هل دخل الأردن في دائرة الخطر الوجودي؟ وكيف يدافع؟
العميد د. امين محمد حطيط
قد يكون من السطحية والتبسيط المفرط اعتبار حالة الاضطراب القائمة في الأردن اليوم، حالة أردنية محضة منفصلة عما يجري في الجوار اللصيق أو الإقليم عامة من إعادة ترتيب المنطقة بعد هزيمة المشروع الغربي الذي استهدفها بشكل عام واستهدف محور المقاومة بشكل خاص، وتلك الاستهدافات التي كانت من أجل تصفية القضية الفلسطينية التي أطلق ترامب في الأشهر الأولى لتسلمه مقاليد الحكم في بلاده، وأطلق الإشارات القاطعة بأنّ هناك صفقة تتمّ مع عرب تابعين لأميركا تتضمّن عناصر هذه التصفية.
وحتى لا نغرق كثيراً في الخيال أو التصوّر حول ما يمكن أن تتضمّنه صفقة القرن هذه، فإننا نعود الى المواقف المعلنة من قبل أصحاب الصفقة أنفسهم، وهم كما بات واضحاً ثلاثة: ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان الذين يشكّلون اليوم حلفاً استراتيجياً عميقاً ينفّذ مهمة واضحة هي تصفية القضية الفلسطينية والتفرّغ لمواجهة إيران بشكل لا يكتفي فقط بإخراجها من الإقليم وإلزامها بالتراجع الى خلف حدودها، بل وأيضاً إلى تغيير نظامها عبر الإطاحة بالنظام الإسلامي الاستقلالي القائم فيها وإقامة نظام تابع للغرب على منوال محميات الخليج التي تشكل السعودية نموذجها.
وتتضمّن صفقة القرن الأميركية الإسرائيلية السعودية، ووفقاً لما بات ظاهراً خمسة عناصر رئيسية: أولها أنّ أرض فلسطين ما بين النهر والبحر لا تتسع إلا لدولة واحدة هي «إسرائيل»، وثانيها أنّ القدس الموحّدة عاصمة لـ»إسرائيل»، وثالثها يشمل إسقاط حق العودة كلياً وتوطين الفلسطينيين حيث هم مع تعويضات تدفع لهم ولدول التوطين، ورابعها تأكيد «حق إسرائيل» بالاستيطان في الضفة الغربية وتشريع كامل المستوطنات القائمة فيها. وأخيراً إقامة الدولة الفلسطينية من قطاع غزة وأرض تضاف إليها لصيقة أو بعيدة من أجل استيعاب قسم من اللاجئين الفلسطينيين في الخارج وقسم آخر من فلسطينيي الداخل الذين ترغب «إسرائيل» بترحيلهم للحدّ من نموّهم على أراضٍ احتلتها في العام 1948.
وبالتالي فإنّ هذه الأرض المضافة التي قد تكون في سيناء كما تردّد، أو في الأردن كما يحضر ستشكل الحلّ البديل لانسحاب «إسرائيل» من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، حيث لن يكون لفلسطينيّي الضفة بمقتضى صفقة القرن تلك أكثر من مجالس بلدية متناثرة مفكّكة لا تجمعها أيّ صيغة أو نظام يشعر بأنها كيان سياسي موحّد. وبمعنى آخر فإنّ فلسطين التاريخية بكليتها ستكون بمقتضى صفقة القرن تحت السيادة الإسرائيلية ولا يستثنى منها إلا قطاع غزة الذي سيشكل نواة دويلة فلسطين المنزوعة السلاح.
بيد أنّ هذه التصفية الإجرامية ورغم الانخراط السعودي فيها والضغوط التي تُمارس على المعنيين بالقضية الفلسطينية تبقى متعثرة إن لم توجد الأرض المضافة من خارج فلسطين، وإن لم يُبعد تهديد محور المقاومة عنها وإن لم يستحصل على موافقة فلسطينية بشكل و/ أو بآخر ـ فهذه العناصر الثلاثة أيّ الأرض البديلة والموافقة الفلسطينية ومنع التهديد المقاوم هي شروط جوهرية لا بدّ منها لتمرير صفقة القرن التصفوية.
وفي التطبيق يبدو أنّ تخصيص جزء من سيناء ليكون الأرض البديلة أمر دونه صعوبات لا يظهر حلّها ممكناً في المدى المنظور ما يتطلّب البحث عن حلّ آخر. أما الموافقة الفلسطينية، فرغم كلّ ما يُشاع عن موافقة هذه الجهة أو تلك على الصفقة، فإنّ السياق العام للمواقف الفلسطينية يشي بأنّ الرفض الفلسطيني لها قائم وبشدة، أما عن محور المقاومة فإنّ وجود مكوّناته في الجنوب السوري بشكل أو بآخر لا يُوحي بالطمأنينة للجهة القائمة بمشروع التصفية، لكن المخطط يعتقد أنّ النجاح في توفير الأرض البديلة سيمكن من معالجة العقبتين الأخريين.
