(مقال قانوني)
إعفاء أجر ساعات العمل الإضافي من الرسوم القضائية
(رأي محكمة النقض الفلسطينية)
بقلم : المحامي حسام عرفات .
نصت المادة الرابعة من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م على أنْ " يُعْفَى العمال من الرسوم القضائية في الدعاوى العمالية التي يرفعونها، نتيجة نزاع يتعلق بالأجور، أو الإجازات، أو بمكافآت نهاية الخدمة، أو بالتعويضات عن إصابة العمل، أو بفصل العامل فصلاً تعسفياً".
وبالتدقيق في أحكام هذه المادة، فإننا نستنتج أنّ الدعاوي العمالية المعفاة من الرسوم، هي التي وردت حصراً فيها، وهي دعاوى الأجور،الإجازات، مكافأة نهاية الخدمة، تعويضات إصابات العمل، الفصل التعسفي، ويترتب على ذلك عدّة أمور تتمثل بالآتي :
1- أي دعوى عمالية تقام لدي المحاكم في غير هذه الدعاوي لا تُعفي من الرسوم، فإذا رفع العامل دعوى ضد صاحب العمل، بسبب رفضه إعادة الأوراق والمستندات والشهادات التي قدمها عند بداية تشغيله، أو للمطالبة بشهادة خدمة، أو الدعوى التي يرفعها العامل بسبب مخالفة صاحب العمل لأحكام قانون العمل، مثل عدم منحه ساعات الراحة، أو تشغيل العامل في غير المكان المتفق عليه في عقد العمل، أو مطالبته بأجر المثل، فكل هذه الدعاوي تخضع للرسوم، لأن المادة الرابعة لم تتضمنها، وقد قضت محكمة التمييز الأردنية بأنّ " مطالبة العامل بأجر المثل عن بدل العمل في الأعياد الرسمية والدينية، ليست من الحقوق الناشئة عن عقد العمل أو قانون العمل ، وغير معفاة من الرسوم ".
2- الإعفاء من الرسوم القضائية يشمل جميع الدعاوى التي وردت في المادة الرابعة وأمام جميع المحاكم المختصة وبكافة درجاتها، وتشمل جميع مصروفات التقاضي من رسوم وطوابع، سواء كانت الرسوم المطلوبة في المحكمة المختصة المرفوعة إليها الدعوى، أو دوائر الإجراء والتنفيذ. إلاّ أنّ محكمة النقض الفلسطينية اعتبرت أنّ "وكالة المحامي المبرزة بخصوص قضية عمالية غير معفاة من الرسوم، لأنّ الرسوم على الوكالات من حق نقابة المحامين"، وبالرغم من ذلك فقد قرّرت المحكمة أنّ "عدم وضع المحامي رسم إبراز في الوكالة، لا يُرتب البطلان على الدعوى التي حُرِّرت بموجبها الوكالة".( حكم محكمة النقض المنعقدة في رام الله في الدعوى الحقوقية رقم 130 لسنة 2011م ، الصادر بتاريخ 24/5/2012م)
3- مجانية التقاضي تقتصر على الدعاوى التي يرفعها العامل فقط، ولا تشمل الدعاوى التي يرفعها صاحب العمل، وهذا واضح بصريح نص المادة الرابعة التي بدأت بعبارة ( يُعفي العامل ..)، وقد أكّدت محكمة النقض الفلسطينية هذه المسألة في العديد من أحكامها، حيث قضت بأنّ "إعفاء العامل من دفع رسوم المقاضاة بموجب أحكام المادة 4 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2007م، لا يشمل ولا يُطَبَّق على أرباب العمل". (حكم محكمة النقض الفلسطينية في القضية الحقوقية رقم 41 /2004م، الصادر بتاريخ 10/4/2004 م).
بل وأكثر من ذلك، فقد اعتبرت محكمة النقض أنَّ الاستئناف الذي يُقدمه صاحب العمل ضد حكم صادر من محكمة الدرجة الأولى غير معفى من الرسوم، رغم أنّ الدعوى الأصلية معفاة منها، ورفضت قبول الاستئناف. (قرار محكمة النقض الفلسطينية في القضية الحقوقية رقم 192/2004م الصادر بتاريخ 31/1/2005م)
أماّ إذا حُكِم برد الدعوى العمالية التي يرفعها العامل، فإنّ محكمة النقض قَضت بأنّ قانون العمل "وإن أعفَي العمال من الرسوم في الدعاوى العمالية التي يرفعونها، إلا أنّ هذا الإعفاء لا يمنع من الحكم للمدعى عليه (صاحب العمل)، بالرسوم والمصاريف التي تكبدها هو، إذا حُكِم له برد المطالبة، أو أيْ جزء منها". (انظر حكم محكمة النقض الفلسطينية في القضية الحقوقية رقم 119/2009م، الصادر بتاريخ 14/7/2009).
