لثلاثاء 3 ربيع الثاني 1440 هـ الموافق لـ 11 ديسمبر 2018
مالك بن نبي.. اهتم بفكره ودعك من شخصه – معمر حبار
يسألني الكثير وباستمرار عن الكتب الخاصّة بمالك بن نبي رحمة الله عليه، وأجيب بقدر معرفة مستوى، وقدرات، وطموح صاحب السّؤال. وسبق لصاحب الأسطر أن نشر مقال في ذات الشأن[1]، يدعو من خلاله إلى كيفية قراءة كتب مالك بن نبي والاستفادة منه، عبر ترتيب الكتب، والأولوية لبعض الكتب.
في هذا المقال، سيتم التركيز على نقطتين، ويعتبران بمثابة تكملة للمقال المذكور، من حيث التأكيد على بعض كتب مالك بن نبي، والابتعاد عن بعض كتبه لبعض الأشخاص، سيتم ذكرها، وهي:
أوّلا: كتب الفكر: أبدع مالك بن نبي - في تقديري وحسب قراءاتي - في الكتب التّالية، وهي: "شروط النهضة"، و "وجهة العالم الإسلامي"، و "مشكلة الثقافة"، و "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، و "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة".
هذه الكتب تستحق القراءة، والمتابعة، والنقد، لأنّ مالك بن نبي أبدع من حيث القواعد الثّابتة التي مازال بعضها لحدّ الآن، وكانت له نظرة مستقبلية أكّدتها العقود من بعده، وحذّر من أخطار سبق من خلالها زمنه بكثير، وعرض حلولا ما زالت فاعلة. و كغيره من الكتب والكتّاب، تبقى هذه الكتب تخضع للنقد والردّ، ولا يمسّ ذلك من الإبداع الذي ميّز مالك بن نبي.
ثانيا: كتب الدفاتر، والأشخاص، والصراعات: يمكن تقسيم النقطة الانية إلى قسمين، وهما:
القسم الأوّل: تحدّث مالك بن نبي عن حياته ومذكراته الشخصية في كتبه: "مذكرات الطفل"، و"مذكرات الطالب"، التي كتبت وترجمت في حياته.
لم يكن هناك أيّ مشكل مع مذكراته: "مذكرات الطفل"، و"مذكرات الطالب"، التي أشرف عليها إخواننا المشارقة حفظهم الله ورعاهم، ولهم كلّ الشكر والتقدير. فقد كانت تقرأ دون أن تثير أيّة ضجّة، باعتبارها لم تكن تتميّز عن غيرها من كتب مالك بن نبي، اللّهم إلاّ أنّها مذكرات تتعرّض لفترة زمنية من حياة مالك بن نبي. ويمكن للقارئ أن يقف على طفولة وشباب الكاتب، وكيف أنّ لهذه الفترة أثّرت في تكوين شخصية مالك بن نبي، وكان لها الأثر البالغ في أيامه القادمة، بغضّ النّظر عن نوعية واتّجاه التأثير.
القسم الثّاني: كتاب "العفن"، و "les Carnets de Malek BENNABI " الذي لم يترجم لحدّ الآن، والتي نشرت بعد وفاته بعقود باعتبارها نشرت سنة 2006، وتوفى سنة 1973.
بعد ظهور مذكراته: "العفن"، و"les Carnets de Malek BENNABI "، التي طبعت بعد وفاته بـ 33 سنة، وتعمّد مالك بن نبي أن لا ينشرها في حياته، لأسباب لم يذكرها في كتبه، ولا في مذكراته. وأظنني ذكرت السّبب الذي بدا لي حينها حين تطرقت لـ "العفن" عبر 3 مقالات التي نشرت.
تمّ طبع ونشر "العفن" و " les Carnets de Malek BENNABI" في الجزائر، وعلى أيدي جزائريين، ومترجم "العفن" جزائري، أي لم يكن وجود لإخواننا المشارقة كما كان من قبل حين أشرفوا على نشر وترجمة كتب مالك بن نبي، وعلى رأسهم الأستاذ القدير عمر كامل مسقاوي، أمدّ الله في عمره، ونفع الأمة بعلمه، وصدقه، وإخلاصه، وأمانته.
