نقدُ أصولِ العلمانيّة .
23 مارس، 2011، الساعة 10:12 م
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و من استنّ بسنّته و اهتدى بهداه .
أمّا بعد ، كثر اليوم في الساحة السياسيّة و الثقافيّة و تمظهر على الساحة الإعلاميّة الحديث عن العلمانيّة من جهة الرفض من قبل طائفة كبيرة من الشعب التونسي المسلم في قبال مجموعات وحّدتها الدعوة إليها و العمل على تكريسها في أوّل استحقاق سياسي سيمرّ به الشعب التونسي في مرحلة ما بعد الثورة مع ملاحظة أنّ من وحّدتهم الدعوة للعلمانيّة فرّقتهم الأيديولوجيات ( التيّار الليبرالي و اليساري و القومي ) ، و لئن اتّسم الرفض بالمناداة بالقطيعة الكليّة و التشديد على مضادّة العلمانية للدين الرسمي للبلاد ، أعني الإسلام ، فقد غاب عن هذا الخطاب تحليل و نقد لأصول العلمانيّة ، إذ الرفض يستند إلى بداهة كون الإسلام بما هو دين ينافي العلمانيّة و قد تمّ الاعتماد على مقولات و تعريفات للعلمانيّة تشكّلت أطرها التصوريّة في عمومها من فعل الآخر في الغالب ( التحركات و المشاريع التي طالب بها دعاة العلمانيّة ) و من أفكاره و تصوراته ( الآخر أي صاحب المشروع العلماني ) في أقلّ الأحايين ، لذلك يمكن اعتبار السمة البارزة للرفض بأنّها تتنزّل في إطار ردّ الفعل ، و هذا الأمر محمود و غير مرفوض و إن كان منقوصا ، إذ هو في جوهره تعبير عن تجذّر مقولة الهويّة في الشعب التونسي رغم مراهنة البعض على آثار و بقايا المشاريع التغريبيّة التي عاشها الشعب التونسي في العهد البورقيبي و النوفمبري ، و هو أيضا تعبير صريح على أنّ الإسلام يحدّد الإطار المعرفي و العقدي و الثقافي لمقولة الهويّة في تونس .
يقدّم أصحاب المشروع العلماني رؤاهم على أساس أنّ العلمانيّة في بعدها الفلسفي و مضمونها الإجرائي لا تضادّ الدين و لا تسعى لتقويضه أو أخذ مكانه ، بل الفكرة الرئيسيّة تنصّ على رفض أيّ صبغة سياسيّة يتّصف بها الدين ، أعني رفض ما يسمّونه " دولة دينيّة " في قبال ما ينشدونه أعني " الدولة المدنيّة " ، و يشدّد دعاة العلمانية على التفريق بين دوائر الحدود الشخصيّة للإعتقاد ، بمعنى عدم الخلط بين الفضاء الخاص الفردي و تعويضه بالجماعي ، إذ يرون في من يقدّم العلمانيّة و يصوّرها على أساس أنّها تحارب الدين بما هو عقائد شخصيّة و شعائر سلوكيّة فرديّة تشويها متعمّدا من قبل أعداء التنوير ، فحسب أصحاب المشروع اللائكي تمثّل العلمانيّة الخيار الأفضل لتعايش مختلف الملل في ظلّ دولة مدنيّة تحتوي الجميع على أساس المواطنة لا العقائد .
النقد الذي يوجّه للعلمانيّة لا يجاوز ردّة الفعل على تصريح أو تظاهرة من قبل دعاتها ، و سأحاول أن أفكّك مقولة العلمانيّة و بيان أصولها الفلسفيّة الباطنة التي تشوّش النظر الموضوعي إلى هذا المصطلح بما هو تعريف يستند إلى مجموعة من المسلمات و الأصول تشكّل خلفيّته الفلسفيّة ، إذ التركيز على الجانب الإجرائي لهذا المصطلح من قبل دعاته لا يمكن بحال أن يخفي الحقيقة التي تقضي بأنّ المعنى التداولي للمفهوم لا بدّ و أن يستند إلى مجموعة من المسلّمات تشكّل لبنة التعريف ، سواء تعلّق الحديث بالمجال الأنطولوجي أو الإبستيمولوجي أو الإيطيقي ، مع ملاحظة أنّ هذه المسلّمات تستدعي نفسها بقوّة في المجال الأخير ، و سأناقش ادعاء المبشرين باللائكيّة في كون العلمانيّة تمثّل أفضل الأنساق المعرفيّة لحماية الآخر الذي يحمل عقائد مختلفة .
