قراءه نقدية للليبراليه: الليبرالية من منظور نقدي اسلامى
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تعريف الليبرالية (LIBERALISM) : الليبرالية لغة “مذهب الحرية” ، حيث يرجع الأصل اللغوي” اللاتيني” للمصطلح إلى معنى الحرية . أما اصطلاحا فان الليبرالية هي فلسفه ومنهج ومذهب ، اى أن لها ثلاثة أبعاد أساسيه ، البعد الأول هو بعدها الفلسفي المتمثل في كونها فلسفه اجتماعيه “اى تبحث في طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع”، فرديه “اى تنطلق من فكره فلسفيه مضمونها أن الفرد ذو حقوق طبيعية سابقة على وجود المجتمع ذاته”، طبيعيه” اى تنطلق من فكره فلسفيه مضمونها ان هناك قانون “طبيعي” يضبط حركه الإنسان وينظم العلاقة بين الفرد والمجتمع .أما البعد الثاني فهو بعدها المنهجي المتمثل في كونها منهج يستند إلى تصور معين لفكره القانون الطبيعي مضمونه “أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق “حتما ” من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة”.أما بعدها الثالث فهو بعدها المذهبي المتمثل في كونها مذهب ذو أركان أربعه أساسيه هي:أولا:الفردية في الموقف من الأخلاق، ثانيا: العلمانية في الموقف من الدين، ثالثا:الراسماليه في الموقف من الاقتصاد، رابعا: الديموقراطيه “الليبرالية” في الموقف من السياسة.
أولا: البعد الفلسفي للليبراليه ” الفلسفة الليبرالية”(فلسفه طبيعيه – فرديه): تتميز الفلسفة الليبرالية بأنها لم توضع بواسطة فيلسوف واحد في فتره زمنيه معينه (كالماركسية أو الهيجليه…)، بل ساهم في وضعها عدد كبير من الفلاسفة ، ظهروا خلال فتره زمنيه طويلة (القرن السادس عشر والقرون التي تليه). كما تتميز بأنها لم تبحث في الوجود العام – بشكل تفصيلي- بل ركزت جهدها على البحث في الوجود الانسانى، وتحديدا تنظيم علاقة الفرد بالمجتمع، فهي ليست فلسفه في الوجود إنما فلسفه اجتماعيه ، ولكن رغم هذا فإنها انطلقت من من فكره فلسفيه ترجع جذورها إلى الفلسفة اليونانية، سلمت بصحتها بدون تحقق “فهي عندها مسلمه ميتافيزيقية لا تحتاج إلى بحث”، ومضمونها أن هناك قانون “طبيعي” يضبط حركه الإنسان وينظم العلاقة بين الفرد والمجتمع ، فالليبرالية إذا فلسفه طبيعيه من جهة مسلماتها، وللبراليه تصور خاص لمضمون فكره القانون الطبيعي مضمونه أن الفرد ذو حقوق طبيعية سابقة على وجود المجتمع ذاته، وبهذا فان الليبرالية فلسفه فرديه تتطرف في التأكيد على وجود الفرد إلي درجه إلغاء- أو التقليل من أهميه – وجود الجماعة.
تقويم: فالليبرالية إذا فلسفه غير دينيه ، بمعنى أنها لا تنطلق من مسلمات دينيه ، بل تنطلق من مسلمه طبيعيه ” فكره القانون الطبيعي ” ، تحتمل اتخاذ موقف إثبات أو نفى أو الشك في الربوبية ” الإيمان والإلحاد والشك “(لأنها لا تضع أجابه على السؤال: من وضع هذا القانون الطبيعي؟ الله ، الطبيعة.. ) ، ولكن يظل هذا الموقف موقف ذاتي . فالفلسفة الليبرالية تختلف عن الفلسفة الاسلاميه (بمفهومها الشامل الذي يضم : علم أصول الفقه وعلم أصول الدين “علم الكلام “والتصوف الاسلامى, والفلسفة الاسلاميه…)لأنها فلسفه دينيه ، اى فلسفه تتخذ المفاهيم الكلية التي جاء بها الوحي مسلمات أولى لها. كما ان الفلسفة الاجتماعية الليبرالية تختلف عن الفلسفة الاجتماعية الاسلاميه لان الأولى فرديه تتطرف في إثبات وجود الفرد لدرجه إلغاء وجود الجماعة ، بينما الثانية تقوم على التوازن بين الفرد و الجماعة ،من خلال جعلها علاقة المجتمع بالفرد كعلاقة الكل بالجزء ،يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.
