المبادرة المصرية، خطة تسلل !
د. عادل محمد عايش الأسطل
في ظاهرها، جاءت المبادرة المصرية لإنهاء العدوان الإسرائيلي - الجرف الصامد- على قطاع غزة، لكن باطنها لا يبدو كذلك، فالناظر لها والمتأمل لبنودها يجزم بأنها جاءت لنجدة إسرائيل وإنقاذها من البلاء العظيم الذي حلّ بها، وقبل وقوعها في الهزيمة وهي على شفا منها، ولتضع من ناحيةٍ أخرى، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر حركة حماس في مأزق الرفض، بعد التأكّد من أنها لن تُبدِ أيّة مرونة باتجاهها، بناءً على تصريحاتها المسبقة بأن أيّة مبادرات لا تلبي الاشتراطات المطلوبة للمقاومة وللشعب الفلسطيني، هي مرفوضة لديها، والمبادرة المصرية بالطبع لم تأتِ على ذكر أي منها.
ربما مصر للوهلة الأولى، لم تشأ في التقدم بأيّة مبادرة من شأنها إيقاف العدوان لعدم اعترافها بحماس وعدم ثقتها بها أيضاً، لكن ما تكوّن لديها من ضغوطات غربيّة وإسرائيلية بالذات، في سبيل إنقاذ إسرائيل من ورطتها، سيما وأنها نالت من الضربات ما آلمها في صميمها، ومن ناحيةٍ أخرى – وهذا مهم - للحيلولة دون تمكين الحركة والفصائل المقاوِمة الأخرى من الادعاء بأنها حققت إنجازٍ ما، علاوةً على ضرورة استعادة مصر لمكانتها كدولة كبرى ولها وزنها في المنطقة على الأقل، جعلها تُقدم على تسجيل المبادرة والإعلان عنها، برغم علمها بأن مبادرتها مرفوضة تماماً لدى المقاومة وبالذات حماس، بسبب تشككها في النوايا المصرية باتجاهها في ضوء المعاداة الواضحة التي يُكنّها النظام المصري القائم باتجاهها، كونها امتداد للإخوان المسلمين من ناحية، وباعتبارها تشكل خطراً على الأمن القومي المصري من ناحيةٍ أخرى، علاوة على شعورها بتغيّر الموقف المصري إلى مستوً غير معهود من قبل، والذي تمثل باللوم ضد حماس منذ البداية، وتم ترجمته في المبادرة، بحيث لم يمس وإن بطريق الصدفة أيّاً من اشتراطات حماس الرئيسة أو الفرعية، والتي كانت أعلنتها حتى قبل انطلاق العدوان بعدّة أيام، والتي على رأسها تسريح أولئك الذين تم اعتقالهم في أعقاب حادثة مقتل المستوطنين الإسرائيليين خلال الشهر الماضي وخاصة المفرج عنهم بناءً على صفقة الأحرار التي تم إبرامها في أواخر 2011، ووقف اعتداءاتها المتكررة ضد الفلسطينيين، وعدم المس بحكومة المصالحة الوطنية، التي باتت بفعل التهديدات الإسرائيلية عاجزة عن أداء مهامها، وأقلّها عرقلة أيّة مساعٍ باتجاه تمكينها من دفع رواتب أكثر من 40 ألف من موظفي حكومتها السابقة، كما أن إشارة المبادرة الوحيدة والداعية إلى فتح المعابر وتسهيل الحركة بداخلها هي إشارة مشكوكٌ فيها كونها فضفاضة وغامضة بالنسبة للفلسطينيين وواضحة تماماً بالنسبة للإسرائيليين كون استمرارها مرتبط بالحالة الأمنية فقط، بمعنى أن لا مقاومة ولا صواريخ ولا حتى حماس في المستقبل أيضاً. وهذا يُعتبر شرطاً قاسياً لا يُشجع على القبول به، وجاء ذكرها فقط، للتمويه على الحركة بهدف تمرير المبادرة وحسب، وفيما يتعلق بمعبر رفح، فإن تشغيله ولا شك كما يُفهم من مسار السياسة المصرية الحالية، سيكون فقط ضمن إطار اتفاقية 2005، المبرمة مع الجانب الإسرائيلي، والتي لا تشير إلى أي دور لحماس بشأن المشاركة في تشغيله باعتبارها ليست طرفاً في الاتفاقية.
