مراجعة نهاية عام 2016- عام المآسي العربية وتوسع شبكات الإرهاب
د.عبد الحميد صيام
Dec 30, 2016
مراجعة سريعة لعام 2016 تثير كثيرا من المواجع والإحباط على ما آلت إليه أحوال أمتنا العربية، التي تغرق في بحور من الدماء، تتمزق وتتقزم أمام عيوننا، نحن الذين آمنا بوحدتها، وفتحنا عيوننا على أناشيدها القومية، وتذوقنا طعم انتصاراتها في الجزائر والتأميم والوحدة والتحرير، وانطلاق المد القومي عارما كأنه السيل الهادر. كنا نحلم بأن «خير أمة أخرجت للناس» سترتقي إلى مستوى يليق بها بين الأمم، تشيد الحضارة وتنشر العلم وتحمي سيادتها وتقارع عدوها وتعزز المواطنة المتساوية، وتستغل ثرواتها بشكل رشيد يستفيد منه الأخ والصديق والمحتاج. لكن الواقع صدمنا والأمنيات تبخرت، ونحن نشاهد الحدود تتمزق والطائفية تتغول والطغاة يساندون بعضهم بعضا، لاسترداد مواقعهم والمتفجرات تأخذ الأبرياء معها في دمشق وحلب والقاهرة والموصل وبيروت وتونس وبنغازي وتعز والكرك وغيرها الكثير. ومع أن قائمة المآسي طويلة إلا أنني سأتوقف عند بعض المحطات التي تعكس عمق المأزق الذي تمر فيه أمتنا، وأستعرض أهم أحداث عام يرخي سدوله غير مأسوف عليه، حيث حمل الكثير من التطورات المأساوية على الساحتين العربية والدولية.
انتخاب ترامب مفاجأة حتى للخبراء
يعتبر انتخاب الملياردير دونالد ترامب أهم تطورات عام 2016. أهمية انتخابه أنه جاء مفاجئا للجميع. فما بدأ كأنه نكتة أو حلم تحول إلى حقيقية لم يصدقها الكثيرون. ولكن هذه هي الديمقراطية رغم عيوبها. تختار الأغلبية من تعتقد أنه يمثل مصالحها ويحقق أمانيها ويصغي لخياراتها. هناك دول تنتخب قيادات، ثم تكتشف أنها لا تمثل تلك المصالح. وقد يكون ترامب أحد هؤلاء. إننا نتوقع أن يورط الولايات المتحدة في العديد من المشاكل والتحديات، إذا ما تمادى في تنفيذ بعض الوعود التي قطعها على نفسه في الحملة الانتخابية، مثل إلغاء اتفاقية «نافتا» أو الانسحاب من اتفاقية التغير المناخي، أو إقامة «منطقة عازلة» شمال سوريا محظور فيها الطيران، فتصبح المواجهة مع روسيا أمرا متوقعا، أو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أو إعادة النظر في العلاقات مع الأمم المتحدة. هذه الوعود إذا ما أصر على تنفيذها فإنه لا شك سيضع بلاده في مآزق وتحديات قد تعرض المصالح الأمريكية للخطر وتساهم في التحريض ضدها، وتجنيد العناصر الراديكالية التي هي على استعداد أن تلحق الأذى بالولايات المتحدة ومصالحها ومواطنيها. المؤشرات تدل على أنه سيركب رأسه ويستمر في غيه، خاصة اختياره ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية، وهو لا يفقه شيئا إلا في عقد الصفقات التجارية مثل رئيسه، أو إختياره ديفيد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بتأييده اللامحدود للأنشطة الاستيطانية والتخلي عن حل الدولتين. في شهور ترامب الأولى قد نتعرف أكثر على توجهاته الغريبة، خاصة في موضوع التمييز ضد المسلمين وهو ما يعتبر انتهاكا للدستور الأمريكي وقانون المساواة التامة بين كافة المواطنين.
