الاربعاء 30/12/2015
في السنوات الأخيرة، أجمع المراقبون ووزراء خارجية أميركيون سابقون، على أن العالم يمر في مرحلة تغيرات واضطرابات محيّرة وغامضة. وإثر طي الثنائية القطبية في ختام الحرب الباردة، دار الكلام على عصر الأحادية الأميركية، وكانت العلامة الأبرز عليه غزو العراق في 2003، من دون تفويض أممي. بعدها، بدأ الكلام على أفول القوة الأميركية وبروز عالم متعدّد الأقطاب. وتناولت هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة الديموقراطية الى الرئاسة الأميركية، في أيلول (سبتمبر) 2014 في مراجعتها كتاب "النظام العالمي الجديد" لصاحبه الذائع الصيت، هنري كيسنجر - وهو سلفها ومستشار الأمن القومي الأميركي في عهدي الرئيسين نيكسون وفورد - المسائل المشكّلة على القادة، وهي مسائل اقتصادية حملتها أزمة 2008 المالية، وأخرى وثيقة الصلة بالتكنولوجيا الجديدة، ودور قوى نامية "صاعدة أو بارزة في حل المشكلات الدولية أو تأجيجها، ودور مجموعات إرهابية تخرج على المعايير الدولية وتعتبر أنها في حل منها، فتهدّد الدول وتزعزعها. وبرز طور جديد من أطوار الحرب، ولم تعد الحروب تدور بين دول فحسب، فتنظيمات إرهابية مثل "داعش"، تجمع بين وسائل مواجهة تقليدية (الدبابات) ووسائل حرب العصابات غير المتكافئة. فالحرب تجتاح كل حيّز يشغله الإنسان: الأرض والبحر والجو والفضاء والعالم السيبيرنيطيقي، على ما رأى الجنرال فانسان ديبورت (لوموند 5/6/2015، الحياة في 1/7). وفي العام المشارف على ختامه، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقاً مع الصين لضبط السلاح في العالم السيبيرنيطيقي. فهذا السلاح ارتقى الى مصاف الأسلحة النووية أو البيولوجية والكيماوية، واقتضى اتفاقاً على قوننة استخدامه. ونبّه ديفيد إي. سانجر في "نيويورك تايمز" ("الحياة" 23/9/2015)، الى عسر مراقبة هذا النوع من السلاح في عالم "سائل" أو محاسبة المبادر الى استخدامه. فعلى رغم أن الأسلحة السيبيرنيطيقية تطوّرها دول، تستخدمها كذلك مجموعات إجرامية وشلل مراهقين.
المناخ والحرب
وفي 2015، بدا أن التغيرات المناخية قد تخلّف أثراً في الموازين الجيواستراتيجية. وأعلن باراك أوباما في أيار (مايو) المنصرم، أن "التغير المناخي هو تهديد جديد للأمن العالمي وخطر مباشر على الأمن القومي الأميركي". وسبقه لوران فابيوس في آذار (مارس) المنصرم، الى دق ناقوس الخطر المناخي، إذ قال أن الاضطرابات المناخية... تشعل فتيل النزاعات العنيفة في الدول النامية. وعُقِد في خريف 2015 مؤتمر في باريس، الى المؤتمر المناخي، للبحث في أثر المناخ في الحروب. ودحض عدد من الباحثين احتمال أن تؤدي تغيرات مناخية، منها الجفاف أو الفيضانات، الى حروب أو نزاعات. ولم يرصدوا علاقة سببية بين الظاهرتين، الجفاف مثلاً، وبين الحرب أو اندلاع نزاع. ورأى برونو ترترييه، مدير بحوث في مركز الأبحاث الاستراتيجية الفرنسي في "ريفو دي ديفانس ناسيونال"، أن رد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، النزاع في دارفور الى التغير المناخي، في غير محلّه. فاعتبار المناخ "سبب" النزاع يعفي مرتكبي المجازر من المسؤولية ويبرّئ كفتهم، في وقت لا تتوافق تواريخ الجفاف مع موجات العنف. وعلى سبيل المثل، تظهر الدراسات أن النزاعات في منطقة الساحل الأفريقي في السبعينات مردّها الى عوامل سياسية وبشرية وليس الى المناخ. وفي كينيا والصومال، تزامن ارتفاع وتيرة النزاعات وكر سبحتها مع "بحبوحة" الموارد. وقد يسوّغ كلام بان كي مون نسبة الحرب في سورية الى الاحتباس الحراري. لكن الحرب هناك لم تتحدر من موجات الجفاف في 2006 و2010 التي ضربت سورية، على رغم أنها فاقمت الاستياء الشعبي. فالسلطات السورية أساءت إدارة الأزمة الزراعية وتوزيع الموارد المائية من جهة، وقمعت قمعاً دموياً التظاهرات السلمية، من جهة أخرى. ومثل هذه الموجات ضرب دول الجوار، ولم تندلع فيها حروب.
