المعرفة والعلم
المترادفات في اللغة تدل على سعة عقل اهل اللغة وهي ميزة تمتاز بها لغتنا العربية -لغة الاسلام والقران- حيث من شانها ان تعطي افقا لصاحب العقل والتفكير ان يرسم صورا ذهنية دقيقة ينقلها المفكر نطقا الى الاخرين، فلذلك قيل ان العربية تزيد في العقل، وذلك لما توفره من مادة دقيقة للتعبير،ولما تحتويه من اساليب للتصوير ونقل الصور الذهنية للاخر بادق درجات الوضوح والبيان، واجمل صور الايجاز والبلاغة في براعة الاداء، حيث ان اللغة ماعون التفكير، والترادف في اللغة العربية ليس تكرارا لنفس المعنى بل هو اتحاد في الموضوع واختلاف يراعي احواله لحظة التعبير ونقل الصورة للواقع، فالاسد اسم نوع لهذا المخلوق ولكنه قسورة اذا هاجم طريدته جائعا وليث اذا هاجم من يعترضه او ينفره مستفزا وهزبر اذا تصاعد زئيره متحفزا ،
والسف مهندٌ او يمانيٌ من جهة صناعته وطريقة تركيب مادته فالصناعات معلوم انها ميزات واسرار وحتى لو لم يصنع في الهند او اليمن، وهكذا نجد ان الترادف وهو تعدد المسميات لذات المعنى المقصود التعبير عنه له دلائله في كل مرة من مرات الاستخدام والتعبير...وهذا مما جعل اللغة العربية المختارة من بين اللغات لتكون لغة خاتم النبوات والرسالة العالمية التي ارتضاها الحق جل وعلا للبشرية دينا ولن يقبل لها او منها غيره.
وبالعودة الى العنوان اعلاه فالمتتبع للمعاجم يجد بين معنى اللفظين العلم والمعرفة تداخلا وتباينا في ان واحد وبينهما عموم وخصوص على ما سنبينه ان شاء الله تعالى:-
فالمعرفة ضدها وعكسها النكرة
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: المعرفة والعرفان من العلم بالشيء، يدلُّ على سكون إليه؛ لأنَّ من أنكر شيئًا توحَّش منه ونبا عنه.
والمعرفة من العرف وهو ضد النكران والمعروف ضد المنكر ومنه جاءت كلمة التعريف وهو التحديد والتقييد للشيء ومنع غيره مما ليس منه من الدخول فيه
ومن معاني المعرفة المجازاة كما قال الزمخشري رحمه الله فتقول عرف لك هذه اي ساجازيك بها واحملها لك جميلا.. وعليه فالمعرفة ضد النكران والجحود...
واما العلم فنقيضه وضده الجهل، والعلم المعرفة بالعلامات والدلائل لافادة القطع واليقين،فلذلك رادفت كلمة العلم عند العلماء كلمة الايمان والاعتقاد الذي يعني التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل في المعنى الاصطلاحي المعتمد لديهم.
قال الزمخشري في اساس البلاغة:- وفي مادة عرف حروف "رفع"، ومن ثم كان هذا المعنى مناسبًا؛ حيث وردت كلمة "المعرفة"؛ لتدل على ما هو: "عالٍ، مكرم، وطيب "؛ إذ يقال للقوم إذا تلثَّموا: غطوا معارفهم، وتقول: بنو فلان غرُّ المعارف، وتقول: ما أطيبَ عَرْفَه! وهو الأنف وما والاه، وتطلق "معرفة" على أعراف الخيل؛ أي: على الشعر الذي يعلو رقاب الخيل، وقلة عرفاء: مرتفعة، واعْرَوْرَف البحر: ارتفعت أمواجه .اه.
فالمعرفة حاصلة بعد عدم، وذاك العدم هو إمَّا لجهل أصليٍّ بالشيء، أو لنسيان بعد معرفة، فكان عدمًا بين معرفتين، فكأنَّ الشيء كان مختفيًا عن الذِّهن؛ ثم تجلى أمامه بارتفاعه وعلوه عن غيره من المدركات في تلك اللحظة، فصار مُمَيزًا وبينًا وواضحًا في الذِّهن بعد خفائه عنه لجهل أو لنسيان، فهو علا في صفحة الذِّهن بعد تستره وخفائه؛ إذ المعرفة عِلمٌ بعَيْن الشيء مُفَصَّلاً عما سواه؛ أي: يعلو في الإدراك، ويُميز عما يكتنفه من مُتشابهات، فيتميز المعلوم من غيره، وسر المسألة: أنَّ المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه، فالمعرفة تمييز.