وما يُعظم الشكوك بها، واعتبارها خطّة تسلل ضد المقاومة وحسب، هو الموافقة الإسرائيلية السريعة عليها، حتى على الرغم من عدم تجاوبها بشكلٍ واضح مع اشتراطات رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" لوقف العدوان، والتي أعلن بها خلال اليومين الفائتين وعلى رأسها، وقف إطلاق الصواريخ باتجاه الأعماق الإسرائيلية، والتزام حماس بلجم الحركات الأخرى من تنفيذ نشاطات معادية ضد إسرائيل، بمعنى هدوء مقابل هدوء، لأن المبادرة جاءت على هواها وبناءً على تأكّدها، من أنها أولاً تخدم أهدافها وعلى كلا الوجهين، فمن ناحية تنقذها من ورطتها وتكسب أوراقاً مهمّة في حال وافقت عليها حماس، وثانياً، فهي تشكل غطاءً شرعياً لمتابعة العدوان في حال أعلنت عن رفضها لها، حيث يُشكل الرفض لديها، الرافعة المثلى للتصعيد العسكري، وسواء على ذات النهج العدواني المتّبع طيلة الأيام الفائتة، أو بالانتقال نحو خيار الحرب البرّية، سيّما وأن حركة التشكيلات العسكرية الإسرائيلية بمحاذاة غلاف القطاع، توحي حتى هذه الساعة، بأن التجهيزات للمرحلة الأولى لتلك العملية قد اكتملت.
لكن من الواضح للوضع الحالي لحماس وللحركات الأخرى العاملة، وخاصةً الجهاد الإسلامي يبدو ثابتاً نحو ضرورة مواصلة الجولة، لحين الحصول على نتائج مرضية، حتى في ضوء أنها تشاهد نفسها وحيدة في الميدان ولا تواصل بالمطلق مع أصدقاءها مثل إيران وتركيا وقطر، وأيضاً في ضوء تأكّدها من معلومات، بأن لدى إسرائيل مجهودات أخرى خارجية ستساهم بطريق أو بأخرى جنباً إلى جنب، ضد المقاومة وحركة حماس بشكلٍ خاص، وثباتها يأتي في أنها تضع بين عينيها أهدافاً باتت قريبة من اليد، سيما وأنه كان لها مواجهة العدوان بما لم تتوقعه إسرائيل ولا حلفائها ولا الداعمين لها أيضاً، والتي كانت على مبدأ خطوة بخطوة، وتصعيد بتصعيد وضربة بضربة.
إذاً، فإن من حق حماس والحركات المقاومة الأخرى، أن تستعمل ذكاءها قبل الرد على أيّ مقترح أو أيّة مبادرة في شأن وقف العدوان، ولها الحق بأن ترفض ليست المبادرة المصرية، بل أيّة مبادرات أخرى ما لم يتم التشاور معها رسمياً بشكلٍ أساسي كنقطة أولى، وما لم تستجب للشروط المعلومة، والتي لا سبيل إلى التخلي عنها أو نسيانها، سيما وأنها قاتلت من أجل الحصول عليها وليس من أجل وقف القتال فقط، كما لها الحق أيضاً ورغماً عن الكل، أن تعلن بأنها مستمرة في القتال حتى تلبية تلك الشروط، سيما وأنه لا يوجد لديها ما تخسره، بل يوجد ما تعتقد بأن في مقدورها ربحه.
