• ومن الناس .. من إذا خاصم أحدا من البشر .. خاصمه بأدب .. وخلق رفيع .. وعدل .. وإنصاف ..
لا يبخسه حقه ..
يعرض حسناته وسيئاته جميعها .. دون طمس للأولى .. وإخفائها عن العالمين .. ولا تسليط الأضواء وتركيزها على السيئات .. والأخطاء فقط .. لإحراج الخصم .. وتشويه سمعته .. ولا استغلال الخطأ الذي وقع فيه الخصم .. لصالحه .. ولإبراز عظمته !!!
بل يزنها بميزان الحق والعدل .. وتقوى الله .. والمحبة .. والود .. والعطف على الناس .. وتقدير ضعفهم أثناء وقوعهم في الغلط ..
هؤلاء هم خيار الخلق .. وأولئك هم المفلحون ..
• ومن الناس .. من إذا خاصم أحدا من العالمين .. فجر .. وسَفِهَ .. والتأم .. وانتكس .. وانحدر إلى أسفل درك في البشرية .. وتشبث بالباطل .. واستعبده هواه .. وثار .. وأزبد .. وعربد !!!
وأصبح مخلوقا غريب الأطوار .. طاغيا .. باغيا .. أقرب إلى الثيران الهائجة !!!
كل همه أن يحطم خصمه .. ويسحقه .. ولا يلوي على شيء !!!
يغمط حق خصمه .. ويرمي كل حسناته .. وايجابياته .. ومآثره في المستنقع العفن .. ويُبرز سيئاته فقط !!!
بل ويضخمها .. ويحولها إلى جبل .. ويعمل من الحبة قبة !!!
هؤلاء هم شرار الخلق .. وأولئك هم الخاسرون ..
فهل يستويان مثلا ؟؟؟!!!
الحمد لله .. بل أكثرهم لا يعلمون ..
• ومن الناس من يتحرق قلبه على الدعوة إلى الله.. والعمل على هداية الناس إلى طريق الخير..
تنفيذا للأمر الإلهي:
( ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ )..
ويستغل كل الطرق.. وكل المنابر.. وكل النوادي التي يتجمع فيها الناس.. ليعرض الدعوة عليهم.. ويحببهم بدين الله.. مهما أوذي في الله..
اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.. الذي كان يأتي المشركين في نواديهم.. وتجمعاتهم حول الكعبة في الحج.. وفي غيرها..
بل ذهب أبعد من ذلك.. إلى الطائف مشيا على الأقدام.. وتحمل العنى والضنى.. والتعب والوصب.. لإيصال صوت الله الحق إلى المشركين..
واقتداء بأحد رموز الدعوة المتألقة في العصر الحديث.. حسن البنا رحمه الله.. الذي كان يذهب في نهاية كل أسبوع إلى الأرياف.. وعمره لم يكن يتجاوز العشرين ربيعا إلا قليلا.. راكبا القطار بالدرجة الثالثة.. ليدعو إلى الله..
بل كان يفعل أغرب وأعجب من ذلك.. وهو الذهاب إلى المسارح والمقاهي.. ليحدث عامة الناس عن الإسلام.. وكان يتلقى الأذى والعنت.. وهو صابر.. لأنه كان ذا همة عالية.. وهدف سام.. وغاية شريفة عالية..
كان همه الله فقط..
وفي ذات الله.. تهون كل الصعاب.. وتتحطم كل الأسوار.. والعقبات..
• ومن الناس.. من يدعي زورا وبهتانا أنه يدعو إلى الله.. وتُتاح له منابر عديدة ليعرض دعوته..
ولكنه حينما يصيبه رذاذ من أذى غير مباشر.. ينسحب منها.. ويولي الأدبار.. غضبا لنفسه المريضة.. وثأرا لذاته المهلهلة.. المتضعضة..
لأن هدفه ليس الله.. وإنما هواه!!!
لينطبق عليه قول الله تعالى:
( وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ )..
أولئك هم الخاسرون.. الملعونون في كتاب الله.. الذين يكتمون الهدى.. ويحظرونه عن الناس.. لما أصابهم من أذى قليل في ذات الله..
( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ )..
• ومن الناس.. من لا يتقن.. ولا يعرف.. إلا أن ينسخ مقالاته من مواقع أخرى.. ويلصقها على صفحته!!!
ولكنه.. وا عجباه.. وا بؤساه!!!
لا يقرأها.. وإذا قرأها لا يفهمها.. وإذا فهمها لا ينفذها.. ولا يطبقها على نفسه.. وإذا طبقها.. حرفها عن مسارها.. وجعل نفسه مركز الكون.. ومدار البحث!!!
وبذلك..
تكون شاهدا عليه يوم القيامة.. في عدم التطبيق.. وفي التحريف.. فيزداد عذابا فوق العذاب المهين!!!
ذلك هو الخزي العظيم.. والبهتان المبين..
( يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ )..
• ومن الناس .. من إذا نبههم أحد إلى خطئهم .. شكروه .. ومدحوه .. وأثنوا عليه الخير .. ودعوا له بخير الجزاء ..
واعتبروا هذا التنبيه .. هدية ثمينة .. ممن دلهم عليه .. فرحوا بها .. وسروا لها غاية السرور ..
وقالوا: بلغة الرضى .. والفرح .. والحبور .. ( رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا ) ..
مقتدين بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..
أولئك هم الرجال حقا ..
وأولئك هم العظماء .. والعقلاء ..
وأولئك هم النخب البشرية السامقة .. التي لا تخجل من تنبيه الناس لخطئها .. لأنها تعلم يقينا أنها غير معصومة .. وتعلم أن من عظمة الرجل أن تعد معايبه .. كما قال الشاعر :
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها ... كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
وأولئك هم الفائزون .. المفلحون ..
• ومن الناس .. من إذا نبههم أحد إلى غلطهم .. غضبوا .. وزمجروا .. وعربدوا !!!
وإذا اعترفوا بغلطهم .. أصروا عليه .. واستكبروا استكبارا .. ولم يغيروا .. ولم يبدلوا .. ولم يصلحوا !!!
وإذا قيل لهم : إن في ذلك إثم عليكم ..
استهتروا .. واستخفوا .. وسخروا .. وضحكوا .. وتحدوا رب العزة والجلال .. وقالوا وهم يستسخرون : وليبقى الإثم علينا إلى أبد الآبدين .. لا يهمنا ذلك .. كما قال الأولون: !!!
( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ) ..
أولئك هم شراذم الناس .. وحثالاتهم !!!
وأولئك هم الجبناء .. المهزومون داخليا .. ونفسيا .. وفكريا !!!
وأولئك صغار القوم .. يعيشون بين الحفر .. ويعشقون الظلام .. ويخافون أن يرفعوا رؤوسهم .. ويروا النور !!!
وأولئك هم الخاسرون !!!
فسيبقون في ضلالتهم سادرون .. وفي جهالتهم يعمهون !!!
وفي الآخرة لهم خزي .. وعذاب مهين .. إلا أن يتوبوا .. والله غفور رحيم ..
الجمعة 24 جمادى الآخرة 1440
1 آذار 2019
موفق السباعي