وهم الحرية وتحريك المجتمعات
مهندس سفيان ابراهيم
كاتب وناشط
هل حقاً نحن أحرارٌ أم أن هنالك من يستغلنا؟ وهل قراراتنا وسلوكياتنا المجتمعية هي تفسير لرغباتنا أم هي استجابة لمخططات الغير؟ ربما نُفاجئ إن علمنا بأن قراراتنا وانفعالاتنا مسيطر عليها وهنالك من ويوجهها ليحصرنا في زوايا تفكير ضيقة تخدم أهدافه المرحلية والاستراتيجية.
عادة ما يكون هؤلاء من أصحاب السلطة أو النفوذ مستخدمين كل الوسائل والأدوات المتوفرة لرسم الصورة النمطية المخطط لها مسبقا لدى أفراد المجتمع، فيصبح المجتمع مبرمج على ردة فعل محسوبة ومدروسة جيدا، إذا ما واجه أزمةً أو حدثاً معيناً مقصوداً ومفتعلاً، كأن يتم تغذية الاستقطاب أو مشاعر الكره وعدم الثقة بين طائفتين أو فئتين داخل المجتمع الواحد خلال فترة معينة، فتُرسم لا شعورياً صورة نمطية سلبية لدى الأفراد تجاه الأخر من خلال تطبيق استراتيجيات ذكية جداً، فلو حصل تفجير متعمد أو جريمة في منطقة مشبوهة استهدفت أحد هذه الطوائف حتما ستكون النتائج وردة الفعل كارثية وسير الانفعال تماما في الاتجاه المرسوم والمخطط له، حتى وإن كان هذا الطريق عبارة عن محرقة لمجتمع ٍ ما كان ليسلكه قبل فترة من الزمن، لكن ومن دون شعور يُدفع المجتمع كي يتبنى بإرادته أجندات تقوده نحو الهاوية، عادة ما تكون النتائج والمخرجات كارثية.
الإشكال المجتمعي الحاصل هنا هو أن الاستجابة للطارئ أو الأزمة وكذلك ردة الفعل أتت من مسلمات مسبقة قادته لانفعال لحظي مع مخرجات الأزمة النهائية، من دون الغوص لعمق وجذور المشكلة كذلك التعامل مع للأعراض الظاهرية من دون التشخيص الدقيق لأصل الحدث كمن ذهب يعالج ألم الرأس وتغافل عن الفيروس الذي استفحل فتكاً في الأحشاء.
من الأسباب التي قادت بعض المجتمعات لتبني اتجاهات خاطئة قلة وعي المجتمع نفسه وضيق دائرة التفكير للأفراد، بالتالي عدم إدراك حقيقي لما يحاك من خطط تستهدف المجتمع
هنالك الكثير من الشواهد لشعوب ومجتمعات سلكت طرقاً وتبنت خيارات عادت عليهم بنتائج كارثية، فكم رأينا من انفعالات مجتمعية كالمظاهرات والإضرابات والاعتصامات تصل إلى افتعال الحروب من أجل قضية في حقيقتها أو مخرجاتها تكون مضرة بمصالح هذا المجتمع، وتصب في صالح أجندات وجهات أخرى سواء أكانت داخلية أم خارجية ضللت المجتمع بأنه مضطر لتبني هكذا خيار. عادة ما يتم تشكيل اتجاهات المجتمع خلال الأزمات باستغلال الانفعالات الحاصلة، وعدم قدرة المجتمع المتأزم على التفكير بعمق، فتُستغل الأدوات المتوفرة لتشكيل توجهات جديدة تخدم أصحاب النفوذ تحديداً إن كانت درجة الاضطراب عالية ونسبة التفهم متواضعة في مجتمع غير متماسك.
عند الاطلاع على بعض الأزمات التي حصلت وتحليلها نجد أن أكثرها قد افتُعلت لدفع الناس لتبني موقف أو قرار معين، وإلا من غير المنطقي أن تحدث أزمة غاز في بلد مصدر للغاز أو أزمة خبز في بلد مخازنه مليئة بالقمح، كذلك عندما يحصل حادث أو تفجير في منطقة محمية ومحصنة يجب أن نعي تماما أن هكذا حوادث مقصودة ومفتعله، وهناك فاعل لديه القدرة على إحداث هذا الخرق يريد أن يجر المجتمع باتجاه معين أو للتغطية على حدث أكبر من الممكن أن يؤدي إلى صحوة الشارع، فلا وجود للصدف هنا.