خانيونس/فلسطين
15/7/2014
د. عادل محمد عايش الأسطل
في ظاهرها، جاءت المبادرة المصرية لإنهاء العدوان الإسرائيلي - الجرف الصامد- على قطاع غزة، لكن باطنها لا يبدو كذلك، فالناظر لها والمتأمل لبنودها يجزم بأنها جاءت لنجدة إسرائيل وإنقاذها من البلاء العظيم الذي حلّ بها، وقبل وقوعها في الهزيمة وهي على شفا منها، ولتضع من ناحيةٍ أخرى، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر حركة حماس في مأزق الرفض، بعد التأكّد من أنها لن تُبدِ أيّة مرونة باتجاهها، بناءً على تصريحاتها المسبقة بأن أيّة مبادرات لا تلبي الاشتراطات المطلوبة للمقاومة وللشعب الفلسطيني، هي مرفوضة لديها، والمبادرة المصرية بالطبع لم تأتِ على ذكر أي منها.
ربما مصر للوهلة الأولى، لم تشأ في التقدم بأيّة مبادرة من شأنها إيقاف العدوان لعدم اعترافها بحماس وعدم ثقتها بها أيضاً، لكن ما تكوّن لديها من ضغوطات غربيّة وإسرائيلية بالذات، في سبيل إنقاذ إسرائيل من ورطتها، سيما وأنها نالت من الضربات ما آلمها في صميمها، ومن ناحيةٍ أخرى – وهذا مهم - للحيلولة دون تمكين الحركة والفصائل المقاوِمة الأخرى من الادعاء بأنها حققت إنجازٍ ما، علاوةً على ضرورة استعادة مصر لمكانتها كدولة كبرى ولها وزنها في المنطقة على الأقل، جعلها تُقدم على تسجيل المبادرة والإعلان عنها، برغم علمها بأن مبادرتها مرفوضة تماماً لدى المقاومة وبالذات حماس، بسبب تشككها في النوايا المصرية باتجاهها في ضوء المعاداة الواضحة التي يُكنّها النظام المصري القائم باتجاهها، كونها امتداد للإخوان المسلمين من ناحية، وباعتبارها تشكل خطراً على الأمن القومي المصري من ناحيةٍ أخرى، علاوة على شعورها بتغيّر الموقف المصري إلى مستوً غير معهود من قبل، والذي تمثل باللوم ضد حماس منذ البداية، وتم ترجمته في المبادرة، بحيث لم يمس وإن بطريق الصدفة أيّاً من اشتراطات حماس الرئيسة أو الفرعية، والتي كانت أعلنتها حتى قبل انطلاق العدوان بعدّة أيام، والتي على رأسها تسريح أولئك الذين تم اعتقالهم في أعقاب حادثة مقتل المستوطنين الإسرائيليين خلال الشهر الماضي وخاصة المفرج عنهم بناءً على صفقة الأحرار التي تم إبرامها في أواخر 2011، ووقف اعتداءاتها المتكررة ضد الفلسطينيين، وعدم المس بحكومة المصالحة الوطنية، التي باتت بفعل التهديدات الإسرائيلية عاجزة عن أداء مهامها، وأقلّها عرقلة أيّة مساعٍ باتجاه تمكينها من دفع رواتب أكثر من 40 ألف من موظفي حكومتها السابقة، كما أن إشارة المبادرة الوحيدة والداعية إلى فتح المعابر وتسهيل الحركة بداخلها هي إشارة مشكوكٌ فيها كونها فضفاضة وغامضة بالنسبة للفلسطينيين وواضحة تماماً بالنسبة للإسرائيليين كون استمرارها مرتبط بالحالة الأمنية فقط، بمعنى أن لا مقاومة ولا صواريخ ولا حتى حماس في المستقبل أيضاً. وهذا يُعتبر شرطاً قاسياً لا يُشجع على القبول به، وجاء ذكرها فقط، للتمويه على الحركة بهدف تمرير المبادرة وحسب، وفيما يتعلق بمعبر رفح، فإن تشغيله ولا شك كما يُفهم من مسار السياسة المصرية الحالية، سيكون فقط ضمن إطار اتفاقية 2005، المبرمة مع الجانب الإسرائيلي، والتي لا تشير إلى أي دور لحماس بشأن المشاركة في تشغيله باعتبارها ليست طرفاً في الاتفاقية.
