هل اختيار النظام .. وحلفائه من العصابات الروسية .. والإيرانية .. والشيعية .. لترحيل سكان المناطق المستسلمة مع مقاتليها إلى إدلب .. كان عن عبث .. وحب فيهم .. ولحفظ حياتهم ؟!
لا يمكن لعدو أيا كان .. أن يكون رحيما .. عطوفا .. شفوقا .. مع أعدائه إطلاقا .. وإلا لما كانوا أعداءً .. هذه سنة كونية ثابتة على مر السنين .
إذن كان الهدف من تجميع الأحرار .. والثوار .. والمقاتلين .. والرافضين للنظام النصيري في إدلب ..
هو القضاء عليهم جميعا دفعة واحدة .. وبأقل جهد .. وبمعركة قصيرة حاسمة ..
أو على الأقل اخضاعهم بالقوة .. للنظام الجبروتي .. الجبري .. وإعادة إدلب إلى النفوذ النصيري ...
الآن ومنذ شهر تقريبا .. تنتشر في وسائل الإعلام المختلفة .. المتعددة .. تصريحات .. وبيانات متضاربة ومتعارضة .. ومتناقضة ..
فالنظام وحلفاؤه يصرحون بين الفينة والأخرى .. أنهم سيشنون حربا شاملة على إدلب .. لا تبقي منها .. ولا تذر ..
ولا تتوانى روسيا القيصرية المحتلة .. تنشر تهديداتها .. ووعيدها للضامن الثالث المتحالف أصلا معها .. تنذره بالخروج من إدلب .. وإعادتها إلى سلطة النظام الأسدي ..
وفي المقابل .. تخرج تصريحات من طرف الضامن الثالث .. تُطمئن الناس .. أنهم لن يسمحوا بحدوث أية مجازر في إدلب .. وسيبقون على أرضها يدافعون عنها ...
ومن المقاتلين .. والثوار تخرج أيضا تصريحات عنترية – كما كانت تخرج سابقا من مقاتلي المناطق المستسلمة جميعا – تؤكد أنهم جاهزون للدفاع عن إدلب بأسنانهم .. وأن لديهم وسائل الصمود .. ومقوماته.. التي لم تكن متوفرة في تلك المناطق .. التي سقطت .. واستسلمت ..
وأنهم لن يسمحوا لأي جندي من الأعداء .. أن يطأ بقدمه أرض إدلب .. وسيحيلونه جثة هامدة ..
أمام هذا المشهد الساخر.. المضحك .. المبكي ..
ماهو التحليل الصحيح.. أو الأقرب إلى الصحة.. والمنطق.. والعقل؟!
أولا: يجب أن ندرك.. ونتفهم.. أن هذه التصريحات المتناقضة..
ما هي إلا حرب نفسية.. إعلامية.. تريد تحطيم نفوس الأحرار.. وكسر إرادتهم .. وتفتيت شوكتهم.. وإدخال الوهن إلى نفوسهم .. والضعف إلى قلوبهم.. وتمزيقهم شر ممزق.. وإحداث بلبلة في أذهان الناس.. وتشتت في عقولهم .. وتفكيرهم .. وإحداث حالة من اليأس .. والقنوط .. والإحباط .. وتأليب بعضهم على بعض.. وزرع العداوة.. والبغضاء.. بينهم.. وإثارة الفتنة في صفوفهم...
ثانيا: هناك احتمال.. أن تكون تصريحات الأعداء بمهاجمة إدلب.. هي فقط نظرية.. يُراد منها أن يعيش الناس في حَزَنٍ.. وخوف.. وهلع.. ورعب..
وإن كان هذا الإحتمال ضعيفا.. ولكن يقصدون منها التوطئة.. والتمهيد.. لإضعاف الناس.. والمقاتلين.. وبالتالي سهولة السيطرة على المنطقة بأقل الخسائر...
ثالثا: بالنسبة لتصريحات الضامن الثالث المطمئنة للناس.. والمتعهدة بعدم السماح باجتياح النظام.. وحلفائه للمنطقة.. فقد عودتنا التجارب معه.. منذ بداية الثورة قبل سبع سنوات ونصف.. أنها مجرد تصريحات بهلوانية.. خالية من أي مصداقية..
فقد صدرت منه عقب الثورة مباشرة.. أنه لن يسمح بتكرار مجزرة حماة 1982 وكرر هذه التصريحات مرات عديدة.. وحدثت آلاف المجازر.. أشد من مجزرة حماة.. بمئات المرات.. ولم يرف له جفن.. ولم تهتز له شعرة في جسده.. بل لم يستطع أن يستنكر.. مجزرة الغوطة الكيميائية الأخيرة.. ولم يعاتب الضامن الروسي مجرد عتاب.. على جرائمه المتكرة.. حتى المجازر التي ارتكبها منذ أيام على إدلب التي هي حسب الإتفاق الأستاني خاضعة له..
ومع ذلك لم يستنكر.. ولم يندد..