هناك استراتيجيات كثيره مستخدمة تدفع المجتمع للمطالبة بإرادته باتخاذ إجراءات تضر بالفرد نفسه وتقيد حركته، على سبيل المثال وليس الحصر، كأن تعمل السلطة على تقييد حريات الشعب أو ترغب بتوفير القاعدة الجماهيرية لإصدار قرار أو البدء بمشروع معين فتسمح بعمليات الخطف والتخريب وتروج لها إعلامياً، ما يدفع المجتمع برغبته لمطالبة السلطة بنصب نقاط التفتيش وتشديد الإجراءات مع تحمل المضايقات وغض البصر عن حقوق الإنسان الطبيعية مطبقين لاستراتيجية "أخلق مشكلة ووفر الحل المسبق لها".
في الوقت الحاضر يستخدم الإعلام والدعاية بصورة كبيرة للترويج لهذه الأفكار في السيطرة على المجتمعات والشعوب عن طريق رسم بعض الصور النمطية وتغيير بعض القناعات بتوجيه رسائل ضمنية تخاطب العقل اللاواعي للأفراد لينال للأعلام والدعاية الدور الأبرز في تشكيل الرأي العام ورسم توجهات المجتمع، فالأفضل ألّا نصدق كل ما نراه في الإعلام ونعتبره الحقيقة الكاملة، إن علمنا أن الكثير من هذه الوسائل تخدم أجندات تتبعها، فبفضل الإعلام تنشأ مشاريع وتندثر أخرى وتفتعل أزمات وتختفي غيرها وتبرر الحروب والجرائم كذلك يستغل الإعلام في تغذية الاستقطاب الحاصل بين المكونات المختلفة وإشعال الخلافات بين الأيدولوجيات، عادة ما يخفي أصحاب السلطة والمشاريع أجنداتهم وخططهم باستخدام الإعلام والدعاية.
يتم توجيه الشعوب بالاتجاه الذي يخدم مصلحة أصحاب السلطة والنفوذ لخدمة أهدافهم أو شغلهم بأشياء تافهة تلهيهم عن المطالبة بحقوقهم من خلال استراتيجيات وخطط ذكية تعزز سعيهم ليبقى المجتمع بمستوى متواضع من الوعي والثقافة ويُدفع نحو الغباء كي لا يدرك المشاكل الحقيقية وأساس الأزمات الحاصلة.
مهندس سفيان ابراهيم
كاتب وناشط
هل حقاً نحن أحرارٌ أم أن هنالك من يستغلنا؟ وهل قراراتنا وسلوكياتنا المجتمعية هي تفسير لرغباتنا أم هي استجابة لمخططات الغير؟ ربما نُفاجئ إن علمنا بأن قراراتنا وانفعالاتنا مسيطر عليها وهنالك من ويوجهها ليحصرنا في زوايا تفكير ضيقة تخدم أهدافه المرحلية والاستراتيجية.
عادة ما يكون هؤلاء من أصحاب السلطة أو النفوذ مستخدمين كل الوسائل والأدوات المتوفرة لرسم الصورة النمطية المخطط لها مسبقا لدى أفراد المجتمع، فيصبح المجتمع مبرمج على ردة فعل محسوبة ومدروسة جيدا، إذا ما واجه أزمةً أو حدثاً معيناً مقصوداً ومفتعلاً، كأن يتم تغذية الاستقطاب أو مشاعر الكره وعدم الثقة بين طائفتين أو فئتين داخل المجتمع الواحد خلال فترة معينة، فتُرسم لا شعورياً صورة نمطية سلبية لدى الأفراد تجاه الأخر من خلال تطبيق استراتيجيات ذكية جداً، فلو حصل تفجير متعمد أو جريمة في منطقة مشبوهة استهدفت أحد هذه الطوائف حتما ستكون النتائج وردة الفعل كارثية وسير الانفعال تماما في الاتجاه المرسوم والمخطط له، حتى وإن كان هذا الطريق عبارة عن محرقة لمجتمع ٍ ما كان ليسلكه قبل فترة من الزمن، لكن ومن دون شعور يُدفع المجتمع كي يتبنى بإرادته أجندات تقوده نحو الهاوية، عادة ما تكون النتائج والمخرجات كارثية.
الإشكال المجتمعي الحاصل هنا هو أن الاستجابة للطارئ أو الأزمة وكذلك ردة الفعل أتت من مسلمات مسبقة قادته لانفعال لحظي مع مخرجات الأزمة النهائية، من دون الغوص لعمق وجذور المشكلة كذلك التعامل مع للأعراض الظاهرية من دون التشخيص الدقيق لأصل الحدث كمن ذهب يعالج ألم الرأس وتغافل عن الفيروس الذي استفحل فتكاً في الأحشاء.
