حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) Hitskin_logo Hitskin.com

هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداكالرجوع الى صفحة بيانات التصميم

نبيل - القدس
الا ان مجرد القراءة والمتعة الفكرية لن يكون له اي تاثير في من يتابع هذه المواضيع الا اذا تم التفكر والتدبر بها وفهم واقعها بدقة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

نبيل - القدس
الا ان مجرد القراءة والمتعة الفكرية لن يكون له اي تاثير في من يتابع هذه المواضيع الا اذا تم التفكر والتدبر بها وفهم واقعها بدقة
نبيل - القدس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المواضيع الأخيرة
» 73-من دروس القران التوعوية - التوكل والتواكل
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-08, 10:09 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 17- من ذاكرة الايام - من مواقف شهامة الرجال
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-07, 8:33 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 72- من دروس القران التوعوية- المال ...
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-07, 6:55 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 71-من دروس القران التوعوية-معالجات الاسلام للفقر والعوز
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-06, 8:20 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 70- من دروس القران التوعوية -العمل لكسب الرزق والمعاش
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-05, 7:44 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 69- من دروس القران التوعوية-حرب الاسلام على الفقر واسبابه
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-05, 8:17 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 68-من دروس القران التوعوية -الاسلام وحده المحقق للعبودية والاستخلاف
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-05, 1:35 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 33-حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة - مفهوم التزكية
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-04, 12:43 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 67- من دروس القران التوعية- الالتقاء على كلمة سواء
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-02, 8:30 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 66- من دروس القران التوعوية -تحقيق العدل في اوساط البشرية مهمة جمعية
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-02, 11:32 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» حديث الجمعة -الى متى ننتظر ؟؟!!
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-01, 1:08 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» الطائفة الناجية!!!
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-11-01, 1:01 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 65- من دروس القران التوعوية - كُونُوا رَبَّانِيِّينَ !!
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-31, 12:46 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 64- من دروس القران التوعوية - وقاية النفس من الشح
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-30, 2:59 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» شركات تصميم تطبيقات الجوال في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-29, 11:10 am من طرف سها ياسر

» 32-حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة - العقيدة العملية
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-29, 1:04 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 63- من دروس القران التوعوية- العدل والعدالة في القران
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-28, 8:03 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 62-من دروس القران التوعوية :الشورى
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-27, 6:04 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 61- من دروس القران التوعوية-الحذر من مؤسسات الضرار حتى لو لبست لباس شرعي
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-25, 9:51 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 60- من دروس القران التوعوية - اسباب النفاق
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-25, 5:18 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 59- من دروس القران التوعوية -العداء المستحكم في النفوس !!
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-24, 7:17 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 58- من دروس القران التوعوية - التكاليف الشرعية جاءت ضمن قدرات الانسان
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-23, 8:08 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 57- من دروس القران التوعوية - ادب الدعاة
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-22, 6:10 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-21, 10:03 am من طرف سها ياسر

» 56- من دروس القران التوعوية - البينة !!!
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-21, 4:01 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 31- حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-20, 11:58 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 55- من دروس القران التوعوية- انا سنلقي عليك قولا ثقيلا
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-20, 9:54 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» 54- من دروس القران التوعوية :-التحذير من الوهن
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-19, 1:15 am من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» خواطر مع دماء الشهداء
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-18, 11:32 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

» تعليق على حادثة عملية البحر الميت اليوم
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_icon_minitime2024-10-18, 11:30 pm من طرف محمد بن يوسف الزيادي

عداد للزوار جديد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 246 عُضو متصل حالياً :: 1 أعضاء, 0 عُضو مُختفي و 245 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

محمد بن يوسف الزيادي

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 752 بتاريخ 2024-09-20, 4:22 am
تصويت
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
نبيل القدس ابو اسماعيل - 38802
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
زهرة اللوتس المقدسية - 15399
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
معتصم - 12434
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
محمد بن يوسف الزيادي - 4323
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
sa3idiman - 3588
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
لينا محمود - 2667
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
هيام الاعور - 2145
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
بسام السيوري - 1763
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
محمد القدس - 1219
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 
العرين - 1193
حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_rcapحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_voting_barحوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1) I_vote_lcap 

احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1031 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Mohammed mghyem فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 66414 مساهمة في هذا المنتدى في 20318 موضوع
عداد زوار المنتدى
free counterAmazingCounters.com


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية (1)

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

نبيل القدس ابو اسماعيل

نبيل القدس ابو اسماعيل
المدير العام
المدير العام

حوار مع علي القادري لـ "الآداب": الأزمة الكونية والقضية
حاوره: بشّار اللقّيس و"الآداب"



