أدب وسياسة - حكمة محمدية في مواجهة الجائحة الاقتصادية الكونية
21.04.2020
زهير سالم
وأكتب هذا تحت عنوان " أدب وسياسة " ، وربما يتساءل البعض هل يمكن أن تدمج النصوص الشرعية من قرآن كريم وحديث شريف تحت مظلة التعبيرات الأدبية ، على الرغم من قدسيتها وفرادتها وتعاليها ..؟؟
وأقول نعم ، وأعطي لغيري الحق أن يقول ، وكان من المتأخرين الذين أقول بقولهم الداعية الكبير أبو الحسن الندوي وغيره ..
وحين نُعنى نحن الناس بالجائحة الإنسانية الكونية وما تسببه للبشرية من ألم وفقد وخسارة ، وتظل أعيننا منصبة على بعدها هذا .. يدرك المتابعون لبعدها الاقتصادي الانعكاس المدمر على اقتصادات الدول والشركات والأفراد حول العالم . وكان العامة في عالمنا يختصرون تصوير مثل هذه الجائحة الاقتصادية بقولهم : " ضع بيت مال وضع بطّال " وقولهم " الذي ينقص يخلص " يعني ينفد ..
وهكذا تجد الحكومات والشركات هذه الأيام نفسها أمام جائحة حقيقية . الحكومة أو الشركة يمكن أن تمثل بكل بساطة بأسرة توقف كاسبها عن الكسب ، بينما استمرت نفقاته في الاستحقاق !!
ربما نستعيد لتقريب الحالة الجائحة بمسائل : الصنبور والحوض والمصرف ، وسؤال متى يمتلئ الحوض . أو متى يفرغ الحوض ، الذي طالما درب المربون عقولنا الصغيرة عليه ونحن طلبة في المدرسة الابتدائية . والصورة المعروضة اليوم . وأغلقت الحنفية فمتى يفرغ الحوض ، وطبعا سيعتمد ذلك على حجم الوفر الكائن قبلا ، وعلى سرعة تدفق الماء من المصرف ..
وربما من المفيد أن نذكر في وسط هذه الجائحة أنه حتى ثمرات الأرض التي لا تزال تدر بفعل الاستمرار ، يقضي عليها بالفساد والتلف هذا الحصار ، فهنا حليب يسكب ، وهناك ثمر يتلف !!
وندرك من الواقع أن الجائحة تزيد من أعباء رب الأسرة " الحكومة " ببعدين أساسيين ، بما تتطلبه الجائحة من أشكال الرعاية الصحية بأبعادها ، وبما تحدثه الإجراءات من خلل يزيد الثغرات والأعباء في متوالية تصاعدية يتحمل عبئها كل الناس على السواء.
وأمام كل هذه المعطيات ، نعود لنؤكد ، منطلقين من مقتضيات إنسانيتنا ، ومن الإدراك لأهمية البعدين الإنساني والاقتصادي فيما تخلفه الجائحة ..
أنه يجب أن يبقى الشعار الأول المطروح على مستوى العالم ، وعلى مستوى الدول والحكومات والتجمعات والجماعات هو : الإنسان أولا ؛ الإنسان أولا ، حياته وصحته ، دون تمييز ودون تسييس ، ودون عنصرية ..
الإنسان ثم الاقتصاد ، على أهمية ما يقتضيه الاقتصاد ، ودون غفلة عن الدائرة المغلقة في العلاقة بين المعلول والعلة أو بين الحفاظ على الإنسان و الحفاظ على الاقتصاد .
