محمود الغزنوي.. فاتح الهند
حدود الدولة الغزناوية
اهتم الخلفاء الراشدون بفتح بلاد الهند؛ فبعثوا منذ عهد عمر بن الخطاب عدة حملات على أطراف هذه البلاد، غير أن الفتح المنظم بدأ في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، حيث قام عامله على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بهذه المهمة العظيمة، فأعد حملة عسكرية وجهزها بما يكفل لها النجاح من عدة وعتاد، وأسند قيادتها إلى واحد من أكفأ القادة وأمهرهم هو ابن أخيه محمد بن القاسم، وكان دون العشرين من عمره، فنهض بهذه المهمة على خير وجه، وتمكن من التوغل في بلاد الهند، وفتح مدينة “ديبل” وأقام بها مسجدا، وترك بها حامية من أربعة آلاف جندي، وأصبحت ديبل أول مدينة عربية في الهند.وهذه المدينة كان موقعها قريبا من “كراتشي” لكنها اندرست ولم يعد لها وجود الآن، وواصل القائد المظفر حملته الناجحة في شمال الهند، وهو ينتقل من نصر إلى نصر، وأهالي البلاد تقبل عليه؛ فرحًا به لسماحته وحسن سياسته، وتعدّه محررَها من ظلم الهندوس واستعبادهم.
غير أن هذا الحلم الجميل بدا يتحطم ويتبدد؛ فقد توفي الحجاج الثقفي صاحب اليد البيضاء في هذا الفتح، ومن بعده الخليفة الوليد بن عبد الملك، وتولى العراق حاكم جديد، فأوقف الفتح وعزل محمد بن القاسم عن ولاية السند.
وظلت السند تابعة للدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية، وحافظ المسلمون على ما فتحوه، وتوسعوا قليلا في ضم أجزاء أخرى إلى دولتهم، حتى سيطر المسلمون على المنطقة الواقعة بين كابل وكشمير والملتان.
قيام الدولة الغزنوية
كانت “غزنة” بأفغانستان ولاية نائية، تخضع للدولة السامانية التي تحكم خراسان وما وراء النهر، ويقوم عليها ولاة من قِبلها، وشاءت الأقدار أن يلي غزنة سنة (366هـ= 976م) والٍ يسمى “سبكتكين” كان يتمتع بهمة عالية وكفاءة نادرة، وطموح عظيم، فنجح في أن يبسط نفوذه على البلاد المجاورة، وشرع في غزو أطراف الهند، وسيطر على كثير من المعاقل والحصون هناك، حتى تمكن من تأسيس دولة كبيرة في جنوبي غرب آسيا، وتوفي سنة (387هـ=997م).
ولاية محمود بن سبكتكين
بعد موت سبكتكين خلفه ابنه إسماعيل، بعد أن عهد إليه أبوه بالملك من بعده، غير أن أخاه الأكبر محمود -وكان سند والده في غزواته وحروبه- رفض أن يقر لأخيه بالملك لضعفه وسوء تدبيره، فنهض عليه واستطاع بعد سبعة أشهر أن ينتزع الملك لنفسه، ويقبض على زمام الأمور، وبدأ عهد جديد لم تشهده المنطقة من قبل، فلم يكد يستقر الأمر له، حتى بدأ نشاطًا واسعًا في الفتوح، وأثبت أنه واحد من كبار الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قيل إن فتوحه تعدل في المساحة فتوح عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قضى محمود الغزنوي الفترة الأولى من حكمه في تثبيت أركان دولته، وتوسيع رقعتها على حساب الدولة السامانية التي دبّ الضعف في أوصالها، فرأى الفرصة سانحة للقضاء عليها، وتم له ذلك في (جمادى الأولى 389هـ= أبريل 999م) بعد انتصاره على عبد الملك بن نوح الساماني في موقعة حاسمة عند مرو، وأصبحت خراسان خاضعة له، ثم تصدى للدولة البويهية، وانتزع منها الري وبلاد الجبل وقزوين.
فتح الهند
بعد أن استقرت الأحول لمحمود الغزنوي واستتب له الحكم، وأقرته الخلافة العباسية على ما تحت يده من بلاد، تطلّع إلى بسط سيطرته على بلاد الهند، ومد نفوذه إليها ونشر الإسلام بين أهلها؛ ولذلك تعددت حملاته على الهند حتى بلغت أكثر من سبع عشرة حملة، وظل يحارب دون فتور نحوًا من سبع وعشرين سنة، بدأت من عام (390هـ= 1000م)، حيث قاد حملته الأولى على رأس عشرة آلاف مقاتل، والتقى عند مدينة بشاور بجيش “جيبال” أحد ملوك الهندوس، وحقق نصر غاليا، ووقع الملك الهندي في الأسر، الذي لم يستطع أن يتحمل هزيمته والعار الذي لحق به، فأقدم على حرق نفسه، بعدما أطلق الغزنوي سراحه مقابل فدية كبيرة.
