لا أفتقد أمّي
ناديه خلوف
كلما حبوت على أربع كرد فعل على الزّمن. أراها تبتسم لي، تحاول أن تعلّمني الوقوف، ومن ثمّ المشي، أعاندها، وأصرخ: أنت لا تحبينني ، أطلب مزيداً من الحبّ، كنت أعاندها، ولا زلت، عبثتُ بإبرتها وخيوطها، وصنعت ثوباً للعبتي، ثم كتبت شعراً على ضفائر اللعبة، ولونته بخيوط مسروقة من مخزن خيوط أمّي السّري، لم ألجأ لها عندما جار عليّ الزمان، وتركتها تعتقد أنّ ذكائي كاف لإنتاج حياة سعيدة، فقالت لي: لا أخاف عليك، وبكى قلبي عليها لأنّها لا تعرف أنّني أكرّرها، وربما أكون أنا هي.
أمّي الخائفة من جميع الأشياء، لم ترحل. سكنت فيّ ، ولا أستطيع أن أقتلعها، وأرسلها إلى مثواها الأخير، كلما أرسلتها تعود، تتمسّك بي. هي لا تعرف كيف تحبّ، ولا أنا أيضاً، فالعالم ضبابي، يرسم ألوانه، وكلّما قدّمتْ له باقة حبّ صفعها، وطرحها أرضاً، تئن، فيغلق أحد فمها، وتنسحب إلى عالمها المليء بالرجاء في أن تحين ساعتها. أذكر يوم بكتني-عفواً -يوم بكيتها، ويوم أسرّت لي بأنّها عاجزة عن فعل أي شيء، وأن الحياة عبثية. لا أدري. ضاع عليّ الأمر، قد أكون أنا من أسرّ لها، صورتها اختلطت بصورتي، ودموعها تنزل من عينيّ تتدفق، فيفيض الكون بالألم والحزن.
لو كانوا يعرفون الألم لما جاروا على القلوب الضَعيفة كقلبي-عفواً -كقلبك. لو يدرون عمق الحزن، وصعوبة الصّمت، لما تجرؤوا على إسكاتك- عفواً- على إسكاتي. في الحقيقة أنّني لا أفتقد أمي! أطوي البحار، أرحل عبر القارات، وأجدها على الطّرف الآخر من العالم تنتظرني. غاضبة من العالم: أستحق الكثير، قمت بجميع الأعمال الصّحيحة، فنلت عقوبة قاسية. إنّني أفقد ثقتي بالعالم، وبالخير. لا تصدّقي أحداً. الشّر هو المنتصر. لا تقولي هذا أرجوك. دعينا نعيش الأمل لحظة. يا للخجل! ظننتك أمّي . أنت لست أمي. أنت ابنتي!
لماذا يا أمي يتجاوز عليّ من هبّ ودب؟
أجاملهم كنوع من التّمدن، فيوصلون رسائلهم لي بالرّفض، أتجاهلها، وأنسحب مهزومة، لكنّهم يصرّون على إعادة الرّسالة، أنسحب من عالمهم، يتابعون العداء. أنت لست من عالمهم، تدركين ذلك ، لكنّك تتجاهلين. لماذا لا تدافعين عن حقّك، وحقّنا. لماذا تسمحين لنفسك أن تطردي، ولا تردي. لا أعرف من يتحدّث، فثلاثتنا نسير تحت ضوء الشّموع، وينطلق الصوت من إحدانا، ربما منّي!
أمّي التي تخاف الرّجال، تحذّرني منهم. عاندتها، وبقي الخوف من الرّجل في داخلي، وكذلك ابنتي. تقول أمّي أنّ زميلتها في العمل ترهب زوجها، ويتجنّب مواجهتها، بل إنّه يكافئها بالنّقود. هل كانت أمي تعمل، ولها زميلة؟ قد أكون أنا، قد تكون ابنتي. لا أدري من منّا هي أمّي.
و بينما كنّا نسير معاً تحت ضوء الشّموع. مد شاب يده يطلب صدقة، فتحت حقيبتها، أعطته. لا هي ليست أمي. هي ابنتي. لا. هي أنا.