الحروب العربية العربية
استمرت الحروب العربية العربية في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، التي تشير إلى تفكك الدولة الوطنية وتغول المواجهات الطائفية وتمدد الجماعات التكفيرية التي تستغل حالات الفوضى، لتنشر موجات الرعب والفوضى في أكثر من بلد عربي وبأكثر من أسلوب.
إن انطلاق ما يسمى معركة تحرير الموصل من أيدي الدواعش وإعادة حلب إلى جناح النظام بمساعدة روسية إيرانية، إضافة إلى العديد من المليشيات الطائفية يثير الإحباط، ليس لأن الإرهابيين هزموا، بل لأن الأبرياء قتلوا وشتتوا وشردوا من ديارهم، ومات أطفالهم من البرد والجوع. سقطت حلب لثلاثة أسباب واضحة، أولا الدعم الصلب من حلفاء النظام، وتشتت ما يسمى بالمعارضة التي فقدت كثيرا من طابعها السوري الأصيل، لتتحول إلى جماعات متناحرة متفرقة متطرفة كل جماعة لها أجندتها الخاصة تحت يافطة إسلامية. وثالثا لأن الجماعات الداعمة لما يسمى المعارضة السورية غير جادة. أضف إلى ذلك الحماية داخل مجلس الأمن المنقسم على ذاته، حيث استخدمت روسيا الفيتو للمرة السادسة، والصين للمرة الخامسة في المسألة السورية. ما نعتقده أن الفرصة الآن للتوصل إلى حل سياسي يأخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار، بحيث يتم التراضي حول صيغة وسطية تسمح بانتقال سوريا السلمي نحو التعددية والديمقراطية، وإعادة اللاجئين والمشردين والمحاصرين. قد يبدو النظام في وضع أقوى من ذي قبل، لكن الصحيح هو أن مصدر قوته من حلفائه الذين كادوا أن يتبنوا انتصار حلب بكل وضوح، وما صورة قاسم سليماني على مشارف قلعة حلب إلا تعبير رمزي لهذه الحقيقة.
نعتقد أن بداية النهاية لدولة «أبو بكر البغدادي» انطلقت فعلا في أكثر من مكان من الفلوجة إلى سرت إلى الموصل، وسيتم حصر من تبقى من الذين غرر بهم في الرقة ودير الزور، وهناك ستكون نهايتهم، خاصة في ظل تعاون روسي أمريكي تركي إيراني. بالتأكيد سيبقى بعض أشرارهم وتفجيراتهم وجرائمهم، لكن قصم ظهر التنظيم في الموصل سيؤذن بطي صفحة هذه المجموعة الضالة التي أنشأها ومولها ورعاها أعداء العروبة والإسلام.
عام الإرهاب الدولي
قد تدخل سنة 2016 في التاريخ كأبشع سنة من حيث الفظاعة في العمليات الإرهابية، التي استنبطت وسائل جديدة وعنيفة، كان في رأيي أبشعها استهداف الكنيسة البطرسية في قلب القاهرة، ودهس المصطافين في نيس والمتسوقين في برلين ورواد المسرح في باريس والمسافرين في مطار إسطنبول وغيره الكثير. لكن العراق وسوريا واليمن وليبيا واسطنبول وكابل وكويتا بباكستان ومقديشيو بالصومال تصدرت أكثر العمليات الإرهابية تكرارا وخسائر في الأرواح.
لقد تطوع انتحاريوهم لينشروا الرعب في كل العالم، في ظل صمت المؤسسات الدينية والسياسية التي لا تصرخ في وجه الإرهاب، ولا ترفع أصواتها لتجريمه وتحريمه وإصدار الفتاوى المتلاحقة في رفض هذا الأسلوب الذي يترك المجرمين طلقاء ويتصيد الأبرياء.