ثانيا:البعد المنهجي لللببراليه “المنهج الليبرالي”(المصلحة الفردية) :أما ألليبراليه كمنهج فتستند إلى تصور معين لفكره القانون الطبيعي مضمونه “أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق “حتما” من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة”
تقويم:
انتفاء ضوابط الحرية ومشكله الاحتكار: ومشكله علم المنهج الليبرالي الأوربيين أن الواقع قابل للتغيير، وان ما يحول دون تغييره هي القيود المفروضة على فعالية القانون الطبيعي، وان عليهم أن يحطموا تلك القيود حتى يتغير الواقع،وان( التحرر) لازم للتغيير،وأدى هذا إلي تمرد الأوربيين على سادتهم ، وان يسقطوا وصايا الكنيسة وامتيازات الملوك والنبلاء وأمراء الإقطاع ،ويمزقوا العلاقات الاقطاعيه، أدى تحطيم هذه القيود إلي قهر الطبيعة بالعلم والثورة الصناعية ، وإرساء قواعد حضارة الرخاء المادي ( الحضارة الغربية المعاصرة). لكن رغم انه علمهم كيف يتحررون إلا انه لم يعلمهم ماذا يفعلون بالحرية”اى تنتفي فيه ضوابط الحرية” ، اتكالا على أن النشاط الفردي ينتهي إلي تحقيق مصلحه الجميع، وهذا ما أدى أن تصبح ثمار هذا التقدم ( ملكيه خاصة) لأصحابه، بل كان بالنسبة إلي غيرهم في المجتمعات الاوربيه ” الطبقات الأخرى” أو فى المجتمعات الأخرى”المجتمعات الشرقية في ظل الاستعمار الاوربى” فقرا على فقر وعبودية كعبودية القرون الوسطي ، وبقيت المجتمعات الاوربيه والمجتمعات الأخرى محرومة من ثمار التقدم إلي ما قبل قرنين. غير انه يجب ملاحظه الخلل الكامن في الليبرالية كمنهج هو افتراضها أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة،اى دون تدخل الدولة كممثل للمجتمع ، وهو ما اثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل، لان ترك كل فرد يفعل ما يشاء ، أدى إلى أن اغلب الناس لا يستطيعون ان يفعلوا ما يشاءون “مشكله الاحتكار” (د. عصت سيف الدولة ،نظريه الثورة العربية، الجزء الأول)
المنهج الاسلامى وتقرير ضوابط للتحرر: و يلتقي المنهج الإسلامي مع المنهج الليبرالي في تقريره أن تحرير الناس من القيود المفروضة عليهم شرط لازم لتغيير الواقع ، ولكنه يرى أن لهذا التحرير ضوابط تشمل كل مستوياته ” الذاتية والموضوعية ” ، وأوجهه”السلبية الايجابية” ، فضابط مستواه الذاتي طبقا لوجهه السلبي هو تحرير الذات من الغايات المطلقة الزائفة ” اجتناب الطاغوت بالتعبير القرانى ” ، أما ضابط مستواه الذاتي طبقا لوجهه الإيجابي فيتمثل في أن اتخاذ الله تعالي وحده غاية مطلقة ” توحيد الالوهيه”.أما ضابط مستواه الموضوعي طبقا لوجهه السلبي فيتمثل في تحرير الفعل الإنساني من أي فعل مطلق زائف ” وهو ما عبر عنه القرآن بمصطلح الاستكبار”، أما ضابط مستواه الموضوعي طبقا لوجهه الإيجابي فيتمثل في أن إسناد الفعل المطلق لله تعالى وحده” توحيد الربوبية”.
ثالثا: البعد المذهبي للليبراليه”المذاهب والنظم الليبرالية: وتطبيق المنهج الليبرالي على المشاكل التي طرحها الواقع الغربي، أدى إلى ظهور الكثير من النظريات في الدولة(الديمقراطية الليبرالية) والاقتصاد(الراسماليه أو الاقتصاد الحر) الاجتماع والأخلاق(الفردية) والأدب (مذهب لفن للفن) والدين (العلمانية )،ومذاهب في الدين المسيحي(حركات الإصلاح الديني المسيحي “ ومنها المذاهب البروتستانتية المختلقة “) ، والتي يمكن أن نطلق على مجموعها المذاهب والنظم الليبرالية.