كانت وما زالت من نتائج ظهور "العفن" و " les Carnets de Malek BENNABI"، الإفراط في التركيز على الصراعات الشخصية بين مالك بن نبي والشخصيات التي ذكرها واصطدم بها، ونسي بالتّالي القرّاء مالك بن نبي المفكّر والمحلّل ، وراحوا يستشهدون بمالك بن نبي الشخص، وصراعاته مع غيره، فضاع في خضم استظهار واستخراج الصراعات الشخصية إبداع مالك بن نبي، وتمّ بالتّالي تشويه صورة مالك بن نبي، وتمّ تصويره على أنّه ملاكم في الحلبة وليس المفكّر.
ما يجب التركيز عليه، أنّ قراءة الكاتب تكون من الناحية الفكرية أوّلا، ثمّ حياته الشخصية التي تساهم في فهم حياته الفكرية. أمّا التركيز على حياته الشّخصية فقط، وصراعاته التي تمّت في ظروف معيّنة، ولأسباب تتعلّق بتلك المرحلة، فإنّ ذلك ممّا يسئ للكاتب، ويحرم القارىء من الاستفادة من فكره وإبداعه.
يمكن للقارئ أن يستغني نهائيا عن قراءة "العفن" و " les Carnets de Malek BENNABI"، فإنّ ذلك لن يؤثّر في نظرته وفهمه لفكر مالك بن نبي. وأنصح المبتدئ أن يبتعد نهائيا عن قراءة الكتابين، بعدما أوصيت في مقالي المذكور أعلاه وفي الهامش، أن يكون "العفن" آخر ما يقرأ، ولم أكن يومها قد اطّلعت على " les Carnets de Malek BENNABI".
المطلوب من قارئ مالك بن نبي، وهو يقرأ وينتقد كتبه ومذكراته الشخصية، أن لا ينصاع وراء الصّراعات التي كانت ضمن ظروف وزمن معيّن، وأن يوظّف حياة مالك بن نبي الشخصية في فهم فكره، وتحويله إلى مشاريع فاعلة تساهم في النهوض بالوطن والأمّة، وحينها يمكن له أن يشرع من الآن في قراءته، ولا خوف عليه، بل الرجاء أن يستفيد ويفيد.
خلاصة، مالك بن نبي رحمة الله عليه، كغيره من المفكرين والكتاب، والفقهاء، والمحدّثين، والمفسّرين، له حياته الشخصية الخاصّة به تأثّرت والتي بأفكاره، وتأثّرت أيضا أفكاره بحياته الشّخصية. وغاية المقال، أن يركّز القارىء على عالم الأفكار أوّلا، ويغوص في نقدها وتحليلها والاستفادة منها، ويستفيد من الحياة الشخصية بالقدر الذي يعزّز عالم الأفكار بتعبير مالك بن نبي، ويزيدها رسوخا، وثباتا. وليس من غاية المنشور منع القارىء من قراءة الحياة الشخصية للمفكرين، والكتّاب، والفقهاء، والمحدّثين، فإنّ ذلك مما تجاوزه الزمن، ويسىء للشخص والفكرة معا.
بقيت الإشارة، أنّ زميلنا الأستاذ الناقد الفلسطيني Mohamed Chawich، سبقني للتطرق لهذا الموضوع وبغضب أشدّ، عبر صفحته القيّمة. وأعترف أنّي كنت أخالفه في بعض التفاصيل، والآن وبعد الإمعان من جديد في القراءة والنقد، أجدني أوافقه في عدم التركيز على الحياة الشخصية للكاتب وبالتحديد لمالك بن نبي، وتهميش جانبه الفكري. وهذه الأسطر بمثابة تأييد، واحترام، وتقدير للأستاذ محمد شاويش، على الأثر الطيب الذي تركه في صاحب الأسطر ، متمنيا له السّداد والتوفيق.
