كلمة لا يقولها الامغفل او خبيث :- ( التدرج)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اتم نعمته على امة الاسلام واكمل دينه لها ورضيه لها دينا والصلاة والسلام على رسول الله الذي ارسله بالاسلام الذي لم يرتضي غيره ومن تبعه ووالاه عليه وبعد:-
1= قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3
نزلت هذه الاية على النبي سلام الله عليه عصر يوم الجمعة في موقف عرفة في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة والنبي سلام الله عليه ما زال محرما بلباس الاحرام. ودلت الاية الكريمة على اكتمال الشرائع والاحكام الربانية بما لا لبس فيه ولا احتمال واقتضت ضمنا الاخذ للامة بهذا الدين المكتمل كاملا والذي ارتضاه الله تعالى للامة ولم يرتضي لها دينا ونظاما غيره بالفاظ تشريعية واضحة لا تحتمل لبسا ولا تاويلا وقد اكد سبحانه لنا هذه الحقيقة بقوله تعالى في ال عمران ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين)85. قال ابنُ كثير - رحمه الله -: "هذه أكبرُ نِعَم الله - تعالى - على هذه الأمَّة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينَهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍّ غير نبيِّهم - صلَوات الله وسلامُه عليه - ولهذا جعله الله تعالى خاتمَ الأنبياء، وبعَثَه إلى الإنسِ والجنِّ، فلا حلالَ إلاَّ ما أحلَّه، ولا حرام إلاَّ ما حرَّمه، ولا دين إلاَّ ما شرعَه، وكلّ شيء أخبرَ به فهو حقّ وصدق لا كذب فيه ولا خُلف، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنَّواهي، فلمَّا أكمل لهم الدّين تمَّت عليهم النِّعْمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾؛ أي: فارضوه أنتُم لأنفُسِكم، فإنَّه الدّين الَّذي أحبَّه الله ورضِيَه، وبعث به أفضل الرُّسُل الكرام، وأنزل به أشرفَ كتُبِه".
روى البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب، عن عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنْه - أنَّ رجلاً من اليهود قال له: يا أميرَ المؤمنين، آيةٌ في كتابِكم تقرؤونَها، لو علينا - معشرَ اليهود - نزلت لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾، قال عمر: "قد عرفْنا ذلك اليوم، والمكان الَّذي نزلت فيه على النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة".
2= ان مفهوم التدرج الشرعي يعني التدرج في نزول الاحكام وتشريعها حسب المناسبات التي كانت اسبابا للنزول وتبليغ الاحكام وليس كما يتوهم البعض في الاحكام من حيث التحليل او التحريم او الالزام او الندب فالاباحة لا تجزأ وكذلك التحريم لا يجزأ فليس هناك نصف محرم ولا نصف مباح وبناءا على الاية السابقة فان القول بالتدرج التشريعي يعتبر منتهيا ولا حجة لاحد بالقول فيه او به لانه اتهام للدين المكتمل بالنقص وهذا مناقض للعقيدة ومفاهيم الايمان. واعتقاده كفر باطل.
اما القول بالتدرج في التطبيق فهل يصح هذا القول ام لا يصح؟؟ وهذا يحتاج منا الى نظر شرعي في النصوص الشرعية فنجد ان الله تعالى يقول وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)النساء يقول ابن كثير رحمه الله تعالى : وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ; ولهذا قال : ( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " . هذا من ناحية ومن ناحية ثانية نجد ان الله تعالى ايضا يقول{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.. [البقرة : 85].
والانكار هنا على الامم التي تطبق من الشرغ ما تشتهيه اهواءهم وينفرون مما يخالف اهواءهم ومصالحها ولا ينسجم مع ميول انفسهم.فنعى الله تعالى عليهم هذا الفعل وشدد في انكاره عليهم فلا يقال تركنا تطبيق هذا الحكم او ذاك التشريع نزولا عند رغبة الجماهير .يقول الامام احمد بن تيمية رحمه الله:«فليس حُسن النية بالرعية والإحسان إليهم أن يفعل ما يهوونه ويترك ما يكرهونه، فقد قال الله:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْـحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71] ، وقال - تعالى - للصحابة:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7] ، وإنما الإحسان إليهم فعل ما ينفعهم في الدين والدنيا ولو كرهه من كرهه؛ لكن ينبغي له أن يرفق بهم في ما يكرهونه؛ ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه» مجموع الفتاوى: (28/364).
