ضيوف الجزائر: وليد عبد الحي ومحمد الغزالي وسعد الدين الشاذلي – معمر حبار
مرحلة التسعينات من القرن الماضي كانت عصيبة جدا على الجزائر والجزائريين، ومن بداية ومنتصف الثمانينات إلى غاية بداية ومنتصف التسعينات، استضافت الجزائر ثلاثة رموز علمية وعسكرية ودينية، وهي:
أستاذي وليد عبد الحي Walid Abdulhay قدم للجزائر في إطار علمي فساهم بشكل كبير في تكوين نخبة من الطلبة والأساتذة والباحثين يحملون فكره الذي يعتمد على التحليل العلمي الدقيق وغير المنحاز لدولة أو شخص أو فكرة بعينها. و لعلّ مخاض بداية التسعينات المتمثّل خاصة في انهيار المعسكر الاشتراكي ساعد أستاذي على الخوض في مناقشة الأوضاع ومستقبل القارة الأوربية، ومنها مستقبل المعسكر الاشتراكي وعلاقاته بالدول العربية. وقد تابعت يومها التحاليل التي كان يكتبها أستاذي عبر جريدة "الشعب" الجزائرية، وعبر الفضائية الجزائرية الوحيدة يومها. والغزو العراقي للكويت يومها كان أيضا فرصة لطرح وجهات نظره حول الوضع العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، ومستقبل العلاقات المتشابكة المتناقضة حينها.
ومما رفع مستوى النقاش يومها: الفريق سعد الدين الشاذلي رحمة الله عليه الذي كان ينظر لما يحدث من الناحية العسكرية باعتباره القائد العسكري، وكان يحلّل الغزو العراقي للكويت والتدخل الأمريكي للعراق من الناحية العسكرية البحتة، ومازال يتذكر صاحب الأسطر دقّة الوصف العسكري الذي كان يتّصف به سعد الدين الشاذلي حيث كان دقيقا جدا وصائبا جدا. وما كان يميّز الرجلين: أن سعد الدين كان يظهر حماسه الشديد ويتحدّث بحماسة مفرطة تسئ أحيانا إليه كقائد عسكري وكان عليه أن يلتزم ببعض الهدوء، بينما أستاذي وليد عبد الحي كان هادئا وغير منفعل وتحاليله كانت صائبة وإن كانت تنقصها الدقّة التي كانت تميّز تدخلات ودقّة سعد الدين، والسبب في تقديري أن التحاليل العسكرية بطبيعتها دقيقة وتميل للدقة بينما التحاليل السّياسية تمتاز بالغموض والصّعوبة في الحصول على كافة المعلومات والسرية السّائدة والممنوعة عن عالم السياسة. و قد أكرمني ربّي أنّي كتبت مقالات حول أستاذي وليد عبد الحي أشيد فيها بفضله وعلمه وأخلاقه.
والشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، قدم للجزائر كعالم دين يترأس جامعة الأمير عبد القادر رحمة الله عليه وساهم في الرفع من مستوى الوعي الديني، ونشر ثقافة التسامح، وعدم التعصب، واحترام الجميع بما كان يلقيه من خطب ودروس الاثنين التي كانت محلّ إعجاب الجزائريين بما فيهم الذين لا يتقنون اللّغة العربية. وتنازل عن مستحقات كتبه للقارىء الجزائري لتكون في متناوله بسعر زهيد، ويكفي القول أن الجزائريين يعتبرون الشيخ محمد الغزالي جزائري وليس مصري ويتعاملون معه على أنه كذلك، وأكرمني ربّي أنّي كتبت عنه عدّة مقالات وعدّة منشورات وحضرت له دروس ومحاضرات وكنت من المتابعين لـ"حديث الإثنين" الذي كان يبثّه كلّ يوم الإثنين عبر الرائي الجزائري الوحيد يومها ويتابعه خلق عظيم من الجزائريين بما فيهم الذين لا يحسنون اللّغة العربية، والدروس أعاد نشرها الأستاذ عبد النور عبر كتاب ووعرضناها وعلّقنا عليها عبر مقال.
بقيت الإشارة، أن سعد الدين الشاذلي جاء للجزائر كلاجئ سياسي، و أستاذي وليد عبد الحي كرجل علم فلسطيني، ومحمد الغزالي كعالم دين، واستضافت الجزائر ضيوفها العسكريين وعلماء السياسة وعلماء الدين وقدّمت لهم كافّة التسهيلات، واختاروا بمحض إرادتهم الخروج من الجزائر، وعاشوا جميعا معزّزين مكرّمين طيلة إقامتهم بالجزائر.
تحية تقدير للقائد العسكري سعد الدين الشاذلي رحمة الله عليه، وعالم الدين محمد الغزالي رحمة الله عليه، وعالم السياسة أستاذي وليد عبد الحي أمدّ الله في عمره ورزقه الصّحة والعافية، لما قدموه للجزائر من علم وتحليل وأخلاق وسماحة وسمو.