( وَلَقَدۡ خَلَقۡنَٰكُمۡ ثُمَّ صَوَّرۡنَٰكُمۡ ثُمَّ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ لَمۡ يَكُن مِّنَ ٱلسَّٰجِدِينَ ﴿١١﴾ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ ﴿١٢﴾ قَالَ فَٱهۡبِطۡ مِنۡهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخۡرُجۡ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّٰغِرِينَ ﴿١٣﴾ قَالَ أَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ﴿١٤﴾ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ ﴿١٥﴾ قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ﴿١٦﴾ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ ﴿١٧﴾ قَالَ ٱخۡرُجۡ مِنۡهَا مَذۡءُومٗا مَّدۡحُورٗاۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمۡ أَجۡمَعِينَ ﴿١٨﴾ وَيَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴿١٩﴾ فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا .. ) ..
هذه قصة آدم وإبليس بشكل مفصل في سورة الأعراف ..
يتبين لنا منها أن أقصى ما يستطيع أن يفعله إبليس مع ذرية آدم .. هو :
1- الوسوسة .. وجاءت بلغة عربية فصيحة ( فوسوس لهما الشيطان ) ..
وقد جاءت آخر سورة في القرآن .. بطلب التعوذ من وسوسته .. وليس من دخوله الجسم ..
( قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ﴿٣﴾ مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ ﴿٤﴾ ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ) ..
( وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، وَهَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ . ) .. ولم يتعوذ من دخوله الجسم ..
قَالَ : هَمْزُهُ : الْمَوْتَةُ ، وَنَفْثُهُ : الشِّعْرُ ، وَنَفْخُهُ : الْكِبْرُ .
2- الغواية .. وتزيين العمل القبيح .. وأنه سيأتيهم من الجهات الأربع .. من أمامهم وخلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم .. ولم يذكر أنه سيدخل إلى بطونهم !!!..
3- وعدم ذكره ذلك .. هو نفي قاطع .. ويقيني .. لا يقبل الطعن .. ولا النقض .. بعدم حدوث ذلك .. ولو كان ذلك يحدث لذكره .. ما الذي كان يمنعه من ذكره ؟؟؟!!! ..
أم أنه كان يخاف من إله أكبر منه .. أو أنه كان الله يلهو .. ويلعب .. فنسي ذكره !!! ..
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ..
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ) ..
4- جر بني آدم من رقابهم .. بوثاق الشهوات والمعاصي .. كما قال تعالى على لسانه : ( قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا ﴿٦٢﴾ ) ..
وأفضل تفسير لهذه الآية :
( وقال إبليس جراءة على الله وكفرًا به: أرأيت هذا المخلوق الذي ميزته عليَّ؟ لئن أبقيتني حيًا إلى يوم القيامة لأستولينَّ على ذريته بالإغواء والإفساد، إلا المخلصين منهم في الإيمان، وهم قليل.) ..
5- وهذا أكبر تفنيد .. ودحض .. وتحطيم .. وسحق للفرية المكذوبة على الله .. بأن الشيطان يدخل جسم الإنسان ..
6- نأتي إلى تقرير إلهي غير قابل للطعن أو النقض .. فيه إثبات قطعي الدلالة .. أن الشيطان ليس له سيطرة على الإنسان المؤمن .. إطلاقا ..
( إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلٗا ) ..
وهذا أروع تفسير وجدته ومختصر .. للدلالة على حماية الله لعبده المؤمن .. من سيطرة الشيطان عليه ..
( ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد .. وذكر ما يعتصم به من فتنته .. وهو عبودية الله .. والقيام بالإيمان .. والتوكل فقال: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) أي: تسلط وإغواء .. بل الله يدفع عنهم -بقيامهم بعبوديته- كل شر .. ويحفظهم من الشيطان الرجيم .. ويقوم بكفايتهم.
( وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) لمن توكل عليه .. وأدى ما أمر به. ) ..
وهذا تأكيد آخر من الله .. أن سيطرة الشيطان تنحصر بالذين يتبعونه فقط .. لا غير !!!
( فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ﴿٩٨﴾ إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٩٩﴾ إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ ﴿١٠٠) .. النحل ..