3= ان التدرج المطروح على الساحة والذي يقتضي خلط احكام الاسلام بغيره من السياسات والاحكام والتشاريع انما هو بدعة وفتنة وخبث ومكر يراد به السوء للدين والامة وضرب لمفاهيم الايمان والتميز والمغايرة التي جاء بها ديننا لامتنا فلم يرض لها مشابهة الكفار حتى في المظاهر كالشكل واللباس كي لا نستهون الامر فننقاد لمشابهتهم في الجوهر فليتق الله كل من يدافع عن التدرج ويزينه للامة فهو الباطل بعينه ولا يستقيم ان تخلط النجس بالطاهر ولا الباطل بالحق وقد ترككم نبيكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك.
4= أنَّ الله - تعالى - رضِي للمؤمنين هذا الدين العظيم؛ دين الإسلام، بل إنَّ الله لا يقبل من النَّاس غيره، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 19].
فوجب على المؤمنين أن يَرْضَوا بهذا الدّين الَّذي رضِيَه الله لهم، روى مسلم في صحيحه من حديث سعْد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن قال حين يسمع المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، رضِيتُ باللَّه ربًّا، وبمحمَّد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبُه)) ولا يكون الدين مقبولا وهو مجزأ او منقوصا بعد اتمام الله تعالى له ورحم الله من قال خذوا الاسلام دفعة او دعوه - لان تجزيئه وتقطيعه انما هو تشويه له ولن يؤتي ثماره في الوجود ان لم ينفذ كاملا كمشروع متكامل يوجه الفرد والجماعة والمجتمع والحياة بوجهته وحسب نظرته واحكامه وتشريعاته.
5= وخناما نؤكد على نقطة مهمة ولعلها هي الباعث عند المتدرجين للقول بالتدرج والتمرغ في الوحل والمستنقعات ارضاءا لاهل الملل والنحل قنقول لهم أنَّ أحكام هذا الدّين وشرائعَه قد كملتْ، فلا تتغيَّر ولا تتبدَّل إلى يوم القيامة، فعلى سبيل المثال ذكَرَ الله في كتابه اليهودَ والنَّصارى وغيرهم من الكفَّار، ونهانا عن موالاتهم، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، فلا يأتِي أحدٌ فيقول: إنَّ الزَّمن قد تغيَّر، وإنَّ اليهود والنَّصارى أصدقاء، وبيْننا وبيْنهم مصالح فلا بدَّ من صداقتهم، وإنَّ هؤلاء ليسوا كأسْلافهم من قبل، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73].
وها انتم تعيشون هذا الفساد الكبير والفتن التي لا يخلوا منها شبر من ارضكم ايها المسلمون في مشارق الارض ومغاربها وفي النهاية رْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اتم نعمته على امة الاسلام واكمل دينه لها ورضيه لها دينا والصلاة والسلام على رسول الله الذي ارسله بالاسلام الذي لم يرتضي غيره ومن تبعه ووالاه عليه وبعد:-
1= قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3
نزلت هذه الاية على النبي سلام الله عليه عصر يوم الجمعة في موقف عرفة في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة والنبي سلام الله عليه ما زال محرما بلباس الاحرام. ودلت الاية الكريمة على اكتمال الشرائع والاحكام الربانية بما لا لبس فيه ولا احتمال واقتضت ضمنا الاخذ للامة بهذا الدين المكتمل كاملا والذي ارتضاه الله تعالى للامة ولم يرتضي لها دينا ونظاما غيره بالفاظ تشريعية واضحة لا تحتمل لبسا ولا تاويلا وقد اكد سبحانه لنا هذه الحقيقة بقوله تعالى في ال عمران ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين)85. قال ابنُ كثير - رحمه الله -: "هذه أكبرُ نِعَم الله - تعالى - على هذه الأمَّة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينَهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍّ غير نبيِّهم - صلَوات الله وسلامُه عليه - ولهذا جعله الله تعالى خاتمَ الأنبياء، وبعَثَه إلى الإنسِ والجنِّ، فلا حلالَ إلاَّ ما أحلَّه، ولا حرام إلاَّ ما حرَّمه، ولا دين إلاَّ ما شرعَه، وكلّ شيء أخبرَ به فهو حقّ وصدق لا كذب فيه ولا خُلف، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنَّواهي، فلمَّا أكمل لهم الدّين تمَّت عليهم النِّعْمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾؛ أي: فارضوه أنتُم لأنفُسِكم، فإنَّه الدّين الَّذي أحبَّه الله ورضِيَه، وبعث به أفضل الرُّسُل الكرام، وأنزل به أشرفَ كتُبِه".
روى البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب، عن عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنْه - أنَّ رجلاً من اليهود قال له: يا أميرَ المؤمنين، آيةٌ في كتابِكم تقرؤونَها، لو علينا - معشرَ اليهود - نزلت لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾، قال عمر: "قد عرفْنا ذلك اليوم، والمكان الَّذي نزلت فيه على النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة".
