من وحي كتاب "قبة السماء"، إعداد وتقديم زهـرة الكوسـى
قراءة عادل سمارة
رسالة إلى زوجة المناضل ابراهيم رجا سلامة
إقرأ النص الكامل للكتاب
عزيزتي السيدة زهرة كوسى،
الشعر لغة الإنسان في البدء بعد الموسيقى، لكنني من الذين قتلهم الاقتصاد السياسي باكراً فمات الشعر في نهاية المرحلة الثانوية.
لم أدرِ أن أبا عرب كتب الشعر. لكن دهشتي كانت كما حدثتك، فتغريدتك أعادتني أكثر من نصف قرن إلى زمن على تواضع إمكاناتنا كنا نشعر بأن زمام التاريخ في يدنا. كان شعور السيطرة على المكان والزمان معاً. قلت لنفسي، مدهش، فأنت لم تمت إذن رغم كل هذه الأهوال. لعله الجبن، أم نفر نتك الموت الذي لا يخشى أحداً؟ لست ادري. ولا أريد ان ادري، لكنني أدري أمرين:
أولهما: أنني كلما نهضت صباحا أبتسم حيث أجد ان راسي لم تزل بين كتفي.
وثانيهما: أن على الأوغاد أن يموتوا قبلنا.
جاء ابراهيم رجا سلامه إلى رام الله ضمن دورية يقودها من المقاتلين من الجبهتين الشعبية وجبهة التحرير كنا نسميها جماعة جبريل. أذكر من هؤلاء الرفاق محمد جابر شتا، تحسين الحلبي، حسام بامية فايز حسن، إبراهيم النجار فاروق سحويل، جميل سماره، صائب سويد (استشهد في الاشتباك قرب المطار)، جمعة أبو فارع ، رشدي ديدح ، إدريس، عبد العزيز حلوك، مجاهد جابر، خلف نصار (أبو الوفا) وغيرهم. أعلم أن بعضهم غادر الدنيا.
كان اللقاء على مقهى في رام الله وسط البلد تعود ملكيته للرفيق الراحل محمد عبد الله ربيع أحد قياديي حركة القوميين العرب حينها. استأجرناه كنقطة لقاء. وصلتنا حينها دوريتان من حوالي 24 مقاتلاً، فوزعناهما في البداية على بيتين واحد في رام الله والآخر في البيرة. لم يكن العدو قد تغلغل في البلد بعد. لكننا شعرنا ان البيت الذي في المصيون برام الله ربما أكتشف، فنقلنا الجميع إلى مغارتين واحدة جنوب قريتنا بيت عور الفوقا والأخرى شمال القرية في جبل اسمه شفا الروس (قفا الروش) في الجنوب وجبل القرينعة شمالها. حينها ايضا لم تكن وريات العدو الراجلة تدخل الجبال والأودية بعد.
كان علينا الاعتناء بأمنهم وتموينهم والتخطيط معهم لما يجب عمله. لا داع للتفاصيل بعد.
أوكلت أمي حليمة لأختي مريم وفاطمة أن يقمن بالخبز يوميا ل 24 مقاتلا، وأوكلنا إلى جميل ابن عمي إيصال المؤونة، وكان بيتي مقر الاستراحة للاستحمام ولذا هدموه يوم 15-12-1967 وجمعوا مخاتير المنطقة ووزعوا عليه منشورا يقول : "هكذا مصير المخربين". كانت هذه التهمة التي ثبتت ضدي بأنني قدمت مؤونة لأشخاص لم يكونوا مسلحين.
إذن اغتسل صاحبك في بيتي. كانت امي تعد لهم الماء الساخن على وابور الكاز بالطبع.
تقررت عملية مطار اللد، والتي على إثرها أُعلن اسم : "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" كنا في القيادة المتقدمة للضفة والقطاع :" ابوعلي مصطفى وعزمي الخواجا وأحمد خليفة وعبد الله العجرمي وأنا نفسي" .وأوصل العجرمي لأبي عرب القرار. وقرر ابو عرب يوم العملية، دون أن يخبرنا جرياً على السرية التامة. في تلك الليلة تحديداً نمت في البيت لأني كنت قد رتبت الأمور بدون توقع اي طارىء . كنت أنام في برج روماني في وسط القرية مليىء بالغلال والحيوانات والعلف والتبن. لذا، حين اعتقل أحد الرفاق قادهم إلى بيتي مع أنه كان الأكثر جرأة في الاشتباك. نعم صدق المثل الشعبي: "المراجل بتغيب وبتحضر". عرفوا بيتي وإسمي الحقيقي لأن احد الرفاق من قرى المنطقة وكان هو "الدليل" في التسلل من الأردن لم يكن ضبطه سهلا، فوقف على قمة جبل شفا الروش وقال: هل تعرفون ذلك البيت في وسط بيت عور الفوقا؟ قالوا لا: قال هذا بيت عادل سمارة. قالوا ومن هو: قال هو نادر سعيد اي اسمه الحركي.
