وطن للأنباء: رغم أنّ عودة الحديث عن «الخلافة» ارتبطت في السنوات الأخيرة بـ«داعش»، غيرَ أنّه لم يكن سوى وافدٍ جديد إلى هذا المضمار. يُعَدّ «حزب التحرير الإسلامي» أقدمَ جهة تنادي بعودة «الخلافة الإسلاميّة»، وهذا هو هدفه الأوحد. وجد «التحرير» في الحرب السورية تربةً خصبةً لنشاطه «الدعوي» الذي يسمّيه «نشاطاً إعلاميّاً». اضطلع «التحرير» بدور مركزي في تجهيز «كوادر» و«حاضنات» لـ«الجهاديين»، ولا يزال
اختبر السوريّون الفكر «الجهادي» قبل عقود على يد جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم «الطليعة المقاتلة»، قبلَ أن تحسم السّلطات الصّراع الدموي الذي غرقت فيه البلاد في ثمانينيات القرن الماضي. بعدَها، عرفت سوريا نوعاً من أنواع «ازدهار» العمل «الجهاديّ» إبّان الغزو الأميركي للعراق («الأخبار»، العدد 2670).
أُقفل هذا الملف لسنوات قليلة قبلَ أن يُفتح على مصراعيه منذ منتصف عام 2011. ورغم أنّ معظم المجموعات المسلّحة العاملة في سوريا هي وليدة تطوّرات السنوات الخمس الأخيرة (بما فيها تلك التي تتبنّى النّهج «السّلفي»)، إلا أنّ هذه المجموعات لم تقم على الفراغ، بل استندت إلى خطاب «جهادي» متجذّر، أبرزُ من تبنّاه سابقاً «تنظيم القاعدة»، وتنظيم «الدّولة الإسلاميّة». كان الأخيران قد تشاركا تأسيس الوليد الجديد «جبهة النّصرة» قبل أن يلعب الخلافُ على السّلطة دوراً أساسيّاً في حدوث الطّلاق بينهما، ونشوب «الحرب الأهليّة الجهاديّة». وعلاوةً على «النصرة» التي غدت رسميّاً «الفرع السوري لتنظيم القاعدة»، ثمّة مجموعات أخرى اتّخذت من الأخير مرجعيّة أولى لها، وعلى رأسها «حركة أحرار الشّام الإسلاميّة». ومع تفاقم تعقيدات المشهد السوري، انبثقت عشرات المجموعات «الجهاديّة»، منها ما تحالف مع التّيّار «القاعدي»، ومنها ما «بايعَ» التيّار «الدّاعشي»، ومنها من أعلنَ أنّه «يقف على مسافة واحدة من كليهما» (أبرز مثال على هذا التّوجه هو تنظيم «جند الأقصى»). وسط هذه الخلافات والصراعات، سيبدو لافتاً وجودُ تنظيمٍ قادرٍ على ممارسة أعماله في مناطق نفوذ كل تلك المجموعات المتناحرة من دون اعتراضها، بل تحت حمايةٍ منها في معظم المناطق. ليس هذا التّنظيم سوى «حزب التّحرير الإسلاميّ»، صاحب الانتشار «الدعوي» الكبير في سوريا، ورافع «راية العقاب»، وأوّل من بشّر بأنّ «المُناخ يبدو مناسباً لإعلان الخلافة» قبل أن يقوم تنظيم «داعش» بإعلانها.
تهيئة «الحاضنات»
كان «حزب التحرير» قد باشر نشاطهُ بقوّة منذ مطلع عام 2012 في معظم الأرياف السّوريّة، قبل أن يتحوّل خلال أشهر قليلة إلى «منبرٍ» يعود إليه الفضل الأبرز في تهيئة «الحاضنات الشعبيّة» لكل المجموعات «الجهاديّة». اتّخذ «التحرير» لنفسه مكاتب في معظم المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة السوريّة، وفي معظم المناطق كانَ أوّل من يُعلن عن نفسه كـ«جهة دعويّة». خلال عام 2013 ركّز «التحرير» في خطابه على قضيّة «الخلافة الإسلاميّة» التي تُعتبر رسالته الأولى، وغايتَه النهائيّة. ورغمَ أنّ «الأدبيّات الفكريّة» التي قام عليها «الحزب» ترى أنّ «دعوته» ما زالت في «مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها، كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة»، غيرَ أنّ المقولة الأساس التي دار حولها خطاب «التحرير» عام 2013، هي «شمس الخلافة تشرق من جديد». وفي أواخر عام 2013 أعلن أنّ «المناخ يبدو مناسباً لإعلان الخلافة في سوريا».
