تبديل المصنع بالبيت والنقابة والطبقة بالفرد
عادل سماره
يقف تطوير التكنولوجيا في مواجهة قوة العمل رغم الاعتقاد أن تخلص موقع إنتاج من العمال يقترن بفتح مجالات عمل أخرى حتى في النظام الراسمالي. ولكن هناك فارق بين الحديث التجريدي عن خلق مجالات عمل جديدة وبين حقيقة أن راس المال يقوم بقصد بتفكيك الطبقة العاملة بغض النظر عن تخليق مجالات تشغيل أخرى، هذا إن لم ننظر في إحلال الروبط محل الإنسان في مسعى لعدم دفع الأجرة حتى على تدنيها لأن الهدف ليس العلم بل الربح اللامحدود.
درس ماركس هذه المسألة في نظرية التعويض، ولكن لاحقاً حدثت قفزة كبرى في تفكيك الطبقة العاملة منذ سبعينات القرن الماضي على يد تصدير راس المال العامل الإنتاجي Productive Working Capital من المركز إلى المحيط. نتجت عن هذا تفارقات واضحة وتباعدات داخل الطبقة العاملة نفسها سواء في المركز أو المحيط:
في المركز رأينا:
عمال الاقتصاد الجديد الهاي تك
عمال القطاع الصناعي التقليدي
عمال الخدمات
عمال نصف دوام وعاطلين عن العمل...الخ
عمال الدرجة الثانية،النساء، المهاجرون،السود، المكسيكانواللاتينو-في امريكا،...الخ
قاد هذا التفكك إلى ضعف الجذب النقابي لصالح الطبقة الرأسمالية التي غادرت تدريجيا اللعبة الديمقراطية لتتركز السلطة بيد أوليغارشية يتناقص عددها وتتكدس ثرواتها كما نتج عنه ضعف القوى الثورية وهو ضعف قاد إلى إضعاف التوجه إليها حتى لأهداف نقابية.
وترافق تصدير رأس المال العامل الإنتاجي مع مرحلة الفوردية في المركز ايضا حيث انحسر عدد العمال في القطاع الصناعي قليل العدد كما ترافق مع تضاؤل العدد تدني الوعي السياسي أو التباس الوعي. ورغم أن الطبقات الشعبية قد اتسع عددها حيث أُضيفت لها النساء والمهاجرون مما لعب دورا في عجزها عن تحقيق إصلاحات ناهيك عن عزوفها عن عضوية الأحزاب لأنها اي الأخيرة لم تعد محط ثقة."... قاد هذا الوضع الهش إلى رواج أوهام المابعد حداثيين بأن المجتمع المدني قادر على تغيير الوضع، بينما هو عاجز عن تغيير حكومة"- كما كتب سمير امين.
وبنقل صناعات إلى المحيط اصبح تركيب الطبقات الشعبية هناك بما فيها الطبقة العاملة على النحو التقريبي التالي:
عمال لصالح الشركات الأجنبية التي دخلت البلاد باجور أعلى من مواقع العمل المحلية
عمال قطاع الاقتصاد المحلي
عمال الخدمات.
وقطاعات واسعة من العاطلين عن العمل وخاصة النساء والمهمشين...الخ.
وفي هذه الحالة ايضا، زاد ضعف وجذب العمل النقابي على الرغم من انتهاك حقوق العمال محليا وغياب الضمانات بتواطؤ السلطة مع الشركات الأجنبية وراس المال المحلي.
في مقابل تفكك الطبقة العاملة حتى على صعيد البلد الواحد يتجذر التحالف المعولم بين برجوازية المركز وكمبرادور المحيط حيث حول هذا التحالف معظم الكوكب إلى قطاع عام رأسمالي معولم لصالحها. ولا نعتقد أن جائحة كورونا التي أرعبت حكومات المركز فأغلقت كل واحدة أبوابها عن الأخرى سوف تستمر هكذا خاصة وأن ورطة التباعد فتحت أبواب تقارب العديد من البلدان مع الصين الشعبية الخصم المتقدم باضطراد.