ثم تعددت حملات الغزنوي، وفي كل مرة كان يحقق نصرا، ويضيف إلى دولته رقعة جديدة، ويبشر بالإسلام بين أهالي المناطق المفتوحة، ويغنم غنائم عظيمة، حتى توج فتوحاته في الهند بفتح بلاد “الكجرات”، ثم توجه إلى مدينة “سومنات” سنة (416هـ= 1025م) وكان بها معبد من أكبر معابد الهند، يحوي صنما اسمه “سومنات” وكان الهندوس يعظمونه ويحملون إليه كل نفيس، ويغدقون الأموال على سدنته، وكانت مدينة سومنات تقع في أقصى جنوب الكجرات على شاطئ بحر العرب، فقطع الغزنوي الصحاري المهلكة حتى بلغها، واقتحم المعبد، وهزم الجموع الغفيرة التي حاولت إنقاذ المعبد، ووقع آلاف الهندوس قتلى، وسقط المعبد في أيدي المسلمين.
وغنم الغزنوي أموالا عظيمة قُدرت بنحو عشرين مليون دينار، وعاد إلى غزنة سنة (417هـ=1026م) وظلت ذكرى هدم معبد سومنات عالقة في ذاكرة الهندوس لم يمحها كرّ السنين، ولا تغيرها الأحول، حتى إذا ما ظفرت الهند باستقلالها عمدت إلى بناء هذا المعبد من جديد في احتفال مهيب.
ولم يكن الغزنوي مدفوعا في فتوحاته برغبة جامحة في كسب الغنائم أو تحقيق مجد يذكره له التاريخ، ولكن قاده حماسه لنشر الإسلام، وإبلاغ كلمة التوحيد في مجتمع وثني، وكانت تلك الحملات مسبوقة بطلب الدخول في الإسلام، وإلى هذا أشار السير “توماس أرنولد” في كتابه “الدعوة إلى الإسلام” بقوله: وفي الحق أن الإسلام قد عُرض في الغالب على الكفار من الهندوس قبل أن يفاجئهم المسلمون.
وكانت حصيلة جهود محمود الغزنوي أن أتمّ فتح شمال شبة القارة الهندية، ففتح إقليم كابلستان، وملتان، وكشمير، وأخضع البنجاب، ونشر الإسلام في ربوع الهند، وفتح طريقا سلكه من جاء بعده.
وقد نظر المؤرخون المسلمون إلى أعماله نظر إعجاب وتقدير، فقد بلغ بفتوحاته إلى “حيث لم تبلغه في الإسلام راية، وأقام بدلا من بيوت الأصنام مساجد الإسلام”.
النهضة الحضارية والثقافية
البيروني
اكتسب الغزنوي مكانته في التاريخ بفتوحاته التي لم تُسبق، وبجهوده الحضارية التي لم يشغله عنها فتوحاته وغزواته، وكان العزنوي نفسه مولعا بعلم الحديث، يستمع إلى علمائه كما كان فقيها له مؤلفات، ولا يكاد يسمع بعالمٍ له مكانة حتى يستدعيه إلى دولته، فاستقدم “أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني” المتوفى سنة (440هـ= 1049م) الذي نبغ في علوم كثيرة، في مقدمتها الرياضة والفلك، وعُدّ من أعظم رجال الحضارة الإسلامية، وتُرجمت كتبه إلى اللغات الأوروبية، وأطلقت روسيا اسمه على جامعة أنشأتها حديثا.
وعني السلطان بالشعر وكان له به شغف، ومن أشهر الشعراء الذين ازدانت بهم دولته الشاعر الفارسي “عنصري” وكان نديما للسلطان وشاعرا له، منحه لقب “ملك الشعراء” في مملكته، و”المسجدي”، و”الفرخي” وهو شاعر فارسي عظيم قيل فيه: إن الفرخي لدى الفرس بمثابة المتنبي لدى العرب.
أما أبرز الشعراء في هذا العصر فهو “الفردوسي” صاحب “الشاهنامة” التي نظمها في خمسة وعشرين عاما من الجهد والإبداع، وتشمل أخبار الفرس القدامى، وهي من عيون الأدب العالمي.