أركان المذهب الليبرالي: كما ذكرنا أعلاه فان لليبراليه كمذهب أربعه أركان رئيسيه هي:
أولا: العلمانية “الفصل بين الدين والدولة “: من أركان الليبرالية كمذهب العلمانية، فالليبرالية علمانيه في موقفها من الدين.
تعريف العلمانية : مصطلح “العلمانية ” هو ترجمه عربيه لمصطلح (Secularism )، والذي هو صيغه نسب لكلمه ( Secular )، والتي تعنى في اللغة اللاتينية الدنيا أو العالم ، فالأصل اللاتيني لمصطلح العلمانية يفيد أذا معنى ما هو دنيوي مقابل ما هو ديني ، ورغم ما يدخل في تركيب كلمه العلمانية من حروف كلمه العلم، إلا انه لا علاقة بين العلمانية نزعه والعلم منهاجا، والأصل اللاتيني للترجمة العربية ينفى مثل هذه الصلة (د. عصمت سيف الدولة ، عن العروبة والإسلام ، ص187)، فالأولى أصلها اللاتيني ( Secular )، بينما الثانية أصلها (science) . أما اصطلاحا فان العلمانية هي نزعه تعمل على الفصل بين الدين”ممثله في السلطة الدينية” والدولة “ممثله في السلطة السياسية” . وإذا كان ما سبق من حديث يتصل بالدلالة ألعامه -المشتركة لمصطلح علمانيه وهى دلالته الأصلية – التاريخية ، فقد اكتسب المصطلح لاحقا دلالات خاصة- منفردة متعددة، ومنها أن العلمانية هي فصل الدين عن السياسة”السلطة السياسية” ،وليس الدولة “ميشيل عفلق”
شكلي العلمانية:
العلمانية المسيحية ” ذات الأساس الديني”: وقد كانت العلمانية في الأصل جزء من الديانة المسيحية، استنادا إلى قول المسيح (عليه السلام) ” أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” (متى 17: 21) .وهنا يمكن الحديث عن احد أشكال العلمانية وهو العلمانية المسيحية، وهى علمانيه ذات أساس ديني للاتي ا/ لأنها احد مبادئ الديانة المسيحية ، وردت الاشاره إليه في العديد من النصوص المسيحية،وله تطبيقات كثيرة في هذه الديانة، ب/ لان المسيحية ديانة تعنى بالعلاقة بين الإنسان-الفرد- وربه، وتركز على العقائد والعبادات والقيم الاخلاقيه والروحية “ذات طابع فردى “اى تنظم العلاقة بين الأفراد” ولكنها لا تتضمن تشريعات ذات الطابع الاجتماعي ” اى تنظم حركه المجتمع ” – كما في الديانة الاسلاميه مثلا- وما أطلق عليها اسم “تشريعات مسيحيه ” هي من وضع الكنائس المسيحية المتعددة في مراحل متاجره،ج/ رغم أنها ترى جسد الإنسان يجب أن يخضع لسلطه الحاكم ، لكنها ترى في ذات الوقت أن روحه يجب أن تخضع لسلطه المسيح- تلاميذ المسيح – الكنيسة..
العلمانية الليبرالية”الطبيعية – الغير دينيه”: وقد تحولت العلمانية إلي تيار فكرى معين، ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى ، تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم، انتهى إلي أقامه نظام متكامل للحياة ، هو النظام الليبرالي التي تشكل العلمانية احد أركانه، كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية سادت أوربا نحو سبعه قرون . وهنا يمكن الحديث عن شكل آخر للعلمانية وهو العلمانية الليبرالية ، اى التي تشكل احد أركان النظام الليبرالي الاربعه “بالاضافه إلى الراسماليه والفردية والراسماليه ” . وهى علمانيه طبيعيه- غير دينيه، اى تنطلق من فكره “القانون الطبيعي “، والتي مضمونها ( أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة ) – التي يستند إليها المنهج اللييرالى – لتقول بعدم تدخل الدولة في النشاط الديني والحياة الدينية للمجتمع – ليصبح النشاط الديني بذلك مقصورا على الأفراد – وتقول بوجوب خضوع جسد الإنسان للسلطة السياسية ، أما روحه فحرة حرية مطلقه ، اى تقوم على أساس حرية الاعتقاد المطلقة ولست المقيده ، اى للإنسان مطلق الحرية في اختيار اى اعتقاد ديني”مسيحي أو خلافه”، أو لا ديني “الإلحاد أو الشك..”