فلسطين – قرار مجلس الأمن أعادها إلى مركز الأحداث
انتهى عام 2016 بمجموعة تطورات مهمة حول الصراع العربي الصهيوني، أهمها إعتماد مجلس الأمن يوم 23 ديسمبر القرار 2334 الذي يعتبر كافة أشكال الاستيطان غير شرعية وغير قانونية ويطالب بوقفها فورا، ويعتبرها السبب الرئيس في تعثر حل الدولتين. وأهمية القرار في أنه حصل على 14 صوتا إيجابيا مقابل صوت واحد «امتناع» للولايات المتحدة، الذي سمح للقرار بالمرور وهذا يعني أن هناك إجماعا دوليا لإدانة مسلكية هذه الدولة المارقة، التي تتصرف كأنها فوق القانون وتريد للعالم أن يؤيد ممارساتها. وقد كشف القرار من جهة أخرى مدى تواطؤ النظام المصري وانصياعه للإملاءات الإسرائيلية، استكمالا لدوره في حصار غزة وإغلاق معبر رفح الوحيد مع مصر، وتجريف المباني على طول الحدود وبناء خندق عميق مليء بالمياه العادمة على طول خط الأنفاق، كي يمنع تسلل أي فلسطيني يبحث عن لقمة عيش أو متابعة دراسته أو نقل مريض للعلاج.
أما الأمر المحير الآخر فهو إستقبال البحرين لوفد من غلاة الصهاينة من حركة «حباد» المتطرفة، وتأديتهم رقصات علنية مصورة بمناسبة عيد الهانوكا، شارك فيها بعض البحرينيين وكأنهم يقولون ها نحن نرقص معهم وفي بلادنا «واللي مش عاجبه يشرب ماء البحر أو البحرين». والأغنية التي تمايل فيها الصهاينة مع مضيفهم تدعى «عم يسرائيل حاي» أي شعب إسرائيل حي. ويطالب حاخام الحركة إسحاق شابيرا وآخرون بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه. ولا نعرف سببا لهذا التطبيع المجاني، في الوقت الذي يدين العالم ممارسات هذا الكيان.
تونس من جهتها، أثبتت مرة أخرى أن أمنها مخترق أو من السهل اختراقه من قبل أجهزة الموساد التي وصلت مدينة صفاقس وأردت محمد الزواري شهيدا. والأدهى والأمر أن يظهر الصحافي الإسرائيلي موآف فاردي، من القناة العاشرة في تغطية إعلامية من أمام منزل الزواري في صفاقس ويحاور تونسيين دون رقابة أو مقاطعة أو اعتقال أو تدخل فإن «تلك لعمري قاصمة الظهر».
رام الله شهدت مهرجانا يدعى مؤتمر فتح السابع، ولا نعرف ماذا تغير على الشعب الفلسطيني بعد المؤتمر، وما هي الانجازات التي حققتها الحركة في ظل هذه القيادة التي أعيد انتخابها في اللحظة الأولى للمؤتمر، في سابقة لم نسمع بمثلها من قبل. أما غزة فقد أكملت عامها العاشر في الحصار الخانق بين فكي الكماشة، والأوضاع فيها لا تثير الكثير من الاهتمام حتى ولا لذوي القربى، ولا يذكر اسمها إلا في التقرير الشهري الذي يقدمه ممثل الأمين العام أمام مجلس الأمن. وقد تعمدت أن أوجه سؤالا لكل رئيس جديد لمجلس الأمن، الذي يتغير شهريا فيلتقي بالصحافة المعتمدة لدى المنظمة الدولية: «لماذا لا تبادرون بقيادة وفد من جميع أعضاء مجلس الأمن لزيارة أكبر سجن إنساني في قطاع غزة، أسوة بما قام به المجلس من زيارات ميدانية عديدة في القارة الأفريقية؟». ويأتي الجواب متشابها من كل الرؤوساء: «ليس هناك توافق في الآراء حول زيارة غزة». الوحيد الذي وعد أن يظل يعمل على إقناع المجلس بزيارة غزة هو سفير فنزويلا، رفائيل راميريز، الذي انتهت عضوية بلاده في مجلس الأمن مع نهاية 2016 دون أن يتمكن من تحقيق ذلك الوعد.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز
د.عبد الحميد صيام
Dec 30, 2016
مراجعة سريعة لعام 2016 تثير كثيرا من المواجع والإحباط على ما آلت إليه أحوال أمتنا العربية، التي تغرق في بحور من الدماء، تتمزق وتتقزم أمام عيوننا، نحن الذين آمنا بوحدتها، وفتحنا عيوننا على أناشيدها القومية، وتذوقنا طعم انتصاراتها في الجزائر والتأميم والوحدة والتحرير، وانطلاق المد القومي عارما كأنه السيل الهادر. كنا نحلم بأن «خير أمة أخرجت للناس» سترتقي إلى مستوى يليق بها بين الأمم، تشيد الحضارة وتنشر العلم وتحمي سيادتها وتقارع عدوها وتعزز المواطنة المتساوية، وتستغل ثرواتها بشكل رشيد يستفيد منه الأخ والصديق والمحتاج. لكن الواقع صدمنا والأمنيات تبخرت، ونحن نشاهد الحدود تتمزق والطائفية تتغول والطغاة يساندون بعضهم بعضا، لاسترداد مواقعهم والمتفجرات تأخذ الأبرياء معها في دمشق وحلب والقاهرة والموصل وبيروت وتونس وبنغازي وتعز والكرك وغيرها الكثير. ومع أن قائمة المآسي طويلة إلا أنني سأتوقف عند بعض المحطات التي تعكس عمق المأزق الذي تمر فيه أمتنا، وأستعرض أهم أحداث عام يرخي سدوله غير مأسوف عليه، حيث حمل الكثير من التطورات المأساوية على الساحتين العربية والدولية.
انتخاب ترامب مفاجأة حتى للخبراء
يعتبر انتخاب الملياردير دونالد ترامب أهم تطورات عام 2016. أهمية انتخابه أنه جاء مفاجئا للجميع. فما بدأ كأنه نكتة أو حلم تحول إلى حقيقية لم يصدقها الكثيرون. ولكن هذه هي الديمقراطية رغم عيوبها. تختار الأغلبية من تعتقد أنه يمثل مصالحها ويحقق أمانيها ويصغي لخياراتها. هناك دول تنتخب قيادات، ثم تكتشف أنها لا تمثل تلك المصالح. وقد يكون ترامب أحد هؤلاء. إننا نتوقع أن يورط الولايات المتحدة في العديد من المشاكل والتحديات، إذا ما تمادى في تنفيذ بعض الوعود التي قطعها على نفسه في الحملة الانتخابية، مثل إلغاء اتفاقية «نافتا» أو الانسحاب من اتفاقية التغير المناخي، أو إقامة «منطقة عازلة» شمال سوريا محظور فيها الطيران، فتصبح المواجهة مع روسيا أمرا متوقعا، أو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أو إعادة النظر في العلاقات مع الأمم المتحدة. هذه الوعود إذا ما أصر على تنفيذها فإنه لا شك سيضع بلاده في مآزق وتحديات قد تعرض المصالح الأمريكية للخطر وتساهم في التحريض ضدها، وتجنيد العناصر الراديكالية التي هي على استعداد أن تلحق الأذى بالولايات المتحدة ومصالحها ومواطنيها. المؤشرات تدل على أنه سيركب رأسه ويستمر في غيه، خاصة اختياره ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية، وهو لا يفقه شيئا إلا في عقد الصفقات التجارية مثل رئيسه، أو إختياره ديفيد فريدمان سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بتأييده اللامحدود للأنشطة الاستيطانية والتخلي عن حل الدولتين. في شهور ترامب الأولى قد نتعرف أكثر على توجهاته الغريبة، خاصة في موضوع التمييز ضد المسلمين وهو ما يعتبر انتهاكا للدستور الأمريكي وقانون المساواة التامة بين كافة المواطنين.