ندرك جميعا من حجم التصريحات المختلطة بالفرث والدم ، لبعض قادة العالم أن أولويتهم الأولى لم تكن الإنسان ، بل كانت الاقتصاد وليس الإنسان ، وأن هؤلاء قد أعلنوا منذ البداية لتقديم هذه الأولوية ، وهم قد بدؤوا بالقول للناس : استعدوا لفقد أحبابكم ؛ ولم يعدم هؤلاء منذ البداية أيضا أطباء وعلماء يسندون إليهم رؤيتهم ، أطباء من الذين يسخرون خبرتهم الطبية في مقرات تعذيب البشر ، للعبث بطريقة علمية أنجع وأسرع في مراكز الألم في الجسم الآدمي . ولم تكن النازية والفاشية والستالينية وحدها من استعانت بهم ، أو استندت إلى مشورتهم !!
ولقد كان لهذه الرؤى المدمرة أبعادها في تكريس الكارثة وتوسيع دائرتها وامتدادها !!
وقد واجه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل هذه الجائحة في حياته العملية أكثر من مرة ، وقد كان مرة بعد مرة يرشد الناس إلى طريقة تجاوز الأزمات . ففي حديث له يمتدح الأشعريين ، وهم قوم من أهل الإيمان والحكمة ، يقول بأنهم إذا أملقوا في سفر أو في المدينة أي في حضر ، يجمعون ما عندهم في وعاء واحد ثم يقتسمونه على السواء ..
ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في سفر ، فيتحسس في بعض الناس حوله قلة وحاجة فيطلق نداءه المشهور : من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان عنده فضل ماء فليعد به على من لا مال له ، ومن كان عنده فضل ظهر ، ما يركب من الدواب ، فليعد به على من لا ظهر له .... يقول الصحابي راوي الحديث فذكر أنواعا من المال حتى ظننا أن لا حق لأحدنا في فضل ..
نعم في مثل هذه الجوائح الكبرى تسقط الحقوق الفردية لمصلحة الحق الجماعي ، في إطار من التراتبية المنظمة لمن يملك ومن يستحق !!
وتقيد حقوق الملكية الفردية ، ونعلم أنها هي ركيزة من ركائز الفطرة الإنسانية الأولية . ونعلم أنه لو كان لابن آدم واديان من ذهب ، لابتغى لهما ثالثا .. ولو كان في مثل هذا الظرف يجب أن يكون لها سقفا معلوما محفوظا ..
ويقع الحل العام على هدي الحكمة المحمدية اليوم على كاهل أصحاب الفضول من دول وشركات وأفراد .. نتكلم عن أصحاب المليارات ، ونسأل الله أن توصلنا الجائحة إلى الحديث عن أصحاب الملايين !!
أصحاب المليارات لن يأكلوا ملياراتهم ، ولن يأخذوها معهم ، ومن لم تطب نفسه لحفظ أصله ، يجب أن يطيبها أو يطوعها قانون أممي عام يأخذ من الواحد ليعطي المليار .
وندرك في هذا العالم أن الفروق بين الدول في بناها الاقتصادية كالفروق بين الأفراد ..وآن الأوان أن يرى الناس لمجلس الأمن الدولي ، وللجمعية العامة للأمم المتحدة، وجها جميلا بعد ما يقرب من ثمانية عقود من التأسيس وحماية الظلم والظالمين..
ينتظر الناس من مجلس الأمن الدولي ، ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومن كل المؤسسات والمنظمات المنبثقة أو الداعمة قرارا ببندين ، ويجب أن لايسقطه فيتو :
الأول وقف الإنفاق العالمي على أي شكل من أشكال الهدر مثل الإنفاق على الحروب ، أو على القتل والتدمير أو على مشروعات العظمة الفارغة والغرور القاتل ..
والثاني إعطاء الأولوية الأولى في الإنفاق العالمي لصحة الإنسان وكفايته . وعلى قاعدة أن الناس سواسية كأسنان المشط ...
وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الضامن والكفيل : لصحة الناس وعيشهم . هذا هو الوجه الجميل للعولمة الذي انتظرناه كما غودو حتى يئسنا منه وافتقدناه ..وليست العولمة أن تقصفني بالطائرات حتى أشرب الكولا وألبس الجينز ..
( وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ )
لندن : 27 / شعبان / 1441
20/ 4/ 2020
_____________
*مدير مركز الشرق العربي
21.04.2020
زهير سالم
وأكتب هذا تحت عنوان " أدب وسياسة " ، وربما يتساءل البعض هل يمكن أن تدمج النصوص الشرعية من قرآن كريم وحديث شريف تحت مظلة التعبيرات الأدبية ، على الرغم من قدسيتها وفرادتها وتعاليها ..؟؟
وأقول نعم ، وأعطي لغيري الحق أن يقول ، وكان من المتأخرين الذين أقول بقولهم الداعية الكبير أبو الحسن الندوي وغيره ..
وحين نُعنى نحن الناس بالجائحة الإنسانية الكونية وما تسببه للبشرية من ألم وفقد وخسارة ، وتظل أعيننا منصبة على بعدها هذا .. يدرك المتابعون لبعدها الاقتصادي الانعكاس المدمر على اقتصادات الدول والشركات والأفراد حول العالم . وكان العامة في عالمنا يختصرون تصوير مثل هذه الجائحة الاقتصادية بقولهم : " ضع بيت مال وضع بطّال " وقولهم " الذي ينقص يخلص " يعني ينفد ..
وهكذا تجد الحكومات والشركات هذه الأيام نفسها أمام جائحة حقيقية . الحكومة أو الشركة يمكن أن تمثل بكل بساطة بأسرة توقف كاسبها عن الكسب ، بينما استمرت نفقاته في الاستحقاق !!
ربما نستعيد لتقريب الحالة الجائحة بمسائل : الصنبور والحوض والمصرف ، وسؤال متى يمتلئ الحوض . أو متى يفرغ الحوض ، الذي طالما درب المربون عقولنا الصغيرة عليه ونحن طلبة في المدرسة الابتدائية . والصورة المعروضة اليوم . وأغلقت الحنفية فمتى يفرغ الحوض ، وطبعا سيعتمد ذلك على حجم الوفر الكائن قبلا ، وعلى سرعة تدفق الماء من المصرف ..
وربما من المفيد أن نذكر في وسط هذه الجائحة أنه حتى ثمرات الأرض التي لا تزال تدر بفعل الاستمرار ، يقضي عليها بالفساد والتلف هذا الحصار ، فهنا حليب يسكب ، وهناك ثمر يتلف !!
وندرك من الواقع أن الجائحة تزيد من أعباء رب الأسرة " الحكومة " ببعدين أساسيين ، بما تتطلبه الجائحة من أشكال الرعاية الصحية بأبعادها ، وبما تحدثه الإجراءات من خلل يزيد الثغرات والأعباء في متوالية تصاعدية يتحمل عبئها كل الناس على السواء.
وأمام كل هذه المعطيات ، نعود لنؤكد ، منطلقين من مقتضيات إنسانيتنا ، ومن الإدراك لأهمية البعدين الإنساني والاقتصادي فيما تخلفه الجائحة ..
أنه يجب أن يبقى الشعار الأول المطروح على مستوى العالم ، وعلى مستوى الدول والحكومات والتجمعات والجماعات هو : الإنسان أولا ؛ الإنسان أولا ، حياته وصحته ، دون تمييز ودون تسييس ، ودون عنصرية ..
الإنسان ثم الاقتصاد ، على أهمية ما يقتضيه الاقتصاد ، ودون غفلة عن الدائرة المغلقة في العلاقة بين المعلول والعلة أو بين الحفاظ على الإنسان و الحفاظ على الاقتصاد .
ندرك جميعا من حجم التصريحات المختلطة بالفرث والدم ، لبعض قادة العالم أن أولويتهم الأولى لم تكن الإنسان ، بل كانت الاقتصاد وليس الإنسان ، وأن هؤلاء قد أعلنوا منذ البداية لتقديم هذه الأولوية ، وهم قد بدؤوا بالقول للناس : استعدوا لفقد أحبابكم ؛ ولم يعدم هؤلاء منذ البداية أيضا أطباء وعلماء يسندون إليهم رؤيتهم ، أطباء من الذين يسخرون خبرتهم الطبية في مقرات تعذيب البشر ، للعبث بطريقة علمية أنجع وأسرع في مراكز الألم في الجسم الآدمي . ولم تكن النازية والفاشية والستالينية وحدها من استعانت بهم ، أو استندت إلى مشورتهم !!