ومن أبرز كتّاب الدولة ومؤرخيها “أبو الفتح البستي” وكان كاتبا للسلطان وموضع سره ومستشاره في كثير من الأمور، وله شعر رائق ونظم جيد، و”أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي” مؤرخ الدولة الغزنوية وكاتب السلطان مع أبي الفتح البستي، له كتاب “اليميني” نسبة إلى يمين الدولة لقب السلطان محمود الغزنوي، تناول فيه تاريخ الدولة الغزنوية.
وأصبحت غزنة في عهد السلطان محمود منارة للعلم ومقصدا للعلماء، وغدت عامرة بالمساجد والقصور والأبنية التي لا تقل بهاءً وجمالا عن المنشآت الهندية التي اشتهرت بدقة التصميم وجمال العمارة.
وفاة الغزنوي
ظل السلطان محمود الغزنوي يواصل جهاده حتى مرض، وطال به مرضه نحو سنتين، ومع ذلك لم يحتجب عن الناس أو يمنعه المرض من مباشرة أمور رعيته حتى توفي قاعدًا في (23 من شهر ربيع الأول 421هـ= 29 من أبريل 1030م) بعد أن أنشأ دولة واسعة، ضمّت معظم إيران وبلاد ما وراء النهر وشمال الهند كله، ونشر دينًا لا يزال له أتباع كثيرون في الهند.
هوامش ومصادر:
نظام الدين بخشي الهروي- المسلمون في الهند- ترجمة أحمد عبد القادر الشاذلي- الهيئة العامة للكتاب- القاهرة 1995م.
عبد المنعم النمر- تاريخ الإسلام في الهند- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر- بيروت 1401هـ=1981م.
حسن أحمد محمود- الإسلام والحضارة العربية في آسيا الوسطى- دار النهضة العربية- القاهرة 1968م.
عصام الدين عبد الرؤوف- تاريخ الإسلام في جنوب غرب آسيا- دار الفكر العربي- القاهرة 1975م.
حسين مؤنس- أطلس تاريخ الإسلام- الزهراء للإعلام العربي- القاهرة 1407هـ=1987م.
باحث مصري في التاريخ والتراث.
حدود الدولة الغزناوية
اهتم الخلفاء الراشدون بفتح بلاد الهند؛ فبعثوا منذ عهد عمر بن الخطاب عدة حملات على أطراف هذه البلاد، غير أن الفتح المنظم بدأ في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، حيث قام عامله على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بهذه المهمة العظيمة، فأعد حملة عسكرية وجهزها بما يكفل لها النجاح من عدة وعتاد، وأسند قيادتها إلى واحد من أكفأ القادة وأمهرهم هو ابن أخيه محمد بن القاسم، وكان دون العشرين من عمره، فنهض بهذه المهمة على خير وجه، وتمكن من التوغل في بلاد الهند، وفتح مدينة “ديبل” وأقام بها مسجدا، وترك بها حامية من أربعة آلاف جندي، وأصبحت ديبل أول مدينة عربية في الهند.وهذه المدينة كان موقعها قريبا من “كراتشي” لكنها اندرست ولم يعد لها وجود الآن، وواصل القائد المظفر حملته الناجحة في شمال الهند، وهو ينتقل من نصر إلى نصر، وأهالي البلاد تقبل عليه؛ فرحًا به لسماحته وحسن سياسته، وتعدّه محررَها من ظلم الهندوس واستعبادهم.
غير أن هذا الحلم الجميل بدا يتحطم ويتبدد؛ فقد توفي الحجاج الثقفي صاحب اليد البيضاء في هذا الفتح، ومن بعده الخليفة الوليد بن عبد الملك، وتولى العراق حاكم جديد، فأوقف الفتح وعزل محمد بن القاسم عن ولاية السند.
وظلت السند تابعة للدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية، وحافظ المسلمون على ما فتحوه، وتوسعوا قليلا في ضم أجزاء أخرى إلى دولتهم، حتى سيطر المسلمون على المنطقة الواقعة بين كابل وكشمير والملتان.
