اوشفيتس غزة: "امواتا يمشون "حتى متى؟!
نبيل عودة
هل العرب خارج التاريخ؟
هذا الانطباع الأولي الذي يترسخ في ذهن كل من يحاول ان يفكر بالواقع العربي في ظل ما يجري اليوم في غزة المحاصرة ، "اوشفيتس" هائل يضم في معتقله 1.8 مليون فلسطيني يتعرضون لمحرقة من الاف الأطنان من المتفجرات ، حيث يسقط قتلى ومشوهون من اطفال الشعب الفلسطيني ، نسائه، شيوخه ورجاله الأبرياء . المرعب ليس الصمت الدولي الذي اعتدناه في مواجهة اعتداءات اسرائيل وبطشها، وهو صمت يمكن تعليله حين تكون اسرائيل أحد أطرافه، انما المقلق هو الصمت العربي المرعب ، صمت الأنظمة وصمت الشارع العربي.
أين جماهير الانتفاضة؟
أين قوى اليسار العربي؟
اين القوى الوطنية العربية ؟
أين القوى الاسلامية ؟
لا تبرير ولا صفحان لأنظمة تصمت امام عدوان يتباهى بمجازره، ويتهم الضحية بانها المسؤولة عن المحرقة التي تبطش بهم .
لا نطلب منهم المشاركة بضريبة الدم الفلسطينية، انما كسر الصمت ، اعادة الشارع العربي الى التاريخ الانساني. اعادته الى الوعي الأولي لمفهوم الكرامة الوطنية.
كارثة فلسطين لم تكن ضد شعب صغير اعزل ، بل خطة للحفاظ على عالم عربي خارج التاريخ، هذا ما اثبتته التطورات منذ العام 1948 ، مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر ونظام عبد الناصر ، حتى يومنا الراهن.
لا اعرف لمن تكدس انظمة الصمت العربي السلاح، حتى اليوم لم نعرف الا استعمالا واحدا لسلاحهم، حماية القبيلة الجالسة براس السلطة، وقمع المواطنين وايصالهم للحالة التي نلمسها اليوم بكل بشاعتها ، شعوب مقموعة فقدت اي صلة بالواقع، انتُهكت كرامتها لدرجة فقدت الكرامة معناها... هذه هي حالنا مع انظمة لا يمكن تصنيفها الا برأس قائمة الغباء، فهل سننتظر 30 – 40 سنة اخرى ( ربما 100 سنة) للربيع العربي القادم؟ هل هذا ما اراده 32 مليون مصري يوم خرجوا لدعم عزل النظام الاسلامي في مصر؟ هل يظن رئيس مصر السيسي ان العودة للعب دور الوسيط الذليل بين اسرائيل والفلسطينيين ، هي مهمته القومية العليا؟ هل دور الوسيط هو كل ما تنتظره الشعوب العربية من مصر ؟!
احيانا احسد من لا يعرف اللغة العبرية. ان المتابع للإعلام العبري هذه الأيام يصاب "بإمساك عقلي" لن ينفع معه حتى الملح الانكليزي . عشرات الجنرالات المتقاعدين من مختلف انواع الأسلحة يدلون بتحليلاتهم العسكرية، وكلهم لا يرون الا صواريخ حماس دون تفكير منطقي بما دفع حماس لتحدي جيش يملك دولة غنية انتاجها القومي الاجمالي أكثر من كل الدول العربية المحيطة بها، عدا الدعم الصهيوني الدولي والأمريكي والغربي من دول عديدة تقول شيئا وتفعل شيئا آخر، وقوة عسكرية لا يمكن الاستهتار بقدراتها وتجهيزاتها.