ضمن ملفّ "خطوات عملية في مواجهة صفقة التصفية،"[1]حاورت الآداب علي القادري على ثلاث مراحل (منتصف شباط/فبراير، ومنتصف آذار/مارس، وبداية الأسبوع الثالث من نيسان/أبريل، 2020). القادري أستاذٌ في الجامعة الوطنيّة في سنغافورة، ومعهد لندن للاقتصاد. من مؤلَّفاته: تفكيك الاشتراكيّة العربيّة، والحزام الواقي: قانونٌ واحدٌ يَحْكم التنميةَ في شرق آسيا والعالم العربيّ، والتنمية العربيّة الممنوعة.
***
* هناك قراءتان شائعتان لـ"صفقة القرن": الأولى تقول إنّ ترامب ونتنياهو واقعان في مشاكلَ داخليّةٍ جمّة، وهما يحاولان إنقاذَ نفسيْهما. والثانية تقول إنّ الصفقة جزءٌ من ترهُّل المنطقة، وهي جاءت في توقيتٍ يلائم الأمريكيين والإسرائيليين معًا. فكيف قرأتَها أنت؟
- "صفقة القرن" هذه ليست إلّا نفَسًا أخيرًا من أنفاسِ إمبراطوريّةٍ تُنازع! إنّها مهزلةٌ ولن تصبح حقيقةً. لكنّها عرّت الحقيقةَ الزائفةَ التي بُني عليها الكيانُ الصهيونيّ؛ فأمريكا لم تعد تلك القوّةَ القادرةَ على أن تخلقَ ما تشاء. وهذا ليس لعيبٍ فيها، أو لخطأٍ في ما تفعله، بل لأنّ القويَّ (ومصدرُ القوّة يكمن في القوّة الإيديولوجيّة التي بدأتْ تتلاشى) في منظومة العلاقات الدوليّة يفْعل ما يشاء، وحيث يشاء، ولو كان ما يفعلُه محضَ هراء!
لقد ولّى ذلك الزمنُ، وأصبح الكيانُ الصهيونيّ على معرفةٍ بذلك، وهو اليوم يستجدي البقاءَ من خلال بناء علاقاتٍ دبلوماسيّة (كانت موجودةً أصلًا لكنْ بشكلٍ ضمنيّ)، وعلاقاتٍ بنيويّةٍ طبقيّة، أيْ مبنيّةٍ على الأمن الطبقيّ المشترك، مع نظرائه العرب والأفارقة. صحيح أنّ هذا الكيان لم يندمجْ تجاريًّا مع الدول العربيّة؛ فلا هو يَصْنع ما تأكله شعوبُ هذه الدول، ولا هذه الشعوبُ تستهلك ما يصنعه. لكنّه كان، منذ بداية تأسيسه، مندمجًا جدًّا في المنطقة من خلال التجارةِ الأهمّ، ألا وهي: تجارةُ الأمن الإمبرياليّ الذي يقدِّم إلى الطبقات الحاكمة أسسَ البقاء. وهذه التجارة، حتى من حيث المستويات الماليّة والعينيّة، أكبرُ بكثيرٍ من تجارة أيِّ سِلعٍ أخرى مجموعةً؛ ذلك لأنّها تجارةُ العسكرة والحرب، اللتيْن تشكّلان مدماكَ التراكم الدوليّ بالتدمير أو الهدر. والهدر هو المنتَجُ العينيُّ الأهمّ، وهو مواتُ الإنسانِ والبيئة، أي الطبيعةِ الاجتماعيّة، وهو منتَجٌ ومدخَلٌ في آنٍ واحد.
يشكِّل الهدرُ الحيّزَ الأكبرَ من المنتوج الكونيّ -كماهو واضحٌ بدليل الأزمة الكونيّة. لكنّ شعوبَ العالم تقف أمام هذه الأزمة الوجوديّة التي سبّبتها علاقةُ رأس المال، مجسَّدةً في الإيديولوجيا المهيمنة، وقد تكثّفتْ وتمظهرتْ في العلاقة الإمبرياليّة في ظلّ الموألة (Financialisation)، التي يشكّل الكيانُ الصهيونيّ وقودَ الصيرورة فيها. فلا تملك تلك الشعوبُ إلّا حقَّ الدفاعِ عن النفس.
اليوم، بات الكفاحُ من أجل الوجود منوطًابالكفاح ضدّ "حضارةٍ بيضاءَ" أتت على هذا الكون منذ 500 سنة. وما يسهِّل عمليّةَ التغيير هو صعودُ نموذج الصين، الأكثرِ ارتكازًا على المصلحة العامّة في عمليّة التراكم. ولا بدّ من التنويه إلى أنّ هذا الصعود يفوِّت الفرصَ على الإمبرياليّة، ويرتقي بحقوق الإنسانيّة. والكيان الصهيونيّ يدرك ذلك: فهو، من ناحية، يتمدّد بصفقاتِ قرنٍ تبعًا لوظيفته الأساسيّة، أيْ زرْعِ أسس التراكم بالعسكرة (الهدر)؛ وهو، من ناحيةٍ أخرى، يدرك ضمنيًّا أنّ نهايتَه الإيديولوجيّةَ قد اقتربتْ، وصارت فلسطينُ المحرَّرةُ على قاب قوسيْن أو أدنى.
لا شكّ في أنّ لهذه الصفقة سياقًا تاريخيًّا بدأ قبل اتفاقيّات أوسلو (1993)؛ فحين ننظر بمنظار الاقتصاد السياسيّ، فإنّما ننظر من منطلق تشابك العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة على أساس مصالحَ مترابطة. يجدر القولُ إنّ مَن اتّفق مع ياسر عرفات لم يتّفقْ معه كفردٍ على نقطةٍ محدّدةٍ فحسب، بل اتّفقَ معه على نهجٍ، وعلى مدٍّ إيديولوجيٍّ متكاملٍ أيضًا. فبعد سقوط الاتحاد السوفياتيّ، أدارت منظّمةُ التحرير عمليّةَ الاستسلام التيبرّرت التوسّعَ الصهيونيّ، وشكّلتْ غطاءً لعمليّات الحرب والإبادة في الجوار. ومن خلال "السلام،" أرست الإمبرياليّةُ أسسَ إعادة إنتاج العسكرة في المنطقة. وللتذكير، فإنّ العسكرة فئةٌ من مجال التراكم بالهدر، سبّاقةٌ إلى اقتصاد النفط. وفلسطين مفتاحٌ لكلّ حرب.
