يقول أحدهم :
لقد تعلمت من الحياة. .
أنك :
إذا أردت أن تعيش مرتاح البال.. هادئ النفس. . لا تحمل في قلبك ضغينة لأحد. . ولا عتابا. . ولا لوما لأحد من الفصيلة البشرية. .
أن لا تُخبر أي مخلوق بأسرارك.. أو بأحزانك. . أو مصابك. . أو مرضك!
لأنك ستجدهم .. مذاهب شتى!
نوع قد يشمت بك. . ويفرح. . ويرقص طربا لمصابك. . وقد يقول بين الناس : إنه يستحق ما أصابه. . وقد يشتط بعضهم ويدعو عليك!
ونوع آخر قد يحزن عليك. . ويتألم لألمك. . ولكنه لا يُحرك ساكنا!
ومنهم قد يُبدي لك بعض مظاهر التعاطف. . والمواساة بكلمات جامدة. . باردة. . ميتة. . ولكنه لن يتحرك .. بلهفة.. ولا حرارة تُشعِرك.. بأنه حقا.. صديق.. أو أخ ودود.. ومحب! ..
فلن يكلف نفسه حتى عناء زيارتك. . ومشاطرتك آلامك. . وأحزانك .. بله التخفيف عن مصابك.. بل حتى ولا مهاتفتك!
مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم حسب الحديث التالي. . يعتبر هذه الزيارة واجبة. . فالتخلف عن أداء الواجب. . فيه إثم عظيم.. ومساءلة أمام الله تعالى!
وبعض العلماء .. اعتبر زيارة المريض. . فرض كفاية.
فلو لم يزره أحد. . أثم كل المسلمين الذين يعرفونه .. وباؤوا بالوزر.. يحملونه على ظهورهم إلى يوم القيامة. .
( حقُّ المسلمِ على المسلمِ خمسٌ . وفي روايةٍ : خمسٌ تجبُ للمسلمِ على أخيهِ : ردُّ السلامِ ، وتشميتُ العاطسِ ، وإجابةُ الدعوةِ ، وعيادةُ المريضِ ، واتِّباعُ الجنائزِ ).
الراوي:أبو هريرة المحدث:مسلم
المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:2162
حكم المحدث:صحيح.
وقد أراد أحدهم.. أن يوثق هذه الحقيقة. . بتجربة عملية !
فقد قدر الله عليه.. أن يدخل المستشفى في دار المهجر.. لإجراء عملية جراحية طارئة. . وبقي فيها فترة طويلة. .
فبعد أن منَ الله عليه بنجاحها. . أراد أن يختبر جزءا بسيطا من الخُلَص. . والمقربين جدا.. من أصحابه .. لا يتجاوز عددهم العشرة .. من أصل عدة مئات ..
فأرسل لهم رسالة قصيرة جدا مضمونها. .
( تمت العملية بنجاح في المستشفى ..... والحمد لله رب العالمين. .).
كانت المفاجأة المذهلة. . والمثبتة. . والمؤكدة لحقيقة البشر التائهين في دروب الحياة الدنيا. .
نصفهم رد بالرسالة التقليدية. . الجامدة. . الباردة. . الميتة.. بتمنيات الشفاء!. .
والنصف الآخر.. ضَنَ. . وزَهِدَ .. واستكثر .. حتى طباعة أحرف هذه الرسالة الميتة.. على مفاتيح الجوال!
مع العلم بأن المجموعات البشرية الأخرى. . تتآلف. . وتتحابب. . وتتعاون كثيرا بينها في بلد المهجر. . إلا العرب.. والسوريين منهم بشكل أخص. .
لا يحملون في قلوبهم.. أي مودة. . أو محبة. . أو شفقة تجاه بعضهم البعض.. في دار المهجر. .
بل بالعكس يحملون كل صفات الكراهية.. والبغضاء تجاه بعضهم البعض. . واستغلال بعضهم البعض. . طبعا ليس كلهم.. ولكن أغلبهم. .
فما هي قصة هذا الشعب السوري البئيس. . العليل. . المريض. . السقيم. . الغريب الأطوار. . . الشاذ عن البشرية كلها ؟!
هذا ما:
يحتاج إلى بحوث. . ودراسات. . وتجارب علمية موسعة. . ومعمقة وعلى مدى أجيال متعددة. . لكشف أسرار هذه الفصيلة البشرية السورية. .
المهم ..
خرج من المستشفى. . ولم يكلف أحدهم نفسه.. أن يصرف بضع دقائق لزيارته.. أو حتى الحديث معه هاتفيا. . للإطمئنان عليه!
علما بأن أحدهم.. لا يبعد مقره عن المستشفى.. إلا بضع مئات من الأمتار!
ويتابع حديثه الحزين. . المأساوي. . متذكرا. . وهو يتنهد. . أيام شبابه حين دخوله السنة الأولى في الجامعة. . ولم يتعرف إلا على عدد قليل من الأصحاب. . واضطره القدر.. أن يدخل المستشفى .. لوعكة صحية طارئة..
ومع أنه لم ينم فيها.. إلا ثلاث ليال فقط. . ومع ذلك تقاطر هؤلاء الأصحاب الجدد.. مضحين بدراستهم.. لزيارته. .
يتساءل. . وقطرات الدمع تنهمر من مقلتيه. .
كم تغير الناس في خلال خمسين عاما. . وكم سيتغيرون يا ترى .. بعد خمسين عاما أخرى. .
بل:
وربما حتى أشكالهم ستتغير .. ويبتعدون عن شكل الآدمية الحالي.. ابتعادا شاسعا!
أو ينقلبون إلى مخلوقات لا تمت إلى الآدمية بأي صلة. . والله تعالى أعلم.
السبت 20 ذو القعدة 1438
12 آب 2017
موفق السباعي
مفكر ومحلل سياسي. .