مالك بن نبي.. اهتم بفكره ودعك من شخصه – معمر حبار
يسألني الكثير وباستمرار عن الكتب الخاصّة بمالك بن نبي رحمة الله عليه، وأجيب بقدر معرفة مستوى، وقدرات، وطموح صاحب السّؤال. وسبق لصاحب الأسطر أن نشر مقال في ذات الشأن[1]، يدعو من خلاله إلى كيفية قراءة كتب مالك بن نبي والاستفادة منه، عبر ترتيب الكتب، والأولوية لبعض الكتب.
في هذا المقال، سيتم التركيز على نقطتين، ويعتبران بمثابة تكملة للمقال المذكور، من حيث التأكيد على بعض كتب مالك بن نبي، والابتعاد عن بعض كتبه لبعض الأشخاص، سيتم ذكرها، وهي:
أوّلا: كتب الفكر: أبدع مالك بن نبي - في تقديري وحسب قراءاتي - في الكتب التّالية، وهي: "شروط النهضة"، و "وجهة العالم الإسلامي"، و "مشكلة الثقافة"، و "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، و "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة".
هذه الكتب تستحق القراءة، والمتابعة، والنقد، لأنّ مالك بن نبي أبدع من حيث القواعد الثّابتة التي مازال بعضها لحدّ الآن، وكانت له نظرة مستقبلية أكّدتها العقود من بعده، وحذّر من أخطار سبق من خلالها زمنه بكثير، وعرض حلولا ما زالت فاعلة. و كغيره من الكتب والكتّاب، تبقى هذه الكتب تخضع للنقد والردّ، ولا يمسّ ذلك من الإبداع الذي ميّز مالك بن نبي.
ثانيا: كتب الدفاتر، والأشخاص، والصراعات: يمكن تقسيم النقطة الانية إلى قسمين، وهما:
القسم الأوّل: تحدّث مالك بن نبي عن حياته ومذكراته الشخصية في كتبه: "مذكرات الطفل"، و"مذكرات الطالب"، التي كتبت وترجمت في حياته.
لم يكن هناك أيّ مشكل مع مذكراته: "مذكرات الطفل"، و"مذكرات الطالب"، التي أشرف عليها إخواننا المشارقة حفظهم الله ورعاهم، ولهم كلّ الشكر والتقدير. فقد كانت تقرأ دون أن تثير أيّة ضجّة، باعتبارها لم تكن تتميّز عن غيرها من كتب مالك بن نبي، اللّهم إلاّ أنّها مذكرات تتعرّض لفترة زمنية من حياة مالك بن نبي. ويمكن للقارئ أن يقف على طفولة وشباب الكاتب، وكيف أنّ لهذه الفترة أثّرت في تكوين شخصية مالك بن نبي، وكان لها الأثر البالغ في أيامه القادمة، بغضّ النّظر عن نوعية واتّجاه التأثير.
القسم الثّاني: كتاب "العفن"، و "les Carnets de Malek BENNABI " الذي لم يترجم لحدّ الآن، والتي نشرت بعد وفاته بعقود باعتبارها نشرت سنة 2006، وتوفى سنة 1973.
بعد ظهور مذكراته: "العفن"، و"les Carnets de Malek BENNABI "، التي طبعت بعد وفاته بـ 33 سنة، وتعمّد مالك بن نبي أن لا ينشرها في حياته، لأسباب لم يذكرها في كتبه، ولا في مذكراته. وأظنني ذكرت السّبب الذي بدا لي حينها حين تطرقت لـ "العفن" عبر 3 مقالات التي نشرت.
تمّ طبع ونشر "العفن" و " les Carnets de Malek BENNABI" في الجزائر، وعلى أيدي جزائريين، ومترجم "العفن" جزائري، أي لم يكن وجود لإخواننا المشارقة كما كان من قبل حين أشرفوا على نشر وترجمة كتب مالك بن نبي، وعلى رأسهم الأستاذ القدير عمر كامل مسقاوي، أمدّ الله في عمره، ونفع الأمة بعلمه، وصدقه، وإخلاصه، وأمانته.