وهذا تقرير إلهي آخر .. لتثبيت المؤمنين وطمأنتهم .. بألا يخافوا من الشيطان .. فهو ضعيف جدا ..
( إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ) ..
بينما يقول عن الإنسان :
( وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ ) ..
فكيف يسبطر ضعيف على قوي ؟؟؟!!!
فالمؤمن كما أخبر الإمام أحمد .. هو الذي يقود الشيطان من ناصيته ويقهره .. وليس أنه يدخل في بطنه .. ويشل إرادته .. وتفكيره .. وعقله .. ويصبح كالشاة المذبوحة بيد الشيطان ..
( وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن المؤمن لينض شياطينه كما ينض أحدكم بعيره في السفر" ينض أي يأخذ بناصيته ويقهره. ) ..
ومما يعزز هذا القول : قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع : ( إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في بلدكم هذا .. ولكنه قد رضي بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم. ) ..
فالشيطان يكفيه أنه يتعرض للإنسان آناء الليل وأطراف النهار بالوسوسة لا غير .. ويستحوذ عليه من الخارج .. بأن يصده عن عبادة الله .. أو يفسدها عليه .. أو يشوش عليه في صلاته .. فلا يعلم ماذا صلى .. وكم صلى .. ويُنسيه ذكر الله ..
( ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ ) ..
فطالما أنه يؤدي واجبه على أحسن ما يُرام طوال 24 ساعة .. فهو ليس بحاجة إلى أن يسجن نفسه في أحشاء الإنسان .. يكفيه فخرا أنه يوجهه حيث يشاء .. ومتى شاء .. ويشده بوثاقه من عنقه كالشاة !!!
وأما ما يحتج به المخبولون .. المهلوسون على دخول الشيطان جسم الإنسان بالحديث .. أنه يجري مجرى الدم .. فهم .. لا يكملون الحديث .. ولا يعرفون اللغة العربية ..
فنص الحديث :
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ لَا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَجَازَا وَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا . ) ..
فالتصوير هنا مجازي .. وهو استعارة .. وكناية عن ملازمة الوسوسة للإنسان .. كملازمة الدم في عروقه .. وليس على الحقيقة المادية الظاهرية ..
ونهاية الحديث تؤكد أن الوظيفة الحقيقية للشيطان .. هي الوسوسة لا غير ..
وهذا يماثل قول الله تعالى :
( وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ) ..
فهل الله سبحانه يسكن جسم الإنسان .. على اعتبار أن الوريد في جسمه ؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ...
ومن أغرب .. وأعجب حجج المشعوذين .. هو نسبة الصرع إلى الجن .. قاتلهم الله أنى يؤفكون !!!
الصرع أو ( داء باركنسون ) مرض عصبي .. ليس له علاقة بالجن البتة ..
كانوا قديما بسبب جهالتهم بالطب .. ينسبون كل مرض لا يعرفون له سببا ماديا .. إلى الجن .. والأرواح الشريرة ..
وكانوا في ذلك الوقت معذورين إلى حد ما ..
ولكن الآن والطب يبين سبب الصرع .. فالاستمرار على الجهالة القديمة .. هو ضلال مبين ..
ولو افترضنا جدلا أن الشيطان يدخل الإنسان .. ويسيطر على أجهزته كليا ..
إذن يعني بالعربي الفصيح .. أي جريمة .. أو جناية .. أو ذنب يرتكبه هذا الإنسان .. يكون الشيطان هو المسؤول عنها وليس الإنسان ..
وبالتالي يجب ألا يُعاقب من قبل المحاكم .. ولا من قبل الله .. وإذا عاقبه .. فهذا ظلم له .. ويصبح الله ظالما .. لأن مرتكب الجريمة هو الشيطان .. فيجب معاقبته .. وليس معاقبة الإنسان !!!
وحاشاه سبحانه وتعالى من الظلم .. وقد ذكر في الحديث القدسي ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا ) ..
وأما زعمهم الباطل .. أن الشيطان يتكلم حينما يقرأ المشعوذون على الإنسان المصاب بعض الرقى ..
فهذا منتهى السذاجة .. والطفولية في التفكير ..