وذهب المشرّع الفلسطيني بذلك خلاف ما ذهب إليه المشرّع الأردني، الذي أعفى العامل وصاحب العمل على السواء من جميع الرسوم على الدعاوى العمالية التي يرفعونها أمام القضاء. وينتقد بعض الفقه الأردني هذا المنحي للمشرع الأردني، ويعتبر أنّ الإعفاء يجب أن يقتصر على العامل فقط، لأنّ قصد المشرّع – من وجهة نظرهم – هو تمكين العامل من الحصول على حقه بأبسط الإجراءات وأقل النفقات، وليس تمكين صاحب العمل من ذلك. أمّا المشرّع المصري، فقد اتفق مع المشرّع الفلسطيني في هذا الصدد، وقَصَر الإعفاء على العامل فقط.
4 - لا يشمل الإعفاء من الرسوم ورثة العامل؛ لأنّ النص لم يذكر الإعفاء في حالة وفاة العامل، وقد افترض المشرّع أنّ ورثة العامل ممكن أنْ يكونوا من الميسورين، وبالتالي فإنّ الإعفاء هو ذو طابع شخصي ومقرر لمصلحة العامل فقط.
ونعتقد أنّ هذا الافتراض يفتقد إلى الواقعية، إذْ أنّ العامل الذي يحظى بحماية قانون العمل، ليس العامل الفقير فقط، وإنَّما العامل الميسور أيضاً، فمدير البنك الذي يتقاضى راتباً خيالياً، يحظى بالامتيازات التي قرّرها القانون للقضايا العمالية أمام القضاء مثله مثل المراسل في شركة ما، الذي يتقاضى راتباً ضئيلاً، وكلاهما يُعَرَّف بأنّه عامل، ويخضع لأحكام قانون العمل وامتيازاته. لذلك فإنّ حرمان ورثة العامل من مجانية القضاء، سيتضرر منه ورثة العامل الفقير، وليس ورثة العامل المقتدر.
واستناداً إلى ماسبق، فإنّنا نقترح على المشرّع إجراء تعديل تشريعي يضمن شمول ورثة العامل بالإعفاء من الرسوم الذي قرره القانون، وهذا التعديل لا يتطلب سوى إضافة كلمة (وورثته) في صدر المادة الرابعة لتصبح (يعفى العامل وورثته...).
5- الإعفاء لا يمتد إلى الدعاوى التي ترفعها النقابات العمالية دفاعاً عن مصالح العمال للسبب ذاته الذي ذكرناه آنفاً، وهو أنّ هذه الميزة قُرِّرَت حصراً لمصلحة العامل، ولم يرد في نص المادة الرابعة من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م، شمول الإعفاء من الرسوم القضائية للنقابات العمالية.
إعفاء اجر ساعات العمل الإضافية
لم يرد في المادة الرابعة من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م نص صريح بشأن إعفاء ساعات العمل الإضافية من الرسوم القضائية، وبسبب ذلك فقد اختلفت الآراء الفقهية والقضائية بشأنها، فرأى البعض أنّ استثناء الأجر الوارد في المادة 4 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م قد جاء مطلقاً، ويشمل أجر ساعات العمل الإضافي إذا كانت لا تتجاوز ما نصت عليه المادة 71 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، والتي أجازت العمل الإضافي بما لا يتجاوز الإثنتى عشرة ساعة أسبوعياً. أمّا البعض الآخر فيرى أنّ دعوى المطالبة بأجور ساعات العمل الإضافي غير معفاة من الرسوم، لأنّه لا يدخل في مفهوم الأجر الوارد في المادة الرابعة من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م.
ولم تستقر محكمة النقض الفلسطينية على قضاء واضح في هذا الشأن، فهي قررت في بعض أحكامها بأنّ دعوى المطالبة بأجور ساعات العمل الإضافي تخضع للرسوم ولا يشملها الإعفاء المنصوص عليه في المادة الرابعة من قانون العمل الفلسطيني، واعتبرت هذه المسألة متعلقة بالنظام العام، ويجوز لمحكمة النقض إثارتها من تلقاء نفسها، وَرَدَّتْ دعوى العامل لعدم دفعه الرسوم.( انظر حكم محكمة النقض المنعقدة في رام الله في الدعوى الحقوقية رقم 152 لسنة 2010 ، الصادر بتاريخ 23/11/2010).