ممرات مائيّة جديدة
تنبأت البحرية الأميركية بذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي عن بكرة أبيه في 2050. وفي 2015، بلغت مساحة الممرات المائية الجديدة التي تقتضي حراستها 45 في المئة من مساحة اليابسة في الولايات المتحدة، كما نقلت "نيوزويك" الأميركية عن الأدميرال الأميركي دان آبل ("الحياة" - ملحق صحافة العالم في 15/7/2015)، المسؤول عن حرس السواحل في ألاسكا. وقبل أيام، نشرت "نيويورك تايمز" تقريراً عن "عصر التسلح الروسي الجديد"، أبرز ما ورد فيه أن موسكو تجدّد مراكزها العسكرية في منطقة المتجمد الشمالي. فهي تسعى الى بسط نفوذها على طرق الملاحة الجديدة، واستخراج النفط والغاز هناك. ولكن يُستبعَد اندلاع حرب بين الناتو وروسيا على هذه الممرات الجديدة التي لن تكون مشرّعة أمام الملاحة إلا لأسابيع قليلة سنوياً أو عدد من الأشهر. وتقع الموارد الطبيعية في هذه المنطقة ضمن الحدود البحرية الإقليمية للدول المتشاطئة. ولم تحل الأزمة الأوكرانية – الروسية من دون تعاون دول مجلس المتجمد الشمالي على إبرام اتفاق ينظم الصيد في المنطقة.
بحر الصين الجنوبي
تتصدر البحار الاستراتيجية الدفاعية الصينية، وعلى رأس أولويات بكين وفق الكتاب الأبيض الصيني الأخير (الموازنة الاستراتيجية العسكرية)، السيطرة على بحر الصين والممر المفضي إلى الهادئ وحماية المصالح الصينية في أعالي البحار، من طاقة ومواد أولية وحماية الطرق البحرية. ويشير المحلل الفرنسي نيكولا بافيريز، الى أن البحار هي حيز اقتصادي واستراتيجي متنازع ("الحياة - صحافة العالم" 12/8/2015). لكن الصين ليست عدو الولايات المتحدة، كما نبّه الجنرال مايكل هايدن، المدير السابق للاستخبارات الأميركية ووكالة الأمن القومي، في حديث الى "لوفيغارو" الفرنسية (6/7/2015، "الحياة" في 15/7)، على رغم التنافس والتنازع. ويشغل الاستخبارات الأميركية، القلق من المشكلات البنيوية الصينية (سكانية، وبيئية واجتماعية - اقتصادية، والتوزيع غير العادل للثروات) بمقدار ما تشغلها قوة الصين، وفق قوله.
