بعض ملامح الوضع الإقتصادي العالمي: يُؤشّر خفض مشتريات الإحتياطي الأمريكي والمصرف المركزي الأوروبي من السندات، أو ما يُسَمّى بالتّيْسِير الكمّي (وهو شكل من أشكال دَعْم الشركات المُهَدّدة بالإفلاس، وضخ المال العام - أي من أموال ضرائب الأُجَراء- في خزائنها، بنسبة فائدة ضعيفة جدّا)، وإعلان وقف شرائها تمامًا في أوروبا، في بداية 2019 إلى رفع سعر الفائدة من صفر بالمائة إلى 0,25% على قروض إعادة التّمويل وإلى متوسط 0,40% على الإقراض (المُسَمّى "هامِشِي")، وتنطبق هذه النِّسَب على قروض الشركات الكُبْرى والمصارف، وليس على قُروض الشركات الصغيرة والمواطنين التي لا تقل نسبة فائدتها عن 3%، أي إن مصارف أوروبا وأمريكا تستفيد من المال العام، بدون فائدة، وتُقرِض المواطنين من أموالهم بنسبة فائدة لا تقل عن 3%، مع الإشارة إن صندوق النّقد الدّولي يسمح لحكومات الدول الغنية بهذه العملية (ضخ المال العام لدعم القطاع الخاص) ويشترط على الدول الفقيرة بَيْع القطاع العام للخواص... يُؤَدِّي خفض نسبة الفائدة في أوروبا وأمريكا إلى خُرُوج جزء من الإستثمارات (الأموال) واتجاهها نحو الإقتصادات المُسَمّاة "ناشئة"، مثل دول مجموعة "بريكس" وتركيا وبعض دول شرق وجنوب آسيا والأرجنتين وغيرها، وتَعُود هذه الأموال إلى أوروبا والولايات المتحدة واليابان، حال رفع سعر الفائدة، ولهذا السّبب انسحبت أموال تَفُوق قيمتها مليار دولارا من دُيُون الشركات في هذه الإقتصادات "الناشئة" خلال الأسبوع الأول من أيلول/سبتمبر 2018، كما خرجت أموال من صناديق السندات بأكبر وتيرة في ثلاثة أشهر، وحَقّقت صناديق الديون قصيرة الأجل للشركات الأمريكية تدفقات وافدة بنحو 522 مليون دولار خلال نفس الأسبوع، وبالمقابل انسحبت استثمارات بقيمة 558 مليون دولارا من الديون قصيرة الأجل من صناديق الأسواق الناشئة...
يُذْكَر إن مؤشر الأسهم الأمريكية "ستاندرد آند بورز" تراجع في شهر تشرين الاول/اكتوبر 1997 بنسبة 7% بسبب ما سُمِّي آنذاك "أزمة العُملات الآسيوية"، التي انتشرت فأصبحت عالمية، ثم عجزت روسيا (بعد انهيار الإتحاد السوفييتي بسبع سنوات) سنة 1998 عن سداد الدّيون التي أغرقتها بها الولايات المتحدة، عبر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي خلال حكم السّكّير المَخْمور وعميل "الغرب" بوريس يلتسين، فتأثر الإقتصاد الأمريكي، وانهار صندوق التّحوُّط "لونغ تيرم كابيتال"، وتراجع مؤشر "ستاندارد آند بورز" بنحو 20%، كما اضطرب نفس المُؤَشِّر الأمريكي في آب/أغسطس 2015، عندما خفضت حكومة الصّين عملتها (يُوان) فجأة بنسبة 2% وبدأ الحديث عن تباطؤ اقتصاد الصين، وخلال مثل هذه الأزمات التي ذكرناها، كان الاحتياطي الأمريكي (المصرف المركزي) يعمد إلى عدم رفع سعر الفائدة، أو يُخَفِّضُ نسبتها أحيانًا، ونودّ الإشارة من خلال هذه المقدّمة الطويلة إلى تأثّر الإقتصاد الأمريكي (الذي يقود الرأسمالية العالمية بقوة السلاح وبالدولار) بالأزمات الخارجية، وسيتأثّر حَتْمًا بنتائج الحرب التّجارية وبأزمة السيولة التي تتهدد الإقتصادات "النّاشِئَة"، بعد خُرُوج الإستثمارات (الأموال الساخنة) منها، وبعد رفع سعر الفائدة، وتشْدِيد السياسة النّقْدِيّة، وتقْليص الإحتياطي الإتحادي الأمريكي لحجم الأموال (بالدولار) في النظام المالي، مما أدّى إلى ارتفاع قيمة الدولار، الذي يُشكّل العملة الأولى للاحتياطي النقدي العالمي، والعملة الأولى التي يقيِّمُ بها الدائنون القروض (وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي)، وأكثر عملة يقع تداولها في العالم بنحو 4,4 تريليونات دولارا كل يوم...
