“كورونا” الروسي
30.03.2020
إبراهيم العلوش
عنب بلدي
الاحد 29/3/2020
تلكأت روسيا في اتخاذ إجراءات الحجر الصحي، وتحايل النظام الروسي على الأمر، مرّة بحجة أن الغرب هو من صنع الفيروس، ومرة بحجة أن الدولة الروسية قويّة وغير خائفة من انتشار الفيروس، ولكن الحقيقة كانت في أن الفيروس نسف خطة بوتين للبقاء في الحكم حتى 2034.
في الوقت الذي كانت فيه الدول تنظم حملات التوعية وتغلق البيوت على أصحابها كان بوتين منشغلًا بتهنئة بشار الأسد بيوم الإسراء والمعراج، وقد أرسل وزير دفاعه شويغو ليقابله محاطًا بالجنرالات الروس، مع إصرار بشار الأسد على اتخاذ وضعية المنظّر والمرشد التي عهدناه فيها منذ خطاب القَسَم، مرورًا بخطاباته في الجامعة العربية عن سباق السيارات القديمة والجديدة.
شويغو في زيارته المفاجئة للمستعمرة السورية، في 23 من آذار الحالي، كان يحاول الإعداد لحملة جديدة ضد الشمال السوري، بحجة محاربة الإرهاب، ولأسباب روسية قد تُخرج الرئيس الروسي من حرجه الذي أوقف خطته بالبقاء في الحكم إلى الأبد، خاصة أن الإيرانيين متحمسون للحملة في ظروفهم الجديدة التي جعلت منهم أداة لحرب فيروسية ضد السوريين، فبمجرد أن تذكر كلمة إيراني أمام أي سوري فإنه سيفرُّ حتمًا بسبب فيروس “كورونا”، الذي صارت إيران وكيلته في الشرق الأوسط، وقد نالت هذه الوكالة من الخبراء الصينيين المعشعشين في قم، بالإضافة إلى وكالتها الدائمة كحاملة لشعلة الحروب الطائفية في المنطقة.
بتاريخ العاشر من آذار الحالي، وفي أثناء انعقاد مجلس الدوما الروسي، اقترحت رائدة الفضاء فالنتينا تيرشكوفا (83 عامًا) تصفير الفترات الرئاسية للرئيس بوتين التي ابتدأت عام 2000، خاصة أن الرئيس ينهي فترته الأخيرة في الحكم حسب الدستور عام 2024، وذلك بعد تصفير سابق تحايل فيه بوتين بتسلُّم منصب رئيس الوزراء، تفاجأ الجميع من هذا القرار المخابراتي الذي أعلنته النائبة تيرشكوفا وأقرّوا الاقتراح بذهول يشبه ذهول السوريين عند إقرار تغيير الدستور السوري من أجل أن يصبح عمر الرئيس دستوريًا بعمر بشار الأسد حصرًا في عام 2000، واستند المقترح، الذي تقدم به حينها بعض أعضاء مجلس الشعب السوري، إلى فتوى من فتاوى ابن تيمية، كسبب موجب لتغيير الدستور في دولة الأسد التي تدّعي العلمانية.
حدد البرلمان الروسي بعد اقتراح النائبة تيرشكوفا موعد الاستفتاء الدستوري لتصفير فترات حكم بوتين في 22 من نيسان المقبل، ولكن فيروس “كورونا” جاء بشكل مفاجئ وخرّب الإجراءات “الديمقراطية” الدستورية التي تزفُّ بوتين كحاكم أبدي لروسيا، ومن هنا انطلقت وسائل الإعلام الروسية بحملتها الشرسة ضد الغرب بأنه هو من صنع الفيروس ومن نشره لأسباب سياسية، ليعرقل نهضة روسيا والصين، وليخرّب عملية إعادة التدوير لنظام الأسد!وهكذا بدأت روسيا بنشر حملتها الإعلامية التي تسبق كل هجوم على المدن السورية وخاصة في الشمال، وادعت بأن طائرات بلا طيار قصفت مستعمرة حميميم الروسية، ومثل كل مرة، قالت إن الرادارات الروسية المتطورة لم تستطع رصدها لأنها مصنوعة من الخشب! فهذا هو السبب المباشر لعمليات التهجير التي قامت بها الطائرات الروسية لأكثر من مليون إنسان، إذ لا يهتمون حتى بإعادة صياغة السبب، فـ”الكليشيهات” الجاهزة تريح البال في إعلام الدول المستبدة، وفي تبرير نزوات الأقوياء ضد الفقراء والضعفاء من الناس!