والمعرفة فعلها يقع على مفعول واحد، فتقول: عرفت الدار، وعرفت زيدًا؛ قال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: 58].
أمَّا فعل العلم، فيقتضي مفعولين؛ كقوله - تعالى -: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10].
و ورد كلاَ اللفظين في القرآن الكريم، فلفظ المعرفة كقوله - تعالى -: {مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 83]، وفي {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]، وأمَّا لفظ "العلم"، فهو أوسع إطلاقًا، كقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، وفي قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]، وقوله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وغيرها كثير.
نلاحظ قربًا بين معنى العلم ومعنى المعرفة، ذلك أنَّ كلاًّ منهما يُعَدُّ علامة أو دلالة على شيء، وإن كانت المعرفة تدُلُّ على ما ارتفع من الشيء، والمعرفة بمعنى المجازاة إنَّما تتضمن العلم بحال المجازى وقدره، وفي المعرفة علم بسبب المجازاة، وفيها علم وعمل، وفيها ارتفاع لقدر المعروف على العارف، ومن ثم كانت معرفة الله - تعالى -: العلم اليقيني به، وعمل ما يتناسب مع قدره – سبحانه - والمعرفة تشمل في معانيها الاعتراف والإقرار، وهما علم وأدلة.
وجاء فى تفسير قوله تعالى ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أى وما عرفوا الله حق معرفته، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن دعامة البيت أساسه ودعامة الدين المعرفة بالله تعالى واليقين والعقل القامع، فقلت: بأبى أنت وأمى ما العقل القامع؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الكف عن معاصى الله والحرص على طاعة الله عز وجل).
فلذلك يقال عرفت الله ولا يقال علمت الله لان العلم احاطة بالشيء والمعرفة اخص من العلم في هذا الشان وكل علم يحتاج الى معرفة والمعرفة قد تكون بالتجربة او بادراك الغريزة والعلم لا بد فيه من تثبت ويقين ودليل، لذلك وعليه يصح ان تقول علمت انه لا اله الا الله قال سبحانه :- {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وانفع بنا خلقك وعرفنا حدودك وارزقنا لزومها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المترادفات في اللغة تدل على سعة عقل اهل اللغة وهي ميزة تمتاز بها لغتنا العربية -لغة الاسلام والقران- حيث من شانها ان تعطي افقا لصاحب العقل والتفكير ان يرسم صورا ذهنية دقيقة ينقلها المفكر نطقا الى الاخرين، فلذلك قيل ان العربية تزيد في العقل، وذلك لما توفره من مادة دقيقة للتعبير،ولما تحتويه من اساليب للتصوير ونقل الصور الذهنية للاخر بادق درجات الوضوح والبيان، واجمل صور الايجاز والبلاغة في براعة الاداء، حيث ان اللغة ماعون التفكير، والترادف في اللغة العربية ليس تكرارا لنفس المعنى بل هو اتحاد في الموضوع واختلاف يراعي احواله لحظة التعبير ونقل الصورة للواقع، فالاسد اسم نوع لهذا المخلوق ولكنه قسورة اذا هاجم طريدته جائعا وليث اذا هاجم من يعترضه او ينفره مستفزا وهزبر اذا تصاعد زئيره متحفزا ،
والسف مهندٌ او يمانيٌ من جهة صناعته وطريقة تركيب مادته فالصناعات معلوم انها ميزات واسرار وحتى لو لم يصنع في الهند او اليمن، وهكذا نجد ان الترادف وهو تعدد المسميات لذات المعنى المقصود التعبير عنه له دلائله في كل مرة من مرات الاستخدام والتعبير...وهذا مما جعل اللغة العربية المختارة من بين اللغات لتكون لغة خاتم النبوات والرسالة العالمية التي ارتضاها الحق جل وعلا للبشرية دينا ولن يقبل لها او منها غيره.
وبالعودة الى العنوان اعلاه فالمتتبع للمعاجم يجد بين معنى اللفظين العلم والمعرفة تداخلا وتباينا في ان واحد وبينهما عموم وخصوص على ما سنبينه ان شاء الله تعالى:-
فالمعرفة ضدها وعكسها النكرة
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: المعرفة والعرفان من العلم بالشيء، يدلُّ على سكون إليه؛ لأنَّ من أنكر شيئًا توحَّش منه ونبا عنه.