وما يُعظم الشكوك بها، واعتبارها خطّة تسلل ضد المقاومة وحسب، هو الموافقة الإسرائيلية السريعة عليها، حتى على الرغم من عدم تجاوبها بشكلٍ واضح مع اشتراطات رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" لوقف العدوان، والتي أعلن بها خلال اليومين الفائتين وعلى رأسها، وقف إطلاق الصواريخ باتجاه الأعماق الإسرائيلية، والتزام حماس بلجم الحركات الأخرى من تنفيذ نشاطات معادية ضد إسرائيل، بمعنى هدوء مقابل هدوء، لأن المبادرة جاءت على هواها وبناءً على تأكّدها، من أنها أولاً تخدم أهدافها وعلى كلا الوجهين، فمن ناحية تنقذها من ورطتها وتكسب أوراقاً مهمّة في حال وافقت عليها حماس، وثانياً، فهي تشكل غطاءً شرعياً لمتابعة العدوان في حال أعلنت عن رفضها لها، حيث يُشكل الرفض لديها، الرافعة المثلى للتصعيد العسكري، وسواء على ذات النهج العدواني المتّبع طيلة الأيام الفائتة، أو بالانتقال نحو خيار الحرب البرّية، سيّما وأن حركة التشكيلات العسكرية الإسرائيلية بمحاذاة غلاف القطاع، توحي حتى هذه الساعة، بأن التجهيزات للمرحلة الأولى لتلك العملية قد اكتملت.
لكن من الواضح للوضع الحالي لحماس وللحركات الأخرى العاملة، وخاصةً الجهاد الإسلامي يبدو ثابتاً نحو ضرورة مواصلة الجولة، لحين الحصول على نتائج مرضية، حتى في ضوء أنها تشاهد نفسها وحيدة في الميدان ولا تواصل بالمطلق مع أصدقاءها مثل إيران وتركيا وقطر، وأيضاً في ضوء تأكّدها من معلومات، بأن لدى إسرائيل مجهودات أخرى خارجية ستساهم بطريق أو بأخرى جنباً إلى جنب، ضد المقاومة وحركة حماس بشكلٍ خاص، وثباتها يأتي في أنها تضع بين عينيها أهدافاً باتت قريبة من اليد، سيما وأنه كان لها مواجهة العدوان بما لم تتوقعه إسرائيل ولا حلفائها ولا الداعمين لها أيضاً، والتي كانت على مبدأ خطوة بخطوة، وتصعيد بتصعيد وضربة بضربة.
إذاً، فإن من حق حماس والحركات المقاومة الأخرى، أن تستعمل ذكاءها قبل الرد على أيّ مقترح أو أيّة مبادرة في شأن وقف العدوان، ولها الحق بأن ترفض ليست المبادرة المصرية، بل أيّة مبادرات أخرى ما لم يتم التشاور معها رسمياً بشكلٍ أساسي كنقطة أولى، وما لم تستجب للشروط المعلومة، والتي لا سبيل إلى التخلي عنها أو نسيانها، سيما وأنها قاتلت من أجل الحصول عليها وليس من أجل وقف القتال فقط، كما لها الحق أيضاً ورغماً عن الكل، أن تعلن بأنها مستمرة في القتال حتى تلبية تلك الشروط، سيما وأنه لا يوجد لديها ما تخسره، بل يوجد ما تعتقد بأن في مقدورها ربحه.
خانيونس/فلسطين
15/7/2014