ولقد كان لهذه الرؤى المدمرة أبعادها في تكريس الكارثة وتوسيع دائرتها وامتدادها !!
وقد واجه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل هذه الجائحة في حياته العملية أكثر من مرة ، وقد كان مرة بعد مرة يرشد الناس إلى طريقة تجاوز الأزمات . ففي حديث له يمتدح الأشعريين ، وهم قوم من أهل الإيمان والحكمة ، يقول بأنهم إذا أملقوا في سفر أو في المدينة أي في حضر ، يجمعون ما عندهم في وعاء واحد ثم يقتسمونه على السواء ..
ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في سفر ، فيتحسس في بعض الناس حوله قلة وحاجة فيطلق نداءه المشهور : من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان عنده فضل ماء فليعد به على من لا مال له ، ومن كان عنده فضل ظهر ، ما يركب من الدواب ، فليعد به على من لا ظهر له .... يقول الصحابي راوي الحديث فذكر أنواعا من المال حتى ظننا أن لا حق لأحدنا في فضل ..
نعم في مثل هذه الجوائح الكبرى تسقط الحقوق الفردية لمصلحة الحق الجماعي ، في إطار من التراتبية المنظمة لمن يملك ومن يستحق !!
وتقيد حقوق الملكية الفردية ، ونعلم أنها هي ركيزة من ركائز الفطرة الإنسانية الأولية . ونعلم أنه لو كان لابن آدم واديان من ذهب ، لابتغى لهما ثالثا .. ولو كان في مثل هذا الظرف يجب أن يكون لها سقفا معلوما محفوظا ..
ويقع الحل العام على هدي الحكمة المحمدية اليوم على كاهل أصحاب الفضول من دول وشركات وأفراد .. نتكلم عن أصحاب المليارات ، ونسأل الله أن توصلنا الجائحة إلى الحديث عن أصحاب الملايين !!
أصحاب المليارات لن يأكلوا ملياراتهم ، ولن يأخذوها معهم ، ومن لم تطب نفسه لحفظ أصله ، يجب أن يطيبها أو يطوعها قانون أممي عام يأخذ من الواحد ليعطي المليار .
وندرك في هذا العالم أن الفروق بين الدول في بناها الاقتصادية كالفروق بين الأفراد ..وآن الأوان أن يرى الناس لمجلس الأمن الدولي ، وللجمعية العامة للأمم المتحدة، وجها جميلا بعد ما يقرب من ثمانية عقود من التأسيس وحماية الظلم والظالمين..
ينتظر الناس من مجلس الأمن الدولي ، ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومن كل المؤسسات والمنظمات المنبثقة أو الداعمة قرارا ببندين ، ويجب أن لايسقطه فيتو :
الأول وقف الإنفاق العالمي على أي شكل من أشكال الهدر مثل الإنفاق على الحروب ، أو على القتل والتدمير أو على مشروعات العظمة الفارغة والغرور القاتل ..
والثاني إعطاء الأولوية الأولى في الإنفاق العالمي لصحة الإنسان وكفايته . وعلى قاعدة أن الناس سواسية كأسنان المشط ...
وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي الضامن والكفيل : لصحة الناس وعيشهم . هذا هو الوجه الجميل للعولمة الذي انتظرناه كما غودو حتى يئسنا منه وافتقدناه ..وليست العولمة أن تقصفني بالطائرات حتى أشرب الكولا وألبس الجينز ..
( وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ )
لندن : 27 / شعبان / 1441
20/ 4/ 2020
_____________
*مدير مركز الشرق العربي