منعطف الاتفاق النووي الإيراني
أبرز حوادث العام 2015 المشارف على الختام، هو إبرام الاتفاق النووي مع إيران في فيينا في 14 تموز (يوليو) المنصرم. وعلى خلاف توقعات مراقبين ومحللين، لم تنهمر الأموال النفطية أو "المجمدة" على طهران و "الحرس الثوري". ومثل هذه التوقعات والتحليلات ضعيف الصلة بالواقع، ولا يحتسب ائتلاف السياسة الأميركية والروسية والإقليمية من عناصر كثيرة متباينة ومتنافرة. واليوم، بعد مرور 5 أشهر على الاتفاق، لا يزال ركود اقتصادي شديد الوطأة يعصف بإيران. وهي توقفت عن دفع رواتب المعلمين والجنود في الجيش. وبدا أن واشنطن بدأت تشدّ عود الاتفاق النووي الإيراني، نزولاً على دعوة عدد من المسؤولين السابقين، منهم دنيس روس والجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس ("واشنطن بوست" 25/8/، "الحياة" 9/9)، ومسؤولان سابقان في الخزانة الأميركية، خوان زاراتي وشي بونسي ("واشنطن بوست" 25/8، "الحياة" 2/9). وإثر إطلاق طهران أخيراً صاروخاً باليستياً سمّته "عماد"، لجأت واشنطن الى القوة الأميركية المالية و "الجمركية" والنفطية ضد مروحة من التهديدات الإيرانية. وشددت قيد العقوبات المصرفية على "حزب الله" والمقربين منه، أي الى أذرع طهران التي تحارب بالوكالة عنها، وأدرجت إيران الى غيرها من الدول مثل سورية والسودان، على لائحة يحظر على زائرها، ولو كان أوروبياً، دخول الولايات المتحدة من غير تأشيرة. هذه التأشيرة قد تثني رجال أعمال غربيين عن زيارة طهران. ورفع الكونغرس الحظر عن تصدير النفط الأميركي. وتحول هذه الخطوة دون ارتفاع أسعار برميل النفط، وقد تساهم في انهياره أكثر. فواشنطن ترمي الى تقييد أعمال "الحرس الثوري" الذي يُحكِم السيطرة على مفاصل الاقتصاد الإيراني، خصوصاً على القطاع النفطي، وحمل طهران على العودة الى دورها كدولة فيستفالية تنضوي في حدود محددة، كما يقول هنري كيسنجر.
حرب باردة؟
أبقت أميركا الدرع الصاروخية في شرق أوروبا، على رغم اعتراض روسيا ودعوتها الى سحب منظومة الدرع إثر إبرام الاتفاق النووي مع إيران و "انتفاء الخطر الإيراني". وإثر ضم القرم، فرض الغرب على روسيا عقوبات مالية واقتصادية. وعلى رغم أنها لم تسلّح الأوكرانيين، أجرت واشنطن مناورات عسكرية ضخمة على الحدود البولندية مع روسيا. ووجه حلف شمال الأطلسي، أخيراً، دعوة الى جمهورية الجبل الأسود (مونتينيغرو) للانضمام إليه، ووصفت موسكو هذه الخطوة بـ "الاستفزاز". فهي ترمي الى إضعاف النفوذ الروسي في البلقان. وكثر الكلام عن حرب باردة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة، لكن تفادي العودة الى ظروف الحرب الباردة مع أميركا ممكن، وهو رهن جعل موسكو حملتها العسكرية تقتصر على "داعش" في سورية، كما يقول هنري كيسنجر (وول ستريت جورنال، 17/10، "الحياة" 21/10).
ويعزو محللون كثر حوادث الشرق الأوسط الى انهيار حدود سايكس – بيكو، على خلاف كيسنجر الذي يرى أنها من أعراض تداعي دور أميركا في إرساء استقرار المنطقة التي يهددها التوسّع الإمبريالي الفارسي وحركات دينية متطرفة ونزاعات في كل دولة بين إتنياتها وجماعات دينية جُمعت مع بعضها اعتباطياً بعد الحرب الأولى، وضغوط داخلية مردّها الى سياسات اجتماعية اقتصادية سلبية. ويبدو أن الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، في حيرة من أمرها، وتتردّد في بلورة دورها الدولي وتوجيه دفة العالم.