عندما نقول "نهج،" فإنّنا نقول "حالة فكريّة." وهذه الحالة الفكريّة لم تكن لتطفوَ إلى السطح، أو تَحْضرَ بقوّةٍ، لو لم تتجدّد القوى الطبقيّةُ التي تحملها وتقْوى بعد سقوط السوفيات. و"الحالة الفكريّة" ليست مجرّدَ أفكار، بل هي منطقُ طبقاتٍ وإيديولوجيا مهيمنة. هناك تمازجٌ ووحدةُ حالٍ بين الإيديولوجيا والطبقة؛ فهذه تلك، وتلك هذه. هذه الطبقات تملك ما هو أعمقُ من الأشياء المادّيّة: إنّها تَفْصل بين الوجود الاجتماعيّ والوعي الاجتماعيّ، بإيديولوجيّتها وبذهنيّتها التي تفرضها على الآخرين. وعندما تستعير المقاومةُ كلامَ الإيديولوجيا السائدة، فإنّها عندئذٍ تمارس الفسادَ الفكريّ.
في جنوب لبنان أو قطاع غزّة، لم تتبنَّ قوى المقاومة النهجَ الذي يعمل بمنطق "خذْ وأعطِ." والسبب أنّه ما إنْ يرضى أحدُنا بهذا المنطق التبادليّ، حتى ينخرطَ - بشكلٍ تلقائيّ - في سلسلةٍ تنازليّةٍ يحدِّدها الأقوى. وبهذا، فإنّه سيُدخل الشعبَ في الفخِّ الذي نُصب له، وتكونُ المصلحةُ الطبقيّةُ للجماعة التي يُعبِّر عنها المفاوضُ الفلسطينيُّ قد أصبحتْ قابلةً للتماهي علنًا مع الجماعة الرأسماليّة العالميّة المهيمنة. أبو مازن، مثلًا، أشبهُ بـ "جوكر": قابلٌ لأنْ يؤدِّي الدورَ الذي يريدونه له، وقابلٌ للتفاوض بشكلٍ دائم، بدعوى أنّ الصهيونيّة "تَفرض سيطرتَها" وأنّنا لا نملك غيرَ "الواقعيّة" في التعاطي مع هذه السيطرة. إنّنا هنا نقف أمام طبقةٍ/علاقةٍ اجتماعيّةٍ لا تمثّل حربُ التحرير جزءًا من كينونتها، بل العكس تمامًا: فمبتغاها التاريخيُّ، بل أساسُ وجودها، هو التماثلُ مع الاحتلال. والسبب هو أنّ إعادةَ إنتاج ذاتها مرتبطٌ بتراكم رأسمال العدوّ أكثرَ ممّا هو مرتبطٌ بالاقتصاد الوطنيّ.
مَن يهيمن على الأرض والزمنِ الاجتماعيّ هو صاحبُ السيادة الفعليّ. وفقدانُ السيادة يعود إلى فقدان الشعوب لأمنها بسبب العوَز، وإلى فقدان استقلاليّةِ قرارها، وإلى وهن البديل الإيديولوجيّ. وبذلك باتت الإمبرياليّةُ صاحبةَ السيادة على كلّ الأماكن المقدَّسة. نعم، قد يكون ترامب أراد من مسألة الاعتراف بالقدس عاصمةً لـ "إسرائيل" صورةً إعلاميّةً تُكْسبه ودَّ الداخل الأمريكيّ، أو أنّه أراد أنْ يُطْلقَ صفةَ "الصفقة" على ما فعله ليقول إنّه "رجلٌ ناجح." لكنّ كلَّ هذه الأمور تبقى هامشيّةً مقارنةً بحقيقة الصراع الذي يجري في زاويةٍ أخرى من المشهد: زاويةِ الصراع الطبقيّ على المستوى العالميّ.
وجب القولُ إنّ مفهوم "السيادة" منذ بداياته كان مرتبطًا بمفهوم "الأمن." لكنّ الأمن متشعّب. وآخرُ عمليّات التضليل الإيديولوجيّة مبنيٌّ على أساس مفهوم "الأمن الإنسانيّ،" أي الأمن الفرديّ، أو حقّ الفرد في الصحّة والعمل والبقاء ..إلخ. لا أحدَ يقدر على أن يجادلَ في ذلك؛ لكنّ هذه لغةٌ مسمومة؛ فالفرد ليس بالفرد المجرَّد، والفاعلُ التاريخيُّ ليس بالفرد غيرِ الموسَّط (unmediated) - أي الإنسان اللاتاريخيّ، الخالي من الارتباطات الاجتماعيّة، الذي يشكّل سببًا لذاته. للفرد المجرَّد وجودٌ ذهنيٌّ رسميّ، لكنّ هذا غيرُ حقيقيّ. الفرد الاجتماعيّ هو العلاقة الاجتماعيّة، وهو فئةٌ مقتطعةٌ من الطبقة/العلاقة الاجتماعيّة الكبرى، التي تشكّل - بتفاعلها مع الكلّ الطبقيّ - الفاعليّةَ التاريخيّةَ. والسؤال الآن: ما هو "أمنُ الفرد الاجتماعيّ"؟
إنّه قدرةُ الفرد الاجتماعيّ، من خلال طبقته، على نيل حقوقه. فالإنتاج اجتماعيّ، وحصّةُ الأجور اجتماعيّة، على عكس المقولة الفرديّة النيوكلاسيكيّة. في المجتمع الرأسماليّ، تتحصّل الحقوقُ، بما في ذلك الحصصُ من الناتج القوميّ، بالصراع الطبقيّ ضدّ الطبقة الحاكمة والمتحكِّمة بآليّات إنتاج الوعي، أيْ ضدّ الإمبرياليّة بفروعها الرجعيّة. ولذا أيضًا، لا يمكن فكُّ ارتباط الأمن عن التنمية. وقوانينُ حقوق الإنسان المبنيّة على الفرد المجرَّد ما هي إلّا تضليل؛ والأصحّ القول: حقوقُ الإنسانيّة.