الحروب العربية العربية
استمرت الحروب العربية العربية في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، التي تشير إلى تفكك الدولة الوطنية وتغول المواجهات الطائفية وتمدد الجماعات التكفيرية التي تستغل حالات الفوضى، لتنشر موجات الرعب والفوضى في أكثر من بلد عربي وبأكثر من أسلوب.
إن انطلاق ما يسمى معركة تحرير الموصل من أيدي الدواعش وإعادة حلب إلى جناح النظام بمساعدة روسية إيرانية، إضافة إلى العديد من المليشيات الطائفية يثير الإحباط، ليس لأن الإرهابيين هزموا، بل لأن الأبرياء قتلوا وشتتوا وشردوا من ديارهم، ومات أطفالهم من البرد والجوع. سقطت حلب لثلاثة أسباب واضحة، أولا الدعم الصلب من حلفاء النظام، وتشتت ما يسمى بالمعارضة التي فقدت كثيرا من طابعها السوري الأصيل، لتتحول إلى جماعات متناحرة متفرقة متطرفة كل جماعة لها أجندتها الخاصة تحت يافطة إسلامية. وثالثا لأن الجماعات الداعمة لما يسمى المعارضة السورية غير جادة. أضف إلى ذلك الحماية داخل مجلس الأمن المنقسم على ذاته، حيث استخدمت روسيا الفيتو للمرة السادسة، والصين للمرة الخامسة في المسألة السورية. ما نعتقده أن الفرصة الآن للتوصل إلى حل سياسي يأخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار، بحيث يتم التراضي حول صيغة وسطية تسمح بانتقال سوريا السلمي نحو التعددية والديمقراطية، وإعادة اللاجئين والمشردين والمحاصرين. قد يبدو النظام في وضع أقوى من ذي قبل، لكن الصحيح هو أن مصدر قوته من حلفائه الذين كادوا أن يتبنوا انتصار حلب بكل وضوح، وما صورة قاسم سليماني على مشارف قلعة حلب إلا تعبير رمزي لهذه الحقيقة.
نعتقد أن بداية النهاية لدولة «أبو بكر البغدادي» انطلقت فعلا في أكثر من مكان من الفلوجة إلى سرت إلى الموصل، وسيتم حصر من تبقى من الذين غرر بهم في الرقة ودير الزور، وهناك ستكون نهايتهم، خاصة في ظل تعاون روسي أمريكي تركي إيراني. بالتأكيد سيبقى بعض أشرارهم وتفجيراتهم وجرائمهم، لكن قصم ظهر التنظيم في الموصل سيؤذن بطي صفحة هذه المجموعة الضالة التي أنشأها ومولها ورعاها أعداء العروبة والإسلام.
عام الإرهاب الدولي
قد تدخل سنة 2016 في التاريخ كأبشع سنة من حيث الفظاعة في العمليات الإرهابية، التي استنبطت وسائل جديدة وعنيفة، كان في رأيي أبشعها استهداف الكنيسة البطرسية في قلب القاهرة، ودهس المصطافين في نيس والمتسوقين في برلين ورواد المسرح في باريس والمسافرين في مطار إسطنبول وغيره الكثير. لكن العراق وسوريا واليمن وليبيا واسطنبول وكابل وكويتا بباكستان ومقديشيو بالصومال تصدرت أكثر العمليات الإرهابية تكرارا وخسائر في الأرواح.
لقد تطوع انتحاريوهم لينشروا الرعب في كل العالم، في ظل صمت المؤسسات الدينية والسياسية التي لا تصرخ في وجه الإرهاب، ولا ترفع أصواتها لتجريمه وتحريمه وإصدار الفتاوى المتلاحقة في رفض هذا الأسلوب الذي يترك المجرمين طلقاء ويتصيد الأبرياء.
