الإعلام الحربي _ جنين
"تعودنا على الاعتقالات التي لم يسلم منها أحد من أسرتنا، لكن قلقنا المستمر بسبب تدهور الحالة الصحية لشقيقتي التي تعاني من عدة أمراض وترفض إدارة السجون علاجها".. بهذه الكلمات استهل المحرر معاوية قعدان، حديثه عن رحلة عذاب ومعاناة شقيقته الأسيرة منى حسين عوض قعدان (43 عامًا)، والتي تقبع خلف القضبان مع شقيقها القيادي في حركة الجهاد الإسلامي طارق قعدان، وزوجها الأسير ابراهيم اغبارية من قرية المشيرفة في الداخل الفلسطيني والذي ارتبطت بها خلال اعتقالهما قبل عدة سنوات.
عائلة مناضلة
من عائلة مناضلة من بلدة عرابة قضاء جنين، تنحدر الأسيرة منى التي تعرضت للاعتقال عدة مرات، بينما لم يتوقف الاحتلال عن استهداف عائلتها فاعتقل كافة أشقائها لدورهم النضالي في مقاومة الاحتلال عبر الانتفاضتين، ويقول معاوية "لم تتوقف المآسي في حياة عائلتنا لتعيش المعاناة التاريخية منذ بداية الاحتلال من التهجير والتشريد في النكبة من البلد الأم حيفا وحتى وفاة الوالد عام 1979"، ويضيف "أكرمنا الله بالصبر وبوالدة مكافحة ومجاهدة عندما تعددت صنوف المعاناة من نكسة اليتم والفقر والإصرار على العيش بكرامة، فارتأت الوالدة أن تكمل مشوارها في رعايتها لنا وتربيتنا على الصلاح والدين وأن تغرس في نفوسنا حب فلسطين وصدق الانتماء لترابها والتضحية في سبيلها".
استهداف العائلة
وبهذه القيم والمعاني السامية، خط أبناء العائلة طريقهم، فكان لهم شرف تأدية دورهم الوطني والنضالي الذي عرضهم لاستهداف الاحتلال، ويقول معاوية "لإيماننا بقضية شعبنا وحقوقنا المشروعة، ولما قدمناه من تضحية لم ولن نندم عليها، استهدفنا الاحتلال بالاعتقال حتى مرت علينا الأعوام وأنا وأشقائي خلف القضبان"، ويضيف "تعرضت للاعتقال مرتين، وأمضيت في الاعتقال الأول لأنني كنت قاصر خمسة أشهر، والاعتقال الثاني مدة عامين، أما محمود شقيقنا الأكبر، فاعتقل خمس مرات وأمضى فيهن خمس سنوات"، ويكمل "أما شقيقي الأسير حاليا طارق، فاعتقل 16 مرة، وأمضى 13 عاما داخل السجون الصهيونية ولازال يقبع داخلها، أما الأسيرة منى فتكررت اعتقالاتها، وفي جميع المحطات كانت والدتي رحمها الله أكثر من دفع الثمن، فطوال السنوات الماضية لم يجتمع شملنا معها حتى في الأعياد، وعاشت حياتها وحيدة، ففي كل عيد يكون أحدنا داخل السجون".
حكاية منى
تعتبر الأسيرة منى الرابعة في عائلتها، وأنهت دراسة الدبلوم في كلية قلقيلية تخصص تربية إسلامية، وأكملت البكالوريوس في جامعة القدس المفتوحة، وبقي لها خمس ساعات للتخرج، فتكرار الاعتقالات حال دون حصولها على شهادتها الجامعية، ويقول معاوية "اعتقلت المرة الأولى في عام 1999، وطوال فترة اعتقالها التي أمضتها في تحقيق سجن الجلمة بتهمة مساعدة مطلوبين والانتماء لحركة الجهاد، خاضت اضرابا عن الطعام حتى أفرج عنها"، ويضيف "عادت لممارسة حياتها، واستئناف دراستها الجامعية، فاعتقلت في المرة الثانية من المنزل عام 2003، وتعرضت للتحقيق في الجلمة لـمدة 45 يوما، وأمضت محكوميتها البالغة 17 شهرا في سجن هشارون، وهناك بدأت رحلة المرض عندما أصيبت بقرحة في المعدة والضغط".
تكرار الاعتقالات
لم تنل الاعتقالات من معنويات منى، فاستمرت في تأدية واجبها ودورها الاجتماعي والوطني، فاعتقلها الاحتلال في عام 2006، وحوكمت بالسجن لمدة عام، وفي عام 2011، اعتقلت للمرة الرابعة عن حاجز الكونتينر خلال توجهها للخليل، ويقول معاوية "في بداية اعتقالها خاضت اضرابا عن الطعام لمدة 16 يوما، لإخراجها من العزل، وفي نفس الفترة كان شقيقي طارق معتقلا، وخضعت للتحقيق حتى نقلت لسجن هشارون، ورغم تدهور حالتها الصحية أهملت ادارة السجون علاجها، لكنها صبرت وتحملت كل الأوجاع".