2= ان مفهوم التدرج الشرعي يعني التدرج في نزول الاحكام وتشريعها حسب المناسبات التي كانت اسبابا للنزول وتبليغ الاحكام وليس كما يتوهم البعض في الاحكام من حيث التحليل او التحريم او الالزام او الندب فالاباحة لا تجزأ وكذلك التحريم لا يجزأ فليس هناك نصف محرم ولا نصف مباح وبناءا على الاية السابقة فان القول بالتدرج التشريعي يعتبر منتهيا ولا حجة لاحد بالقول فيه او به لانه اتهام للدين المكتمل بالنقص وهذا مناقض للعقيدة ومفاهيم الايمان. واعتقاده كفر باطل.
اما القول بالتدرج في التطبيق فهل يصح هذا القول ام لا يصح؟؟ وهذا يحتاج منا الى نظر شرعي في النصوص الشرعية فنجد ان الله تعالى يقول وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)النساء يقول ابن كثير رحمه الله تعالى : وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ; ولهذا قال : ( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " . هذا من ناحية ومن ناحية ثانية نجد ان الله تعالى ايضا يقول{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.. [البقرة : 85].
والانكار هنا على الامم التي تطبق من الشرغ ما تشتهيه اهواءهم وينفرون مما يخالف اهواءهم ومصالحها ولا ينسجم مع ميول انفسهم.فنعى الله تعالى عليهم هذا الفعل وشدد في انكاره عليهم فلا يقال تركنا تطبيق هذا الحكم او ذاك التشريع نزولا عند رغبة الجماهير .يقول الامام احمد بن تيمية رحمه الله:«فليس حُسن النية بالرعية والإحسان إليهم أن يفعل ما يهوونه ويترك ما يكرهونه، فقد قال الله:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْـحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71] ، وقال - تعالى - للصحابة:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7] ، وإنما الإحسان إليهم فعل ما ينفعهم في الدين والدنيا ولو كرهه من كرهه؛ لكن ينبغي له أن يرفق بهم في ما يكرهونه؛ ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه» مجموع الفتاوى: (28/364).
3= ان التدرج المطروح على الساحة والذي يقتضي خلط احكام الاسلام بغيره من السياسات والاحكام والتشاريع انما هو بدعة وفتنة وخبث ومكر يراد به السوء للدين والامة وضرب لمفاهيم الايمان والتميز والمغايرة التي جاء بها ديننا لامتنا فلم يرض لها مشابهة الكفار حتى في المظاهر كالشكل واللباس كي لا نستهون الامر فننقاد لمشابهتهم في الجوهر فليتق الله كل من يدافع عن التدرج ويزينه للامة فهو الباطل بعينه ولا يستقيم ان تخلط النجس بالطاهر ولا الباطل بالحق وقد ترككم نبيكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك.
4= أنَّ الله - تعالى - رضِي للمؤمنين هذا الدين العظيم؛ دين الإسلام، بل إنَّ الله لا يقبل من النَّاس غيره، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 19].
فوجب على المؤمنين أن يَرْضَوا بهذا الدّين الَّذي رضِيَه الله لهم، روى مسلم في صحيحه من حديث سعْد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((مَن قال حين يسمع المؤذِّن: أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، رضِيتُ باللَّه ربًّا، وبمحمَّد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبُه)) ولا يكون الدين مقبولا وهو مجزأ او منقوصا بعد اتمام الله تعالى له ورحم الله من قال خذوا الاسلام دفعة او دعوه - لان تجزيئه وتقطيعه انما هو تشويه له ولن يؤتي ثماره في الوجود ان لم ينفذ كاملا كمشروع متكامل يوجه الفرد والجماعة والمجتمع والحياة بوجهته وحسب نظرته واحكامه وتشريعاته.
5= وخناما نؤكد على نقطة مهمة ولعلها هي الباعث عند المتدرجين للقول بالتدرج والتمرغ في الوحل والمستنقعات ارضاءا لاهل الملل والنحل قنقول لهم أنَّ أحكام هذا الدّين وشرائعَه قد كملتْ، فلا تتغيَّر ولا تتبدَّل إلى يوم القيامة، فعلى سبيل المثال ذكَرَ الله في كتابه اليهودَ والنَّصارى وغيرهم من الكفَّار، ونهانا عن موالاتهم، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 51]، فلا يأتِي أحدٌ فيقول: إنَّ الزَّمن قد تغيَّر، وإنَّ اليهود والنَّصارى أصدقاء، وبيْننا وبيْنهم مصالح فلا بدَّ من صداقتهم، وإنَّ هؤلاء ليسوا كأسْلافهم من قبل، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ [الأنفال: 73].
وها انتم تعيشون هذا الفساد الكبير والفتن التي لا يخلوا منها شبر من ارضكم ايها المسلمون في مشارق الارض ومغاربها وفي النهاية رْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.