في رحاب الهجرة
الهجرة حدث متجدد في حياة المسلمين، ومن عبقرية الفاروق رضي الله عنه وارضاه ان جعل بداية التاريخ الاسلامي للمسلمين مبدأه من حدث الهجرة المنتهي ليواصل معانيه اللا منتهية، فتتجدد الذكرى وتتجدد المعاني وتبقى الهجرة وان كانت حدثا تاريخيا منتهيا كما المح النبي الى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:- (لا هجرة بعد الفتح..) فهذا الجانب قد انتهى بالفتح حيث كانت الهجرة واجبة على كل مسلم قادر فنسخ الفتح وجوب الهجرة الحسية من المكان ليعطيها حكما اخر يتجدد عبر الزمان وفي كل مكان فيقول صلى الله عليه وسلم مكملا حديثه (.. ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا)متفق عليه وبهذا المعنى المتجدد فإنه لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والهجرة لغة من الهجر وهو الترك والانقطاع والصرم والهجرة الانتقال من المكان الى غيره والتحول عنه ،وفي لسان العرب يقول ابن منظور رحمه الله :- “الهجر: ضد الوصل. هجره يهجره هجرًا وهِجرانًا: صرمه. وهما يتهاجران ويهتجران ، والاسم الهجرة، وفي الحديث: “لا هجرة بعد ثلاث”؛ يريد به الهجر ضد الوصل، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتَب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مر الأوقات ما لم تظهر التوبة منهم، ويرجعوا إلى الحق؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاف على كعب بن مالك وأصحابه النفاق حين تخلَّفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يومًا، وقد هجر صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا، وهجرت عائشة رضي الله عنها ابن الزبير مدة، وهجر جماعة من الصحابة جماعةً منهم وماتوا متهاجرين.. قال ابن الأثير: ولعل أحد الأمرين منسوخ بالآخر، ومن ذلك ما جاء في الحديث: “ومن الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرًا” يريد هجران القلب وترك الإخلاص في الذكر، فكأن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له، ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: “ولا يسمعون القرآن إلا هجرًا” يريد الترك له والإعراض عنه، وهجر فلان الشرك هجرًا وهجرانًا، وهجرة حسنة والهِجرة والهُجرة: الخروج من أرض إلى أرض، والمهاجرون الذين ذهبوا مع النبي صلى الله عليه وسلم مشتق منه".
ان من يتأمل كلام ابن منظور عند تناوله لمادة “هجر” يلاحظ التركيز الشديد والاهتمام الكبير للمعنى الأصلي للكلمة وهي الهجر بمعنى الترك والقطع الذي هو ضد الوصل، وهو بهذا التناول يؤكد أن المعنى الأصلي للهجرة هو المقاطعة والمصارمة والمخاصمة، وهو ما أشار إليه بقوله: “فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق”، وهذا ما نفهمه من قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: “لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة”.
فالهجرة بهذا المعنى إيمان قلبي يجده المرء في نفسه عندما يرى الباطل والزور فينكره ويهجره مغاضبًا مخاصمًا غير لله سبحانه حتى يعلم توبة صاحب الباطل أو الزور فيعود ليواصله حبًّا في الله ورغبة في تحصيل ثواب المهاجر في سبيل الله الذي أعده الله للمؤمنين الصادقين المجاهدين من عباده بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)﴾ (التوبة).
لم تكن الهجرة من مكة الى المدينة حدثا عاديا في تاريخ العالم..فالعالم كله شهد هجرات قبلها وبعدها ولم يكن لها هذا الوزن وهذه القيمة التي جعلت منها مناسبة احتفالية متجددة في الحياة ، بل وسبقها هجرتين من قبل المسلمين انفسهم من قبل الى الحبشة ، وكانت هجرتي الحبشة لاسباب طلب الامن والسلامة والحماية والخلاص من العذاب والتعذيب والمطارة والملاحقة لحملة الدعوة ومعتنقي الدين الجديد في مكة المكرمة.