رحيل الوالدة
خلال اعتقال منى وطارق، يقول معاوية "عاشت العائلة فاجعة رحيل والدتنا الحاجة نجية قعدان بسبب عدة أمراض اجتاحت جسدها قهرا وظلما على أولادها، فقد أمضت حياتها على بوابات السجون الصهيونية منذ عام 1987، وحتى 2007، وكان حلمها الأخير عناقهما"، ويضيف "وسط الحزن والألم، صبرت منى حتى تحررت في صفقة "وفاء الأحرار" ضمن الدفعة الثانية".
الاعتقال الأخير
لم تكتمل فرحة العائلة بحرية منى، فبعد 10 شهور، أعاد الاحتلال اعتقالها للمرة الخامسة في 15/11/2012، ويقول معاوية "اقتحموا منزلنا، وبعد تدمير الأثاث ومحتوياته، ومصادرة الأجهزة الالكترونية من حاسوب وهواتف، اقتادوها لأقبية التحقيق، وكانت الصدمة عندما وجهوا لها نفس تهمة القضية الأولى التي أفرج عنها في صفقة شاليط والتي كانت مدتها 8 شهور، ورغم جهود المحامين، استمر الاحتلال في تمديد توقيفها وتأجيل محاكمتها لـ 25 جلسة"، ويضيف "رغم وجود تفاهم بين محاميتها ميراف خوري، والمدعي العام الصهيوني على حكمٍ لا يتجاوز 36 شهرا، إلا أن الجميع تفاجأ بالحكم بالسجن خمس سنوات وعشرة أشهر، إضافة لغرامة مالية باهضة بقيمة 30 ألف شيكل، بتهمة العضوية في حركة الجهاد الإسلامي، وإدارة جمعية نسوية تابعة للحركة".
حكم ظالم
ويقول قعدان "على الرغم من سماع منى للحكم الجائر الذي نطقت به قاضية المحكمة لم يهزها أبدا وكانت ابتسامتها تزين محياها، وقالت جملة واحدة الحكم حكم الله سبحانه وتعالى والفرج قريب"، ويضيف "إن قرار المحكمة بحق منى ظالم إلى أبعد حد، وخارج كل التوقعات، ويندرج في إطار الانتقام ومعاقبة أسرتنا بشكل عام، وشقيقتي بشكل خاص، ولا يتناسب مع التهم الموجهة اليها، ولكن نحن على يقين أن هذه المحاكم صورية ولا تمت للعدالة بصلة"، ويضيف "تزامن حكم أختي مع تجديد الاعتقال الإداري لشقيقي طارق، وواهم الاحتلال إذا ظن أنه عبر هذه الممارسات يستطيع أن يكسر شوكة عزيمة طارق ومنى، فهما أقوى من الاحتلال وسجونه وأحكامه التعسفية".
تدهور صحي
في سحن "هشارون"، تقبع الأسيرة منى وسط ظروف صحية صعبة، ويقول شقيقها معاوية "منذ اعتقالها فرض على العائلة المنع الأمني، وطوال الفترة الماضية لم يسمح لي بزيارتها سوى مرة واحدة قبل خمسة أشهر، وتأثرت صحتها كثيرا بسبب الأمراض، ورغم الاحتجاج والشكاوي فإن الإدارة ترفض علاجها"، ويضيف "بسبب عدم توفير العلاج اللازم لوضعها الصحي المتأزم فهي بحاجة ماسة إلى طبيب مختص لمعاينتها لمعرفة ماهية مرضها وعلاجها"، ويتابع "رغم كل ذلك، فإن مناشدتنا هي دعاؤنا وابتهالنا الى الله أولا، أن يجزل لنا بالأجر، وأن لا يحرمنا أجر هذه العذابات، وأن يفرج عن شقيقي وشقيقتي حتى يلتم الشمل ويلتئم الجرح وتعود البسمة والسعادة والفرحة التي طالما افتقدناها بغياب طارق ومنى عن الأسرة في ظل غياب الوالد والوالدة"، ويتابع "وأملنا بالله، أن يفرحنا بحرية صهرنا زوج منى الأسير ابراهيم اغبارية، المحكوم بالسجن المؤبد 3 مرات إضافة لـ 10 سنوات؛ أمضى منها 24 عاما، عندها ستحقق سعادتنا بكسر القيود واجتماع الشمل والخلاص من الاحتلال وسجونه".