ولكن فيروس “كورونا” كان غير آبه بالادعاءات الروسية، وأثار الرعب بين أوساط الشعب الروسي، ولم يعد بوتين قادرًا على إسكات الناس والإعلام العالمي حتى 22 من نيسان المقبل، موعد إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وقد اضطر أخيرًا لإيقاف الطيران الدولي وإغلاق المطاعم والمقاهي والدخول بالحجر الصحي، مودّعًا حيلته الدستورية التي نضجت وكادت أن تصبح حقيقة قانونية لولا المؤامرة الغربية ضد بوتين التي زرعت “كورونا” في دربه. وقد علّق أحد الإعلاميين الروس بأنه لو تغوّط كلب أمام الكرملين لخرج الناطق الرسمي قائلًا إن هذه العملية إساءة وراءها الغرب!
لم تنفع برقية التهنئة التي أرسلها بوتين لبشار الأسد بمناسبة الإسراء والمعراج، ولم تنفع زيارة شويغو، ولا الادعاءات المتكررة بهجوم غرهابي بـ”الدرون” على مستعمرة حميميم، لم تنجح كل تلك الوسائل المستهلكة بإعادة استئناف الحرب مؤقتًا على الأقل لتجاهل الانتشار الوبائي لـ”كورونا”، ولم تنفع كثير من الحركات الأخرى بإسكات الشعب الروسي حتى موعد الاستفتاء الدستوري، وفي ظل تزايد الوباء فقد لا تنفع حتى في قيام الاستعراض العسكري الذي سيقيمه الكرملين، في أيار المقبل، لأنواع جديدة من الأسلحة المجرّبة في سوريا، والتي حصدت ألوف السوريين وهجّرت مئات الألوف منهم بكفاءة منقطعة النظير، وانعدام تام لأي قيم أخلاقية في التعامل مع المدنيين السوريين!
هذا الاستعراض العسكري سيكون بمناسبة الانتصار على النازية، ولكنه في الحقيقة سيكون بمناسبة الحلول محلّ النازية كدور جديد لروسيا البوتينية، التي يحلم قادتها بتدمير سوريا، وحرق شعبها، كما فعل النازيون بالشعب اليهودي في الحرب العالمية الثانية، وضمن البروباغندا العنصرية التي اتخذت اليوم اسم محاربة الإرهاب!
30.03.2020
إبراهيم العلوش
عنب بلدي
الاحد 29/3/2020
تلكأت روسيا في اتخاذ إجراءات الحجر الصحي، وتحايل النظام الروسي على الأمر، مرّة بحجة أن الغرب هو من صنع الفيروس، ومرة بحجة أن الدولة الروسية قويّة وغير خائفة من انتشار الفيروس، ولكن الحقيقة كانت في أن الفيروس نسف خطة بوتين للبقاء في الحكم حتى 2034.
في الوقت الذي كانت فيه الدول تنظم حملات التوعية وتغلق البيوت على أصحابها كان بوتين منشغلًا بتهنئة بشار الأسد بيوم الإسراء والمعراج، وقد أرسل وزير دفاعه شويغو ليقابله محاطًا بالجنرالات الروس، مع إصرار بشار الأسد على اتخاذ وضعية المنظّر والمرشد التي عهدناه فيها منذ خطاب القَسَم، مرورًا بخطاباته في الجامعة العربية عن سباق السيارات القديمة والجديدة.
شويغو في زيارته المفاجئة للمستعمرة السورية، في 23 من آذار الحالي، كان يحاول الإعداد لحملة جديدة ضد الشمال السوري، بحجة محاربة الإرهاب، ولأسباب روسية قد تُخرج الرئيس الروسي من حرجه الذي أوقف خطته بالبقاء في الحكم إلى الأبد، خاصة أن الإيرانيين متحمسون للحملة في ظروفهم الجديدة التي جعلت منهم أداة لحرب فيروسية ضد السوريين، فبمجرد أن تذكر كلمة إيراني أمام أي سوري فإنه سيفرُّ حتمًا بسبب فيروس “كورونا”، الذي صارت إيران وكيلته في الشرق الأوسط، وقد نالت هذه الوكالة من الخبراء الصينيين المعشعشين في قم، بالإضافة إلى وكالتها الدائمة كحاملة لشعلة الحروب الطائفية في المنطقة.