في خطابه المُعلن، يرى «التحرير» أنّ «خلافة البغدادي باطلة»
جاء ذلك على لسان «رئيس المكتب الإعلامي للحزب في ولاية سوريا» هشام البابا، خلال لقاء أجراه معه موقع «الجزيرة نت» في تشرين الأوّل من ذلك العام. في اللقاء ذاته تحّدث البابا عن فضل «الحزب» في تكريس فكرة «راية الخلافة» ودوره في «إقناع الثائرين، سواء في الثورة السلمية أو المسلحة بعد ذلك بضرورة رفع راية الخلافة بدلاً من أعلام الاستعمار»، وأبدى «سعادته لانتشار الراية السوداء التي يتبناها الحزب لدى الفصائل والكتائب المختلفة». ورغمَ أنّ «التّحرير» لا ينصّ في خطابه صراحةً على تبنّي «الجهاد» وسيلةً لإعلان «الخلافة»، لكنّ المؤكّد أنّ لنشاطه الدعوي «فضلاً» في نشوء عدد من أبرز المجموعات «الجهاديّة» في سوريا. على رأس تلك المجموعات يأتي «جيش محمّد» الذي أسّسه أحدُ كوادر «الحزب» وهو مدرّس سابق لمادة الفيزياء، كان من أوائل من احتضنوا «المهاجرين» في كتيبة حملت اسمهم. قبل أن ينشقّوا عنه إبّان تأسيس «جيش المهاجرين والأنصار» على يد عمر الشيشاني، وينضموا إليه. كذلك، يبرز «لواء أحفاد الفاتحين» الذي كان من أكبر المجموعات «التركمانيّة»، وقد أسّسه أحد المنتسبين السريين إلى «التحرير» منذ سنوات ما قبل الأزمة السورية، وهو مدرّس سابق لمادة اللغة العربيّة اسمه إبراهيم الأحمد، واصطلح مقاتلوه على مناداته بلقب «الأستاذ». متفاخراً، يؤكد أحد كوادر «التحرير» لـ«الأخبار» أنّ «معظم قادة جبهة النصرة، وحركة أحرار الشام الإسلاميّة في مدينتي إدلب وحلب تحديداً قد عرفوا طريقهم إلى الله عبر مكاتب الحزب».
«الجهاديّون» أدوات «التحرير» المؤقتة
لحلّ التناقض بين المبادئ التي نادى بها «الحزب» في فترة تأسيسه، وبين دعمه غير المعلن لفكرة «الجهاد» في سوريا، أوجد «أميره» الحالي عطاء بن الرّشتة «فتوى» مناسبة، مفادُها أنّ «قيام الخلافة شيء، والجهاد شيء آخر لا تتوقف الواحدة على الأخرى، ولهذا لا يتعطل الجهاد بعدم وجود دولة الخلافة، وكذلك لا يُعطَّل العمل لإقامة الخلافة بسبب تعطيل الحكام للجهاد». ويُفصّل «الأمير» في الشرح، فيرى أنّ «الدعوى الإسلاميّة بدأت في مكّة سرّاً، فأوجدت كتلة مؤمنة صابرة ثم طلبت نصرة أهل القوة والمنعة». والواقعُ أنّ سياسة «التحرير» في الحرب السوريّة قامت على مبدأ جوهري، هو ترويج فكرة «الخلافة» ليستثمرها دعاة «الجهاد» المرتبطون بالمجموعات المسلّحة في تجنيد مقاتليهم السوريين. ويعتبر «الحزب» تلك المجموعات «أهل نصرة ومنعة» فيستقوي بها لحماية كوادره، ويعمل في الوقت ذاته على «استرداد الرّاية» منهم متى «حان الوقت المناسب» ليقود «دولة الخلافة». ووفقاً لـ«رئيس المكتب الإعلامي في سوريا» فـ«الدولة لا يقودها إلا سياسيون، ونحن نحاول التواصل مع الإخوة في الفصائل الإسلامية لتكوين قيادة للدولة القادمة من الفئة الواعية، ونطلب من أهل القوة مناصرة هذه الفئة الواعية بالأمور الدولية حتى لا نقع فريسة لألاعيب الدول».