كانت وما زالت من نتائج ظهور "العفن" و " les Carnets de Malek BENNABI"، الإفراط في التركيز على الصراعات الشخصية بين مالك بن نبي والشخصيات التي ذكرها واصطدم بها، ونسي بالتّالي القرّاء مالك بن نبي المفكّر والمحلّل ، وراحوا يستشهدون بمالك بن نبي الشخص، وصراعاته مع غيره، فضاع في خضم استظهار واستخراج الصراعات الشخصية إبداع مالك بن نبي، وتمّ بالتّالي تشويه صورة مالك بن نبي، وتمّ تصويره على أنّه ملاكم في الحلبة وليس المفكّر.
ما يجب التركيز عليه، أنّ قراءة الكاتب تكون من الناحية الفكرية أوّلا، ثمّ حياته الشخصية التي تساهم في فهم حياته الفكرية. أمّا التركيز على حياته الشّخصية فقط، وصراعاته التي تمّت في ظروف معيّنة، ولأسباب تتعلّق بتلك المرحلة، فإنّ ذلك ممّا يسئ للكاتب، ويحرم القارىء من الاستفادة من فكره وإبداعه.
يمكن للقارئ أن يستغني نهائيا عن قراءة "العفن" و " les Carnets de Malek BENNABI"، فإنّ ذلك لن يؤثّر في نظرته وفهمه لفكر مالك بن نبي. وأنصح المبتدئ أن يبتعد نهائيا عن قراءة الكتابين، بعدما أوصيت في مقالي المذكور أعلاه وفي الهامش، أن يكون "العفن" آخر ما يقرأ، ولم أكن يومها قد اطّلعت على " les Carnets de Malek BENNABI".
المطلوب من قارئ مالك بن نبي، وهو يقرأ وينتقد كتبه ومذكراته الشخصية، أن لا ينصاع وراء الصّراعات التي كانت ضمن ظروف وزمن معيّن، وأن يوظّف حياة مالك بن نبي الشخصية في فهم فكره، وتحويله إلى مشاريع فاعلة تساهم في النهوض بالوطن والأمّة، وحينها يمكن له أن يشرع من الآن في قراءته، ولا خوف عليه، بل الرجاء أن يستفيد ويفيد.
خلاصة، مالك بن نبي رحمة الله عليه، كغيره من المفكرين والكتاب، والفقهاء، والمحدّثين، والمفسّرين، له حياته الشخصية الخاصّة به تأثّرت والتي بأفكاره، وتأثّرت أيضا أفكاره بحياته الشّخصية. وغاية المقال، أن يركّز القارىء على عالم الأفكار أوّلا، ويغوص في نقدها وتحليلها والاستفادة منها، ويستفيد من الحياة الشخصية بالقدر الذي يعزّز عالم الأفكار بتعبير مالك بن نبي، ويزيدها رسوخا، وثباتا. وليس من غاية المنشور منع القارىء من قراءة الحياة الشخصية للمفكرين، والكتّاب، والفقهاء، والمحدّثين، فإنّ ذلك مما تجاوزه الزمن، ويسىء للشخص والفكرة معا.
بقيت الإشارة، أنّ زميلنا الأستاذ الناقد الفلسطيني Mohamed Chawich، سبقني للتطرق لهذا الموضوع وبغضب أشدّ، عبر صفحته القيّمة. وأعترف أنّي كنت أخالفه في بعض التفاصيل، والآن وبعد الإمعان من جديد في القراءة والنقد، أجدني أوافقه في عدم التركيز على الحياة الشخصية للكاتب وبالتحديد لمالك بن نبي، وتهميش جانبه الفكري. وهذه الأسطر بمثابة تأييد، واحترام، وتقدير للأستاذ محمد شاويش، على الأثر الطيب الذي تركه في صاحب الأسطر ، متمنيا له السّداد والتوفيق.