بتاريخ العاشر من آذار الحالي، وفي أثناء انعقاد مجلس الدوما الروسي، اقترحت رائدة الفضاء فالنتينا تيرشكوفا (83 عامًا) تصفير الفترات الرئاسية للرئيس بوتين التي ابتدأت عام 2000، خاصة أن الرئيس ينهي فترته الأخيرة في الحكم حسب الدستور عام 2024، وذلك بعد تصفير سابق تحايل فيه بوتين بتسلُّم منصب رئيس الوزراء، تفاجأ الجميع من هذا القرار المخابراتي الذي أعلنته النائبة تيرشكوفا وأقرّوا الاقتراح بذهول يشبه ذهول السوريين عند إقرار تغيير الدستور السوري من أجل أن يصبح عمر الرئيس دستوريًا بعمر بشار الأسد حصرًا في عام 2000، واستند المقترح، الذي تقدم به حينها بعض أعضاء مجلس الشعب السوري، إلى فتوى من فتاوى ابن تيمية، كسبب موجب لتغيير الدستور في دولة الأسد التي تدّعي العلمانية.
حدد البرلمان الروسي بعد اقتراح النائبة تيرشكوفا موعد الاستفتاء الدستوري لتصفير فترات حكم بوتين في 22 من نيسان المقبل، ولكن فيروس “كورونا” جاء بشكل مفاجئ وخرّب الإجراءات “الديمقراطية” الدستورية التي تزفُّ بوتين كحاكم أبدي لروسيا، ومن هنا انطلقت وسائل الإعلام الروسية بحملتها الشرسة ضد الغرب بأنه هو من صنع الفيروس ومن نشره لأسباب سياسية، ليعرقل نهضة روسيا والصين، وليخرّب عملية إعادة التدوير لنظام الأسد!وهكذا بدأت روسيا بنشر حملتها الإعلامية التي تسبق كل هجوم على المدن السورية وخاصة في الشمال، وادعت بأن طائرات بلا طيار قصفت مستعمرة حميميم الروسية، ومثل كل مرة، قالت إن الرادارات الروسية المتطورة لم تستطع رصدها لأنها مصنوعة من الخشب! فهذا هو السبب المباشر لعمليات التهجير التي قامت بها الطائرات الروسية لأكثر من مليون إنسان، إذ لا يهتمون حتى بإعادة صياغة السبب، فـ”الكليشيهات” الجاهزة تريح البال في إعلام الدول المستبدة، وفي تبرير نزوات الأقوياء ضد الفقراء والضعفاء من الناس!
ولكن فيروس “كورونا” كان غير آبه بالادعاءات الروسية، وأثار الرعب بين أوساط الشعب الروسي، ولم يعد بوتين قادرًا على إسكات الناس والإعلام العالمي حتى 22 من نيسان المقبل، موعد إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وقد اضطر أخيرًا لإيقاف الطيران الدولي وإغلاق المطاعم والمقاهي والدخول بالحجر الصحي، مودّعًا حيلته الدستورية التي نضجت وكادت أن تصبح حقيقة قانونية لولا المؤامرة الغربية ضد بوتين التي زرعت “كورونا” في دربه. وقد علّق أحد الإعلاميين الروس بأنه لو تغوّط كلب أمام الكرملين لخرج الناطق الرسمي قائلًا إن هذه العملية إساءة وراءها الغرب!
لم تنفع برقية التهنئة التي أرسلها بوتين لبشار الأسد بمناسبة الإسراء والمعراج، ولم تنفع زيارة شويغو، ولا الادعاءات المتكررة بهجوم غرهابي بـ”الدرون” على مستعمرة حميميم، لم تنجح كل تلك الوسائل المستهلكة بإعادة استئناف الحرب مؤقتًا على الأقل لتجاهل الانتشار الوبائي لـ”كورونا”، ولم تنفع كثير من الحركات الأخرى بإسكات الشعب الروسي حتى موعد الاستفتاء الدستوري، وفي ظل تزايد الوباء فقد لا تنفع حتى في قيام الاستعراض العسكري الذي سيقيمه الكرملين، في أيار المقبل، لأنواع جديدة من الأسلحة المجرّبة في سوريا، والتي حصدت ألوف السوريين وهجّرت مئات الألوف منهم بكفاءة منقطعة النظير، وانعدام تام لأي قيم أخلاقية في التعامل مع المدنيين السوريين!
هذا الاستعراض العسكري سيكون بمناسبة الانتصار على النازية، ولكنه في الحقيقة سيكون بمناسبة الحلول محلّ النازية كدور جديد لروسيا البوتينية، التي يحلم قادتها بتدمير سوريا، وحرق شعبها، كما فعل النازيون بالشعب اليهودي في الحرب العالمية الثانية، وضمن البروباغندا العنصرية التي اتخذت اليوم اسم محاربة الإرهاب!