب شطّة.
أثناء كل عملية عدوانية، كان القادة العسكريون الإسرائيليون يعلنون أهدافاً محددة، والتي كانت تتمحور حول ضرورة التخلص من المقاومة الفلسطينية ووقف الصواريخ، كما أعلنوا عنها أول مرّة، خلال عملية حقل الأشواك، وتارة حول كسر تهدئة وقلب وتغيير أوضاع، كما أعلنوا بذلك عشيًة عملية الرصاص المصبوب، وتارة أخرى لتحرير مختطفين ومحو حماس من على الخارطة السياسية والأمنية، كما في عملية عودة الإخوة أواخر يونيو/حزيران الفائت، وأيضاً العملية العسكرية الجارية الآن -الجرف الصامد- التي تهدف إلى تدمير البنى التحتية لحماس ونزع شوكتها والتخلص منها، وهكذا، ولكن أياُ من هذه الأهداف لم تتحقق، سيما وأن حماس لم تُمحَ بعد، وكما يبدو فهي غير قابلة للاختفاء أيضاً، بسبب – كما هو مكتوبٌ لديها- أنها حركة مقاومة إلى جانب العديد من الفصائل المقاومة الأخرى، وهي مضطرّة بلا خيارات أخرى، إلى القتال ضد الجيش الإسرائيلي كلّما سمحت الفرصة، بإمكاناتها القليلة نسبة إلى آلته العسكرية الغير قابلة للتصور، وفي ضوء أن مقاومتها ومن معها من الفصائل ليس لها من عونٍ أو سند.
وعلى الرغم من انطلاق عملية الجرف الصامد، بطيشٍ أكبر وبجنونٍ أشد، ولا أحد يعرف ما إذا كانت ستنتهي بسرعة أو ستمتد إلى أيّام أُخر، لكن الكل يعلم بأن إسرائيل عموماً، لا تنام لحظة بدون البحث عن تهدئة أو هدنة ناجحة وثابتة وبالذات مع حركة حماس، بسبب أن الملايين الستة الإسرائيليين لا يُغادرون الملاجئ، والكل يعلم أيضاً بأن العملية ذاتها، ستلحق بالعمليات العدوانية المخزية الأخرى التي سبقتها، وستُضاف حتماً إلى السجلاّت الإسرائيلية السوداء، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
خانيونس/فلسطين
8/7/2014