النقد الذي يوجّه إلى العلمانيّة سواء أكانت فصل الدين عن الدولة أو السياسة و سواء أكانت تعني اللادينيّة أو الدنيويّة ( هذه الترجمة الصحيحة إذ لا علاقة لها بالعلم من ناحية الجذر أو الاشتقاق و هذه تحتاج موضوعا مستقلا لتبيين التزييف و عدم الأمانة في الترجمة ) و ساء أكانت شاملة أو جزئيّة يتشكّل في عدّة مستويات ، و كلّها تكون بمثابة الفرع للأصل أي المستوى الفلسفي ، و هذا النقد هو عبارة عن إظهار تناقض المعلن مع المبطن و تبيين خروج العلمانيّة نفسها عن دورها الذي زعمت ( الصحيح أنّها أوهمت ) أنه منوط بعنقها و تكافح لأجله باذلة الغالي و النفيس في سبيل تحقيقه ، و كما قلت فإنّ النقد له عدّة مستويات ، فلا ننسى أنّ العلمانيّة تتعمّد الاختزال و التبسيط و قولبة جميع الديانات ضمن بعد واحد ، و هذا فيه من اللاعلميّة و اللاعقلانيّة الشيء الكثير ، إذ تبسيط المركّب و اختزال المعقّد ينطوي على مغالطات ، لعلّ أبرزها الغياب الصريح للاستقراء التامّ أو الجزئي لتحليل ظاهرة الدين ، و كما قلت آنفا ، منشأ ذلك مجموعة من المسلمات و المواضعات تتعمّد العلمانيّة إخفاءها رغم أنّها الأصل ، و بفهم هذا الأصل تنحلّ كثير من الإشكالات .
غرضي النقد ، أي التحليل و التفكيك لا النقض ، فقصدي كشف المستور لا مناقشة هذه الأصول ، فهذا ما يتطلّب موضوعا مستقلا نخصّصه لمقالات أخرى ، نبّهت على هذا لكي لا يفهم عملي خطأ و يلزمني غيري ما لا ألتزمه أصلا !!
كلّ لفظة يستعملها الإنسان تدلّ على معنى يقوم بنفسه يسعى لإيصاله لغيره ، فالألفاظ وعاء للمعاني ، غير أنّ هذه الألفاظ لا يستوي في فهمها الجميع و ذلك لغياب التوافق على التواضع على معانيها المحدّدة ، نعم هذا المفهوم أو ذاك استعمل إزاء معنى معيّن ، و لكن لا يستلزم هذا بالضرورة معرفتنا بأصل الوضع ، بل المعنى التداولي العُرفي قد يغيّر المعنى الأصلي الوضعي ، و هو ما يسمّى بتطوّر اللغة و يبحث عنه في علم معيّن يسمّى بعلم الظواهر اللغويّة .
لذلك كان أهل المنطق يشدّدون على مبحث التعريف أو القول الشارح على أساس أنّه أصل للتصديق أي الحكم ، و هو ما اشتهر على لسانهم بقولهم " التصديق فرع التصوّر " ، و مبحث التعريف من أهمّ المباحث إذ به تنحلّ كثير من ظواهر سوء الفهم و المغالطة ، لذلك كان تقديم التعريف مقدّما طبعا لأنّه مقدّم وضعا ، و للتعريف ضوابط و شروط ، أهمّها أنّ يعتمد المعرِّفُ على مجموعة من المسلّمات تكوّن أساس التعريف و لبناته ، إذ التعريف لا بدّ أن ينتهي ضرورة إلى مسلّمات و إلا لاستلزم التسلسل أو الدور ، و هذا باطل ، إذ ما استلزم الباطل فهو باطل ، فتأمّل !!
و هذه القاعدة مطّردة في كلّ المجالات كما قلت سابقا ، و في مستوياتها العقليّة أو التجريبية لا نلحظ إشكالات معرفيّة ، فلا أحد يجادل في مبدأ الثالوث المرفوع ( مبدأ عدم التناقض ) و لا أحد يجادل في وجود ما رأته العين ، إذ المحسوس برهانه في نفسه ، لذلك غاب في هذه المجالات بصفة عامّة المغالطات و إذا اختلف خصمان تحاكما لتلك المسلّمات حتى يتبيّنوا من خرقها ، و على أساس هذا المعيار كان المخطئ ذاك الذي خالف تلك المواضعات ، غير أنّ مبحث التجربة و العقل مسلماته ممّا لا تختلف و تتتغيّر وفق إرادة أهل الاصطلاح ، بيد أنّ المباحث الأخلاقيّة أو الإيطيقيّة هي تعبير في جوهرها عن إرادة مختارة سعت لوضع هذه المسلّمات ، و اعتبرت مخالفها مارقا عن أخلاق المجتمع و أعرافه ، و من المعلوم أنّ التجمّعات البشريّة لا يمكن بحال أن تتوافق على مجموعة من المسّلمات فيما بينها ، و من يزعم وجود قيم كونيّة يرِدُ عليه غياب التحديد الواضح لمعاني هذه القيم ، نعم الحريّة قيمة إنسانيّة أخلاقيّة تعتبر عند هؤلاء من القيم الكونيّة المجمع على تصوّر حدودها ، غير أنّا نجد المسلم يرى الحريّة تتجلّى في الالتزام بشرع ربّه و رفض كل ما خالفه كالحريّة الجنسيّة ، فهو يرى النشاط الجنسي مقيّدا بضوابط تمليها عليه عقيدته ، غير أنّ هناك من يرى الحريّة الجنسيّة تظهر في فعل كل شيء ما دام يجلب لذّة بشرط عدم الإضرار بالآخر ، و يرى تقييد المسلم لهذه الحريّة تدخّلا في الشؤون الشخصيّة .