وعلى هذا الأساس تبدو مسألة الأردن محورية في تنفيذ الصفقة، لكونها تشكّل الأساس الذي يمكن أن يُبنى عليه، ففيه الأرض البديلة التي تشكّل الحلّ البديل. وهنا الخطر الوجودي الذي يهدّد الأردن كدولة أقيمت بقرار بريطاني منذ قرن من الزمن. فهل هذا القرار سيبقى نافذاً أم أنّ القرار الأميركي بالمراجعة سيتقدّم عليه ونجد تنفيذاً لما تروّج له مراكز الدراسات الصهيونية أو التي تدور في فلكها، بأنّ فلسطين هي الأردن؟
إنّ اضطرابات الأردن اليوم والتي تأتي متزامنة مع السير الحثيث لتنفيذ صفقة القرن لا يمكن إلا أن تثير قلق الأردنيين الحريصين على مصلحة بلدهم. ولأنه ليس في السياسة صداقات دائمة أو عداوات دائمة، فإنّ مصلحة الأردن خاصة بعد كلّ ما ظهر من قرائن ودلالات توحي بأنّ تصفية القضية الفلسطينية قد تكون على حساب الأردن ما يفرض على الأردن إعادة التموضع في المكان الصحيح إقليمياً ودولياً من أجل أن يدافع عن وجوده خاصة بعد أن شحّ المال الخليجي الذي كان يدفع له، لا نستبعد أن يكون لهذا الشحّ علاقة بالاضطرابات التي اندلعت بسبب الضرائب والرسوم التي فرضت أصلاً بسبب النقص في الموارد ، وبعد أن تمّ تجريده عملياً من الوصاية أو الرعاية للأماكن المقدّسة في القدس وخاصة الأقصى.
وعليه نرى أنّ إعادة التموضع الأردني استراتيجياً وسياسياً باتت ضرورة أردنية وطنية وجودية، لأنّ استمرار الأردن حيث هو الآن في معسكر يريد به الشرّ إنما هو بمثابة الانتحار الأكيد. فالخطر الجدي الذي يتهدّد الأردن يفرض عليه وبكلّ وضوح الانتقال الى مواقع دفاعية لا يؤمّنها له إلا الاقتراب من محور المقاومة، ولا نقول الانضمام إلى محور المقاومة، لأننا نتحدّث عن الممكن ولا نطلق العنان للخيال. وهذا الاقتراب يمكن أن يحصل عبر قيام الأردن بخطوات جريئة منها:
1 ـ الرفض الصريح والعلني لصفقة القرن ورفض تهويد القدس والتمسّك بالمسجد الأقصى وعلاقته به.
2 ـ التوقف الفعلي عن المشاركة أو تقديم المساعدة المباشرة أو غير المباشرة لمعسكر العدوان على سورية، وإغلاق غرفة عمليات الموك كلياً وإخراج الضباط الأجانب الذين يديرونها عرباً كانوا أم غربيين أم صهاينة ومنع أيّ نوع من أنواع العمل العسكري ضدّ سورية انطلاقاً من أراضيه، ومنع أيّ دعم للمجموعات الإرهابية العاملة في جنوب سورية.
3 ـ التنسيق الشامل مع سورية من أجل إعادة النازحين وإقفال مخيمات اللجوء بدءاً من مخيم الزعتري، ثم فتح معبر نصيب الحدودي معها. وهو يدرّ على الأردن ما قد يصل الى المليار دولار سنوياً أيّ ثلاثة أضعاف مردود الضرائب التي كانت سبب الاضطرابات.
4 ـ التوجّه نحو المثلث الإقليمي إيران تركيا العراق والانفتاح على روسيا والصين من أجل توفير مظلة دعم سياسي وتأمين البدائل للمال الخليجي المتوقف.
إنّ معالجة الاضطرابات الأردنية الحالية لا يمكن أن تكون أمنية فقط أو عبر استقالة الحكومة فقط. إنّ المعالجة الحقيقية لا يمكن أن تكون إلا من باب الخيارات الاستراتيجية الجدية وهي باتت أمراً ضرورياً حتمياً قد يكون الاستنكاف عنه مكلفاً وجودياً. فالأردن كما بات ظاهراً الآن وفي غياب انتظامه مع حلفاء صادقين بات يشكل الحلقة الأضعف إقليمياً. وهنا تكمن الخطورة.