كلهم من اجل ضرب، قمع ، تجريد، سحق، شل، حرق ، هدم وكل المصطلحات العسكرية التي لا افهمها الا بانها تعني مضاعفة نيران محرقة "اوشفيتس غزة". حتى اليوم لم اسمع تقريرا او موقفا عقلانيا. حتى اليسار الصهيوني وما يسمى بالوسط ممثلا بحزب العمل صار يمينيا لا يختلف عن تطرف وزير الخارجية افيغدور ليبرمان وعن داني دانون ،نائب وزير الدفاع المفصول لتطرفه الذي تجاوز رئيس حكومته، اجل دولة تملك القوة، ولا تملك شيء غير القوة، ولا تملك عقلا يعرف كيف يدير القوة بمواجهة 1.8 مليون فلسطيني صار الموت بالنسبة لهم اكثر رحمة من الحياة داخل قطاع محاصر برا وبحرا وجوا، قطاع لا يملك الا ان تفرض عليه الاملاءات الاجرامية ، لا احتجاج على حصار لو تمكن لقيد كمية الأوكسجين التي يستحقها سكان "غيتو غزة". واقع يجعل 1.8 مليون فلسطيني مجرد "امواتا يمشون".
حتى لو التزمنا بتطور الأحداث الأخيرة لوجدنا ان العدوان بدأ بقيام اسرائيل بحملة قمع واعتقالات ضد المواطنين الابرياء في الخليل والضفة الغربية مخالفين اتفاقات دولية حول صفقة الاسرى وحق الحماية للمواطنين العزل. ا ن اعتقال 1500 مواطن مسالم من الضفة ، حتى لو كانوا من منظمة حماس ، هو عملية قمع مخالفة لكل اعراف القوانين الدولية والانسانية. . وهو عدوان مكشوف ومبرمج ضد حركة حماس التي اتخذت قرارا هاما بإنهاء حالة الانشقاق الفلسطينية. طبعا لم يجدوا مبررات لقمع شخصيات حركة فتح.. رغم ان موقف فتح وموقف محمود عباس نفسه لا يعجب نتنياهو ويسبب له الارباك السياسي، جاء العدوان ليخفف الضغط على حكومته بما يخص استمرار المفاوضات.. في محاولة اظهار الشعب الفلسطيني بانه مجرد عصابات ارهاب!!
طبعا الادعاء ان الجميع متهمون بحادث مؤسف لخطف ثلاثة فتيان وقتلهم هو اتهام بلا اساس. عملية الخطف لم تكن بمعرفة أي من قيادات حماس كما تبين ايضا للمخابرات الاسرائيلية. فما هو تبرير الحملة ضد حماس في مناطق الضفة الغربية؟
قلت سابقا اني لست مع فكر حماس واساليبهم، لكن عندما يصل الوضع الى تنفيذ سياسات القتل العشوائي فهذا الأمر يمسني اولا كفلسطيني وثانيا كانسان ويلزمني ان لا اكون مجرد صوتا حياديا.
اسرائيل ارتعبت من المصالحة الفلسطينية رغم شكليتها. من هنا رؤيتي انه يجب ترسيخ المصالحة واعطائها روحا أكثر حيوية، ان فك المصالحة نتيجة اختلاف وجهات النظر للفصائل الفلسطينية لن يكون في مصلحة أي فصيل فلسطيني .
الوحدة الوطنية باتت واجبا في مواجهة المستقبل. مهما كانت شروط وقف اطلاق النار، الا ان غزة ستبقى منطقة غيتو محاصرة من اسرائيل واليوم محاصرة عربيا ايضا. ربما يضاعفون كمية الطعام والمياه والأدوية والإسمنت ، ويفتحون ابواب غزة لبعض المتطوعين ليخففوا الام سكان القطاع. ستظل الجريمة الكبرى باستمرار الحصار وحرمان المواطنين الفلسطينيين من متطلبات حياة انسانية بأبسط الشروط المتعارف عليها في المقاييس الدولية..
السؤال : حتى متى سيتحمل اهل "غيتو" غزة واقع كونهم "امواتا يمشون" ..؟!
nabiloudeh@gmail.com