فواضح لذوي الألباب أنّ الاختلاف في تحديد معنى هذه المصطلحات القيميّة ( الأخلاقيّة أو الإيطيقيّة ) يعود في أساسه لاختلاف المسلمات التي بني على أساسها تعاريف هذه الألفاظ ، فما يسلّم به الشعب المسلم ليس هو نفسه ما يسلّم به أتباع بوذا أو أتباع الفلسفة الوجوديّة أو المجتمع الرأسمالي الغربي ، لذلك صحّ قولنا حريّة إسلاميّة و حريّة غربيّة و لم يصحّ في قولنا مبدأ عدم التناقض الإسلامي أو المحسوس الغربي و التجربة الإسلاميّة ، يعني التفريق بين الشخصي الذاتي و بين الموضوعي الخارجي الحيادي .
العلمانيّة أو اللائكيّة في خطابها المباشر تخفي مسلمات هي في حقيقتها الأصول لتلك المفاهيم ، فالمشروع العلماني القاضي بفصل الدنيوي أو السياسي عن الديني يتضمّن مقولات اعتبرت مسبّقا أنّ فصل الدنيوي عن الديني هو الأفضل و الأصلح للمجتمعات البشريّة ، لذلك كان واجب الاتباع و التطبيق على الجميع ، و الصلاح و الأفضليّة مفاهيم تخفي تحتها مسلمات أخرى ، مقتضاها أنّ على البشر اتباع الأصلح و الأفضل لهم ، و هذا الأصلح إنّما يتحقّق في ربوع دولة تكرّس العلمانية في نظمها و تشريعاتها ، و ماقشة بسيطة لهذه المفاهيم تجبرنا على طرح السؤال التالي : ما معنى الأفضليّة و الصلاح التي تلزمنا العلمانيّة باتباعها ؟
هذا السؤال يجرّنا للخروج عن مبحث الدنيوي لندخل في صلب خطاب أخلاقي قيمي ، إذ المسلم يرى صلاحه في نظام إقتصادي لا ربوي ، بمعنى أنّ اتباعه لهذا النظام و سعيه لتطبيقه يجلب له رضى ربّه و يحقّق له مصالحه الدنيويّة ، بمعنى الكسب الحلال لا الحرام ، و الرأسمالي العلماني يرى أن نظامه هو الأصلح ، أي يحقّق له مصالحه الشخصيّة ، و هذه المصالح التي يسعى إليها الرأسمالي ليست هي عينها ما يسعى إليه المسلم ، فهذا الأخير مرتبط بمنظومة عقديّة تحدّد له سلوكه على ضوئها ، أي مقوله الحلال و الحرام و ترتّب الثواب و العقاب الأخروي عليهما ، فاتفاقهم على كلمة الأصلح بمعنى تحقيق المصالح ليس نفسه الاتفاق على معناها ، الرأسمالي إذا يعتمد على معنى لكلمة الصلاحية و الأفضليّة انطلاقا من تصوّراته عن الكون و الحياة ، فالعلماني ينطلق من مسلّمات تضادّ تلك التي يحملها المتديّن ، بمعنى أنّه يرى رؤاه أحقّ بالاتباع .
المساواة أمام القانون ، المسلم ينطلق من تبنّيها على أساس أنّها واجب شرعي ملزم بتنفيذه يعاقب على تركه و يؤجر على فعله ، و العلماني يتبنّى هذه المقولة على أساس أنّها الأفضل حتى تسعد البشريّة ، و السعادة ليست من الأمور العلمية ، بل هي من المباحث الأخلاقيّة ، فربّ شخص يسعد في تطبيق دينه و ربّ شخص يرى في نفس هذا الفعل الشقاء ، و العكس صحيح أيضا ، مع أنّ الفعل هو نفسه و لكن اختلفت جهة النظر و التقييم ، و الاختلاف مردّه إلى مسلّمات و تصورات كانت أصلا لذاك الحكم ، و قس عليه زعم العلمانيّة محافظتها على حقوق الإنسان ، فكلمة حقوق ليست معنى محدّدا واضحا لا لبس فيه ، بل تتضمّن هذا الكلمة مسلّمات هي في جوهرها تعبير عن رؤى و تصوّرات للكون و الحياة .
قتل البشر لا يجوز ، لكن كلمة الجواز و ضدّها أي المنع ليست من التوصيفات الواقعيّة ، بل هي نسبيّة قيميّة ، و هو ما يدخلنا مباشرة في صلب أبحاث فلسفيّة ، أعني لم كان واجبا علينا أن نحافظ على حياة البشر ؟ و لم كان علينا السعي لأخذ حقوقهم ؟ و ماهي حقوقهم أصلا ؟ فهناك بعض القبائل التي تأكل لحم موتاها كطقس من الطقوس الدينية و التعبّدات الشعائريّة !! فعلى أي أساس ترفض العلمانيّة هذا الفعل إن كان يرى في فعله السعادة العظمى و في ضدّه الشقاء الأبدي ؟ أليس على أساس أنّ رفضها هو الحقّ و ضدّه هو الباطل ؟
فالعلمانيون يطالبون بتطبيق نظام على أساس أنّه دنيوي و لكنّه في حقيقته يفترض أحقيّة معرفيّة غير مبرهنة تجعل من مسلماته بديلا عن تلك التي يؤمن بها غيره ، فالإشكال ليس في وجود هذه المسلمات ، لكن في اعتبارها أحقّ و أفضل ( كمقولات أخلاقيّة ) دون تقديم دليل ، إذا الخلاف بين العلماني و غيره هو في جوهره خلاف عقائدي و إن بدى عكس ذلك ، فالذي يمنع المتديّن من تطبيق دينه على مجتمعه ، يستبطن فعله أحقيّة و أفضليّة ، فكان الأحرى مناقشة المسلم في أحقيّة ما يزعمه حقّا ، لا في إرجاع الخلاف إلى مسألة دنيويّة سياسيّة في حين أنّ أسسها عقائديّة أخلاقيّة !!
فالخطاب العلماني خطاب مخاتل ، بمعنى أنّه يظهر عكس ما يبطن ، فيصوّر خلافه مع الآخر ( سواء كان مسلما أم لا ) و كأنّه خلاف حول شيء محسوس تجريبي ، في حين أنّ خلافه أسسه عقائديّة أخلاقيّة ، فهو إذ يرى نظامه أفضل و أحقّ للبشريّة ، سئل عن معنى الأفضليّة ، فإن أجاب بما محصّله الأمر الذي يحقّق مصالح معظم البشر ، جُوبه بالسؤال الذي يجرّه للإفصاح عن مسلّمته ، أعني لم كان علينا أن نسعى لتحقيق مصالح معظم البشر ؟ أعني ما الدافع ، فإن قال بنفيه دلّ هذا على تناقضه ، إذ كيف يتحرّك على أساس وجوده في حين أنّه قد نفاه بلسانه ، مع التنبيه على أنّ كلمة مصلحة في ذاتها تتضمّن هي أيضا مسلّمات لا يرضاها غيره و لم يسلّم بها أصلا !!
الخلاصة أنّ الخطاب العلماني على لسان دعاته ، إذ يظهر خلافه مع أهل الملل على أساس أنه خلاف دنيوي سياسي ، و أنّه الكفيل بفضّ النزاعات بينهم ، يبطن مقولات متضمّنة في مشروعه ، هي في جوهرها مسلّمات أخلاقية و عقائديّة تفترض أحقيّة مسبقة ، فالخلاف إذا عقائدي ، و يمكن اعتباره دينيا ، على أساس أن كلمة دين تعني مجموعة الأفكار التي يؤمن بها الشخص ( بغضّ النظر عن وجود الدليل من عدمه ) و يسعى للتكيّف وفق ما تمليه عليه التصوّرات المستمّدة منها ، العلماني إذا يعتنق دينا ( على أساس التفسير الذي ذكرته ) يراه أحقّ بالتطبيق ، و إن كان يزعم على لسانه خلافه .
الأصول التي يبني عليها العلماني مشروعه تفتقر إلى برهنة على أحقيّتها ، فلم كانت الحريّة الفرديّة مقدّسة و لم كان المساس بها غير جائز ؟ و هل الإجابة عن هذا السؤال تندرج في مستوى التجربة أم في المستوى الأخلاقي و الفلسفي ؟
و الذي يسعى ليحاجج المسلمين بجدوى العلمانيّة كنظام يحقّق العيش الرغيد للجميع بما فيهم المسلم ، وجب عليه أن يناقش المسألة عقائديا و يثبت له بطلان معتقده و صحّة مسلماته ، أمّا أن يزعم أنّ خطابه فيه خطوط اشتراك مع غيره في حين أنّه يستبطن الافتراق ، لهو العبث المحض ، إذ العقل يقضي أنّ ما به الإشتراك غير ما به الافتراق .
و الله الموفّق لا ربّ سواه .
23 مارس، 2011، الساعة 10:12 م
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و من استنّ بسنّته و اهتدى بهداه .
أمّا بعد ، كثر اليوم في الساحة السياسيّة و الثقافيّة و تمظهر على الساحة الإعلاميّة الحديث عن العلمانيّة من جهة الرفض من قبل طائفة كبيرة من الشعب التونسي المسلم في قبال مجموعات وحّدتها الدعوة إليها و العمل على تكريسها في أوّل استحقاق سياسي سيمرّ به الشعب التونسي في مرحلة ما بعد الثورة مع ملاحظة أنّ من وحّدتهم الدعوة للعلمانيّة فرّقتهم الأيديولوجيات ( التيّار الليبرالي و اليساري و القومي ) ، و لئن اتّسم الرفض بالمناداة بالقطيعة الكليّة و التشديد على مضادّة العلمانية للدين الرسمي للبلاد ، أعني الإسلام ، فقد غاب عن هذا الخطاب تحليل و نقد لأصول العلمانيّة ، إذ الرفض يستند إلى بداهة كون الإسلام بما هو دين ينافي العلمانيّة و قد تمّ الاعتماد على مقولات و تعريفات للعلمانيّة تشكّلت أطرها التصوريّة في عمومها من فعل الآخر في الغالب ( التحركات و المشاريع التي طالب بها دعاة العلمانيّة ) و من أفكاره و تصوراته ( الآخر أي صاحب المشروع العلماني ) في أقلّ الأحايين ، لذلك يمكن اعتبار السمة البارزة للرفض بأنّها تتنزّل في إطار ردّ الفعل ، و هذا الأمر محمود و غير مرفوض و إن كان منقوصا ، إذ هو في جوهره تعبير عن تجذّر مقولة الهويّة في الشعب التونسي رغم مراهنة البعض على آثار و بقايا المشاريع التغريبيّة التي عاشها الشعب التونسي في العهد البورقيبي و النوفمبري ، و هو أيضا تعبير صريح على أنّ الإسلام يحدّد الإطار المعرفي و العقدي و الثقافي لمقولة الهويّة في تونس .
يقدّم أصحاب المشروع العلماني رؤاهم على أساس أنّ العلمانيّة في بعدها الفلسفي و مضمونها الإجرائي لا تضادّ الدين و لا تسعى لتقويضه أو أخذ مكانه ، بل الفكرة الرئيسيّة تنصّ على رفض أيّ صبغة سياسيّة يتّصف بها الدين ، أعني رفض ما يسمّونه " دولة دينيّة " في قبال ما ينشدونه أعني " الدولة المدنيّة " ، و يشدّد دعاة العلمانية على التفريق بين دوائر الحدود الشخصيّة للإعتقاد ، بمعنى عدم الخلط بين الفضاء الخاص الفردي و تعويضه بالجماعي ، إذ يرون في من يقدّم العلمانيّة و يصوّرها على أساس أنّها تحارب الدين بما هو عقائد شخصيّة و شعائر سلوكيّة فرديّة تشويها متعمّدا من قبل أعداء التنوير ، فحسب أصحاب المشروع اللائكي تمثّل العلمانيّة الخيار الأفضل لتعايش مختلف الملل في ظلّ دولة مدنيّة تحتوي الجميع على أساس المواطنة لا العقائد .
النقد الذي يوجّه للعلمانيّة لا يجاوز ردّة الفعل على تصريح أو تظاهرة من قبل دعاتها ، و سأحاول أن أفكّك مقولة العلمانيّة و بيان أصولها الفلسفيّة الباطنة التي تشوّش النظر الموضوعي إلى هذا المصطلح بما هو تعريف يستند إلى مجموعة من المسلمات و الأصول تشكّل خلفيّته الفلسفيّة ، إذ التركيز على الجانب الإجرائي لهذا المصطلح من قبل دعاته لا يمكن بحال أن يخفي الحقيقة التي تقضي بأنّ المعنى التداولي للمفهوم لا بدّ و أن يستند إلى مجموعة من المسلّمات تشكّل لبنة التعريف ، سواء تعلّق الحديث بالمجال الأنطولوجي أو الإبستيمولوجي أو الإيطيقي ، مع ملاحظة أنّ هذه المسلّمات تستدعي نفسها بقوّة في المجال الأخير ، و سأناقش ادعاء المبشرين باللائكيّة في كون العلمانيّة تمثّل أفضل الأنساق المعرفيّة لحماية الآخر الذي يحمل عقائد مختلفة .
النقد الذي يوجّه إلى العلمانيّة سواء أكانت فصل الدين عن الدولة أو السياسة و سواء أكانت تعني اللادينيّة أو الدنيويّة ( هذه الترجمة الصحيحة إذ لا علاقة لها بالعلم من ناحية الجذر أو الاشتقاق و هذه تحتاج موضوعا مستقلا لتبيين التزييف و عدم الأمانة في الترجمة ) و ساء أكانت شاملة أو جزئيّة يتشكّل في عدّة مستويات ، و كلّها تكون بمثابة الفرع للأصل أي المستوى الفلسفي ، و هذا النقد هو عبارة عن إظهار تناقض المعلن مع المبطن و تبيين خروج العلمانيّة نفسها عن دورها الذي زعمت ( الصحيح أنّها أوهمت ) أنه منوط بعنقها و تكافح لأجله باذلة الغالي و النفيس في سبيل تحقيقه ، و كما قلت فإنّ النقد له عدّة مستويات ، فلا ننسى أنّ العلمانيّة تتعمّد الاختزال و التبسيط و قولبة جميع الديانات ضمن بعد واحد ، و هذا فيه من اللاعلميّة و اللاعقلانيّة الشيء الكثير ، إذ تبسيط المركّب و اختزال المعقّد ينطوي على مغالطات ، لعلّ أبرزها الغياب الصريح للاستقراء التامّ أو الجزئي لتحليل ظاهرة الدين ، و كما قلت آنفا ، منشأ ذلك مجموعة من المسلمات و المواضعات تتعمّد العلمانيّة إخفاءها رغم أنّها الأصل ، و بفهم هذا الأصل تنحلّ كثير من الإشكالات .
غرضي النقد ، أي التحليل و التفكيك لا النقض ، فقصدي كشف المستور لا مناقشة هذه الأصول ، فهذا ما يتطلّب موضوعا مستقلا نخصّصه لمقالات أخرى ، نبّهت على هذا لكي لا يفهم عملي خطأ و يلزمني غيري ما لا ألتزمه أصلا !!
كلّ لفظة يستعملها الإنسان تدلّ على معنى يقوم بنفسه يسعى لإيصاله لغيره ، فالألفاظ وعاء للمعاني ، غير أنّ هذه الألفاظ لا يستوي في فهمها الجميع و ذلك لغياب التوافق على التواضع على معانيها المحدّدة ، نعم هذا المفهوم أو ذاك استعمل إزاء معنى معيّن ، و لكن لا يستلزم هذا بالضرورة معرفتنا بأصل الوضع ، بل المعنى التداولي العُرفي قد يغيّر المعنى الأصلي الوضعي ، و هو ما يسمّى بتطوّر اللغة و يبحث عنه في علم معيّن يسمّى بعلم الظواهر اللغويّة .
لذلك كان أهل المنطق يشدّدون على مبحث التعريف أو القول الشارح على أساس أنّه أصل للتصديق أي الحكم ، و هو ما اشتهر على لسانهم بقولهم " التصديق فرع التصوّر " ، و مبحث التعريف من أهمّ المباحث إذ به تنحلّ كثير من ظواهر سوء الفهم و المغالطة ، لذلك كان تقديم التعريف مقدّما طبعا لأنّه مقدّم وضعا ، و للتعريف ضوابط و شروط ، أهمّها أنّ يعتمد المعرِّفُ على مجموعة من المسلّمات تكوّن أساس التعريف و لبناته ، إذ التعريف لا بدّ أن ينتهي ضرورة إلى مسلّمات و إلا لاستلزم التسلسل أو الدور ، و هذا باطل ، إذ ما استلزم الباطل فهو باطل ، فتأمّل !!
و هذه القاعدة مطّردة في كلّ المجالات كما قلت سابقا ، و في مستوياتها العقليّة أو التجريبية لا نلحظ إشكالات معرفيّة ، فلا أحد يجادل في مبدأ الثالوث المرفوع ( مبدأ عدم التناقض ) و لا أحد يجادل في وجود ما رأته العين ، إذ المحسوس برهانه في نفسه ، لذلك غاب في هذه المجالات بصفة عامّة المغالطات و إذا اختلف خصمان تحاكما لتلك المسلّمات حتى يتبيّنوا من خرقها ، و على أساس هذا المعيار كان المخطئ ذاك الذي خالف تلك المواضعات ، غير أنّ مبحث التجربة و العقل مسلماته ممّا لا تختلف و تتتغيّر وفق إرادة أهل الاصطلاح ، بيد أنّ المباحث الأخلاقيّة أو الإيطيقيّة هي تعبير في جوهرها عن إرادة مختارة سعت لوضع هذه المسلّمات ، و اعتبرت مخالفها مارقا عن أخلاق المجتمع و أعرافه ، و من المعلوم أنّ التجمّعات البشريّة لا يمكن بحال أن تتوافق على مجموعة من المسّلمات فيما بينها ، و من يزعم وجود قيم كونيّة يرِدُ عليه غياب التحديد الواضح لمعاني هذه القيم ، نعم الحريّة قيمة إنسانيّة أخلاقيّة تعتبر عند هؤلاء من القيم الكونيّة المجمع على تصوّر حدودها ، غير أنّا نجد المسلم يرى الحريّة تتجلّى في الالتزام بشرع ربّه و رفض كل ما خالفه كالحريّة الجنسيّة ، فهو يرى النشاط الجنسي مقيّدا بضوابط تمليها عليه عقيدته ، غير أنّ هناك من يرى الحريّة الجنسيّة تظهر في فعل كل شيء ما دام يجلب لذّة بشرط عدم الإضرار بالآخر ، و يرى تقييد المسلم لهذه الحريّة تدخّلا في الشؤون الشخصيّة .
فواضح لذوي الألباب أنّ الاختلاف في تحديد معنى هذه المصطلحات القيميّة ( الأخلاقيّة أو الإيطيقيّة ) يعود في أساسه لاختلاف المسلمات التي بني على أساسها تعاريف هذه الألفاظ ، فما يسلّم به الشعب المسلم ليس هو نفسه ما يسلّم به أتباع بوذا أو أتباع الفلسفة الوجوديّة أو المجتمع الرأسمالي الغربي ، لذلك صحّ قولنا حريّة إسلاميّة و حريّة غربيّة و لم يصحّ في قولنا مبدأ عدم التناقض الإسلامي أو المحسوس الغربي و التجربة الإسلاميّة ، يعني التفريق بين الشخصي الذاتي و بين الموضوعي الخارجي الحيادي .
العلمانيّة أو اللائكيّة في خطابها المباشر تخفي مسلمات هي في حقيقتها الأصول لتلك المفاهيم ، فالمشروع العلماني القاضي بفصل الدنيوي أو السياسي عن الديني يتضمّن مقولات اعتبرت مسبّقا أنّ فصل الدنيوي عن الديني هو الأفضل و الأصلح للمجتمعات البشريّة ، لذلك كان واجب الاتباع و التطبيق على الجميع ، و الصلاح و الأفضليّة مفاهيم تخفي تحتها مسلمات أخرى ، مقتضاها أنّ على البشر اتباع الأصلح و الأفضل لهم ، و هذا الأصلح إنّما يتحقّق في ربوع دولة تكرّس العلمانية في نظمها و تشريعاتها ، و ماقشة بسيطة لهذه المفاهيم تجبرنا على طرح السؤال التالي : ما معنى الأفضليّة و الصلاح التي تلزمنا العلمانيّة باتباعها ؟
هذا السؤال يجرّنا للخروج عن مبحث الدنيوي لندخل في صلب خطاب أخلاقي قيمي ، إذ المسلم يرى صلاحه في نظام إقتصادي لا ربوي ، بمعنى أنّ اتباعه لهذا النظام و سعيه لتطبيقه يجلب له رضى ربّه و يحقّق له مصالحه الدنيويّة ، بمعنى الكسب الحلال لا الحرام ، و الرأسمالي العلماني يرى أن نظامه هو الأصلح ، أي يحقّق له مصالحه الشخصيّة ، و هذه المصالح التي يسعى إليها الرأسمالي ليست هي عينها ما يسعى إليه المسلم ، فهذا الأخير مرتبط بمنظومة عقديّة تحدّد له سلوكه على ضوئها ، أي مقوله الحلال و الحرام و ترتّب الثواب و العقاب الأخروي عليهما ، فاتفاقهم على كلمة الأصلح بمعنى تحقيق المصالح ليس نفسه الاتفاق على معناها ، الرأسمالي إذا يعتمد على معنى لكلمة الصلاحية و الأفضليّة انطلاقا من تصوّراته عن الكون و الحياة ، فالعلماني ينطلق من مسلّمات تضادّ تلك التي يحملها المتديّن ، بمعنى أنّه يرى رؤاه أحقّ بالاتباع .
المساواة أمام القانون ، المسلم ينطلق من تبنّيها على أساس أنّها واجب شرعي ملزم بتنفيذه يعاقب على تركه و يؤجر على فعله ، و العلماني يتبنّى هذه المقولة على أساس أنّها الأفضل حتى تسعد البشريّة ، و السعادة ليست من الأمور العلمية ، بل هي من المباحث الأخلاقيّة ، فربّ شخص يسعد في تطبيق دينه و ربّ شخص يرى في نفس هذا الفعل الشقاء ، و العكس صحيح أيضا ، مع أنّ الفعل هو نفسه و لكن اختلفت جهة النظر و التقييم ، و الاختلاف مردّه إلى مسلّمات و تصورات كانت أصلا لذاك الحكم ، و قس عليه زعم العلمانيّة محافظتها على حقوق الإنسان ، فكلمة حقوق ليست معنى محدّدا واضحا لا لبس فيه ، بل تتضمّن هذا الكلمة مسلّمات هي في جوهرها تعبير عن رؤى و تصوّرات للكون و الحياة .
قتل البشر لا يجوز ، لكن كلمة الجواز و ضدّها أي المنع ليست من التوصيفات الواقعيّة ، بل هي نسبيّة قيميّة ، و هو ما يدخلنا مباشرة في صلب أبحاث فلسفيّة ، أعني لم كان واجبا علينا أن نحافظ على حياة البشر ؟ و لم كان علينا السعي لأخذ حقوقهم ؟ و ماهي حقوقهم أصلا ؟ فهناك بعض القبائل التي تأكل لحم موتاها كطقس من الطقوس الدينية و التعبّدات الشعائريّة !! فعلى أي أساس ترفض العلمانيّة هذا الفعل إن كان يرى في فعله السعادة العظمى و في ضدّه الشقاء الأبدي ؟ أليس على أساس أنّ رفضها هو الحقّ و ضدّه هو الباطل ؟
فالعلمانيون يطالبون بتطبيق نظام على أساس أنّه دنيوي و لكنّه في حقيقته يفترض أحقيّة معرفيّة غير مبرهنة تجعل من مسلماته بديلا عن تلك التي يؤمن بها غيره ، فالإشكال ليس في وجود هذه المسلمات ، لكن في اعتبارها أحقّ و أفضل ( كمقولات أخلاقيّة ) دون تقديم دليل ، إذا الخلاف بين العلماني و غيره هو في جوهره خلاف عقائدي و إن بدى عكس ذلك ، فالذي يمنع المتديّن من تطبيق دينه على مجتمعه ، يستبطن فعله أحقيّة و أفضليّة ، فكان الأحرى مناقشة المسلم في أحقيّة ما يزعمه حقّا ، لا في إرجاع الخلاف إلى مسألة دنيويّة سياسيّة في حين أنّ أسسها عقائديّة أخلاقيّة !!
فالخطاب العلماني خطاب مخاتل ، بمعنى أنّه يظهر عكس ما يبطن ، فيصوّر خلافه مع الآخر ( سواء كان مسلما أم لا ) و كأنّه خلاف حول شيء محسوس تجريبي ، في حين أنّ خلافه أسسه عقائديّة أخلاقيّة ، فهو إذ يرى نظامه أفضل و أحقّ للبشريّة ، سئل عن معنى الأفضليّة ، فإن أجاب بما محصّله الأمر الذي يحقّق مصالح معظم البشر ، جُوبه بالسؤال الذي يجرّه للإفصاح عن مسلّمته ، أعني لم كان علينا أن نسعى لتحقيق مصالح معظم البشر ؟ أعني ما الدافع ، فإن قال بنفيه دلّ هذا على تناقضه ، إذ كيف يتحرّك على أساس وجوده في حين أنّه قد نفاه بلسانه ، مع التنبيه على أنّ كلمة مصلحة في ذاتها تتضمّن هي أيضا مسلّمات لا يرضاها غيره و لم يسلّم بها أصلا !!
الخلاصة أنّ الخطاب العلماني على لسان دعاته ، إذ يظهر خلافه مع أهل الملل على أساس أنه خلاف دنيوي سياسي ، و أنّه الكفيل بفضّ النزاعات بينهم ، يبطن مقولات متضمّنة في مشروعه ، هي في جوهرها مسلّمات أخلاقية و عقائديّة تفترض أحقيّة مسبقة ، فالخلاف إذا عقائدي ، و يمكن اعتباره دينيا ، على أساس أن كلمة دين تعني مجموعة الأفكار التي يؤمن بها الشخص ( بغضّ النظر عن وجود الدليل من عدمه ) و يسعى للتكيّف وفق ما تمليه عليه التصوّرات المستمّدة منها ، العلماني إذا يعتنق دينا ( على أساس التفسير الذي ذكرته ) يراه أحقّ بالتطبيق ، و إن كان يزعم على لسانه خلافه .
الأصول التي يبني عليها العلماني مشروعه تفتقر إلى برهنة على أحقيّتها ، فلم كانت الحريّة الفرديّة مقدّسة و لم كان المساس بها غير جائز ؟ و هل الإجابة عن هذا السؤال تندرج في مستوى التجربة أم في المستوى الأخلاقي و الفلسفي ؟
و الذي يسعى ليحاجج المسلمين بجدوى العلمانيّة كنظام يحقّق العيش الرغيد للجميع بما فيهم المسلم ، وجب عليه أن يناقش المسألة عقائديا و يثبت له بطلان معتقده و صحّة مسلماته ، أمّا أن يزعم أنّ خطابه فيه خطوط اشتراك مع غيره في حين أنّه يستبطن الافتراق ، لهو العبث المحض ، إذ العقل يقضي أنّ ما به الإشتراك غير ما به الافتراق .
و الله الموفّق لا ربّ سواه .