المواقف المتعددة من العلمانية : وقد تعددت المواقف من العلمانية في المجتمعات المسلمة ، غير أن هناك ثلاثة مواقف أساسيه منها وهى :
أولا : موقف القبول المطلق :اى قبول العلمانية دون تمييز بين دلالاتها المتعددة، وأشكالها المختلفة ، و سلبياتها وايجابيتها .
التغريب: كما سبق الاشاره فان أن العلمانية “الليبرالية” هي احد أركان النظام الليبرالي ، كنظام متكامل للحياة ، كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية سادت أوربا نحو سبعه قرون. بناءا على هذا فان موقف القبول المطلق للعلمانية هو شكل من أشكال التغريب الذي مضمونه أن تستبدل المفاهيم والقيم والقواعد الاسلاميه (التي تشكل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة ) بالمفاهيم والقيم والقواعد الغربية، لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية .
ثانيا :موقف الرفض المطلق: اى رفض العلمانية دون تمييز بين:أولا دلالاتها المتعددة “دلالتها الاصليه –التاريخية”العامة – المشتركة”(فصل الدين عن الدولة) ودلالاتها اللاحقة ،ثانيا: أشكالها المختلفة “العلمانية المسيحية ذات الأساس الديني”قول المسيح أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” و العلمانية المسيحية ذات الأساس الطبيعي الغير ديني، ثالثا: سلبياتها التي تتناقض مع الإسلام كالدين ومنها إقصاء واستبعاد الدين عن الحياة العامة وقصره على الحياة الخاصة… و ايجابياتها التي تتسق مع الإسلام كدين : ومنها تقرير مدنيه السلطة ورفض الكهنوت والثيوقراطيه..
التكفير:هذا الموقف يقوم على تكفير كل من يتبنى أو يدعو إلى العلمانية في المجتمعات المسلمة .هذا الموقف يواجه عده إشكاليات ومنها:
أولا:عدم التمييز بين عله منع شكلي العلمانية : أن هذا الموقف لا يميز بين عله المنع في الشكل الأول من أشكال العلمانية “العلمانية المسيحية” ممثله في قول المسيح (عليه السلام)(أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، وهى أنها من شرع من قبلنا الذي يخالف شرعنا –لان شرعنا يتضمن تشريعات كليه تشمل كافه مناحي الحياة- وهنا لا يجوز أن يقترن المنع بالتكفير” لان هذا طعن في الأنبياء السابقين، فعدم عملنا بشرائعهم لا يعنى إنكارنا عملهم بشرائعهم – وعله المنع في الشكل الثاني من أشكال العلمانية “العلمانية الليبرالية”-وهى أن أساسها طبيعي – لا دينى- وهنا يجب على من أراد أن يقرن المنع بالتكفير أن يلتزم بضوابط التكفير الشرعية .
ثانيا:عدم الالتزام بضوابط التكفير الشرعية : أن هذا موقف لا يلتزم بضوابط التكفير التي قررتها النصوص وأكد عليها علماء الإسلام ومنها قاعدة”التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع” بمعنى جواز القول بان المذهب المعين أو القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه، والدليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لعن شارب الخمر على العموم، ولما جلد رجلاً شرب الخمر قام رجل فلعنه فقال (صلى الله عليه وسلم) (لا تلعنوه فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) (رواه البخاري(، فوجد الرسول(صلى الله عليه وسلم) مانع من اللعن العام وهو محبته لله والرسول .يقول ابن تيمية ( إن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافراً أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه) (ابن تيمية، الفتاوى، الفتاوى ،مجلد 12، ص22) .وتطبيقا لهذه القاعدة فانه إذا كان من الجائز القول بتضمن مذهب العلمانية أو بعض مذاهبها لمفاهيم كفريه- وهو قول مقصور على العلماء – فانه لا يجوز أن القول أن الشخص المعين “العلماني ” كافر إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه.