لم ألتق بإبراهيم قط بعدها، حيث فرقتنا السجون. ولم اسمع عنه سوى حين التبادل، وحين قرأت تغريدتك الموجعة.
لمست في كتابك عنه كل ذلك الوجع، وربما وجع المقاتل في اتاقضه مع البيروقراطي كثيرة الأمور . لا حاجة ولا مساحة للإكثار هنا. ذلك لأن عصب الموقف هو الاصرار على النقاء والثبات حتى حينما صار النضال مقيدا حتى في الحلم. ربما كل سنة مضت على ارتحاله أراحته من الكثير من اسطبلات أوجياس التي نكافح كي ننظفها.
كثيرة هي الأمور المشتركة في تجربة القيد، ولكن لكل أمر حينه.
مضى الرجل، وبقينا نحن، بين القيد وبين فك الوحش، وبين التطبيع والمحاكم في بلد حاولنا تحريره. لكن لا ندم، لقد بذلنا ما يجب. ولعل الأهم في كل هذا أننا كنا لقمة المدفع في صراع لم يكن ولن يكون مع الكيان وحده، وهذا ليس تبريرا لعدم الانتصار، لكنه توضيح للقادمين بأننا نقارع الثورة المضادة باتساعها الجغرافي وكمونها تحت جلود الكثيرين. من هذا المدخل والمرتكز سينتصر الآتون.
إقرأ النص الكامل للكتاب
https://kanaanonline.org/2019/05/31/%d9%86%d8%b5-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d9%82%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d9%82%d8%a8%d9%80%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%80%d9%85%d8%a7%d8%a1%d8%8c-%d8%a5%d8%b9%d8%af%d8%a7/
● ● ●
قراءة عادل سمارة
رسالة إلى زوجة المناضل ابراهيم رجا سلامة
إقرأ النص الكامل للكتاب
عزيزتي السيدة زهرة كوسى،
الشعر لغة الإنسان في البدء بعد الموسيقى، لكنني من الذين قتلهم الاقتصاد السياسي باكراً فمات الشعر في نهاية المرحلة الثانوية.
لم أدرِ أن أبا عرب كتب الشعر. لكن دهشتي كانت كما حدثتك، فتغريدتك أعادتني أكثر من نصف قرن إلى زمن على تواضع إمكاناتنا كنا نشعر بأن زمام التاريخ في يدنا. كان شعور السيطرة على المكان والزمان معاً. قلت لنفسي، مدهش، فأنت لم تمت إذن رغم كل هذه الأهوال. لعله الجبن، أم نفر نتك الموت الذي لا يخشى أحداً؟ لست ادري. ولا أريد ان ادري، لكنني أدري أمرين:
أولهما: أنني كلما نهضت صباحا أبتسم حيث أجد ان راسي لم تزل بين كتفي.
وثانيهما: أن على الأوغاد أن يموتوا قبلنا.
جاء ابراهيم رجا سلامه إلى رام الله ضمن دورية يقودها من المقاتلين من الجبهتين الشعبية وجبهة التحرير كنا نسميها جماعة جبريل. أذكر من هؤلاء الرفاق محمد جابر شتا، تحسين الحلبي، حسام بامية فايز حسن، إبراهيم النجار فاروق سحويل، جميل سماره، صائب سويد (استشهد في الاشتباك قرب المطار)، جمعة أبو فارع ، رشدي ديدح ، إدريس، عبد العزيز حلوك، مجاهد جابر، خلف نصار (أبو الوفا) وغيرهم. أعلم أن بعضهم غادر الدنيا.