تنعكس هذه السياسات النقدية سَلْبًا على الدول التي اعتمد نُمُوّها على الدّيون الخارجية بالدّولار عندما كان سعره منخفِضًا (مثل تركيا والأرجنتين)، وبمجرد رفع سعر الفائدة وارتفاع قيمة الدولار وخروج الإستثمارات منها (إضافة إلى مشاكلها الدّاخلية) تراجعت عُمُلات هذه الدول، خصوصًا في ظل انخفاض صادراتها، وبالتالي انخفاض قيمة الدولارات التي تدخُل إلى مصارفها (انخفاض السيولة النّقدية) والعجز عن تمويل الواردات، ويتوقع تقرير نشره مصرف "أر بي سي كابيتال" إن مثل هذه المخاطر تتهدّد اقتصاد إندونيسيا والهند والبرازيل وماليزيا والفلبين وجنوب إفريقيا، وغيرها، بينما تستفيد عملات الدول التي تعتمد على التصدير وتُحقق فائضاً تجارياً (الصين واليابان وأوروبا)، لكن العولمة وترابط اقتصادات العالم يُؤَدِّيان إلى انتشار الأزمة بسرعة من اقتصادات آسيا وأمريكا الجنوبية إلى الإقتصاد الأمريكي، لأن الشركات الأمريكية لن تتمكن من التصدير، ولأن الطلب على الدولار ينخفض أثناء فترات التباطؤ الإقتصادي، وهو الوجه الآخر للعولمة الرأسمالية... عن صحيفة "فايننشال تايمز" 05/09/18 + وكالة "بلومبرغ" 07/09/18
يُذْكَر إن مؤشر الأسهم الأمريكية "ستاندرد آند بورز" تراجع في شهر تشرين الاول/اكتوبر 1997 بنسبة 7% بسبب ما سُمِّي آنذاك "أزمة العُملات الآسيوية"، التي انتشرت فأصبحت عالمية، ثم عجزت روسيا (بعد انهيار الإتحاد السوفييتي بسبع سنوات) سنة 1998 عن سداد الدّيون التي أغرقتها بها الولايات المتحدة، عبر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي خلال حكم السّكّير المَخْمور وعميل "الغرب" بوريس يلتسين، فتأثر الإقتصاد الأمريكي، وانهار صندوق التّحوُّط "لونغ تيرم كابيتال"، وتراجع مؤشر "ستاندارد آند بورز" بنحو 20%، كما اضطرب نفس المُؤَشِّر الأمريكي في آب/أغسطس 2015، عندما خفضت حكومة الصّين عملتها (يُوان) فجأة بنسبة 2% وبدأ الحديث عن تباطؤ اقتصاد الصين، وخلال مثل هذه الأزمات التي ذكرناها، كان الاحتياطي الأمريكي (المصرف المركزي) يعمد إلى عدم رفع سعر الفائدة، أو يُخَفِّضُ نسبتها أحيانًا، ونودّ الإشارة من خلال هذه المقدّمة الطويلة إلى تأثّر الإقتصاد الأمريكي (الذي يقود الرأسمالية العالمية بقوة السلاح وبالدولار) بالأزمات الخارجية، وسيتأثّر حَتْمًا بنتائج الحرب التّجارية وبأزمة السيولة التي تتهدد الإقتصادات "النّاشِئَة"، بعد خُرُوج الإستثمارات (الأموال الساخنة) منها، وبعد رفع سعر الفائدة، وتشْدِيد السياسة النّقْدِيّة، وتقْليص الإحتياطي الإتحادي الأمريكي لحجم الأموال (بالدولار) في النظام المالي، مما أدّى إلى ارتفاع قيمة الدولار، الذي يُشكّل العملة الأولى للاحتياطي النقدي العالمي، والعملة الأولى التي يقيِّمُ بها الدائنون القروض (وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي)، وأكثر عملة يقع تداولها في العالم بنحو 4,4 تريليونات دولارا كل يوم...
تنعكس هذه السياسات النقدية سَلْبًا على الدول التي اعتمد نُمُوّها على الدّيون الخارجية بالدّولار عندما كان سعره منخفِضًا (مثل تركيا والأرجنتين)، وبمجرد رفع سعر الفائدة وارتفاع قيمة الدولار وخروج الإستثمارات منها (إضافة إلى مشاكلها الدّاخلية) تراجعت عُمُلات هذه الدول، خصوصًا في ظل انخفاض صادراتها، وبالتالي انخفاض قيمة الدولارات التي تدخُل إلى مصارفها (انخفاض السيولة النّقدية) والعجز عن تمويل الواردات، ويتوقع تقرير نشره مصرف "أر بي سي كابيتال" إن مثل هذه المخاطر تتهدّد اقتصاد إندونيسيا والهند والبرازيل وماليزيا والفلبين وجنوب إفريقيا، وغيرها، بينما تستفيد عملات الدول التي تعتمد على التصدير وتُحقق فائضاً تجارياً (الصين واليابان وأوروبا)، لكن العولمة وترابط اقتصادات العالم يُؤَدِّيان إلى انتشار الأزمة بسرعة من اقتصادات آسيا وأمريكا الجنوبية إلى الإقتصاد الأمريكي، لأن الشركات الأمريكية لن تتمكن من التصدير، ولأن الطلب على الدولار ينخفض أثناء فترات التباطؤ الإقتصادي، وهو الوجه الآخر للعولمة الرأسمالية... عن صحيفة "فايننشال تايمز" 05/09/18 + وكالة "بلومبرغ" 07/09/18