* نريد أن نفهم منك المزيدَ من تحليلك الطبقيّ لمسار "المفاوضات" نفسها. فمنطقُ الشراكة مع الرأسماليّة عند برجوازيّتنا العربيّة والفلسطينيّة كان مفهومًا فترةَ "الشرق الأوسط الجديد" (الخاصّ بشيمون بيريز)، وفترةَ وعود الإدارة الأمريكيّة بحصصٍ من ريوع النفط لهذه البرجوازيّات. أمّا مع صعود "اليمين،" فثمّة علامةٌ فارقة؛ إذ إنّ هذا الأخير لا يترك أيَّ مجالٍ لشراكةٍ طبقيّةٍ في عمليّة السلام التي يفترضها. أهذا صحيح؟
- التاريخ نتاجُ علاقاتٍ طبقيّةٍ متصارعة. لكنْ يمكن قلبُ ذلك للقول إنّ العلاقات الطبقيّة هي التاريخ. هكذا يمكن فهمُ التاريخ بكلّيّته. وهذه الكلّيّة (totality) تَنْتج من ثقلٍ إيديولوجيٍّ يتطوّر من خلال تطوّر الواقع. والحقيقة أنّ تطوّرَ الواقع، منذ انهيار الاتحاد السوفياتيّ، لم يكن في صالح الشعوب. لذا ينبغي ألّا نستهجنَ وجودَ "اليمين" الإسرائيليّ أو الأمريكيّ؛ فهذا اليمين محضُ تيّارٍ يَخدم الطبقةَ الرأسماليّة أكثرَ ممّا يخدمُها غيرُه: يتوحّش في فرض سيطرته، وفي تحقيق التراكم، وفي تخفيض التكاليف بأشنع الأساليب من أجل الربح. يَضْرب، ويَقْتل، ويَقْهر، من أجل حيازة عمل الآخرين وممتلكاتِهم بأقلّ كلفةٍ ممكنة. أفضلُ أساليبه استلابُ الإرادة الكلّيّة بتدمير الدول. وكلّما زاد الضربُ والقتلُ والقهرُ، ازداد مردودُ العمليّة الإنتاجيّة. لقد قالها ماركس: كلّما نقصتْ حياةُ الإنسان (والانتقاص هو من أكلاف إعادة إنتاج الإنسان)، زادت الأرباح.
غير أنّ ممارسةَ الرأسماليّة المتوحّشة وتبعاتِها تُخلخل الموازينَ داخل هذه الطبقة نفسِها، ما يجعلها تأخذ أشكالًا مختلفة. فالطبقة التي فرزتْ أناسًا على شكل "حمائمَ" سياسيّةٍ في فترة كارتر أو بيريز، نراها اليومَ تفرز أناسًا على شكل "صقورٍ" سياسيّةٍ مثل نتنياهو وترامب. إذًا، نحن لا نتحدّث هنا عن شيءٍ مختلفٍ نوعيًّا، وإنّما عن الجوهر نفسِه، عن الطبقة الاجتماعيّة ذاتِها وقد تبلورتْ بفعل تغيّر موازين القوى الإيديولوجيّ، الذي خسرت فيه الإنسانيّةُ الرهانَ مع تفكّك الاتحاد السوفياتيّ.
إنْ سألتم أيَّ شخصٍ في غزّة عمّا يحصل راهنًا، فسيقول لكم إنّ ما يحصل امتدادٌ لأوسلو ومدريد، بل لطرح "حلّ الدولتيْن" من قبل. في السابق كان يقال إنّ أيَّ خطوةٍ نحو المفاوضات تعني تصفيةَ القضيّة الفلسطينيّة. أمّا اليوم فقد غابت السياسةُ مع غياب الوعي الثوريّ - - لا لزوم للسياسة؛ وترامب ونتنياهو يقومان بدورٍ تهريجيٍّ وإجراميٍّ في الآن عينه.