كان اللقاء على مقهى في رام الله وسط البلد تعود ملكيته للرفيق الراحل محمد عبد الله ربيع أحد قياديي حركة القوميين العرب حينها. استأجرناه كنقطة لقاء. وصلتنا حينها دوريتان من حوالي 24 مقاتلاً، فوزعناهما في البداية على بيتين واحد في رام الله والآخر في البيرة. لم يكن العدو قد تغلغل في البلد بعد. لكننا شعرنا ان البيت الذي في المصيون برام الله ربما أكتشف، فنقلنا الجميع إلى مغارتين واحدة جنوب قريتنا بيت عور الفوقا والأخرى شمال القرية في جبل اسمه شفا الروس (قفا الروش) في الجنوب وجبل القرينعة شمالها. حينها ايضا لم تكن وريات العدو الراجلة تدخل الجبال والأودية بعد.
كان علينا الاعتناء بأمنهم وتموينهم والتخطيط معهم لما يجب عمله. لا داع للتفاصيل بعد.
أوكلت أمي حليمة لأختي مريم وفاطمة أن يقمن بالخبز يوميا ل 24 مقاتلا، وأوكلنا إلى جميل ابن عمي إيصال المؤونة، وكان بيتي مقر الاستراحة للاستحمام ولذا هدموه يوم 15-12-1967 وجمعوا مخاتير المنطقة ووزعوا عليه منشورا يقول : "هكذا مصير المخربين". كانت هذه التهمة التي ثبتت ضدي بأنني قدمت مؤونة لأشخاص لم يكونوا مسلحين.
إذن اغتسل صاحبك في بيتي. كانت امي تعد لهم الماء الساخن على وابور الكاز بالطبع.
تقررت عملية مطار اللد، والتي على إثرها أُعلن اسم : "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" كنا في القيادة المتقدمة للضفة والقطاع :" ابوعلي مصطفى وعزمي الخواجا وأحمد خليفة وعبد الله العجرمي وأنا نفسي" .وأوصل العجرمي لأبي عرب القرار. وقرر ابو عرب يوم العملية، دون أن يخبرنا جرياً على السرية التامة. في تلك الليلة تحديداً نمت في البيت لأني كنت قد رتبت الأمور بدون توقع اي طارىء . كنت أنام في برج روماني في وسط القرية مليىء بالغلال والحيوانات والعلف والتبن. لذا، حين اعتقل أحد الرفاق قادهم إلى بيتي مع أنه كان الأكثر جرأة في الاشتباك. نعم صدق المثل الشعبي: "المراجل بتغيب وبتحضر". عرفوا بيتي وإسمي الحقيقي لأن احد الرفاق من قرى المنطقة وكان هو "الدليل" في التسلل من الأردن لم يكن ضبطه سهلا، فوقف على قمة جبل شفا الروش وقال: هل تعرفون ذلك البيت في وسط بيت عور الفوقا؟ قالوا لا: قال هذا بيت عادل سمارة. قالوا ومن هو: قال هو نادر سعيد اي اسمه الحركي.
لم ألتق بإبراهيم قط بعدها، حيث فرقتنا السجون. ولم اسمع عنه سوى حين التبادل، وحين قرأت تغريدتك الموجعة.
لمست في كتابك عنه كل ذلك الوجع، وربما وجع المقاتل في اتاقضه مع البيروقراطي كثيرة الأمور . لا حاجة ولا مساحة للإكثار هنا. ذلك لأن عصب الموقف هو الاصرار على النقاء والثبات حتى حينما صار النضال مقيدا حتى في الحلم. ربما كل سنة مضت على ارتحاله أراحته من الكثير من اسطبلات أوجياس التي نكافح كي ننظفها.
كثيرة هي الأمور المشتركة في تجربة القيد، ولكن لكل أمر حينه.
مضى الرجل، وبقينا نحن، بين القيد وبين فك الوحش، وبين التطبيع والمحاكم في بلد حاولنا تحريره. لكن لا ندم، لقد بذلنا ما يجب. ولعل الأهم في كل هذا أننا كنا لقمة المدفع في صراع لم يكن ولن يكون مع الكيان وحده، وهذا ليس تبريرا لعدم الانتصار، لكنه توضيح للقادمين بأننا نقارع الثورة المضادة باتساعها الجغرافي وكمونها تحت جلود الكثيرين. من هذا المدخل والمرتكز سينتصر الآتون.
إقرأ النص الكامل للكتاب
https://kanaanonline.org/2019/05/31/%d9%86%d8%b5-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d9%82%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d9%82%d8%a8%d9%80%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%80%d9%85%d8%a7%d8%a1%d8%8c-%d8%a5%d8%b9%d8%af%d8%a7/
● ● ●