في السنوات الأخيرة، أجمع المراقبون ووزراء خارجية أميركيون سابقون، على أن العالم يمر في مرحلة تغيرات واضطرابات محيّرة وغامضة. وإثر طي الثنائية القطبية في ختام الحرب الباردة، دار الكلام على عصر الأحادية الأميركية، وكانت العلامة الأبرز عليه غزو العراق في 2003، من دون تفويض أممي. بعدها، بدأ الكلام على أفول القوة الأميركية وبروز عالم متعدّد الأقطاب. وتناولت هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة الديموقراطية الى الرئاسة الأميركية، في أيلول (سبتمبر) 2014 في مراجعتها كتاب "النظام العالمي الجديد" لصاحبه الذائع الصيت، هنري كيسنجر - وهو سلفها ومستشار الأمن القومي الأميركي في عهدي الرئيسين نيكسون وفورد - المسائل المشكّلة على القادة، وهي مسائل اقتصادية حملتها أزمة 2008 المالية، وأخرى وثيقة الصلة بالتكنولوجيا الجديدة، ودور قوى نامية "صاعدة أو بارزة في حل المشكلات الدولية أو تأجيجها، ودور مجموعات إرهابية تخرج على المعايير الدولية وتعتبر أنها في حل منها، فتهدّد الدول وتزعزعها. وبرز طور جديد من أطوار الحرب، ولم تعد الحروب تدور بين دول فحسب، فتنظيمات إرهابية مثل "داعش"، تجمع بين وسائل مواجهة تقليدية (الدبابات) ووسائل حرب العصابات غير المتكافئة. فالحرب تجتاح كل حيّز يشغله الإنسان: الأرض والبحر والجو والفضاء والعالم السيبيرنيطيقي، على ما رأى الجنرال فانسان ديبورت (لوموند 5/6/2015، الحياة في 1/7). وفي العام المشارف على ختامه، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقاً مع الصين لضبط السلاح في العالم السيبيرنيطيقي. فهذا السلاح ارتقى الى مصاف الأسلحة النووية أو البيولوجية والكيماوية، واقتضى اتفاقاً على قوننة استخدامه. ونبّه ديفيد إي. سانجر في "نيويورك تايمز" ("الحياة" 23/9/2015)، الى عسر مراقبة هذا النوع من السلاح في عالم "سائل" أو محاسبة المبادر الى استخدامه. فعلى رغم أن الأسلحة السيبيرنيطيقية تطوّرها دول، تستخدمها كذلك مجموعات إجرامية وشلل مراهقين.
المناخ والحرب
وفي 2015، بدا أن التغيرات المناخية قد تخلّف أثراً في الموازين الجيواستراتيجية. وأعلن باراك أوباما في أيار (مايو) المنصرم، أن "التغير المناخي هو تهديد جديد للأمن العالمي وخطر مباشر على الأمن القومي الأميركي". وسبقه لوران فابيوس في آذار (مارس) المنصرم، الى دق ناقوس الخطر المناخي، إذ قال أن الاضطرابات المناخية... تشعل فتيل النزاعات العنيفة في الدول النامية. وعُقِد في خريف 2015 مؤتمر في باريس، الى المؤتمر المناخي، للبحث في أثر المناخ في الحروب. ودحض عدد من الباحثين احتمال أن تؤدي تغيرات مناخية، منها الجفاف أو الفيضانات، الى حروب أو نزاعات. ولم يرصدوا علاقة سببية بين الظاهرتين، الجفاف مثلاً، وبين الحرب أو اندلاع نزاع. ورأى برونو ترترييه، مدير بحوث في مركز الأبحاث الاستراتيجية الفرنسي في "ريفو دي ديفانس ناسيونال"، أن رد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، النزاع في دارفور الى التغير المناخي، في غير محلّه. فاعتبار المناخ "سبب" النزاع يعفي مرتكبي المجازر من المسؤولية ويبرّئ كفتهم، في وقت لا تتوافق تواريخ الجفاف مع موجات العنف. وعلى سبيل المثل، تظهر الدراسات أن النزاعات في منطقة الساحل الأفريقي في السبعينات مردّها الى عوامل سياسية وبشرية وليس الى المناخ. وفي كينيا والصومال، تزامن ارتفاع وتيرة النزاعات وكر سبحتها مع "بحبوحة" الموارد. وقد يسوّغ كلام بان كي مون نسبة الحرب في سورية الى الاحتباس الحراري. لكن الحرب هناك لم تتحدر من موجات الجفاف في 2006 و2010 التي ضربت سورية، على رغم أنها فاقمت الاستياء الشعبي. فالسلطات السورية أساءت إدارة الأزمة الزراعية وتوزيع الموارد المائية من جهة، وقمعت قمعاً دموياً التظاهرات السلمية، من جهة أخرى. ومثل هذه الموجات ضرب دول الجوار، ولم تندلع فيها حروب.