علما بأن هذه الإعتداءات.. تُعتبر إعتداءً على سيادته.. وإهانة لكرامته.. لأنه هو المسيطر عليها.. حسب اتفاق أستانة!!!
فالمفروض دبلوماسيا.. وسياسيا.. وأخلاقيا.. ودوليا.. أن يحترم الضامنان الروسي.. والإيراني.. شريكهما الثالث!!!
رابعا: بالنسبة للفصائل المقاتلة.. فإن وضعها العام.. وضع مأساوي.. كارثي.. بكل ما تحمل الكلمة من معنى..
فهي متخبطة مع بعضها.. تفتقد أدنى قدر من المبادرة.. أو العمل السريع.. أو الرد على خروقات.. وهجمات الأعداء..
بالرغم من أن كل النشطاء.. والإعلاميين.. والمفكرين.. والمشايخ.. يدعونها باستمرار.. ومنذ فترات طويلة بالقيام بمهاجمة الأعداء.. وغزوهم في أرضهم.. قبل أن يُهاجموا.. ويُغزوا..
وأن يقوموا بحرب عصابات.. لتشل قوى الأعداء.. وتستأصل شأفتهم.. قبل أن يهاجموا المنطقة..
لأن القاعدة العسكرية البدهية تقول: الهجوم خير وسيلة للدفاع.. والقاعدة العربية المسلمة القديمة تقول: ما غُزي قوم في عقر دارهم.. إلا ذلوا.. واستكانوا.. وسقطوا..
ولكن للأسف..
أخلد جنود الفصائل إلى القعود.. والخمول.. واستمرؤوا الراحة والخنوع.. ولا يزالون متفرقين.. مختلفين.. إلى أن يأتي الأعداء.. فيقضوا عليهم جميعا.. ويذيقونهم الذل.. والهوان.. والتهجير.. والنزوح إلى البراري.. والبوادي..
حيث أن الضامن الثالث.. قد بنى سدا عاليا.. شاهقا.. على الحدود.. لن يسمح بعد اليوم.. بدخول أراضيه أي نازح البتة..
من خلال استعراض هذا المشهد بأحداثه.. وآلامه.. ومآسيه..
نستطيع أن نقول:
أن العدو على الأغلب مصمم.. ومصر.. على مهاجمة إدلب.. إن عاجلا.. أو آجلا.. واستعادة السيطرة عليها.. والتنكيل بأهلها.. كما فعل بالمناطق السابقة.. والتي لم تصمد أمامه.. إلا أياما قليلة.. أو أسابيع قليلة..
قد يحتج البعض ويقول:
أن هذه صورة سوداوية.. مفجعة.. مرعبة.. تُدخل إلى النفوس اليأس والقنوط..
الحقيقة أن هذا هو الواقع المر.. الأليم..
أصوره كما هو.. دون رتوش.. ولا تزيين..
وأضعه أمام من بيده الحل.. والربط من الفصائل المقاتلة.. وسواها من المسؤولين عن إدارة المنطقة..
وبيدهم القدرة على تغيير هذه الصورة السوداوية.. وتحويلها إلى صورة زاهية.. مفرحة بالعمل الجاد على:
1- توحيد صفوف الفصائل.. وصهرها في بوتقة واحدة عسكريا.. قتاليا.. وليس فكريا.. أو عقائديا.. او حتى سياسيا..
2- البدء مباشرة بمهاجمة مناطق العدو.. وإثخانه بالجراح الأليمة.. والتنكيل بجنوده.. ومؤيديه عن طريق حرب عصابات.. أو سواها..
3- بث روح الإيمان.. والتفاني في طلب الشهادة.. والإعتقاد الجازم.. بأنهم على الحق.. وعدوهم على الباطل.. واليقين بقول الله تعالى: ( قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ) البقرة 249..
فقد انتصرت فئة قليلة.. عددها 313 رجل في جيش طالوت ضد 100 ألف في جيش جالوت.. وتكرر النصر مرة أخرى في غزوة بدر.. مع جيش الرسول صلى الله عليه وسلم..
وحوادث التاريخ.. مملوءة بمثل هذه الإنتصارات.. حينما يتوفر عنصر الإيمان.. واليقين بأنهم ملاقوا الله..
4- عدم الإلتفات إلى تحذيرات الضامن الثالث.. التي قد تمنع الفصائل.. من البدء بشن المعركة.. ابتداء بذريعة.. أنه هو القادر على مجابهة العدو.. ومنعه من الهجوم.. وعدم طاعته في ذلك.. لأنه لا يُؤمن جانبه.. فقد سبق أن منع المقاتلين من مواصلة القتال في حلب.. وسلمها من وراء ظهورهم إلى العدو..
هذه العناصر الأربعة كافية لتغيير سير المعركة.. نحو النصر بإذن الله تعالى..
وإلا..
فسقوط إدلب محتم يقينا.. لا ريب في ذلك...
الخميس 5 ذو الحجة 1439
16 آب 2018
د. موفق السباعي
مفكر ومحلل سياسي