ثالثا :عدم التمييز بين أنواع عدم الالتزام بالشرع : أن هذا الموقف يحكم بكفر العلمانيين لأن تعريفه للعلمانية هو عدم الالتزام بالشرع ، ولكنه لا يميز بين أنواع عدم الالتزام بالشرع ، وهو ما يخالف أصل من أصول الفكر السياسي السني – وهو وجوب التمييز بين نوعين من أنواع عدم الالتزام بالشرع :الأول هو عدم الالتزام بالشرع مع الإقرار به، وحكمه انه ظلم او فسق، والثاني: عدم الالتزام بالشرع مع إنكاره ،وحكمه انه كفر بدليل قوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) [5 /المائدة /45]، وقوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) [5 المائدة /47]، وَقوله تعالى (مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )، وقد روى علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” قال ( من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّبه، لم يحكم به فهو ظالم فاسق) (أخرجه الطبري في جامع البيان بإسناد حسن/ سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني /ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الحكم بغير ما أنزل الله)، ولذا ينسب لابن عباس في رده على الخوارج ” إنه ليس الكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة: كفر دون كفر” ، ويقول الشيخ الألباني (وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: «كفر دون كفر»، صحّ ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم )، بناءا الأصل فان الفكر السياسي الاسلامى السني يقوم على عدم تكفير من لم يلتزم بالشرع (سواء كان فرد أو جماعه أو حاكم أو نظام سياسي..)، إلا بعد التحقق من إنكاره للشرع . وهذا الأصل يتسق مع احد الأصول السياسية لمذهب الخوارج ، وهو تكفير الحكام الذين لم يلتزموا بالشرع والخروج عليهم دون تمييز بين من اقر به ومن أنكره ، استنادا إلى تفسير خاطئ لقوله تعالى( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )(المائدة:44).
رابعا:استبعاد المبرر الحضاري لرفض العلمانية : أن هذا الموقف يحصر رفض العلمانية للمبرر الديني ، ويستبعد رفضها لمبرر حضاري أيضا وهو أنها شكل من إشكال التغريب ،لأنه يقصر الإسلام على الدين، بينما الإسلام دين وحضارة.
ثالثا : الموقف النقدي : وهو الموقف الذي يقوم على التمييز بين الدلالات المتعددة لمصطلح العلمانية ، حيث أن للمصطلح دلاله أصليه – تاريخيه واحده – هي فصل الدين عن الدولة ، كما أن له دلالات لاحقه – خاصة متعددة ، وبالتالي فان رفض الدلالة الاصليه التاريخية”العامة المشتركة” للمصطلح، لا يترتب عليه رفض أو قبول دلالاته اللاحقة” الخاصة المنفردة” إلا بعد تقييمها.كما يقوم هذا الموقف على التمييز بين سلبيات للعلمانية التي تتناقض مع الإسلام كالدين ومنها إقصاء واستبعاد الدين عن الحياة العامة وقصره على الحياة الخاصة… و ايجابياتها التي تتسق مع الإسلام كدين : ومنها تقرير مدنيه السلطة ورفض الثيوقراطيه… يقول المفكر الاسلامى احمد كمال أبو المجد انه يجب تحليل المكونات المختلفة للعلمانية ” إذ أن فيها عناصر لا نعتقد أنها تتعارض بالضرورة مع الإسلام ، كاعتبار السلطة السياسية ذات أساس مدني مستمد من رضا المحكومين، ونفى الصفة الثيوقراطيه عنها ،وكالتسليم بحق أتباع الديانات المختلفة في ممارسه شعائرهم الدينية بحريه، إلا إذا صادمت ما يعرف بالنظام العام والآداب العامة، وهى فكره ترتبط بالدولة ولا ترتبط بالإسلام ، أما فصل الدين عن الوله، بمعنى إقصاء الدين عن أن يكون له دور في تنظيم أمور المجتمع فإنها المكون الرئيسي من مكونات العلمانية الذي لا يسع مسلما قبوله ” (احمد كمال أبو المجد، نحو صيغه جديدة للعلاقة بين القومية العربية والإسلام،مجله المستقبل العربي ،العدد26 – ابريل1981 ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، ص115
المنظور السياسي الاسلامى وتجاوز الثيوقراطيه والعلمانية: والمنظور السياسي الاسلامى يتجاوز كل من الثيوقراطيه والعلمانية، لأنه يجعل علاقة الدين بالدولة علاقة وحدة وارتباط (وليست علاقة خلط أو تطابق كما في الثيوقراطيه )، لان السلطة في الإسلام مقيده بمفاهيم وقيم قواعد كليه ، مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعي الدلالة “كالشورى والعدل والمساواة….