والمعرفة من العرف وهو ضد النكران والمعروف ضد المنكر ومنه جاءت كلمة التعريف وهو التحديد والتقييد للشيء ومنع غيره مما ليس منه من الدخول فيه
ومن معاني المعرفة المجازاة كما قال الزمخشري رحمه الله فتقول عرف لك هذه اي ساجازيك بها واحملها لك جميلا.. وعليه فالمعرفة ضد النكران والجحود...
واما العلم فنقيضه وضده الجهل، والعلم المعرفة بالعلامات والدلائل لافادة القطع واليقين،فلذلك رادفت كلمة العلم عند العلماء كلمة الايمان والاعتقاد الذي يعني التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل في المعنى الاصطلاحي المعتمد لديهم.
قال الزمخشري في اساس البلاغة:- وفي مادة عرف حروف "رفع"، ومن ثم كان هذا المعنى مناسبًا؛ حيث وردت كلمة "المعرفة"؛ لتدل على ما هو: "عالٍ، مكرم، وطيب "؛ إذ يقال للقوم إذا تلثَّموا: غطوا معارفهم، وتقول: بنو فلان غرُّ المعارف، وتقول: ما أطيبَ عَرْفَه! وهو الأنف وما والاه، وتطلق "معرفة" على أعراف الخيل؛ أي: على الشعر الذي يعلو رقاب الخيل، وقلة عرفاء: مرتفعة، واعْرَوْرَف البحر: ارتفعت أمواجه .اه.
فالمعرفة حاصلة بعد عدم، وذاك العدم هو إمَّا لجهل أصليٍّ بالشيء، أو لنسيان بعد معرفة، فكان عدمًا بين معرفتين، فكأنَّ الشيء كان مختفيًا عن الذِّهن؛ ثم تجلى أمامه بارتفاعه وعلوه عن غيره من المدركات في تلك اللحظة، فصار مُمَيزًا وبينًا وواضحًا في الذِّهن بعد خفائه عنه لجهل أو لنسيان، فهو علا في صفحة الذِّهن بعد تستره وخفائه؛ إذ المعرفة عِلمٌ بعَيْن الشيء مُفَصَّلاً عما سواه؛ أي: يعلو في الإدراك، ويُميز عما يكتنفه من مُتشابهات، فيتميز المعلوم من غيره، وسر المسألة: أنَّ المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه، فالمعرفة تمييز.
والمعرفة فعلها يقع على مفعول واحد، فتقول: عرفت الدار، وعرفت زيدًا؛ قال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: 58].
أمَّا فعل العلم، فيقتضي مفعولين؛ كقوله - تعالى -: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10].
و ورد كلاَ اللفظين في القرآن الكريم، فلفظ المعرفة كقوله - تعالى -: {مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 83]، وفي {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]، وأمَّا لفظ "العلم"، فهو أوسع إطلاقًا، كقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، وفي قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]، وقوله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وغيرها كثير.
نلاحظ قربًا بين معنى العلم ومعنى المعرفة، ذلك أنَّ كلاًّ منهما يُعَدُّ علامة أو دلالة على شيء، وإن كانت المعرفة تدُلُّ على ما ارتفع من الشيء، والمعرفة بمعنى المجازاة إنَّما تتضمن العلم بحال المجازى وقدره، وفي المعرفة علم بسبب المجازاة، وفيها علم وعمل، وفيها ارتفاع لقدر المعروف على العارف، ومن ثم كانت معرفة الله - تعالى -: العلم اليقيني به، وعمل ما يتناسب مع قدره – سبحانه - والمعرفة تشمل في معانيها الاعتراف والإقرار، وهما علم وأدلة.
وجاء فى تفسير قوله تعالى ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أى وما عرفوا الله حق معرفته، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن دعامة البيت أساسه ودعامة الدين المعرفة بالله تعالى واليقين والعقل القامع، فقلت: بأبى أنت وأمى ما العقل القامع؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الكف عن معاصى الله والحرص على طاعة الله عز وجل).
فلذلك يقال عرفت الله ولا يقال علمت الله لان العلم احاطة بالشيء والمعرفة اخص من العلم في هذا الشان وكل علم يحتاج الى معرفة والمعرفة قد تكون بالتجربة او بادراك الغريزة والعلم لا بد فيه من تثبت ويقين ودليل، لذلك وعليه يصح ان تقول علمت انه لا اله الا الله قال سبحانه :- {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وانفع بنا خلقك وعرفنا حدودك وارزقنا لزومها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.