:::::
"البناء"، بيروت
العميد د. امين محمد حطيط
قد يكون من السطحية والتبسيط المفرط اعتبار حالة الاضطراب القائمة في الأردن اليوم، حالة أردنية محضة منفصلة عما يجري في الجوار اللصيق أو الإقليم عامة من إعادة ترتيب المنطقة بعد هزيمة المشروع الغربي الذي استهدفها بشكل عام واستهدف محور المقاومة بشكل خاص، وتلك الاستهدافات التي كانت من أجل تصفية القضية الفلسطينية التي أطلق ترامب في الأشهر الأولى لتسلمه مقاليد الحكم في بلاده، وأطلق الإشارات القاطعة بأنّ هناك صفقة تتمّ مع عرب تابعين لأميركا تتضمّن عناصر هذه التصفية.
وحتى لا نغرق كثيراً في الخيال أو التصوّر حول ما يمكن أن تتضمّنه صفقة القرن هذه، فإننا نعود الى المواقف المعلنة من قبل أصحاب الصفقة أنفسهم، وهم كما بات واضحاً ثلاثة: ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان الذين يشكّلون اليوم حلفاً استراتيجياً عميقاً ينفّذ مهمة واضحة هي تصفية القضية الفلسطينية والتفرّغ لمواجهة إيران بشكل لا يكتفي فقط بإخراجها من الإقليم وإلزامها بالتراجع الى خلف حدودها، بل وأيضاً إلى تغيير نظامها عبر الإطاحة بالنظام الإسلامي الاستقلالي القائم فيها وإقامة نظام تابع للغرب على منوال محميات الخليج التي تشكل السعودية نموذجها.
وتتضمّن صفقة القرن الأميركية الإسرائيلية السعودية، ووفقاً لما بات ظاهراً خمسة عناصر رئيسية: أولها أنّ أرض فلسطين ما بين النهر والبحر لا تتسع إلا لدولة واحدة هي «إسرائيل»، وثانيها أنّ القدس الموحّدة عاصمة لـ»إسرائيل»، وثالثها يشمل إسقاط حق العودة كلياً وتوطين الفلسطينيين حيث هم مع تعويضات تدفع لهم ولدول التوطين، ورابعها تأكيد «حق إسرائيل» بالاستيطان في الضفة الغربية وتشريع كامل المستوطنات القائمة فيها. وأخيراً إقامة الدولة الفلسطينية من قطاع غزة وأرض تضاف إليها لصيقة أو بعيدة من أجل استيعاب قسم من اللاجئين الفلسطينيين في الخارج وقسم آخر من فلسطينيي الداخل الذين ترغب «إسرائيل» بترحيلهم للحدّ من نموّهم على أراضٍ احتلتها في العام 1948.
وبالتالي فإنّ هذه الأرض المضافة التي قد تكون في سيناء كما تردّد، أو في الأردن كما يحضر ستشكل الحلّ البديل لانسحاب «إسرائيل» من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، حيث لن يكون لفلسطينيّي الضفة بمقتضى صفقة القرن تلك أكثر من مجالس بلدية متناثرة مفكّكة لا تجمعها أيّ صيغة أو نظام يشعر بأنها كيان سياسي موحّد. وبمعنى آخر فإنّ فلسطين التاريخية بكليتها ستكون بمقتضى صفقة القرن تحت السيادة الإسرائيلية ولا يستثنى منها إلا قطاع غزة الذي سيشكل نواة دويلة فلسطين المنزوعة السلاح.
بيد أنّ هذه التصفية الإجرامية ورغم الانخراط السعودي فيها والضغوط التي تُمارس على المعنيين بالقضية الفلسطينية تبقى متعثرة إن لم توجد الأرض المضافة من خارج فلسطين، وإن لم يُبعد تهديد محور المقاومة عنها وإن لم يستحصل على موافقة فلسطينية بشكل و/ أو بآخر ـ فهذه العناصر الثلاثة أيّ الأرض البديلة والموافقة الفلسطينية ومنع التهديد المقاوم هي شروط جوهرية لا بدّ منها لتمرير صفقة القرن التصفوية.
وفي التطبيق يبدو أنّ تخصيص جزء من سيناء ليكون الأرض البديلة أمر دونه صعوبات لا يظهر حلّها ممكناً في المدى المنظور ما يتطلّب البحث عن حلّ آخر. أما الموافقة الفلسطينية، فرغم كلّ ما يُشاع عن موافقة هذه الجهة أو تلك على الصفقة، فإنّ السياق العام للمواقف الفلسطينية يشي بأنّ الرفض الفلسطيني لها قائم وبشدة، أما عن محور المقاومة فإنّ وجود مكوّناته في الجنوب السوري بشكل أو بآخر لا يُوحي بالطمأنينة للجهة القائمة بمشروع التصفية، لكن المخطط يعتقد أنّ النجاح في توفير الأرض البديلة سيمكن من معالجة العقبتين الأخريين.