إذ أن الذي يتكلم هو العقل الباطن المشحون .. والمتخم بوساوس مواقف عاطفية .. أو نفسية صادمة .. كان قد تعرض لها هذا الشخص .. وتراكمت مع الأيام ..
فالمشعوذون حينما يقومون ببعض الحركات .. أو التصرفات .. أو ينطقون بعض الكلمات .. ينهار هذا الشخص .. ويتشنج .. لأنه أساسا هو ضعيف الشخصية .. والقوة .. والإرادة .. ويبدأ يتكلم بمعلومات مخزنة في عقله الباطن منذ أمد بعيد .. كما يتكلم الحاسوب !!!
وكما يتكلم أي شخص عادي .. إذا ذهب إلى طبيب نفسي .. وعمل له تنويم مغناطيسي !!!
ولكن المشعوذين يستغلون هذا الموقف .. ويقولون لأهله .. اسمعوا الشيطان .. وسآمره بالخروج من جسمه .. ويٌخرجه من جسمه حسب زعمه !!!
وما إن يرجع إلى بيته .. حتى تعاوده نفس الوساوس .. بعد أيام قليلة .. فيرجع إلى المشعوذ مرة أخرى .. أو إلى مشعوذ آخر .. ويقول له : لم يخرج الشيطان !!!..
فيقول المشعوذ : بلى خرج الشيطان .. ولكنه عاد مرة أخرى .. لأن الذي يعمل لك السحر الأسود .. قد جدده لك .. وسأطرده من جسمك إلى غير رجعة !!!..
وهكذا يعيش هذا الإنسان الموسوس .. في سلسلة من الأكاذيب .. والخرافات .. والخزعبلات .. ويمضي حياته شقيا .. تعيسا ..
ولا حل له .. إلا أن يطرد من عقله هذه الخرافات .. ويستقوي بربه .. ليس بالدعاء الشكلي .. وإنما بالاعتقاد اليقيني الجازم .. بأنه لا يستطيع أي مخلوق .. أن يؤثر عليه .. ولا أن يسيطر عليه .. لا ساحر .. ولا كاهن .. ولا مشعوذ .. والإيمان اليقيني الكامل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ..
( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .. ) ..
وكثيرا ما صرح الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .. علانية على التلفاز .. متحديا جميع الشياطين والسحرة في الأرض كلها .. أن يستطيعوا سحره ..
والنبي هود عليه السلام تحدى قومه أن يكيدوه .. فلم يستطيعوا ضره ..
( مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ) .. هود 55 ..
هذه قصة آدم وإبليس بشكل مفصل في سورة الأعراف ..
يتبين لنا منها أن أقصى ما يستطيع أن يفعله إبليس مع ذرية آدم .. هو :
1- الوسوسة .. وجاءت بلغة عربية فصيحة ( فوسوس لهما الشيطان ) ..
وقد جاءت آخر سورة في القرآن .. بطلب التعوذ من وسوسته .. وليس من دخوله الجسم ..
( قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ﴿٣﴾ مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ ﴿٤﴾ ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ) ..
( وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، وَهَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ . ) .. ولم يتعوذ من دخوله الجسم ..
قَالَ : هَمْزُهُ : الْمَوْتَةُ ، وَنَفْثُهُ : الشِّعْرُ ، وَنَفْخُهُ : الْكِبْرُ .
2- الغواية .. وتزيين العمل القبيح .. وأنه سيأتيهم من الجهات الأربع .. من أمامهم وخلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم .. ولم يذكر أنه سيدخل إلى بطونهم !!!..
3- وعدم ذكره ذلك .. هو نفي قاطع .. ويقيني .. لا يقبل الطعن .. ولا النقض .. بعدم حدوث ذلك .. ولو كان ذلك يحدث لذكره .. ما الذي كان يمنعه من ذكره ؟؟؟!!! ..
أم أنه كان يخاف من إله أكبر منه .. أو أنه كان الله يلهو .. ويلعب .. فنسي ذكره !!! ..
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ..
( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ) ..
4- جر بني آدم من رقابهم .. بوثاق الشهوات والمعاصي .. كما قال تعالى على لسانه : ( قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا ﴿٦٢﴾ ) ..