أريد أن أنوّهَ هنا إلى أنّ العنفَ الرأسماليّ ليس ذا مدلولٍ أخلاقيّ؛ فلا إتيقيّة (Ethique) لدى رأس المال كتاريخ. العنف الرأسماليّ هو عمليّةُ الإنتاج ذاتُها، وهو الثابتُ منذ فترة الاحتكار والموألة التي تكثّفتْ على مدار القرن العشرين. وبـ"الموألة" أعني إصدارَ المديونيّة العالية، أو خلقَ رأس مالٍ وهميّ، يَخلق هو الآخر - ببحثه عن رهنٍ حقيقيّ - حربًا وتقشّفًا، أيْ آثارًا فعليّةً .
"التراكمُ بالتدمير" هو مِن صُلب النظريّة الماركسيّة، أو هو لبُّها ربّما. لكنْ بالنسبة إلى غالبيّة الماركسيين الغربيين، فإنّ الدمارَ الذي يَلْحق بالعالم الثالث، بما في ذلك الإفراغُ السكّانيّ، ليس بذي شأنٍ، وذلك نظرًا إلى ربطهم مفهومَ "فائض القيمة" بمنظومة الأسعار بشكلٍ تكامليّ؛ مايعني أنّ الغرب منتِجٌ أكبر لأنّ منتجَه القوميَّ مسعَّرٌ بمستوًى أعلى. لكنّ هذا تعليلٌ توتولوجيّ: الغرب يجب أن يحظى بثراءٍ أكبر، لأن منتَجَه أكبر! غير أنّ الغرب يُصدر منظومةَ الأسعار بفعل قوّته كي يخفيَ، خلف السعر، أكلافَ الإنتاج الحقيقيّة: علاقاتِ القيمة.
غير أنّ هذا التفسير الماركسيّ الغربيّ تسخيفٌ للفكر الماركسيّ. فالقيمة علاقة اجتماعيّة، وهي نواةُ المنظومة الرأسماليّة؛ أمّا الثراء فكمٌّ مُشيَّأ، أو قلْ إنّه شيء. لا تماثُلَ بين علاقةٍ مجرّدةٍ اجتماعيّة، كعلاقة القيمة المبنيّة على سلخ العامّ من أجل مصلحة الخاصّ (بالقوّة والعنفِ غالبًا)، وبين منظومة الأسعار. والأصحّ هو أنّ منظومةَ الأسعار، بصنميّتها، تُخفي علاقاتِ القيمة وأسسَ إنتاج الربحيّة.
مثلًا، تخيّلوا لو أنّ سعرَ عبوة الكوكاكولا تدنّت من دولار إلى ربع دولار. هذا التخفيض سيكون ناجمًا عن تسميم البيئة من دون دفع التكاليف، وعن الحروب التي أَخضعتِ العالمَ الثالثَ، وعن كلّ عمليّة إنتاج؛ أيْ عن كلّ علاقةِ قيمةٍ جرى اختزالُها من حساب الربح في الزمن الحقيقيّ كي يخفَّض ذلك السعرُ (زمانُ المحاسبة ليس إلّا نقطةً على خط بيانيّ). وغالبًا ما يتمّ ذلك بالعنف كما قلنا. والمُغْفَل هنا هو أنّ العنف يشكّل بدوره أكبرَ دائرةٍ تراكميّة، ويشكّل العمليّةَ الإنتاجيّة للمؤسّسة للربحيّة.
وأنوّه كذلك بأنّنا في عالمٍ استعراضيّ، لا يعيش الإنسانُ فيه بتحقيق ذاته، وإنّما يعيش بالوكالة، في استعراضٍ سلعيّ، تَحْكم فيه السلعةُ التي سَلبتْ إرادةَ الانسان. هنا، في هذا العالم المسلَّع، يختفي دورُ السياسة. ففي عالمٍ أصبح فيه الإنسانُ سلعةً، لم نعد في حاجةٍ إلى السياسة كي نوازنَ ظروفًا جديدة. حالةُ الاستغراب هذه أكثرُ مثولًا في الغرب، حيث عمقُ الاستلاب يشكّل عمقَ الاستبداد. هناك، لا لزومَ لسجون الرأي؛ فالكلُّ يُعَدُّ لأن يكون ذا رأي واحد.