هذا التحالف الطبقي المعولم المكون من مركز ومحيط هو الذي ورث تفكك معسكر عدم الانحياز وخاصة الدول منه التي تبنت سياسات إحلال الواردات، أو حتى خطى اولية نحو الاشتراكية، وأحل محل هذه السياسات اقتصادات التصنيع الموجه للتصدير والتبعية بتنوعاتها والانفتاح الاقتصادي وخاصة للاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment، الذي من نتائجه تصدير رأس المال العامل الإنتاجي والذي اختلفت مواقف دول المحيط في التعاطي معه بين:
تبعية معمقة حيث تحولت الدولة إلى خادم للشركات الأجنبية
أنظمة ريعية لا تنموية رغم وجود الفائض حيث غدت مخلب قط لخدمة إرهاب الإمبريالية ضد شعوبها والعالم وخاصة بلدان الخليج.
دول استخدمت راس المال الأجنبي في تصنيع موطَّن مع نقل التكنولوجيا وصولا إلى إنتاج ال هاي تك مثل الصين .
مع انتشار وباء كورونا لم تتوقف معظم حكومات العالم عند إغلاق الحدود بل فرضت إغلاق البيوت الأمر الذي قاد إلى بطالة شبه تامة، وتفكيك ما أمكن من مواقع الإنتاج وتوزيعها منزليا. ليست هذه بداية نقل العمل إلى المنازل فقد كتب عن هذا إنجلز منذ القرن التاسع عشر وخاصة في مانشستر في بريطانيا حيث كان يتم تشغيل الصبية والنساء في البيوت في الغزل والصباغة والنسيج...الخ.
ومع تطور التقنية، أصبح بالإمكان تشغيل العمالة من البيوت وخاصة التكنولوجيا المتقدمة المرتبطة بشبكات الإنترنيت. وهذا لم يفكك الطبقة العاملة وحسب، بل قاد إلى تحكم راس المال في الأجور أكثر وخلق شريحة عمالية من عمالة يدوية وأخرى متقدمة تقنيا بشكل كبير جدا مع تفاوت أجور هذه الشريحة أيضا.
ويبدو أن تجربة الإغلاق سوف تُسهِّل على رأس المال مواصلة تفكيك الطبقة العاملة مما يزيد من تراجع وعيها الثقافي وخاصة السياسي الطبقي. الجلوس في البيت عامل تفكيك طبقي واجتماعي وفردانية مطلقة بلا احتجاج ولا تفاعل بشري.
عادل سماره
يقف تطوير التكنولوجيا في مواجهة قوة العمل رغم الاعتقاد أن تخلص موقع إنتاج من العمال يقترن بفتح مجالات عمل أخرى حتى في النظام الراسمالي. ولكن هناك فارق بين الحديث التجريدي عن خلق مجالات عمل جديدة وبين حقيقة أن راس المال يقوم بقصد بتفكيك الطبقة العاملة بغض النظر عن تخليق مجالات تشغيل أخرى، هذا إن لم ننظر في إحلال الروبط محل الإنسان في مسعى لعدم دفع الأجرة حتى على تدنيها لأن الهدف ليس العلم بل الربح اللامحدود.
درس ماركس هذه المسألة في نظرية التعويض، ولكن لاحقاً حدثت قفزة كبرى في تفكيك الطبقة العاملة منذ سبعينات القرن الماضي على يد تصدير راس المال العامل الإنتاجي Productive Working Capital من المركز إلى المحيط. نتجت عن هذا تفارقات واضحة وتباعدات داخل الطبقة العاملة نفسها سواء في المركز أو المحيط:
في المركز رأينا:
عمال الاقتصاد الجديد الهاي تك
عمال القطاع الصناعي التقليدي
عمال الخدمات
عمال نصف دوام وعاطلين عن العمل...الخ
عمال الدرجة الثانية،النساء، المهاجرون،السود، المكسيكانواللاتينو-في امريكا،...الخ
قاد هذا التفكك إلى ضعف الجذب النقابي لصالح الطبقة الرأسمالية التي غادرت تدريجيا اللعبة الديمقراطية لتتركز السلطة بيد أوليغارشية يتناقص عددها وتتكدس ثرواتها كما نتج عنه ضعف القوى الثورية وهو ضعف قاد إلى إضعاف التوجه إليها حتى لأهداف نقابية.