قيام الدولة الغزنوية
كانت “غزنة” بأفغانستان ولاية نائية، تخضع للدولة السامانية التي تحكم خراسان وما وراء النهر، ويقوم عليها ولاة من قِبلها، وشاءت الأقدار أن يلي غزنة سنة (366هـ= 976م) والٍ يسمى “سبكتكين” كان يتمتع بهمة عالية وكفاءة نادرة، وطموح عظيم، فنجح في أن يبسط نفوذه على البلاد المجاورة، وشرع في غزو أطراف الهند، وسيطر على كثير من المعاقل والحصون هناك، حتى تمكن من تأسيس دولة كبيرة في جنوبي غرب آسيا، وتوفي سنة (387هـ=997م).
ولاية محمود بن سبكتكين
بعد موت سبكتكين خلفه ابنه إسماعيل، بعد أن عهد إليه أبوه بالملك من بعده، غير أن أخاه الأكبر محمود -وكان سند والده في غزواته وحروبه- رفض أن يقر لأخيه بالملك لضعفه وسوء تدبيره، فنهض عليه واستطاع بعد سبعة أشهر أن ينتزع الملك لنفسه، ويقبض على زمام الأمور، وبدأ عهد جديد لم تشهده المنطقة من قبل، فلم يكد يستقر الأمر له، حتى بدأ نشاطًا واسعًا في الفتوح، وأثبت أنه واحد من كبار الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قيل إن فتوحه تعدل في المساحة فتوح عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قضى محمود الغزنوي الفترة الأولى من حكمه في تثبيت أركان دولته، وتوسيع رقعتها على حساب الدولة السامانية التي دبّ الضعف في أوصالها، فرأى الفرصة سانحة للقضاء عليها، وتم له ذلك في (جمادى الأولى 389هـ= أبريل 999م) بعد انتصاره على عبد الملك بن نوح الساماني في موقعة حاسمة عند مرو، وأصبحت خراسان خاضعة له، ثم تصدى للدولة البويهية، وانتزع منها الري وبلاد الجبل وقزوين.
فتح الهند
بعد أن استقرت الأحول لمحمود الغزنوي واستتب له الحكم، وأقرته الخلافة العباسية على ما تحت يده من بلاد، تطلّع إلى بسط سيطرته على بلاد الهند، ومد نفوذه إليها ونشر الإسلام بين أهلها؛ ولذلك تعددت حملاته على الهند حتى بلغت أكثر من سبع عشرة حملة، وظل يحارب دون فتور نحوًا من سبع وعشرين سنة، بدأت من عام (390هـ= 1000م)، حيث قاد حملته الأولى على رأس عشرة آلاف مقاتل، والتقى عند مدينة بشاور بجيش “جيبال” أحد ملوك الهندوس، وحقق نصر غاليا، ووقع الملك الهندي في الأسر، الذي لم يستطع أن يتحمل هزيمته والعار الذي لحق به، فأقدم على حرق نفسه، بعدما أطلق الغزنوي سراحه مقابل فدية كبيرة.
ثم تعددت حملات الغزنوي، وفي كل مرة كان يحقق نصرا، ويضيف إلى دولته رقعة جديدة، ويبشر بالإسلام بين أهالي المناطق المفتوحة، ويغنم غنائم عظيمة، حتى توج فتوحاته في الهند بفتح بلاد “الكجرات”، ثم توجه إلى مدينة “سومنات” سنة (416هـ= 1025م) وكان بها معبد من أكبر معابد الهند، يحوي صنما اسمه “سومنات” وكان الهندوس يعظمونه ويحملون إليه كل نفيس، ويغدقون الأموال على سدنته، وكانت مدينة سومنات تقع في أقصى جنوب الكجرات على شاطئ بحر العرب، فقطع الغزنوي الصحاري المهلكة حتى بلغها، واقتحم المعبد، وهزم الجموع الغفيرة التي حاولت إنقاذ المعبد، ووقع آلاف الهندوس قتلى، وسقط المعبد في أيدي المسلمين.
وغنم الغزنوي أموالا عظيمة قُدرت بنحو عشرين مليون دينار، وعاد إلى غزنة سنة (417هـ=1026م) وظلت ذكرى هدم معبد سومنات عالقة في ذاكرة الهندوس لم يمحها كرّ السنين، ولا تغيرها الأحول، حتى إذا ما ظفرت الهند باستقلالها عمدت إلى بناء هذا المعبد من جديد في احتفال مهيب.
ولم يكن الغزنوي مدفوعا في فتوحاته برغبة جامحة في كسب الغنائم أو تحقيق مجد يذكره له التاريخ، ولكن قاده حماسه لنشر الإسلام، وإبلاغ كلمة التوحيد في مجتمع وثني، وكانت تلك الحملات مسبوقة بطلب الدخول في الإسلام، وإلى هذا أشار السير “توماس أرنولد” في كتابه “الدعوة إلى الإسلام” بقوله: وفي الحق أن الإسلام قد عُرض في الغالب على الكفار من الهندوس قبل أن يفاجئهم المسلمون.