* يُقال إنّ الولايات المتحدة اليوم تعيش شرخًا عموديًّا بين تيّاريْن: واحدٍ يؤمن بالقوّة الصلبة، ويمثّله ترامب؛ وآخرَ يؤمن بالقوّة الناعمة، ويمثّله أوباما. كيف تفهم تطوّرَ التاريخ في المركز (الولايات المتحدة) بين تيّاريْ أوباما وترامب؟ وما انعكاساتُ تنامي الشقاق بينهما على "عمليّة السلام" والقضيّةِ الفلسطينيّة؟
- ليس هناك شقاق! إنّ المؤسّسة الأميركيّة، كشكلٍ من أشكال تنظيم العلاقات الطبقيّة الأميركيّة، تتعامل مع القضيّة الفلسطينيّة في وصفها محروقاتٍ أو حارِقًا مولِّدًا لعمليّة التراكم بالعسكرة. ما يهمّ هذه المؤسّسةَ هو ترتيبُ مدى "سخونة" العسكرة في المنطقة كعمليّة تراكمٍ في ذاتها، وكعمليّةٍ تأهيليّةٍ لعمليّاتِ تراكمٍ أخرى. فمركزيّة العسكرة، وتوظيفُ فلسطين في هذا العالم "الإسلاميّ،" وفي العالم ككلّ، هما الحجرُ الأساسُ في رأس المال، المتجسِّدِ بالإمبرياليّة.
نخطئ عندما نظنّ أنّ أوباما رجلُ سلام. أوباما ضرب 28 ألف قنبلة سنويًّا في الصومال، وليبيا، وغيرهما. ومن هذه الزاوية، فقد كان أعنفَ من ترامب![2] لكنّ العسكرة في أمريكا مسألةٌ أكبرُ بكثير من مسألة "رئيسٍ مسالم،" أو مسألة "المجمَّع الصناعيّ العسكريّ" الذي يروِّج الكينزيّون أنّه مركزُ ثِقلِ المؤسّسة العسكريّة-السياسيّة في الولايات المتحدة. وهي أبعدُ بكثير من مسألة "بيع السلاح أو صناعته"؛ فهذان جزءٌ صغيرٌ وهامشيٌّ من الهمجيّة الأمريكيّة، ألا وهي: التراكمُ بالهدر. أمّا العسكرة فهي الهدرُ الصافي. وهي في أميركا وغيرها ممارسةٌ لـ "قانون القيمة" في ظلّ الرأسماليّة، وقانون القيمة يتخذ شكلَ العنف بدرجات متفاوتة. العنف مجالُ إنتاجٍ في ذاته، وديناميكٌ للتراكم، يوسِّع القيمةَ بسلخه العامَّ لمصلحة الخاصّ، أي القيمة الاستعماليّة عن القيمة التبادليّة، على التوالي. إنّه النزعةُ الأساس في الرأسماليّة.