من الأسباب التي قادت بعض المجتمعات لتبني اتجاهات خاطئة قلة وعي المجتمع نفسه وضيق دائرة التفكير للأفراد، بالتالي عدم إدراك حقيقي لما يحاك من خطط تستهدف المجتمع
هنالك الكثير من الشواهد لشعوب ومجتمعات سلكت طرقاً وتبنت خيارات عادت عليهم بنتائج كارثية، فكم رأينا من انفعالات مجتمعية كالمظاهرات والإضرابات والاعتصامات تصل إلى افتعال الحروب من أجل قضية في حقيقتها أو مخرجاتها تكون مضرة بمصالح هذا المجتمع، وتصب في صالح أجندات وجهات أخرى سواء أكانت داخلية أم خارجية ضللت المجتمع بأنه مضطر لتبني هكذا خيار. عادة ما يتم تشكيل اتجاهات المجتمع خلال الأزمات باستغلال الانفعالات الحاصلة، وعدم قدرة المجتمع المتأزم على التفكير بعمق، فتُستغل الأدوات المتوفرة لتشكيل توجهات جديدة تخدم أصحاب النفوذ تحديداً إن كانت درجة الاضطراب عالية ونسبة التفهم متواضعة في مجتمع غير متماسك.
عند الاطلاع على بعض الأزمات التي حصلت وتحليلها نجد أن أكثرها قد افتُعلت لدفع الناس لتبني موقف أو قرار معين، وإلا من غير المنطقي أن تحدث أزمة غاز في بلد مصدر للغاز أو أزمة خبز في بلد مخازنه مليئة بالقمح، كذلك عندما يحصل حادث أو تفجير في منطقة محمية ومحصنة يجب أن نعي تماما أن هكذا حوادث مقصودة ومفتعله، وهناك فاعل لديه القدرة على إحداث هذا الخرق يريد أن يجر المجتمع باتجاه معين أو للتغطية على حدث أكبر من الممكن أن يؤدي إلى صحوة الشارع، فلا وجود للصدف هنا.
هناك استراتيجيات كثيره مستخدمة تدفع المجتمع للمطالبة بإرادته باتخاذ إجراءات تضر بالفرد نفسه وتقيد حركته، على سبيل المثال وليس الحصر، كأن تعمل السلطة على تقييد حريات الشعب أو ترغب بتوفير القاعدة الجماهيرية لإصدار قرار أو البدء بمشروع معين فتسمح بعمليات الخطف والتخريب وتروج لها إعلامياً، ما يدفع المجتمع برغبته لمطالبة السلطة بنصب نقاط التفتيش وتشديد الإجراءات مع تحمل المضايقات وغض البصر عن حقوق الإنسان الطبيعية مطبقين لاستراتيجية "أخلق مشكلة ووفر الحل المسبق لها".
في الوقت الحاضر يستخدم الإعلام والدعاية بصورة كبيرة للترويج لهذه الأفكار في السيطرة على المجتمعات والشعوب عن طريق رسم بعض الصور النمطية وتغيير بعض القناعات بتوجيه رسائل ضمنية تخاطب العقل اللاواعي للأفراد لينال للأعلام والدعاية الدور الأبرز في تشكيل الرأي العام ورسم توجهات المجتمع، فالأفضل ألّا نصدق كل ما نراه في الإعلام ونعتبره الحقيقة الكاملة، إن علمنا أن الكثير من هذه الوسائل تخدم أجندات تتبعها، فبفضل الإعلام تنشأ مشاريع وتندثر أخرى وتفتعل أزمات وتختفي غيرها وتبرر الحروب والجرائم كذلك يستغل الإعلام في تغذية الاستقطاب الحاصل بين المكونات المختلفة وإشعال الخلافات بين الأيدولوجيات، عادة ما يخفي أصحاب السلطة والمشاريع أجنداتهم وخططهم باستخدام الإعلام والدعاية.
يتم توجيه الشعوب بالاتجاه الذي يخدم مصلحة أصحاب السلطة والنفوذ لخدمة أهدافهم أو شغلهم بأشياء تافهة تلهيهم عن المطالبة بحقوقهم من خلال استراتيجيات وخطط ذكية تعزز سعيهم ليبقى المجتمع بمستوى متواضع من الوعي والثقافة ويُدفع نحو الغباء كي لا يدرك المشاكل الحقيقية وأساس الأزمات الحاصلة.