وعلى هذا الأساس تبدو مسألة الأردن محورية في تنفيذ الصفقة، لكونها تشكّل الأساس الذي يمكن أن يُبنى عليه، ففيه الأرض البديلة التي تشكّل الحلّ البديل. وهنا الخطر الوجودي الذي يهدّد الأردن كدولة أقيمت بقرار بريطاني منذ قرن من الزمن. فهل هذا القرار سيبقى نافذاً أم أنّ القرار الأميركي بالمراجعة سيتقدّم عليه ونجد تنفيذاً لما تروّج له مراكز الدراسات الصهيونية أو التي تدور في فلكها، بأنّ فلسطين هي الأردن؟
إنّ اضطرابات الأردن اليوم والتي تأتي متزامنة مع السير الحثيث لتنفيذ صفقة القرن لا يمكن إلا أن تثير قلق الأردنيين الحريصين على مصلحة بلدهم. ولأنه ليس في السياسة صداقات دائمة أو عداوات دائمة، فإنّ مصلحة الأردن خاصة بعد كلّ ما ظهر من قرائن ودلالات توحي بأنّ تصفية القضية الفلسطينية قد تكون على حساب الأردن ما يفرض على الأردن إعادة التموضع في المكان الصحيح إقليمياً ودولياً من أجل أن يدافع عن وجوده خاصة بعد أن شحّ المال الخليجي الذي كان يدفع له، لا نستبعد أن يكون لهذا الشحّ علاقة بالاضطرابات التي اندلعت بسبب الضرائب والرسوم التي فرضت أصلاً بسبب النقص في الموارد ، وبعد أن تمّ تجريده عملياً من الوصاية أو الرعاية للأماكن المقدّسة في القدس وخاصة الأقصى.
وعليه نرى أنّ إعادة التموضع الأردني استراتيجياً وسياسياً باتت ضرورة أردنية وطنية وجودية، لأنّ استمرار الأردن حيث هو الآن في معسكر يريد به الشرّ إنما هو بمثابة الانتحار الأكيد. فالخطر الجدي الذي يتهدّد الأردن يفرض عليه وبكلّ وضوح الانتقال الى مواقع دفاعية لا يؤمّنها له إلا الاقتراب من محور المقاومة، ولا نقول الانضمام إلى محور المقاومة، لأننا نتحدّث عن الممكن ولا نطلق العنان للخيال. وهذا الاقتراب يمكن أن يحصل عبر قيام الأردن بخطوات جريئة منها:
1 ـ الرفض الصريح والعلني لصفقة القرن ورفض تهويد القدس والتمسّك بالمسجد الأقصى وعلاقته به.
2 ـ التوقف الفعلي عن المشاركة أو تقديم المساعدة المباشرة أو غير المباشرة لمعسكر العدوان على سورية، وإغلاق غرفة عمليات الموك كلياً وإخراج الضباط الأجانب الذين يديرونها عرباً كانوا أم غربيين أم صهاينة ومنع أيّ نوع من أنواع العمل العسكري ضدّ سورية انطلاقاً من أراضيه، ومنع أيّ دعم للمجموعات الإرهابية العاملة في جنوب سورية.
3 ـ التنسيق الشامل مع سورية من أجل إعادة النازحين وإقفال مخيمات اللجوء بدءاً من مخيم الزعتري، ثم فتح معبر نصيب الحدودي معها. وهو يدرّ على الأردن ما قد يصل الى المليار دولار سنوياً أيّ ثلاثة أضعاف مردود الضرائب التي كانت سبب الاضطرابات.
4 ـ التوجّه نحو المثلث الإقليمي إيران تركيا العراق والانفتاح على روسيا والصين من أجل توفير مظلة دعم سياسي وتأمين البدائل للمال الخليجي المتوقف.
إنّ معالجة الاضطرابات الأردنية الحالية لا يمكن أن تكون أمنية فقط أو عبر استقالة الحكومة فقط. إنّ المعالجة الحقيقية لا يمكن أن تكون إلا من باب الخيارات الاستراتيجية الجدية وهي باتت أمراً ضرورياً حتمياً قد يكون الاستنكاف عنه مكلفاً وجودياً. فالأردن كما بات ظاهراً الآن وفي غياب انتظامه مع حلفاء صادقين بات يشكل الحلقة الأضعف إقليمياً. وهنا تكمن الخطورة.
:::::
"البناء"، بيروت