اما الهجرة الى المدينة فكانت بمثابة نصر وولادة امة كانت خير امة اخرجت للناس،
لقد غيَّرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طيَّاتها معاني التضحية والصحبة ، والصبر والنصر، والتوكُّل والإخاء، وجعلها الله طريقًا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته وانشاء امته؛ بل ان القران الكريم سجلها نصرا من الله حيث قال الله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]. ونسال الله تعالى عزته ونصره ونصرته وان يلهم امتنا هجر الباطل ونظمه ويعيدنا للحق ونصرته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهجرة حدث متجدد في حياة المسلمين، ومن عبقرية الفاروق رضي الله عنه وارضاه ان جعل بداية التاريخ الاسلامي للمسلمين مبدأه من حدث الهجرة المنتهي ليواصل معانيه اللا منتهية، فتتجدد الذكرى وتتجدد المعاني وتبقى الهجرة وان كانت حدثا تاريخيا منتهيا كما المح النبي الى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:- (لا هجرة بعد الفتح..) فهذا الجانب قد انتهى بالفتح حيث كانت الهجرة واجبة على كل مسلم قادر فنسخ الفتح وجوب الهجرة الحسية من المكان ليعطيها حكما اخر يتجدد عبر الزمان وفي كل مكان فيقول صلى الله عليه وسلم مكملا حديثه (.. ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا)متفق عليه وبهذا المعنى المتجدد فإنه لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والهجرة لغة من الهجر وهو الترك والانقطاع والصرم والهجرة الانتقال من المكان الى غيره والتحول عنه ،وفي لسان العرب يقول ابن منظور رحمه الله :- “الهجر: ضد الوصل. هجره يهجره هجرًا وهِجرانًا: صرمه. وهما يتهاجران ويهتجران ، والاسم الهجرة، وفي الحديث: “لا هجرة بعد ثلاث”؛ يريد به الهجر ضد الوصل، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتَب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مر الأوقات ما لم تظهر التوبة منهم، ويرجعوا إلى الحق؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاف على كعب بن مالك وأصحابه النفاق حين تخلَّفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يومًا، وقد هجر صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا، وهجرت عائشة رضي الله عنها ابن الزبير مدة، وهجر جماعة من الصحابة جماعةً منهم وماتوا متهاجرين.. قال ابن الأثير: ولعل أحد الأمرين منسوخ بالآخر، ومن ذلك ما جاء في الحديث: “ومن الناس من لا يذكر الله إلا مهاجرًا” يريد هجران القلب وترك الإخلاص في الذكر، فكأن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له، ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: “ولا يسمعون القرآن إلا هجرًا” يريد الترك له والإعراض عنه، وهجر فلان الشرك هجرًا وهجرانًا، وهجرة حسنة والهِجرة والهُجرة: الخروج من أرض إلى أرض، والمهاجرون الذين ذهبوا مع النبي صلى الله عليه وسلم مشتق منه".
ان من يتأمل كلام ابن منظور عند تناوله لمادة “هجر” يلاحظ التركيز الشديد والاهتمام الكبير للمعنى الأصلي للكلمة وهي الهجر بمعنى الترك والقطع الذي هو ضد الوصل، وهو بهذا التناول يؤكد أن المعنى الأصلي للهجرة هو المقاطعة والمصارمة والمخاصمة، وهو ما أشار إليه بقوله: “فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق”، وهذا ما نفهمه من قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: “لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة”.
فالهجرة بهذا المعنى إيمان قلبي يجده المرء في نفسه عندما يرى الباطل والزور فينكره ويهجره مغاضبًا مخاصمًا غير لله سبحانه حتى يعلم توبة صاحب الباطل أو الزور فيعود ليواصله حبًّا في الله ورغبة في تحصيل ثواب المهاجر في سبيل الله الذي أعده الله للمؤمنين الصادقين المجاهدين من عباده بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)﴾ (التوبة).
لم تكن الهجرة من مكة الى المدينة حدثا عاديا في تاريخ العالم..فالعالم كله شهد هجرات قبلها وبعدها ولم يكن لها هذا الوزن وهذه القيمة التي جعلت منها مناسبة احتفالية متجددة في الحياة ، بل وسبقها هجرتين من قبل المسلمين انفسهم من قبل الى الحبشة ، وكانت هجرتي الحبشة لاسباب طلب الامن والسلامة والحماية والخلاص من العذاب والتعذيب والمطارة والملاحقة لحملة الدعوة ومعتنقي الدين الجديد في مكة المكرمة.
اما الهجرة الى المدينة فكانت بمثابة نصر وولادة امة كانت خير امة اخرجت للناس،
لقد غيَّرت الهجرة النبوية مجرى التاريخ، وحملت في طيَّاتها معاني التضحية والصحبة ، والصبر والنصر، والتوكُّل والإخاء، وجعلها الله طريقًا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته وانشاء امته؛ بل ان القران الكريم سجلها نصرا من الله حيث قال الله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]. ونسال الله تعالى عزته ونصره ونصرته وان يلهم امتنا هجر الباطل ونظمه ويعيدنا للحق ونصرته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.