وترافق تصدير رأس المال العامل الإنتاجي مع مرحلة الفوردية في المركز ايضا حيث انحسر عدد العمال في القطاع الصناعي قليل العدد كما ترافق مع تضاؤل العدد تدني الوعي السياسي أو التباس الوعي. ورغم أن الطبقات الشعبية قد اتسع عددها حيث أُضيفت لها النساء والمهاجرون مما لعب دورا في عجزها عن تحقيق إصلاحات ناهيك عن عزوفها عن عضوية الأحزاب لأنها اي الأخيرة لم تعد محط ثقة."... قاد هذا الوضع الهش إلى رواج أوهام المابعد حداثيين بأن المجتمع المدني قادر على تغيير الوضع، بينما هو عاجز عن تغيير حكومة"- كما كتب سمير امين.
وبنقل صناعات إلى المحيط اصبح تركيب الطبقات الشعبية هناك بما فيها الطبقة العاملة على النحو التقريبي التالي:
عمال لصالح الشركات الأجنبية التي دخلت البلاد باجور أعلى من مواقع العمل المحلية
عمال قطاع الاقتصاد المحلي
عمال الخدمات.
وقطاعات واسعة من العاطلين عن العمل وخاصة النساء والمهمشين...الخ.
وفي هذه الحالة ايضا، زاد ضعف وجذب العمل النقابي على الرغم من انتهاك حقوق العمال محليا وغياب الضمانات بتواطؤ السلطة مع الشركات الأجنبية وراس المال المحلي.
في مقابل تفكك الطبقة العاملة حتى على صعيد البلد الواحد يتجذر التحالف المعولم بين برجوازية المركز وكمبرادور المحيط حيث حول هذا التحالف معظم الكوكب إلى قطاع عام رأسمالي معولم لصالحها. ولا نعتقد أن جائحة كورونا التي أرعبت حكومات المركز فأغلقت كل واحدة أبوابها عن الأخرى سوف تستمر هكذا خاصة وأن ورطة التباعد فتحت أبواب تقارب العديد من البلدان مع الصين الشعبية الخصم المتقدم باضطراد.
هذا التحالف الطبقي المعولم المكون من مركز ومحيط هو الذي ورث تفكك معسكر عدم الانحياز وخاصة الدول منه التي تبنت سياسات إحلال الواردات، أو حتى خطى اولية نحو الاشتراكية، وأحل محل هذه السياسات اقتصادات التصنيع الموجه للتصدير والتبعية بتنوعاتها والانفتاح الاقتصادي وخاصة للاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment، الذي من نتائجه تصدير رأس المال العامل الإنتاجي والذي اختلفت مواقف دول المحيط في التعاطي معه بين:
تبعية معمقة حيث تحولت الدولة إلى خادم للشركات الأجنبية
أنظمة ريعية لا تنموية رغم وجود الفائض حيث غدت مخلب قط لخدمة إرهاب الإمبريالية ضد شعوبها والعالم وخاصة بلدان الخليج.
دول استخدمت راس المال الأجنبي في تصنيع موطَّن مع نقل التكنولوجيا وصولا إلى إنتاج ال هاي تك مثل الصين .
مع انتشار وباء كورونا لم تتوقف معظم حكومات العالم عند إغلاق الحدود بل فرضت إغلاق البيوت الأمر الذي قاد إلى بطالة شبه تامة، وتفكيك ما أمكن من مواقع الإنتاج وتوزيعها منزليا. ليست هذه بداية نقل العمل إلى المنازل فقد كتب عن هذا إنجلز منذ القرن التاسع عشر وخاصة في مانشستر في بريطانيا حيث كان يتم تشغيل الصبية والنساء في البيوت في الغزل والصباغة والنسيج...الخ.
ومع تطور التقنية، أصبح بالإمكان تشغيل العمالة من البيوت وخاصة التكنولوجيا المتقدمة المرتبطة بشبكات الإنترنيت. وهذا لم يفكك الطبقة العاملة وحسب، بل قاد إلى تحكم راس المال في الأجور أكثر وخلق شريحة عمالية من عمالة يدوية وأخرى متقدمة تقنيا بشكل كبير جدا مع تفاوت أجور هذه الشريحة أيضا.
ويبدو أن تجربة الإغلاق سوف تُسهِّل على رأس المال مواصلة تفكيك الطبقة العاملة مما يزيد من تراجع وعيها الثقافي وخاصة السياسي الطبقي. الجلوس في البيت عامل تفكيك طبقي واجتماعي وفردانية مطلقة بلا احتجاج ولا تفاعل بشري.