التناقض بين العامّ والخاصّ كامنٌ في قلب السلعة/القيمة، ما بين القيمة التبادليّة والقيمة الاستعماليّة، ومنعكِسٌ في الصراع الطبقيّ على الموارد. يُمْلي قانونُ القيمة أسسَ التراكم الخاصّ، المُنافي للعامّ، والذي يعيد إنتاجَ القيمة؛ أيْ كلّ ما لدى المجتمع من مستهلَكات لإعادة إنتاج نفسه أو كي يَستهلك بها نفسَه. قانونُ القيمة هذا يأتمر بحال السوق؛ فهي التي تؤشِّر إليه كي يكثِّفَ أو يخفِّفَ وطأةَ الاضطهاد التي ترمي إلى تحفيز عمليّة التراكم. وحالُ السوق هذه ما هي إلّا حالُ تبادل السِّلَع، التي إذا ما صعدتْ أو انخفضتْ ربحيّتُها أثّرتْ في الحالة الاجتماعيّة. عندما يكون العملُ، كفاعلٍ تاريخيٍّ، غائبًا عن مسرح التاريخ، تصبح هذه السِّلعُ أصنامًا/آلهةً تتحكّم كما تشاء بحال المجتمع: فهي تسيطر من خلال سيطرتها الإيديولوجيّة على شرائحَ حاكمة. أيْ إنّ الفئات الحاكمة تتقمّص عقلَ السلعة/الشيء، فنكون أمام ذهنيّةٍ تفضِّل التراكمَ بتفضيل قيمة التبادل على الاستعمال بالعنف. وهو ما يعني أيضًا أنّ غايةَ الإنتاج هي الربحُ بأقلّ الأكلاف، باستهلاك البيئة والإنسان بأسعارٍ بخسة، وليست الغاية سدّ الحاجات الاجتماعيّة. وهذا يعني كذلك إنتاجَ الإنسان الذي يستهلك كلَّ ما هدر من البيئة والبشر من دون مساءلة، بما في ذلك استهلاك ذاته. فالقيمة، بقانونها، بدلًا من أن تعيد إنتاجَ المجتمع بشكلٍ أفضل، تعيد استهلاكَ المجتمع.
الحرب هي الهدرُ الصافي والربحُ الصافي. الحرب تكثِّف كلَّ مخزون ساعات العمل، وتستهلكُه في لحظات من خلال موت العامل القسريّ. فبدلًا من أن يعطي عملَه في ساعات العمل على مدى حياته، فإنّه يعطيها في ثوانٍ يكون فيها العاملُ المُدخلَ والمنتجَ في آنٍ واحد. الحرب، كعمليّة إنتاج، تُنتج الموتَ ليُستهلك، وتَختزل الزمنَ الإنتاجيّ، وتَصْهر العملَ الحيَّ بالعمل الميت - وهذه أقصى درجات الاستغلال.
كتب Lieven في عمله، أمريكا لا تخطئ (America Right or Wrong) سنة 2004، أنّ الدليل على حكم الطبقة الواحدة في أميركا كان إعادةَ إنتخاب جورج دبليو بوش على الرغم من وجود أدلّةٍ تدين كذبَه في حرب العراق. لكنّ الأصحّ القول إنّ هذه الطبقة المشيّأة (thingified) لا تَعرف الايتيقا [الأخلاق]، وتتكوّن في ظروف الصراع الطبقيّ ما فوق المحدَّد (overdetermined)، أي النوعيّ التي غابت فيه التراتبيّةُ السببيّة، أي الصراع الموضوعيّ وغير المشخصن. نحن إذًا أمام موضوع لا يُفقَه بالمنطق الرسميّ.
الحيّزُ الأهمّ من الرأسماليّة الأميركيّة هو ما تجنيه من الرَّيْع التكنولوجيّ، الذي يرتكز في صلب تطوّره على التقانة الحربيّة (يذهب أكثرُ من 90% من الأبحاث التقنيّة في 4000 جامعة أمريكيّة إلى الأبحاث المتعلّقة بالجانب العسكريّ). كما أنّ الرَّيْعَ التقنيّ الناتجَ من بيع طائرات F35 أخطرُ بكثيرٍ من الطائرات نفسِها؛ فهو يحدِّد مرتبةَ الولايات المتحدة في سلّم تقسيم العمل الدوليّ. (نشير هنا إلى خطورة التحاق الصين بالتقنيّة العليا).
ولا بدَّ هنا من تسجيل ملاحظةٍ أخرى، وهي أنّ ما يُسمّى "اليسار الديمقراطيّ" أو "الديمقراطيّة الاجتماعيّة" في الغرب غالبًا ما يكون مقدِّمةً نحو الفاشيّة. الفاشيّة هي الحالة القصوى لتجلّي رأس المال على حقيقته. ورأسُ المال بحاجةٍ دائمةٍ إلى القتل والإفراغ السكّانيّ. إنّ قاعدة عمليّة الإنتاج في ظلّ الرأسماليّة هي خلقُ وتفريغُ فائض قوّة العمل الهائلة (أو جيش العمل) ودثرُه؛ فذلك يُضْعف قدرةَ الطبقة العاملة على المفاوضة. الرأسماليّة لا تَقتل فقط كعمليّة إنتاج، بل تُضْعف قدرةَ الطبقة المهزومة على المفاوضة أيضًا، وتُضْعف العملَ سياسيًّا أو كخيارٍ تاريخيّ كذلك. علاقةُ القيمة علاقةُ جوهرٍ بذاتٍ، والإنتاجُ يتطلّب إنسانًا رخيصًا وغيرَ قادرٍ على المطالبة بحقّه في الوقت نفسه.
