3- العشائرية في ميزان الشرع (3) الحلقة الثالثة
يتضح لنا مما سبق ذكره في هذه السلسلة، ان الاسلام الحنيف وجه العشائرية والقبلية ولم يلغها، بل وبنى بها وعليها احكاما شرعية جعل النسب والمصاهرة سببا لها.
لان العشائرية هي دائرة النسب والانتساب الدموي والعرقي بين البشر، وجعلها من الاواصرالرافدة و الممتنة لعلاقات الاخوة الايمانية، بعد ان جعل رابطة الاخوة الايمانية هي الاساس والفيصل في العلاقات الانسانية والتراتيب الشرعية،.وعلى اساسها يكون الولاء بين الناس والبراء،.وكذا المودة والعداء حتى بين بني النسب الواحد ،.قال تعالى :- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)التوبة.
ولقد كان للعشائرية دورا هاما في تاريخ الاسلام ودعوته، فلعلنا نذكر موقف قبيلتي الاوس والخزرج، وكيف بايعوا رسولنا الكريم سلام الله عليه ونصروا دعوته، واووا من هاجر اليهم من اهل دعوته، وكذلك يوم فتح مكة خشي الانصار ان يعود النبي الكريم الى قومه ويتركهم، فطمانهم بان قال لهم كلمته المشهورة:- -بل الدم الدم والهدم الهدم - وهي كلمة تعرفها وتقولها العرب حين تدخل قبائلها وعشائرها في حلف دموي، فيطلبون ويطردون المعتدي سويا، ويتضامنون في المغانم والمغارم . وكذلك في حروب الردة كيف استغل خالد بن الوليد بقيادته العسكرية الحكيمة، العشائرية وجعل الناس يتمايزون بحسب قبائلهم وعشائرهم، فيقاتل الرجل مع قومه وهو يحرص ان لا يؤتى من قبلهم المسلمين، مما زادهم اندفاعا للشراسة في القتال، وتحقيق النصر باذن الله .
كما كان على الصعيد المجتمعي للعشائرية دور عظيم، حيث ان ابناء العشائر دوما متضامنين متكافلين في الحياة، ومواجهة مصاعبها، ومتعاونين على صعابها يضعون ايديهم بايدي بعض لتذليلها، ويرون انه من العار عليهم ان يبيت احد ابنائهم جائع، وهم يفخرون باطعام مار الطريق...ويتناصرون لتحصيل الحقوق لاهلها، وقد جاء التوجيه النبوي الكريم الذي كانت تقول به الجاهلية، ليعدله ويضعه في وجهته الحقة ولتتم مكارم الاخلاق التي بعث بها سلام الله عليه فقال:- انصر اخاك ظالما او مظلوما -فقالوا يارسول الله قد علمنا كيف ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ فقال ـ تأخذ على يديه فتمنعه من ظلمه فذاك نصرك اياه...
تطلق العشائرية اليوم ويراد بها رابطة الدم والقربى..وهذه قضاء قضاه الله تعالى على الانسان’ فليس من اختيارك ان تكون ابن من، ومن اي السلالات البشرية انت،.وهنا نقول كلكم لادم وادم من تراب، فالناس يتساوون عند التراب ولا فخر لتراب على تراب، وانما جعلهم ربهم شعوبا وقبائل ليتمايزوا ويتعارفوا، فتتفاعل الاجناس لتقديم الافضل في هذه الحياة لاخوة بني الرجل الواحد والانثى الواحدة، الذين بثهم الله تعالى منهما. وكما قيل
الناس من جهة التمثال اكفاء..........فابوهم ادم وامهم حواء
كما وتطلق العشائرية ويقصد بها مجموعة القيم والمفاهيم والاعراف والعادات التي تضبط وتحكم تصرفات ابناء القبائل والعشائر في المجتمع والحياة . وهذا الجانب الذي سنوليه مزيدا من العناية والبحث من خلال هذه الدراسة العجولة، التي نقصد منها القاء الضوء على جانب خطير ومهم، من جوانب حياتنا ومجتمعاتنا تعرض لحرب شرسة بصمت رهيب، ولم يدافع عنه الناس لعدم ادراكهم لمكانته واهميته في حياتهم، بل ترفع البعض عن الدفاع عنه على اعتبار انه موروث عنصري، وذلك ناتج عن انعكاس الواقع الذي جرالمغرضون والماكرون اليه العشائر وعشائريتهم، فقرنوه بالجهل والجهالة والجاهلية وعصبيتها، واصبح مع كل اسف في كثير من الاحيان والوقائع يعكس تلك الصورة المزرية، وغطيت بذلك الصورة المشرقة لعشائر وقبائل امة القران والذكر الحكيم، الذي حمله الاجداد الاوائل للعالمين، واصبحت قبورهم مزارات في شتى بقاع الارض، وما زالت قائمة شاهدة على ماضيهم الجهادي الدعوي المشرق، الذي اضاء جبين التاريخ وانار دروب الانسانية.
والى لقاء قريب استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
١أبو علي الزيادي
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2018-10-26, 7:49 pm عدل 1 مرات