ممرات مائيّة جديدة
تنبأت البحرية الأميركية بذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي عن بكرة أبيه في 2050. وفي 2015، بلغت مساحة الممرات المائية الجديدة التي تقتضي حراستها 45 في المئة من مساحة اليابسة في الولايات المتحدة، كما نقلت "نيوزويك" الأميركية عن الأدميرال الأميركي دان آبل ("الحياة" - ملحق صحافة العالم في 15/7/2015)، المسؤول عن حرس السواحل في ألاسكا. وقبل أيام، نشرت "نيويورك تايمز" تقريراً عن "عصر التسلح الروسي الجديد"، أبرز ما ورد فيه أن موسكو تجدّد مراكزها العسكرية في منطقة المتجمد الشمالي. فهي تسعى الى بسط نفوذها على طرق الملاحة الجديدة، واستخراج النفط والغاز هناك. ولكن يُستبعَد اندلاع حرب بين الناتو وروسيا على هذه الممرات الجديدة التي لن تكون مشرّعة أمام الملاحة إلا لأسابيع قليلة سنوياً أو عدد من الأشهر. وتقع الموارد الطبيعية في هذه المنطقة ضمن الحدود البحرية الإقليمية للدول المتشاطئة. ولم تحل الأزمة الأوكرانية – الروسية من دون تعاون دول مجلس المتجمد الشمالي على إبرام اتفاق ينظم الصيد في المنطقة.
بحر الصين الجنوبي
تتصدر البحار الاستراتيجية الدفاعية الصينية، وعلى رأس أولويات بكين وفق الكتاب الأبيض الصيني الأخير (الموازنة الاستراتيجية العسكرية)، السيطرة على بحر الصين والممر المفضي إلى الهادئ وحماية المصالح الصينية في أعالي البحار، من طاقة ومواد أولية وحماية الطرق البحرية. ويشير المحلل الفرنسي نيكولا بافيريز، الى أن البحار هي حيز اقتصادي واستراتيجي متنازع ("الحياة - صحافة العالم" 12/8/2015). لكن الصين ليست عدو الولايات المتحدة، كما نبّه الجنرال مايكل هايدن، المدير السابق للاستخبارات الأميركية ووكالة الأمن القومي، في حديث الى "لوفيغارو" الفرنسية (6/7/2015، "الحياة" في 15/7)، على رغم التنافس والتنازع. ويشغل الاستخبارات الأميركية، القلق من المشكلات البنيوية الصينية (سكانية، وبيئية واجتماعية - اقتصادية، والتوزيع غير العادل للثروات) بمقدار ما تشغلها قوة الصين، وفق قوله.
منعطف الاتفاق النووي الإيراني
أبرز حوادث العام 2015 المشارف على الختام، هو إبرام الاتفاق النووي مع إيران في فيينا في 14 تموز (يوليو) المنصرم. وعلى خلاف توقعات مراقبين ومحللين، لم تنهمر الأموال النفطية أو "المجمدة" على طهران و "الحرس الثوري". ومثل هذه التوقعات والتحليلات ضعيف الصلة بالواقع، ولا يحتسب ائتلاف السياسة الأميركية والروسية والإقليمية من عناصر كثيرة متباينة ومتنافرة. واليوم، بعد مرور 5 أشهر على الاتفاق، لا يزال ركود اقتصادي شديد الوطأة يعصف بإيران. وهي توقفت عن دفع رواتب المعلمين والجنود في الجيش. وبدا أن واشنطن بدأت تشدّ عود الاتفاق النووي الإيراني، نزولاً على دعوة عدد من المسؤولين السابقين، منهم دنيس روس والجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس ("واشنطن بوست" 25/8/، "الحياة" 9/9)، ومسؤولان سابقان في الخزانة الأميركية، خوان زاراتي وشي بونسي ("واشنطن بوست" 25/8، "الحياة" 2/9). وإثر إطلاق طهران أخيراً صاروخاً باليستياً سمّته "عماد"، لجأت واشنطن الى القوة الأميركية المالية و "الجمركية" والنفطية ضد مروحة من التهديدات الإيرانية. وشددت قيد العقوبات المصرفية على "حزب الله" والمقربين منه، أي الى أذرع طهران التي تحارب بالوكالة عنها، وأدرجت إيران الى غيرها من الدول مثل سورية والسودان، على لائحة يحظر على زائرها، ولو كان أوروبياً، دخول الولايات المتحدة من غير تأشيرة. هذه التأشيرة قد تثني رجال أعمال غربيين عن زيارة طهران. ورفع الكونغرس الحظر عن تصدير النفط الأميركي. وتحول هذه الخطوة دون ارتفاع أسعار برميل النفط، وقد تساهم في انهياره أكثر. فواشنطن ترمي الى تقييد أعمال "الحرس الثوري" الذي يُحكِم السيطرة على مفاصل الاقتصاد الإيراني، خصوصاً على القطاع النفطي، وحمل طهران على العودة الى دورها كدولة فيستفالية تنضوي في حدود محددة، كما يقول هنري كيسنجر.
حرب باردة؟
أبقت أميركا الدرع الصاروخية في شرق أوروبا، على رغم اعتراض روسيا ودعوتها الى سحب منظومة الدرع إثر إبرام الاتفاق النووي مع إيران و "انتفاء الخطر الإيراني". وإثر ضم القرم، فرض الغرب على روسيا عقوبات مالية واقتصادية. وعلى رغم أنها لم تسلّح الأوكرانيين، أجرت واشنطن مناورات عسكرية ضخمة على الحدود البولندية مع روسيا. ووجه حلف شمال الأطلسي، أخيراً، دعوة الى جمهورية الجبل الأسود (مونتينيغرو) للانضمام إليه، ووصفت موسكو هذه الخطوة بـ "الاستفزاز". فهي ترمي الى إضعاف النفوذ الروسي في البلقان. وكثر الكلام عن حرب باردة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة، لكن تفادي العودة الى ظروف الحرب الباردة مع أميركا ممكن، وهو رهن جعل موسكو حملتها العسكرية تقتصر على "داعش" في سورية، كما يقول هنري كيسنجر (وول ستريت جورنال، 17/10، "الحياة" 21/10).
ويعزو محللون كثر حوادث الشرق الأوسط الى انهيار حدود سايكس – بيكو، على خلاف كيسنجر الذي يرى أنها من أعراض تداعي دور أميركا في إرساء استقرار المنطقة التي يهددها التوسّع الإمبريالي الفارسي وحركات دينية متطرفة ونزاعات في كل دولة بين إتنياتها وجماعات دينية جُمعت مع بعضها اعتباطياً بعد الحرب الأولى، وضغوط داخلية مردّها الى سياسات اجتماعية اقتصادية سلبية. ويبدو أن الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، في حيرة من أمرها، وتتردّد في بلورة دورها الدولي وتوجيه دفة العالم.