ثم عادت وقررت في عدة أحكام أخرى لها، بإعفاء تلك الدعاوى من الرسوم، استناداً إلى اعتبار أجر ساعات العمل الإضافية أجراً بالمعنى المقصود في المادة الرابعة من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، وهو مُعْفَى من الرسوم القضائية، على أنْ يشمل الإعفاء ساعات العمل الإضافي التي قررتها المادة 71 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م فقط ، "أما ما زاد عن ذلك، فإنها لا تُعد من الحقوق التي يُرتبها قانون العمل، وإنَّما تخضع لأحكام القانون المدني، والمطالبة بها غير معفاة من الرسوم".( أنظر حكم محكمة النقض المنعقدة في رام الله في الدعوى الحقوقية رقم 659 لسنة 2010م، الصادر بتاريخ 17/1/2012م)
وبسبب هذا التناقض في القرارات، فقد أصدرت الهيئة العامة للمحكمة العليا بأغلبية أعضائها قراراً بتاريخ 9/4/2015م، حسمت فيه أمرها، وقضت (بخضوع ساعات العمل الإضافي سواء الواردة في المادة 71 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، أو تلك التي تزيد عليها، للرسوم القضائية عند المطالبة بها قضائيا، وفق قانون رسوم المحاكم النافذ، إذ أنّ ساعات العمل الإضافي لا تدخل في مفهوم الأجر عند احتساب بدل مكافأة نهاية الخدمة، أو بدل الفصل التعسفي، أو إصابة العمل، بمعنى أنّها لا تدخل في العلاوات والبدالات، ولا في الأجر الأساسي وفق مفهوم الأجر في المادة الأولى من القانون، وإنّما تُعد تعويضاً عن ساعات العمل الإضافي الذي يَخضع للقواعد العامة، ويتوجب دفع الرسوم القضائية عنها، وفق أحكام قانون الرسوم النافذ).(انظر قرار الهيئة العامة للمحكمة العليا رقم 2 لسنة 2015م تاريخ 09/04/2015م)
وبرأيي أنّ هذا القرار فيه إجحاف بحق العمال، وخروج على قاعدة تفسير النصوص الغامضة لمصلحة العامل، كما أنّ استناد المحكمة في هذا القرار إلى استبعاد المشرّع لساعات العمل الإضافية عند احتساب الحقوق العمالية، مثل مكافأة نهاية الخدمة، أو الفصل التعسفي، أو إصابة العمل، فيه تحميل للنصوص أكثر مما تحتمل، وابتعاد عن قصد المشرّع في صياغتها، إذ أنّ استبعاد المشرّع لساعات العمل الإضافي عند احتسابه الحقوق العمالية الواردة في القانون، لم يكن مرده عدم اعتبارها أجراً ، بل استناداً إلى أنّ هذه الساعات هي في الغالب غير ثابتة، ومختلفة القيمة شهرياً، ولأنّ المشرّع قرر مبدأ عام في احتساب الحقوق العمالية، يقوم على احتسابها على أساس آخر أجر تقاضاه العامل.
وتحسبا من المشرّع، أنْ يكون العامل قد اشتغل ساعات عمل إضافية في شهره الأخير بما يرفع من قيمة الأجر، وبالتالي يرفع من حقوقه العمالية تجاه صاحب العمل، وتحقيقاً للعدالة بين العامل وصاحب العمل، فقد اعتبر أنّ الحقوق العمالية تحسب على أساس راتب الشهر الأخير من عمل العامل، مُسْتَبْعِداً منه أجور ساعات العمل الإضافي، وهذا فيه منطق وإنصاف وتحقيق للتوازن بين الطرفين، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أنّ قصد المشرّع كان استبعاد أجر ساعات العمل الإضافي من مفهوم الأجر الوارد في المادة الرابعة وإعفاءه من الرسوم بالتالي.
وانضم القضاء الفلسطيني بهذا القرار، إلى التشريع والقضاء الأردنيين، في عدم اعتبار ساعات العمل الإضافية أجراً معفي من الرسوم، إذ أنّ كل الدعاوى للمطالبة ببدل ساعات العمل الإضافي خاضعة للرسوم في الأردن. وسارت محكمة النقض اعتباراً من تاريخ قرار الهيئة العامة على إلزام العامل بدفع الرسوم عن المطالبة ببدل أجر ساعات العمل الإضافي. أمَّا القضايا التي كانت مرفوعة قبل هذا القرار واستمرت منظورة إلى ما بعد صدوره، فقد ألزمت المحكمة المدعين بدفع الرسوم عن هذه القضايا في ما يزيد عن الحد الذي قررته المادة 71 من قانون العمل، أمَّا إذا كان الادعاء لا يتجاوز الإثني عشرة الساعة في الأسبوع، فلا يُلزم العامل بدفع الرسم، رغم أنَّ المحكمة قضت في بعض هذه القضايا برد دعوى المطالبة ببدل ساعات العمل الإضافي لعدم دفع الرسوم رغم رفع الدعوي قبل قرار الهيئة العامة.(حكم محكمة النقض الفلسطينية في القضية الحقوقية رقم 716/2013م، الصادر بتاريخ 18/10/2015م).
إلا أنَّ محكمة النقض – وفي سابقة فريدة– عادت وخالفت قرار هيئتها العامة السابق ذكره المتعلق بإعفاء أجر ساعات العمل الإضافي من الرسوم، وقرّرت العودة إلي قراراتها السابقة لقرار الهيئة العامة وقضت في حكم حديث لها بأنَّ " ساعات العمل الإضافي التي لا تتجاوز (12) ساعة أسبوعيا جزءاً من الأجر لقاء العمل الذي قام به العامل، وبالتالي تكون معفاة من الرسوم، أمَّا ما زاد عن ذلك من ساعات عمل إضافي فلا يُعتبر جزءاً من الأجر المعفى من الرسوم، وإنّما جهداً مبذولاً لقاء بدل معلوم شأنه شأن أي مطالبة مالية تخضع للرسم القانوني".( حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 676/2013م ، الصادر بتاريخ 20/3/2016م