وكانت حصيلة جهود محمود الغزنوي أن أتمّ فتح شمال شبة القارة الهندية، ففتح إقليم كابلستان، وملتان، وكشمير، وأخضع البنجاب، ونشر الإسلام في ربوع الهند، وفتح طريقا سلكه من جاء بعده.
وقد نظر المؤرخون المسلمون إلى أعماله نظر إعجاب وتقدير، فقد بلغ بفتوحاته إلى “حيث لم تبلغه في الإسلام راية، وأقام بدلا من بيوت الأصنام مساجد الإسلام”.
النهضة الحضارية والثقافية
البيروني
اكتسب الغزنوي مكانته في التاريخ بفتوحاته التي لم تُسبق، وبجهوده الحضارية التي لم يشغله عنها فتوحاته وغزواته، وكان العزنوي نفسه مولعا بعلم الحديث، يستمع إلى علمائه كما كان فقيها له مؤلفات، ولا يكاد يسمع بعالمٍ له مكانة حتى يستدعيه إلى دولته، فاستقدم “أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني” المتوفى سنة (440هـ= 1049م) الذي نبغ في علوم كثيرة، في مقدمتها الرياضة والفلك، وعُدّ من أعظم رجال الحضارة الإسلامية، وتُرجمت كتبه إلى اللغات الأوروبية، وأطلقت روسيا اسمه على جامعة أنشأتها حديثا.
وعني السلطان بالشعر وكان له به شغف، ومن أشهر الشعراء الذين ازدانت بهم دولته الشاعر الفارسي “عنصري” وكان نديما للسلطان وشاعرا له، منحه لقب “ملك الشعراء” في مملكته، و”المسجدي”، و”الفرخي” وهو شاعر فارسي عظيم قيل فيه: إن الفرخي لدى الفرس بمثابة المتنبي لدى العرب.
أما أبرز الشعراء في هذا العصر فهو “الفردوسي” صاحب “الشاهنامة” التي نظمها في خمسة وعشرين عاما من الجهد والإبداع، وتشمل أخبار الفرس القدامى، وهي من عيون الأدب العالمي.
ومن أبرز كتّاب الدولة ومؤرخيها “أبو الفتح البستي” وكان كاتبا للسلطان وموضع سره ومستشاره في كثير من الأمور، وله شعر رائق ونظم جيد، و”أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي” مؤرخ الدولة الغزنوية وكاتب السلطان مع أبي الفتح البستي، له كتاب “اليميني” نسبة إلى يمين الدولة لقب السلطان محمود الغزنوي، تناول فيه تاريخ الدولة الغزنوية.
وأصبحت غزنة في عهد السلطان محمود منارة للعلم ومقصدا للعلماء، وغدت عامرة بالمساجد والقصور والأبنية التي لا تقل بهاءً وجمالا عن المنشآت الهندية التي اشتهرت بدقة التصميم وجمال العمارة.
وفاة الغزنوي
ظل السلطان محمود الغزنوي يواصل جهاده حتى مرض، وطال به مرضه نحو سنتين، ومع ذلك لم يحتجب عن الناس أو يمنعه المرض من مباشرة أمور رعيته حتى توفي قاعدًا في (23 من شهر ربيع الأول 421هـ= 29 من أبريل 1030م) بعد أن أنشأ دولة واسعة، ضمّت معظم إيران وبلاد ما وراء النهر وشمال الهند كله، ونشر دينًا لا يزال له أتباع كثيرون في الهند.
هوامش ومصادر:
نظام الدين بخشي الهروي- المسلمون في الهند- ترجمة أحمد عبد القادر الشاذلي- الهيئة العامة للكتاب- القاهرة 1995م.
عبد المنعم النمر- تاريخ الإسلام في الهند- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر- بيروت 1401هـ=1981م.
حسن أحمد محمود- الإسلام والحضارة العربية في آسيا الوسطى- دار النهضة العربية- القاهرة 1968م.
عصام الدين عبد الرؤوف- تاريخ الإسلام في جنوب غرب آسيا- دار الفكر العربي- القاهرة 1975م.
حسين مؤنس- أطلس تاريخ الإسلام- الزهراء للإعلام العربي- القاهرة 1407هـ=1987م.
باحث مصري في التاريخ والتراث.