أمّا بالنسبة إلى الليبراليّة كأرضيّةٍ تهيِّئ الأوضاعَ لتسلّق الفاشيّة، فهذا يَتْبع من تحديدنا للطبقة كعلاقةٍ اجتماعيّةٍ حربائيّةِ الصفات، تتأقلم مع موازين القوى الطبقيّة كي تحمي علاقةَ رأس المال، أيْ كي تُبقي على هذه العلاقة/الطبقة في سُدّة التحكّم في مجمل العلاقات الاجتماعيّة؛ كي تسلِّع أو تَنقد (monetise) كلَّ ما تحت الشمس من أجل الربحيّة. وهذا ما يعنيه تحديدُ رأس المال كعلاقةٍ سوسيولوجيّةٍ يبقى الاقتصادُ محدَّدًا به في البرهة الأخيرة. وهو ما يعني أنّ رأسَ المال يدرك أنّه في حاجةٍ إلى التسلّط قبل أن يَدخل في عراك الاقتصاد. والتسلّط هذا هو التفاعل بين القوّة والعنف من جهة، والهيمنة الإيديولوجيّة من جهةٍ أخرى. وهو أوّلًا يبتغي الهيمنةَ الكلّيّةَ الفكريّة على المجتمعات، بما في ذلك على نهج التفكير؛ أيْ يبتغي إحلالَ الفساد الفكريّ، الذي يتوخّى منه رأسُ المال أن تستعملَ القوى المعارضةُ المفاهيمَ (منهجَ التفكير) التي يطرحها من أجل مكافحته. وبذا، لا تلغي العلاقةَ النواة، أيْ رأسَ المال؛ بل تبقى تأخذ وتعطي بشكلها الليبراليّ، إلى أن تصل إلى مبتغاها الأكثر استغلالًا وهدرًا وعسكرةً، ألا وهو الفاشيّة: أي التراكمُ بالهدر اللامحدود.
ولا يغيبنّ عن بالنا أنّ كافّة أشكال الديمقراطيّة هي أشكالٌ من ممارسة السلطة، وأنّ الفاعلَ التاريخيّ ليس الفردَ المصوِّتَ، وإنّما هو القوى التي تفرش الأرضيّةَ لكي يصوِّت المصوِّتُ لها. مثلًا، "ديمقراطيّة التصويت" تُعتبر من أعتى الأسلحة الإيديولوجيّة، إذ يُمْكن بموجبها "لوْمُ" شعبٍ سُرِق من خلال ديونٍ بغيضةٍ لأنّه صَوّت لمن سرقه! هنا غُيِّب استلابُ إرادته المسبَّقُ من قِبل الفاعل التاريخيّ، وطُرح هو (أي الشعبُ) كفردٍ مجرّدٍ على أنّه الفاعل. هذه الفانتاسيا المروَّجة كأنّها "ديمقراطيّة" تُبْطل البديلَ الثوريّ.
ولأنّ العنف هو ديناميكُ توسُّعِ السلعةِ أو القيمة، فإنّ السلامَ ليس خيارًا رأسماليًّا أو إمبرياليًّا أبدًا. "السلام" كلمةٌ غريبةٌ عن السياق التاريخيّ للرأسماليّة. العنف الممارَس غربيًّا يمكن أن يبتدئ بالعنف اللغويّ مع العامل في المصنع أو الشركة، ليصلَ إلى إلقاء القنابل على العامل في منطقتنا أو في عموم الشرق. وهذه ليست حالةً استثنائيّة، بل القاعدة. وأن تسيطرَ السلعةُ المستلِبة والمتحكِّمة، بدلًا من المجتمع، بقرارات التراكم بالعنف، فتلك حالةٌ خاصّةٌ بالطور الرأسماليّ.
ما حصل في أوسلو، ومنذ أوسلو، هو أنّ "إسرائيل" استفادت من تراكُم فائض القيمة التاريخيّ. وهذا ليس فائضَ قيمةٍ عينيًّا فقط، يتمثّل في الأرض والمال والقنابلِ والكربون وغيرها، بل هو فائضُ قيمةٍ إيديولوجيّ. إنّ التمظهر الإيديولوجيّ تجسيدٌ للطبقة أكثرَ مما يمثّله تفاوتُ الثراء. قبل الرأسماليّة، كان لدينا الغنيُّ والفقير في ظلّ أزمة قلّة إنتاجٍ واستهلاك، لكنْ فقط في الطور الرأسماليّ لدينا فائضُ إنتاج مع ظاهرة جوع! وهذا يتطلّب تجهيلًا للطبقة العاملة كي تَقْبل بواقعها من تلقاء نفسها. الظاهرة الثقافيّة، ظاهرةُ الوعي الزائف وعمق التجهيل، هي التجسُّدُ الأمثل للطبقة/العلاقة الحاكمة - لا القصور والمجوهرات.

https://alhoob-alsdagh.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى