الفرق بين الخلافة والملك
فرق ابن خلدون بين الخلافة والملك في كتابه المقدمة المعرف بشهرته تفريق من خبر السياسة وعاش أحوالها وأهوالها وانقطع في آخر حياته للكتابة والتأليف حيث قال «لما كانت حقيقة الملك أنه الاجتماع الضروري للبشر، ومقتضاه التغلب والقهر، اللذان هما من آثار الغضب والحيوانية، كانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق، مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم، لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من أغراضه وشهواته» مقدمة ابن خلدون . وعرف الخلافة فقال:
والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسية الدنيا به» مقدمة ابن خلدون .
ويروي لنا ابن سعد رحمه الله في الطبقات الكبرى :ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل سلمان رضي الله عنه: أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر (بكى) عمر.
وعن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين ! إن بينهما فرقاً، قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك. والملك يعسف (يظلم) الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر. ذكره ابن سعد في طبقاته.
وعن رجل من بني أسد أنه شهد عمر بن الخطاب سأل أصحابه وفيهم طلحة وسلمان والزبير وكعب فقال: إني سائلكم عن شيء فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم، أنشدكم بالله! أخليفة أنا أم ملك؟ فقال طلحة والزبير: إنك لتسألنا عن أمر ما نعرفه، ما ندري ما الخليفة من الملك، فقال سلمان يشهد بلحمه ودمه: إنك خليفة ولست بملك، فقال عمر إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال سلمان: وذلك أنك تعدل في الرعية وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري ولكن الله ملأ سلمان حكماً وعلماً.
ونلاحظ من الدقة في كلام ابن خلدون رحمه الله في تعريفه وتحديده للخلافة بانها حمل الكافة -اي عامة الرعية - على مقتضى اي مايقتضيه النظر الشرعي اي ما افدته النصوص الشرعية من اهل النظر فيها لما يحقق مصالحهم الاخروية والدنيوية الراجعة اليها وبين ان مصالح الدنيا كلها ترجع عند الشارع الحكيم الى اعتبارها بمصالح الاخرة فتسقط كل مصلحة دنيوية من الحسبان ان لم تحقق مصلحة اخروية للانسان ومن هنا ترتبط الحياة الدنيا بالاخرة ومن هنا يكون الخليفة نائبا في مهمات النبوة لاقامة الخلق على منهج الشرع المحقق لهم سعادتهم في الدارين.
فنستطيع اذا ان نقول: ان الخلافة سيادة للقرآن، وإحياء للدين، ورعاية لمصالح الأمة الأخروية والدنيوية، وعدل في الحكم وفي المال، وشورى في الأمر العام واختيار، وعدم موادة للأعداء، وتدافع للرئاسة، وملك للشهوة والكبرياء، وتعفف عما في أيدي الناس، وتأييد من الأمة ونصح صادق وتعاون ووقوف مع الحق، وقياس لأمور الدنيا "بمعايير الإيمان" بما يحقق مصالح الفوز بالاخرة.
-اما الملك فسيادة للسلطان، وإخضاع للدين واستغلاله، ورعاية للمصالح الدنيوية إن وجدت فقط بما يخدمه، وجباية للأموال وتعسف، وقهر واستبداد، وشراء للذمم والضمائر، وصناعة للموالين المتملقين، وترف وبذخ، وصراع على السلطان، ومعاداة للأهل والاخوان ومقاتلة للناصحين، وفي بعض الأحيان موالاة ومهادنة ماضيا وحاضرا.
ويستعرض لنا الحبيب صلاة الله وسلامه عليه مسيرة الحكم والوانه التي ستتقلب على امته في هذا الحديث فيقول:- تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله ُأَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ. الخبر في مسند الإمام أحمد من حديث النعمان بن بشير.
ملكا عاضا، العَضُّ هو: الشدُّ بالأَسنان على الشيء، وأَصل العَضِيضِ اللزوم وهي كناية عن شدّة الاستمساك بأَمر ما؛ والحرص عليه مهما كلف من ثمن.
ملكا جبريا: من الإِجْبار وهو القهر والإِكراه.وفيه يكون الحاكم مجبرا على نهج معين والرعية مجبرة على الحاكم ونهجه الموكول اليه تنفيذه فيهم...
وكل ما جاء في الحديث وقع فصدقت يا سيدي يا رسول الله وبقي فقط سفينة النجاة الخلافة على منهاج النبوة المخلصة لنا من نار الجبرية التي نعيش والمخلصة للبشرية من جحيم مناهج الشيطان والهوى.وعلى الحاملين لهذا الهم أن يتجاهلوا تشكيك المشككين وتثبيط المثبطين تصديقا لموعود النبي الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، وعملا بسنة نبي الله نوح الذي امتثل لأمر ربه وبدأ في صنع الفلك على أرض لا ماء فيها، ولم يول اعتبارا للساخرين منه. قال تعالى حكاية عن تصديق نبيه نوح:" وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ". [هود:38].