جوهر الخلاف مع «خلافة داعش»
في خطابه المُعلن، يرى «التحرير» أنّ «خلافة أبو بكر البغدادي باطلة». ويطوّع في سبيل تعليل ذلك كل «أدبياته» و«مبادئه». لكنّ جوهر الخلاف يقوم على أنّ «داعش» سبق «التحرير» في «إعلان الخلافة» وسرقها منه، خاصة أنّ «داعش» لم يكتفِ بإعلان «خلافته» على الأراضي السورية، بل باشر سريعاً تلقّي «بيعاتٍ» عابرة للحدود. رغم ذلك، تبدو العلاقة بين الطرفين مُلتبسة، إذ تؤكد معلومات متقاطعة أنّ «التحرير» ما زال ينشط حتى اليوم في مناطق نفوذ «داعش» وإن بشكل محدود. من المفارقات اللافتة أنّ الطرفين يتشاطران «رؤية» واحدة في شأن «الحلول السياسيّة» تقوم على رفضها، وتجريم و«تكفير» من يسعى إليها. شأنهما في ذلك شأن «جبهة النصرة». في الوقت نفسه، تُعَدّ مناطق سيطرة «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» مناطق النشاط الأبرز لـ«حزب التحرير»، رغم أنّ «الحركة» شاركت في مؤتمر الرياض الذي هاجمه «حزب التحرير» بشدّة.
«التحرير» منذ النشأة
تأسّس «حزب التحرير الإسلامي» في القدس عام 1953 على يد «الإمام» تقي الدين النبهاني الذي توفي عام 1977 ليخلفه في «إمارة الحزب» الشيخ عبد القديم زلّوم. توفي بدوره عام 2003، فانتقلت «الإمارة» إلى عطاء بن خليل أبو الرشتة. أهم دوافع تأسيس الحزب «سقوط الخلافة العثمانيّة» التي كانت آخر خلافة إسلاميّة. هدفه الأوحد «العمل لإعادة دولة الخلافة الإسلامية إلى الوجود، حتى يعود الحكم بما أنزل الله». حدّد مسار عمله بثلاث مراحل: «مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكوين الكتلة الحزبية»، و«مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها»، و«مرحلة استلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقاً عاماً شاملاً، وحمله رسالة إلى العالم». ينشط في عدد كبير من الدول العربيّة، وغير العربيّة. من أبرز مواطن نشاطه في المنطقة المملكة الأردنيّة، وتركيّا، علاوةً على تونس، ومصر، ولبنان، وفلسطين.
كذلك ينشط في عدد من الدول الإسلاميّة، مثل إندونيسيا، باكستان، ماليزيا. شارك متحدّثون باسمه في عدد من مؤتمرات منظمة «التعاون الإسلاميّة». عالميّاً يحضر «الحزب» في الدرجة الأولى في بريطانيا، ويمارس نشاطاً في دول أخرى مثل أوستراليا، وأوكرانيا، والولايات المتحدة، وروسيا. ولا حضور لـ«حزب التحرير» في أيٍّ من دول مجلس التعاون الخليجي.
اختبر السوريّون الفكر «الجهادي» قبل عقود على يد جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم «الطليعة المقاتلة»، قبلَ أن تحسم السّلطات الصّراع الدموي الذي غرقت فيه البلاد في ثمانينيات القرن الماضي. بعدَها، عرفت سوريا نوعاً من أنواع «ازدهار» العمل «الجهاديّ» إبّان الغزو الأميركي للعراق («الأخبار»، العدد 2670).
أُقفل هذا الملف لسنوات قليلة قبلَ أن يُفتح على مصراعيه منذ منتصف عام 2011. ورغم أنّ معظم المجموعات المسلّحة العاملة في سوريا هي وليدة تطوّرات السنوات الخمس الأخيرة (بما فيها تلك التي تتبنّى النّهج «السّلفي»)، إلا أنّ هذه المجموعات لم تقم على الفراغ، بل استندت إلى خطاب «جهادي» متجذّر، أبرزُ من تبنّاه سابقاً «تنظيم القاعدة»، وتنظيم «الدّولة الإسلاميّة». كان الأخيران قد تشاركا تأسيس الوليد الجديد «جبهة النّصرة» قبل أن يلعب الخلافُ على السّلطة دوراً أساسيّاً في حدوث الطّلاق بينهما، ونشوب «الحرب الأهليّة الجهاديّة». وعلاوةً على «النصرة» التي غدت رسميّاً «الفرع السوري لتنظيم القاعدة»، ثمّة مجموعات أخرى اتّخذت من الأخير مرجعيّة أولى لها، وعلى رأسها «حركة أحرار الشّام الإسلاميّة». ومع تفاقم تعقيدات المشهد السوري، انبثقت عشرات المجموعات «الجهاديّة»، منها ما تحالف مع التّيّار «القاعدي»، ومنها ما «بايعَ» التيّار «الدّاعشي»، ومنها من أعلنَ أنّه «يقف على مسافة واحدة من كليهما» (أبرز مثال على هذا التّوجه هو تنظيم «جند الأقصى»). وسط هذه الخلافات والصراعات، سيبدو لافتاً وجودُ تنظيمٍ قادرٍ على ممارسة أعماله في مناطق نفوذ كل تلك المجموعات المتناحرة من دون اعتراضها، بل تحت حمايةٍ منها في معظم المناطق. ليس هذا التّنظيم سوى «حزب التّحرير الإسلاميّ»، صاحب الانتشار «الدعوي» الكبير في سوريا، ورافع «راية العقاب»، وأوّل من بشّر بأنّ «المُناخ يبدو مناسباً لإعلان الخلافة» قبل أن يقوم تنظيم «داعش» بإعلانها.
تهيئة «الحاضنات»
كان «حزب التحرير» قد باشر نشاطهُ بقوّة منذ مطلع عام 2012 في معظم الأرياف السّوريّة، قبل أن يتحوّل خلال أشهر قليلة إلى «منبرٍ» يعود إليه الفضل الأبرز في تهيئة «الحاضنات الشعبيّة» لكل المجموعات «الجهاديّة». اتّخذ «التحرير» لنفسه مكاتب في معظم المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة السوريّة، وفي معظم المناطق كانَ أوّل من يُعلن عن نفسه كـ«جهة دعويّة». خلال عام 2013 ركّز «التحرير» في خطابه على قضيّة «الخلافة الإسلاميّة» التي تُعتبر رسالته الأولى، وغايتَه النهائيّة. ورغمَ أنّ «الأدبيّات الفكريّة» التي قام عليها «الحزب» ترى أنّ «دعوته» ما زالت في «مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها، كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة»، غيرَ أنّ المقولة الأساس التي دار حولها خطاب «التحرير» عام 2013، هي «شمس الخلافة تشرق من جديد». وفي أواخر عام 2013 أعلن أنّ «المناخ يبدو مناسباً لإعلان الخلافة في سوريا».
في خطابه المُعلن، يرى «التحرير» أنّ «خلافة البغدادي باطلة»
جاء ذلك على لسان «رئيس المكتب الإعلامي للحزب في ولاية سوريا» هشام البابا، خلال لقاء أجراه معه موقع «الجزيرة نت» في تشرين الأوّل من ذلك العام. في اللقاء ذاته تحّدث البابا عن فضل «الحزب» في تكريس فكرة «راية الخلافة» ودوره في «إقناع الثائرين، سواء في الثورة السلمية أو المسلحة بعد ذلك بضرورة رفع راية الخلافة بدلاً من أعلام الاستعمار»، وأبدى «سعادته لانتشار الراية السوداء التي يتبناها الحزب لدى الفصائل والكتائب المختلفة». ورغمَ أنّ «التّحرير» لا ينصّ في خطابه صراحةً على تبنّي «الجهاد» وسيلةً لإعلان «الخلافة»، لكنّ المؤكّد أنّ لنشاطه الدعوي «فضلاً» في نشوء عدد من أبرز المجموعات «الجهاديّة» في سوريا. على رأس تلك المجموعات يأتي «جيش محمّد» الذي أسّسه أحدُ كوادر «الحزب» وهو مدرّس سابق لمادة الفيزياء، كان من أوائل من احتضنوا «المهاجرين» في كتيبة حملت اسمهم. قبل أن ينشقّوا عنه إبّان تأسيس «جيش المهاجرين والأنصار» على يد عمر الشيشاني، وينضموا إليه. كذلك، يبرز «لواء أحفاد الفاتحين» الذي كان من أكبر المجموعات «التركمانيّة»، وقد أسّسه أحد المنتسبين السريين إلى «التحرير» منذ سنوات ما قبل الأزمة السورية، وهو مدرّس سابق لمادة اللغة العربيّة اسمه إبراهيم الأحمد، واصطلح مقاتلوه على مناداته بلقب «الأستاذ». متفاخراً، يؤكد أحد كوادر «التحرير» لـ«الأخبار» أنّ «معظم قادة جبهة النصرة، وحركة أحرار الشام الإسلاميّة في مدينتي إدلب وحلب تحديداً قد عرفوا طريقهم إلى الله عبر مكاتب الحزب».