كما يجعل العلاقة بين الدين والدولة علاقة تمييز( وليست علاقة فصل كما في العلمانية) لان الإسلام ميز بين التشريع كوضع الهي ثابت والاجتهاد ككسب بشرى متغير. كما المنظور السياسي الاسلامى يقوم على مدنيه السلطة (وليس التشريع كما في العلمانية) ” لان الحاكم في المنظور السياسي الاسلامى نائب ووكيل عن الجماعة، لها حق تعيينه ومراقبته وعزله إذا جار” ، كما يقوم على دينيه التشريع ” على مستوى أصوله ” (وليس السلطة كما في الثيوقراطيه) ، “باعتبار أن قواعد الشريعة الاصوليه هي المصدر الرئيسي للتشريع ”. ثانيا:الراسماليه “الاقتصاد الحر”: ومن أركان الليبرالية كمذهب النظام الاقتصادي الراسمالى، الذي يطلق عليه اسم الاقتصاد الحر، فهذا النظام الاقتصادي هو محصله تطبيق الليبرالية كفلسفة ومنهج في الاقتصاد،ومضمون هذا النظام الاقتصادي ترك النشاط الاقتصادي لآليات السوق “العرض والطلب،المنافسة الحرة،الربح…”دون تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،فدورها يقتصر على توفير الأمن الداخلي والخارجي،وتستند الراسماليه إلى مفهوم الملكية الخاصة الذي مضمونه (حق التصرف المطلق في المال )،والمأخوذ من القانون الروماني.
تقويم:
تناقض النظام الاقتصادي الراسمالى مع المنظور الاقتصادي الاسلامى:
ا/التناقض العقدي: يتعارض النظام الراسمالى مع الفلسفة ألاقتصاديه الاسلاميه لأنها تنطلق من مبدأ إسناد ملكية المال لله تعالى وحده ، ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾(النور: 33)، والمقصود بالملكية هنا حق التصرف المطلق بالمال ،وهو ما يقارب مفهوم الملكية الخاصة في الراسماليه ، وبناءا على هذا فان الفلسفة الاقتصادية الإسلامية ترفض إسناد الملكية (حق التصرف المطلق بالمال) إلى غيره تعالى ، لان ذلك الإسناد هو شكل من أشكال الشرك” الاعتقاد او العملي” في الربوبية ،يقول تعالى﴿ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ (إلا سراء: 111).
نقد مذهب إقرار الإسلام للملكية الخاصة: وهناك مذهب في الفكر الاقتصادي الاسلامى المعاصر يرى ان الإسلام يقر الملكية الخاصة، كما فى الفلسفة الاقتصادية الليبرالية والنظام الاقتصادي الراسمالى، ووجه الخطأ في هذا المذهب انه يخلط بين الملكية الخاصة المتعلقة بوظيفة الملكية، التي مضمونها حق المالك فى التصرف المطلق بالمال(كما فى الاقتصاد الراسمالي )، والملكية الفردية المتعلقة بالشكل القانوني للملكية، والتي مضمونها حق الفرد في التصرف المقيد بالمال(كما فى اقتصاد الاسلامى )كما سنوضح ادناه ، ويستدل هذا المذهب بعده أدله سنعرض لها ونرد عليها: الرد على الدليل الأول: وضع الإسلام حد السرقة وجعل عقوبتها قطع اليد، والاستدلال هنا غير صحيح ، إذ أن الحدود هي (محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى)، وما كان حق الله يعني أن وضعه كان لحماية مصلحة الجماعة ، لا مصلحة الفرد يقول الكاساني (والمقصود بحق لله كل فعل أو امتناع ترجع علة إيجابه أو النهي عنه إلى الجماعة)(بدائع الصنائع، ج7، ص 33،56)،وهذا دليل على أن حد السرقة إنما وضعه الشارع تعالى لحماية مصلحة الجماعة ،التي لها حق الانتفاع أصلا وأن كان الانتفاع بيد الفرد،إذ لو كان المراد إقرار الملكية الخاصة كما في الراسماليه لكانت عقوبة السرقة قصاص لا حد، إذ المقصود بالقصاص(ما وجب إتيانه أو الامتناع عنه لحق الفرد)( المرجع السابق، ص320) اي أن القصاص وضع لحماية حق الفرد ولذا يجوز العفو في القصاص ولا يجوز في الحد. …الدليل الثاني: أنه لا يجوز للدولة أن تأخذ من مال الفرد سوى الزكاة،وهو رأي خاطئ،ومن أدلة ذلك قوله تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِيا لْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ والسائلين وَفِي الرقاب وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ)(البقرة: 177)، وفي تفسير القرطبي (استدل بها من ذهب إلى إن في المال حق سوى الزكاة ،وقيل الزكاة المفروضة،والأول أصح لما أخرجه الدار عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلي الآية). و يذكر ابن حزم (انه صح عن الشعبي ومجاهد وطاووس وغيره قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المال حق سوى الزكاة “قال فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة لا مخالف لهم منهم) .>> الدليل الثالث: انه لا يجوز للدولة أن تأخذ مال الفرد جبراً، بل على الفرد أن يعطي باختياره، وهو رأي خاطئ والأدلة:عندما احي عمر رضي الله عنه أرضا بالربدة وكانت لقوم فجاءؤا وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في إلاسلام علام تحميها،فاطرق عمر ثم قال)المال مال الله والعباد عباد الله والله لو لا ما احمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبر في شبر( .ويقول الإمام ابن حزم)وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، يجبرهم السلطان على ذلك أن لم تقم الزكوات، ولا في سائر أموال المسلمين.