وأفضل تفسير لهذه الآية :
( وقال إبليس جراءة على الله وكفرًا به: أرأيت هذا المخلوق الذي ميزته عليَّ؟ لئن أبقيتني حيًا إلى يوم القيامة لأستولينَّ على ذريته بالإغواء والإفساد، إلا المخلصين منهم في الإيمان، وهم قليل.) ..
5- وهذا أكبر تفنيد .. ودحض .. وتحطيم .. وسحق للفرية المكذوبة على الله .. بأن الشيطان يدخل جسم الإنسان ..
6- نأتي إلى تقرير إلهي غير قابل للطعن أو النقض .. فيه إثبات قطعي الدلالة .. أن الشيطان ليس له سيطرة على الإنسان المؤمن .. إطلاقا ..
( إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلٗا ) ..
وهذا أروع تفسير وجدته ومختصر .. للدلالة على حماية الله لعبده المؤمن .. من سيطرة الشيطان عليه ..
( ولما أخبر عما يريد الشيطان أن يفعل بالعباد .. وذكر ما يعتصم به من فتنته .. وهو عبودية الله .. والقيام بالإيمان .. والتوكل فقال: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) أي: تسلط وإغواء .. بل الله يدفع عنهم -بقيامهم بعبوديته- كل شر .. ويحفظهم من الشيطان الرجيم .. ويقوم بكفايتهم.
( وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) لمن توكل عليه .. وأدى ما أمر به. ) ..
وهذا تأكيد آخر من الله .. أن سيطرة الشيطان تنحصر بالذين يتبعونه فقط .. لا غير !!!
( فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ﴿٩٨﴾ إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٩٩﴾ إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ ﴿١٠٠) .. النحل ..
وهذا تقرير إلهي آخر .. لتثبيت المؤمنين وطمأنتهم .. بألا يخافوا من الشيطان .. فهو ضعيف جدا ..
( إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ) ..
بينما يقول عن الإنسان :
( وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ ) ..
فكيف يسبطر ضعيف على قوي ؟؟؟!!!
فالمؤمن كما أخبر الإمام أحمد .. هو الذي يقود الشيطان من ناصيته ويقهره .. وليس أنه يدخل في بطنه .. ويشل إرادته .. وتفكيره .. وعقله .. ويصبح كالشاة المذبوحة بيد الشيطان ..
( وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن المؤمن لينض شياطينه كما ينض أحدكم بعيره في السفر" ينض أي يأخذ بناصيته ويقهره. ) ..
ومما يعزز هذا القول : قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع : ( إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في بلدكم هذا .. ولكنه قد رضي بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم. ) ..
فالشيطان يكفيه أنه يتعرض للإنسان آناء الليل وأطراف النهار بالوسوسة لا غير .. ويستحوذ عليه من الخارج .. بأن يصده عن عبادة الله .. أو يفسدها عليه .. أو يشوش عليه في صلاته .. فلا يعلم ماذا صلى .. وكم صلى .. ويُنسيه ذكر الله ..
( ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ ) ..
فطالما أنه يؤدي واجبه على أحسن ما يُرام طوال 24 ساعة .. فهو ليس بحاجة إلى أن يسجن نفسه في أحشاء الإنسان .. يكفيه فخرا أنه يوجهه حيث يشاء .. ومتى شاء .. ويشده بوثاقه من عنقه كالشاة !!!
وأما ما يحتج به المخبولون .. المهلوسون على دخول الشيطان جسم الإنسان بالحديث .. أنه يجري مجرى الدم .. فهم .. لا يكملون الحديث .. ولا يعرفون اللغة العربية ..
فنص الحديث :
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ لَا تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَجَازَا وَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا . ) ..
فالتصوير هنا مجازي .. وهو استعارة .. وكناية عن ملازمة الوسوسة للإنسان .. كملازمة الدم في عروقه .. وليس على الحقيقة المادية الظاهرية ..
ونهاية الحديث تؤكد أن الوظيفة الحقيقية للشيطان .. هي الوسوسة لا غير ..
وهذا يماثل قول الله تعالى :
( وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ) ..
فهل الله سبحانه يسكن جسم الإنسان .. على اعتبار أن الوريد في جسمه ؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ...