وتقبل الله طاعاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فرق ابن خلدون بين الخلافة والملك في كتابه المقدمة المعرف بشهرته تفريق من خبر السياسة وعاش أحوالها وأهوالها وانقطع في آخر حياته للكتابة والتأليف حيث قال «لما كانت حقيقة الملك أنه الاجتماع الضروري للبشر، ومقتضاه التغلب والقهر، اللذان هما من آثار الغضب والحيوانية، كانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق، مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم، لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من أغراضه وشهواته» مقدمة ابن خلدون . وعرف الخلافة فقال:
والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسية الدنيا به» مقدمة ابن خلدون .
ويروي لنا ابن سعد رحمه الله في الطبقات الكبرى :ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل سلمان رضي الله عنه: أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر (بكى) عمر.
وعن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين ! إن بينهما فرقاً، قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك. والملك يعسف (يظلم) الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر. ذكره ابن سعد في طبقاته.
وعن رجل من بني أسد أنه شهد عمر بن الخطاب سأل أصحابه وفيهم طلحة وسلمان والزبير وكعب فقال: إني سائلكم عن شيء فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم، أنشدكم بالله! أخليفة أنا أم ملك؟ فقال طلحة والزبير: إنك لتسألنا عن أمر ما نعرفه، ما ندري ما الخليفة من الملك، فقال سلمان يشهد بلحمه ودمه: إنك خليفة ولست بملك، فقال عمر إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال سلمان: وذلك أنك تعدل في الرعية وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري ولكن الله ملأ سلمان حكماً وعلماً.
ونلاحظ من الدقة في كلام ابن خلدون رحمه الله في تعريفه وتحديده للخلافة بانها حمل الكافة -اي عامة الرعية - على مقتضى اي مايقتضيه النظر الشرعي اي ما افدته النصوص الشرعية من اهل النظر فيها لما يحقق مصالحهم الاخروية والدنيوية الراجعة اليها وبين ان مصالح الدنيا كلها ترجع عند الشارع الحكيم الى اعتبارها بمصالح الاخرة فتسقط كل مصلحة دنيوية من الحسبان ان لم تحقق مصلحة اخروية للانسان ومن هنا ترتبط الحياة الدنيا بالاخرة ومن هنا يكون الخليفة نائبا في مهمات النبوة لاقامة الخلق على منهج الشرع المحقق لهم سعادتهم في الدارين.
فنستطيع اذا ان نقول: ان الخلافة سيادة للقرآن، وإحياء للدين، ورعاية لمصالح الأمة الأخروية والدنيوية، وعدل في الحكم وفي المال، وشورى في الأمر العام واختيار، وعدم موادة للأعداء، وتدافع للرئاسة، وملك للشهوة والكبرياء، وتعفف عما في أيدي الناس، وتأييد من الأمة ونصح صادق وتعاون ووقوف مع الحق، وقياس لأمور الدنيا "بمعايير الإيمان" بما يحقق مصالح الفوز بالاخرة.
-اما الملك فسيادة للسلطان، وإخضاع للدين واستغلاله، ورعاية للمصالح الدنيوية إن وجدت فقط بما يخدمه، وجباية للأموال وتعسف، وقهر واستبداد، وشراء للذمم والضمائر، وصناعة للموالين المتملقين، وترف وبذخ، وصراع على السلطان، ومعاداة للأهل والاخوان ومقاتلة للناصحين، وفي بعض الأحيان موالاة ومهادنة ماضيا وحاضرا.
ويستعرض لنا الحبيب صلاة الله وسلامه عليه مسيرة الحكم والوانه التي ستتقلب على امته في هذا الحديث فيقول:- تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله ُأَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ. الخبر في مسند الإمام أحمد من حديث النعمان بن بشير.
ملكا عاضا، العَضُّ هو: الشدُّ بالأَسنان على الشيء، وأَصل العَضِيضِ اللزوم وهي كناية عن شدّة الاستمساك بأَمر ما؛ والحرص عليه مهما كلف من ثمن.
ملكا جبريا: من الإِجْبار وهو القهر والإِكراه.وفيه يكون الحاكم مجبرا على نهج معين والرعية مجبرة على الحاكم ونهجه الموكول اليه تنفيذه فيهم...
وكل ما جاء في الحديث وقع فصدقت يا سيدي يا رسول الله وبقي فقط سفينة النجاة الخلافة على منهاج النبوة المخلصة لنا من نار الجبرية التي نعيش والمخلصة للبشرية من جحيم مناهج الشيطان والهوى.وعلى الحاملين لهذا الهم أن يتجاهلوا تشكيك المشككين وتثبيط المثبطين تصديقا لموعود النبي الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، وعملا بسنة نبي الله نوح الذي امتثل لأمر ربه وبدأ في صنع الفلك على أرض لا ماء فيها، ولم يول اعتبارا للساخرين منه. قال تعالى حكاية عن تصديق نبيه نوح:" وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ". [هود:38].
وتقبل الله طاعاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.