مذهب الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية: أما ألملكيه الفردية كشكل القانوني للملكية، مضمونه حق الفرد في التصرف المقيد بالمال، فقد اقرها الإسلام ، لكن على وجه يتسق مع تصور خاص للملكية الاجتماعية كتحديد لوظيفة الملكية، اى لصاحب الحق فى القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك، ومضمونها ان القرار الاقتصادي أصلا من حق المجتمع، بالتالي فان القرار الاقتصادي للمالك يجب ان لا يتناقض مع مصلحته، وعلى وجه يتناقض مع الملكية الخاصة كتحديد اخر لوظيفة الملكية، اى لصاحب الحق فى القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك،ومضمونها حق المالك فى اتخاذ القرار الاقتصادي بالنسبة إليها دون المجتمع ،اى وان تعارض مع مصلحه المجتمع. وهذه الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية تتمثل في تقرير الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه أن الجماعة هي المستخلفة أصلا عن الله تعالى مالك المال في الانتفاع به ، أما الفرد فنائب ووكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾(الحديد: 7).
تناقض اولويه الفرد والقطاع الخاص مع مبدأ أن الجماعة هي المستخلفة – أصلا- في الانتفاع بالمال : كما ان الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه قائمه على مبدأ استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال، اى ان الجماعة هي المستخلفة عنه تعالى أصلا في الانتفاع بالمال، على الوجه الذي يحدده ملك المال تعالى المنزه عن الانتفاع به ، أما الفرد فنائب وكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ الحديد: 7). …وهذا المبدأ يتناقض مع اولويه الفرد على الجماعة ، والقطاع الخاص على القطاع العام في سياسة التحرير الاقتصادي كتطبيق للنظام الاقتصادي الراسمالى.
ب/ التناقض القيمى والحضاري: كما أن هناك تناقض قيمي وحضاري بين النظام الاقتصادي الراسمالى والقيم الدينية والحضارية الاسلاميه، حيث أن هذا النظام الاقتصادي هو تنظيم للتمرد على القيم الدينية و الحضارية المشتركة للشخصية المسلمة، وأولاها قيمه المشاركة الحضارية،حيث إن علاقات الإنتاج في ظل هذا النظام الاقتصادي تصبح مصدر للانانيه والفردية التي تتحول من خلال أطرادها إلى قيمه اجتماعيه تفسد عن طريق عن العدوى بالتفاعل باقي القيم الحضارية للشخصية المسلمة في الاسره (المشاكل الاسريه، التفكك الأسرى، ارتفاع نسبه الطلاق,…) في العلم( تحول العلم إلى تجاره) في الفكر( اتخاذ المفكرين لموقف الدفاع عن الواقع ، بدلا من اتخاذ موقف الدعوة إلي تغييره بتقديم حلول للمشاكل التي يطرحها..) في الأخلاق( التدهور الاخلاقى في كافه مجالات الحياة)… الخ نرى الأثر المخرب للقيم الراسماليه: الفردية التي تتقدم على أشلاء الآخرين ،والنظام الراسمالى بحكم طبيعته نظام استغلالي، ولا يمكن لاى إنسان في ظل الراسماليه إلا إن يكون طرفا في علاقة استغلالية مستغلا أو ضحية استغلال بشكل مباشر أو غير مباشر ،إزاء هذا لا تجدي النصائح والوعظ المثالي وحسن النية، بل أن حسنى النية هم ضحايا جاهزة للاستغلال، ولا يمكن إلغاء الاستغلال وباقي القيم السلبية إلا بالعمل على مقاومه النظام الاقتصادي الراسمالى الذي يكرس للمربع المخرب(الفقر والجهل والمرض و البطالة) و يفرز هذه القيم السلبية، واقامه نظام اقتصادي يعبر عن القيم الحضارية للشخصية المسلمة ،و يهدف إلى تحقيق مصلحه المجتمعات المسلمة ككل