لدي ثوب يشبه ثوبها. لبسته، توجهت إلى الغابة البعيدة. . . البعيدة جداً عن مثواها الأخير. . .لا أعرف كيف استطاعت الوصول إلى الغابة. أمي: أرغب أن ترتاحي في مثواك. لماذا أتيتِ؟
خلعت غطاء رأسها، قذفت بقمطتها الملونة إلى الأعلى، فعانقت شجرة عالية، وربطت غطاء رأسها الأبيض على خصرها، غنّت الرّيح لها، رقصت إلى أن هدّها التّعب، ارتمت عليّ وذابت فيّ وهي تقول لي: كيف أرحل منك وأنت أنا؟
التقييم
ناديه خلوف
كلما حبوت على أربع كرد فعل على الزّمن. أراها تبتسم لي، تحاول أن تعلّمني الوقوف، ومن ثمّ المشي، أعاندها، وأصرخ: أنت لا تحبينني ، أطلب مزيداً من الحبّ، كنت أعاندها، ولا زلت، عبثتُ بإبرتها وخيوطها، وصنعت ثوباً للعبتي، ثم كتبت شعراً على ضفائر اللعبة، ولونته بخيوط مسروقة من مخزن خيوط أمّي السّري، لم ألجأ لها عندما جار عليّ الزمان، وتركتها تعتقد أنّ ذكائي كاف لإنتاج حياة سعيدة، فقالت لي: لا أخاف عليك، وبكى قلبي عليها لأنّها لا تعرف أنّني أكرّرها، وربما أكون أنا هي.
أمّي الخائفة من جميع الأشياء، لم ترحل. سكنت فيّ ، ولا أستطيع أن أقتلعها، وأرسلها إلى مثواها الأخير، كلما أرسلتها تعود، تتمسّك بي. هي لا تعرف كيف تحبّ، ولا أنا أيضاً، فالعالم ضبابي، يرسم ألوانه، وكلّما قدّمتْ له باقة حبّ صفعها، وطرحها أرضاً، تئن، فيغلق أحد فمها، وتنسحب إلى عالمها المليء بالرجاء في أن تحين ساعتها. أذكر يوم بكتني-عفواً -يوم بكيتها، ويوم أسرّت لي بأنّها عاجزة عن فعل أي شيء، وأن الحياة عبثية. لا أدري. ضاع عليّ الأمر، قد أكون أنا من أسرّ لها، صورتها اختلطت بصورتي، ودموعها تنزل من عينيّ تتدفق، فيفيض الكون بالألم والحزن.
لو كانوا يعرفون الألم لما جاروا على القلوب الضَعيفة كقلبي-عفواً -كقلبك. لو يدرون عمق الحزن، وصعوبة الصّمت، لما تجرؤوا على إسكاتك- عفواً- على إسكاتي. في الحقيقة أنّني لا أفتقد أمي! أطوي البحار، أرحل عبر القارات، وأجدها على الطّرف الآخر من العالم تنتظرني. غاضبة من العالم: أستحق الكثير، قمت بجميع الأعمال الصّحيحة، فنلت عقوبة قاسية. إنّني أفقد ثقتي بالعالم، وبالخير. لا تصدّقي أحداً. الشّر هو المنتصر. لا تقولي هذا أرجوك. دعينا نعيش الأمل لحظة. يا للخجل! ظننتك أمّي . أنت لست أمي. أنت ابنتي!
لماذا يا أمي يتجاوز عليّ من هبّ ودب؟
أجاملهم كنوع من التّمدن، فيوصلون رسائلهم لي بالرّفض، أتجاهلها، وأنسحب مهزومة، لكنّهم يصرّون على إعادة الرّسالة، أنسحب من عالمهم، يتابعون العداء. أنت لست من عالمهم، تدركين ذلك ، لكنّك تتجاهلين. لماذا لا تدافعين عن حقّك، وحقّنا. لماذا تسمحين لنفسك أن تطردي، ولا تردي. لا أعرف من يتحدّث، فثلاثتنا نسير تحت ضوء الشّموع، وينطلق الصوت من إحدانا، ربما منّي!
أمّي التي تخاف الرّجال، تحذّرني منهم. عاندتها، وبقي الخوف من الرّجل في داخلي، وكذلك ابنتي. تقول أمّي أنّ زميلتها في العمل ترهب زوجها، ويتجنّب مواجهتها، بل إنّه يكافئها بالنّقود. هل كانت أمي تعمل، ولها زميلة؟ قد أكون أنا، قد تكون ابنتي. لا أدري من منّا هي أمّي.
و بينما كنّا نسير معاً تحت ضوء الشّموع. مد شاب يده يطلب صدقة، فتحت حقيبتها، أعطته. لا هي ليست أمي. هي ابنتي. لا. هي أنا.
لدي ثوب يشبه ثوبها. لبسته، توجهت إلى الغابة البعيدة. . . البعيدة جداً عن مثواها الأخير. . .لا أعرف كيف استطاعت الوصول إلى الغابة. أمي: أرغب أن ترتاحي في مثواك. لماذا أتيتِ؟
خلعت غطاء رأسها، قذفت بقمطتها الملونة إلى الأعلى، فعانقت شجرة عالية، وربطت غطاء رأسها الأبيض على خصرها، غنّت الرّيح لها، رقصت إلى أن هدّها التّعب، ارتمت عليّ وذابت فيّ وهي تقول لي: كيف أرحل منك وأنت أنا؟
التقييم