«الجهاديّون» أدوات «التحرير» المؤقتة
لحلّ التناقض بين المبادئ التي نادى بها «الحزب» في فترة تأسيسه، وبين دعمه غير المعلن لفكرة «الجهاد» في سوريا، أوجد «أميره» الحالي عطاء بن الرّشتة «فتوى» مناسبة، مفادُها أنّ «قيام الخلافة شيء، والجهاد شيء آخر لا تتوقف الواحدة على الأخرى، ولهذا لا يتعطل الجهاد بعدم وجود دولة الخلافة، وكذلك لا يُعطَّل العمل لإقامة الخلافة بسبب تعطيل الحكام للجهاد». ويُفصّل «الأمير» في الشرح، فيرى أنّ «الدعوى الإسلاميّة بدأت في مكّة سرّاً، فأوجدت كتلة مؤمنة صابرة ثم طلبت نصرة أهل القوة والمنعة». والواقعُ أنّ سياسة «التحرير» في الحرب السوريّة قامت على مبدأ جوهري، هو ترويج فكرة «الخلافة» ليستثمرها دعاة «الجهاد» المرتبطون بالمجموعات المسلّحة في تجنيد مقاتليهم السوريين. ويعتبر «الحزب» تلك المجموعات «أهل نصرة ومنعة» فيستقوي بها لحماية كوادره، ويعمل في الوقت ذاته على «استرداد الرّاية» منهم متى «حان الوقت المناسب» ليقود «دولة الخلافة». ووفقاً لـ«رئيس المكتب الإعلامي في سوريا» فـ«الدولة لا يقودها إلا سياسيون، ونحن نحاول التواصل مع الإخوة في الفصائل الإسلامية لتكوين قيادة للدولة القادمة من الفئة الواعية، ونطلب من أهل القوة مناصرة هذه الفئة الواعية بالأمور الدولية حتى لا نقع فريسة لألاعيب الدول».
جوهر الخلاف مع «خلافة داعش»
في خطابه المُعلن، يرى «التحرير» أنّ «خلافة أبو بكر البغدادي باطلة». ويطوّع في سبيل تعليل ذلك كل «أدبياته» و«مبادئه». لكنّ جوهر الخلاف يقوم على أنّ «داعش» سبق «التحرير» في «إعلان الخلافة» وسرقها منه، خاصة أنّ «داعش» لم يكتفِ بإعلان «خلافته» على الأراضي السورية، بل باشر سريعاً تلقّي «بيعاتٍ» عابرة للحدود. رغم ذلك، تبدو العلاقة بين الطرفين مُلتبسة، إذ تؤكد معلومات متقاطعة أنّ «التحرير» ما زال ينشط حتى اليوم في مناطق نفوذ «داعش» وإن بشكل محدود. من المفارقات اللافتة أنّ الطرفين يتشاطران «رؤية» واحدة في شأن «الحلول السياسيّة» تقوم على رفضها، وتجريم و«تكفير» من يسعى إليها. شأنهما في ذلك شأن «جبهة النصرة». في الوقت نفسه، تُعَدّ مناطق سيطرة «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» مناطق النشاط الأبرز لـ«حزب التحرير»، رغم أنّ «الحركة» شاركت في مؤتمر الرياض الذي هاجمه «حزب التحرير» بشدّة.
«التحرير» منذ النشأة
تأسّس «حزب التحرير الإسلامي» في القدس عام 1953 على يد «الإمام» تقي الدين النبهاني الذي توفي عام 1977 ليخلفه في «إمارة الحزب» الشيخ عبد القديم زلّوم. توفي بدوره عام 2003، فانتقلت «الإمارة» إلى عطاء بن خليل أبو الرشتة. أهم دوافع تأسيس الحزب «سقوط الخلافة العثمانيّة» التي كانت آخر خلافة إسلاميّة. هدفه الأوحد «العمل لإعادة دولة الخلافة الإسلامية إلى الوجود، حتى يعود الحكم بما أنزل الله». حدّد مسار عمله بثلاث مراحل: «مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكوين الكتلة الحزبية»، و«مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها»، و«مرحلة استلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقاً عاماً شاملاً، وحمله رسالة إلى العالم». ينشط في عدد كبير من الدول العربيّة، وغير العربيّة. من أبرز مواطن نشاطه في المنطقة المملكة الأردنيّة، وتركيّا، علاوةً على تونس، ومصر، ولبنان، وفلسطين.
كذلك ينشط في عدد من الدول الإسلاميّة، مثل إندونيسيا، باكستان، ماليزيا. شارك متحدّثون باسمه في عدد من مؤتمرات منظمة «التعاون الإسلاميّة». عالميّاً يحضر «الحزب» في الدرجة الأولى في بريطانيا، ويمارس نشاطاً في دول أخرى مثل أوستراليا، وأوكرانيا، والولايات المتحدة، وروسيا. ولا حضور لـ«حزب التحرير» في أيٍّ من دول مجلس التعاون الخليجي.