الأزمات ألاقتصاديه العالمية مؤشرات على انهيار النظام الراسمالى: إن الأزمات الاقتصادية العالمية المتعاقبة ، هي مؤشرات على انهيار النظام الاقتصاد الراسمالى ،على المستويين النظري والعملي، فهي بذلك تأكيد على صحة النبؤه ألقرانيه الواردة بخصوص التدمير الالهى لاماره المترفين فى قوله تعالى (وإذا أردنا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا۟ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَـٰهَا تَدْمِيرًۭا ) ( الإسراء: 16)، فهذه الأزمات ليست أزمات ماليه بحته، بل هى أزمات اقتصاديه ترجع جذورها إلى صميم النظام الاقتصادي الرأسمالي المستند إلى الليبرالية كمنهج والقائلة بان” مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة” ،اى النظام الاقتصادي القائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،وهو ما اثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهى القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل. إلا انه بعد انهيار الكتلة الشرقية وظهور نظام عالمي أحادى القطب ممثلا في الولايات المتحدة ظهرت الدعوات التي تشكك في ضرورة تدخل الدولة وهذه الدعوات شكلت الأساس الايدولوجى للازمات الاقتصادية المتعاقبة الاخيره. فهذه الأزمات الاقتصادية المتعاقبة الاخيره هى مؤشر لبداية نهاية النظام الاقتصادي الراسمالى العالمي على ارض الواقع ، فتاريخ النظام الاقتصادي الراسمالى هو تاريخ النمو من خلال الأزمات التي تكاد تتكرر بصوره دوريه،والأزمات المتعاقبة الاخيره هي احد هذه الأزمات الدورية ،والتي يتم تجاوزها دائما من خلال تدخل الدولة، اى من خلال نفى الأساس الفكري الايديولوجى الذي يستند إليه النظام الاقتصادي الراسمالى. اى أن هذه الأزمات الاقتصادية هي تأكيد على انهيار الأساس الفكري للنظام الاقتصادي الراسمالى،رغم استمراره في الواقع، غير أن هذه الاستمرارية في الواقع أصبحت في الفترة الاخيره متعثرة ، نسبه لتقارب فترات الأزمات ألاقتصاديه، ولضخامة حجمها.
ثالثا: الديموقراطيه”المفهوم الليبرالي للديموقراطيه”: من أركان الليبرالية كمذهب الديموقراطيه الليبرالية، فالليبرالية ديمقراطيه “ليبراليه” في موقفها من السياسة والدولة .
تعدد دلالات مصطلح الديموقراطيه: و لمصطلح الديموقراطيه – ككل المصطلحات – دلالات متعددة،وطبقا لهذا التعدد الدلالي فان لمصطلح الديموقراطيه دلالته العامة ” اى المصطلح كمفهوم مجرد” ، المشتركة “اى المعنى الذى تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج” ،هذه الدلالة تتصل بالأصل الاغريقى للمصطلح والذي ترجمته حكم- سلطه- الشعب ، ومضمونها ” ان يكون التنظيم القانوني للمجتمع متفقا مع ما يريده الناس فيه”( د.عصمت سيف الدولة، الطريق، ج 2، ص 93)، وطبقا لهذا المضمون فان الديمقراطية منهجيا هي أسلوب المجتمعات في حل مشكلاتها، من خلال حرية الرأي للجميع، حرية التفكير للجميع، عمل الجميع في تنفيذ رأي الأغلبية، مع احترام حرية المعارضة. وفنيا هي نظام فني لضمان سلطه الشعب ضد استبداد الحكام.وهنا يمكن ان نضيف القواعد والأساليب التي قدمتها الليبرالية للديمقراطية كنظام فني: ما دام الناس قد ولدوا أحرارا فلهم ان يحتاروا النظام القانوني الذى بريد(الاستقلال
-----
البقية في الاسفل على شكل تعليق