ومن أغرب .. وأعجب حجج المشعوذين .. هو نسبة الصرع إلى الجن .. قاتلهم الله أنى يؤفكون !!!
الصرع أو ( داء باركنسون ) مرض عصبي .. ليس له علاقة بالجن البتة ..
كانوا قديما بسبب جهالتهم بالطب .. ينسبون كل مرض لا يعرفون له سببا ماديا .. إلى الجن .. والأرواح الشريرة ..
وكانوا في ذلك الوقت معذورين إلى حد ما ..
ولكن الآن والطب يبين سبب الصرع .. فالاستمرار على الجهالة القديمة .. هو ضلال مبين ..
ولو افترضنا جدلا أن الشيطان يدخل الإنسان .. ويسيطر على أجهزته كليا ..
إذن يعني بالعربي الفصيح .. أي جريمة .. أو جناية .. أو ذنب يرتكبه هذا الإنسان .. يكون الشيطان هو المسؤول عنها وليس الإنسان ..
وبالتالي يجب ألا يُعاقب من قبل المحاكم .. ولا من قبل الله .. وإذا عاقبه .. فهذا ظلم له .. ويصبح الله ظالما .. لأن مرتكب الجريمة هو الشيطان .. فيجب معاقبته .. وليس معاقبة الإنسان !!!
وحاشاه سبحانه وتعالى من الظلم .. وقد ذكر في الحديث القدسي ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا ) ..
وأما زعمهم الباطل .. أن الشيطان يتكلم حينما يقرأ المشعوذون على الإنسان المصاب بعض الرقى ..
فهذا منتهى السذاجة .. والطفولية في التفكير ..
إذ أن الذي يتكلم هو العقل الباطن المشحون .. والمتخم بوساوس مواقف عاطفية .. أو نفسية صادمة .. كان قد تعرض لها هذا الشخص .. وتراكمت مع الأيام ..
فالمشعوذون حينما يقومون ببعض الحركات .. أو التصرفات .. أو ينطقون بعض الكلمات .. ينهار هذا الشخص .. ويتشنج .. لأنه أساسا هو ضعيف الشخصية .. والقوة .. والإرادة .. ويبدأ يتكلم بمعلومات مخزنة في عقله الباطن منذ أمد بعيد .. كما يتكلم الحاسوب !!!
وكما يتكلم أي شخص عادي .. إذا ذهب إلى طبيب نفسي .. وعمل له تنويم مغناطيسي !!!
ولكن المشعوذين يستغلون هذا الموقف .. ويقولون لأهله .. اسمعوا الشيطان .. وسآمره بالخروج من جسمه .. ويٌخرجه من جسمه حسب زعمه !!!
وما إن يرجع إلى بيته .. حتى تعاوده نفس الوساوس .. بعد أيام قليلة .. فيرجع إلى المشعوذ مرة أخرى .. أو إلى مشعوذ آخر .. ويقول له : لم يخرج الشيطان !!!..
فيقول المشعوذ : بلى خرج الشيطان .. ولكنه عاد مرة أخرى .. لأن الذي يعمل لك السحر الأسود .. قد جدده لك .. وسأطرده من جسمك إلى غير رجعة !!!..
وهكذا يعيش هذا الإنسان الموسوس .. في سلسلة من الأكاذيب .. والخرافات .. والخزعبلات .. ويمضي حياته شقيا .. تعيسا ..
ولا حل له .. إلا أن يطرد من عقله هذه الخرافات .. ويستقوي بربه .. ليس بالدعاء الشكلي .. وإنما بالاعتقاد اليقيني الجازم .. بأنه لا يستطيع أي مخلوق .. أن يؤثر عليه .. ولا أن يسيطر عليه .. لا ساحر .. ولا كاهن .. ولا مشعوذ .. والإيمان اليقيني الكامل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ..
( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .. ) ..
وكثيرا ما صرح الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .. علانية على التلفاز .. متحديا جميع الشياطين والسحرة في الأرض كلها .. أن يستطيعوا سحره ..
والنبي هود عليه السلام تحدى قومه أن يكيدوه .. فلم يستطيعوا ضره ..
( مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ ) .. هود 55 ..