فلسطين – قرار مجلس الأمن أعادها إلى مركز الأحداث
انتهى عام 2016 بمجموعة تطورات مهمة حول الصراع العربي الصهيوني، أهمها إعتماد مجلس الأمن يوم 23 ديسمبر القرار 2334 الذي يعتبر كافة أشكال الاستيطان غير شرعية وغير قانونية ويطالب بوقفها فورا، ويعتبرها السبب الرئيس في تعثر حل الدولتين. وأهمية القرار في أنه حصل على 14 صوتا إيجابيا مقابل صوت واحد «امتناع» للولايات المتحدة، الذي سمح للقرار بالمرور وهذا يعني أن هناك إجماعا دوليا لإدانة مسلكية هذه الدولة المارقة، التي تتصرف كأنها فوق القانون وتريد للعالم أن يؤيد ممارساتها. وقد كشف القرار من جهة أخرى مدى تواطؤ النظام المصري وانصياعه للإملاءات الإسرائيلية، استكمالا لدوره في حصار غزة وإغلاق معبر رفح الوحيد مع مصر، وتجريف المباني على طول الحدود وبناء خندق عميق مليء بالمياه العادمة على طول خط الأنفاق، كي يمنع تسلل أي فلسطيني يبحث عن لقمة عيش أو متابعة دراسته أو نقل مريض للعلاج.
أما الأمر المحير الآخر فهو إستقبال البحرين لوفد من غلاة الصهاينة من حركة «حباد» المتطرفة، وتأديتهم رقصات علنية مصورة بمناسبة عيد الهانوكا، شارك فيها بعض البحرينيين وكأنهم يقولون ها نحن نرقص معهم وفي بلادنا «واللي مش عاجبه يشرب ماء البحر أو البحرين». والأغنية التي تمايل فيها الصهاينة مع مضيفهم تدعى «عم يسرائيل حاي» أي شعب إسرائيل حي. ويطالب حاخام الحركة إسحاق شابيرا وآخرون بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه. ولا نعرف سببا لهذا التطبيع المجاني، في الوقت الذي يدين العالم ممارسات هذا الكيان.
تونس من جهتها، أثبتت مرة أخرى أن أمنها مخترق أو من السهل اختراقه من قبل أجهزة الموساد التي وصلت مدينة صفاقس وأردت محمد الزواري شهيدا. والأدهى والأمر أن يظهر الصحافي الإسرائيلي موآف فاردي، من القناة العاشرة في تغطية إعلامية من أمام منزل الزواري في صفاقس ويحاور تونسيين دون رقابة أو مقاطعة أو اعتقال أو تدخل فإن «تلك لعمري قاصمة الظهر».
رام الله شهدت مهرجانا يدعى مؤتمر فتح السابع، ولا نعرف ماذا تغير على الشعب الفلسطيني بعد المؤتمر، وما هي الانجازات التي حققتها الحركة في ظل هذه القيادة التي أعيد انتخابها في اللحظة الأولى للمؤتمر، في سابقة لم نسمع بمثلها من قبل. أما غزة فقد أكملت عامها العاشر في الحصار الخانق بين فكي الكماشة، والأوضاع فيها لا تثير الكثير من الاهتمام حتى ولا لذوي القربى، ولا يذكر اسمها إلا في التقرير الشهري الذي يقدمه ممثل الأمين العام أمام مجلس الأمن. وقد تعمدت أن أوجه سؤالا لكل رئيس جديد لمجلس الأمن، الذي يتغير شهريا فيلتقي بالصحافة المعتمدة لدى المنظمة الدولية: «لماذا لا تبادرون بقيادة وفد من جميع أعضاء مجلس الأمن لزيارة أكبر سجن إنساني في قطاع غزة، أسوة بما قام به المجلس من زيارات ميدانية عديدة في القارة الأفريقية؟». ويأتي الجواب متشابها من كل الرؤوساء: «ليس هناك توافق في الآراء حول زيارة غزة». الوحيد الذي وعد أن يظل يعمل على إقناع المجلس بزيارة غزة هو سفير فنزويلا، رفائيل راميريز، الذي انتهت عضوية بلاده في مجلس الأمن مع نهاية 2016 دون أن يتمكن من تحقيق ذلك الوعد.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز