أين الخلل .. المزج والاتحاد في تكوين الجماعات ...
09.05.2020
زهير سالم
أتذكر من الصف الخامس الابتدائي كتاب الأشياء . كان فيه درس عنوانه المزج والاتحاد . أتذكر المعلم يومها وقد جاءنا بقليل من برادة الحديد ونشارة الخشب ، ومزجهما ، ثم أخرج من جيبه قطعة مغناطيس فأعاد فصلهما بلحظات . وقال هذا نسميه المزج .
وكان قد أحضر معه موقدا صغيرا وقطعة رصاص ومادة أخرى وضعهما معا على النار ذابت المادتان واختلطتا وأصبحت مادة جديدة ، وقال هذا اتحاد .
تشكيلات كثير من البنى السياسية والإسلامية في مجتمعنا تنتظم تحت عنوان المزج . على مستوى الرؤية ، وعلى مستوى المعرفة ، وعلى مستوى الديناميكية العملياتية، ومع غياب القائد المسيطر أو الموجه ، بقوة الحب أو بقوة غيره . في حديثنا عن تجمع ، لا نستطيع أن نتحدث عن وحدة تجمع أكثر من حديثنا عن جوف طائرة تجمع ركاب يتوجهون من القاهرة إلى بغداد مثلا . وحتى في رحلات الحج تجد الحاج وتاجر المسابح ، جمع مسبحة ...
لذلك كثيرا ما نرى اليوم أبناء المدرسة الواحدة ، بل المتخرجين منها ، أو المدرسين فيها ، يرد بعضهم على بعض ، وينتقد بعضهم بعضا ، ويخرج بعضهم على سياقات بعض ؛ في مسائل الأصل فيهم أنهم لو سئلوا عنها ؛ وأحدهم في أدنى الأرض والآخر في أقصاها لأجابوا جوابا واحدا ..
قمت يوما بدراسة مقارنة لسياسات وطروحات قادة الفتح الإسلامي من خلال نصوص موثقة ؛ وأذهلني ما رأيت ؛ وكنت كأنني أمام أساتذة يقررون فصلا من كتاب واحد وكل بأسلوبه .
ويبقى للبصمة الإنسانية فردانيتها ، وحضورها ، ولا أحد يحاول أن يلغي الاختلاف ، ولا أن يتجاوز عن إيجابياته ، ولكن بين ما ندعو إليه وبين ما نحن فيه فروق من مفاوز ومهامه
من أجمل ما قرره سيد قطب رحمه الله تعالى : أن الرجل كان إذا أراد أن يدخل الإسلام خلع عنه أسمال الجاهلية ..
وكم من رجل اليوم ينخرط في التشكيلات والجماعات ليجعلها معبرا لأفكاره ، ومشجبا لأسماله ، وساحة لتغيرات مزاجه ،
وحين نتساءل اليوم عن سر الخلل نتجاهل حقيقة ناصعة جلية نتهرب جميعا من استحقاقاتها ..وهي أننا بعد أن انفرط في حياتنا عقد القبيلة ، لم نستطع بناء قبائل فكرية أو ثقافية أو سياسية تليق بعصرنا ..؟!
قد يظن البعض أنني أتحدث فقط عن التجمعات الإسلامية ..!!
ومنذ سنين وأنا أتساءل لماذا عجز العلمانيون السوريون وأخص منهم الدارسون في معاهد الغرب ، والمدرسون فيها عن تأسيس جسم وطني مترابط وقوي يعبر عنهم ، ويدفع عن مشروعهم . في مواجهة الاستبداد ، ليثبتوا للمواطن العادي أن الاستبداد المسيطر على عالمنا ، ليس علمانيا .
المشكلة فينا حضارية أو مدنية وليست إيديولوجية أو فكرية أو ثقافية . خطوط اللقاء في مجتمعاتنا مقطعة ، لا حافظنا على قديم ، وما كل قديم عندنا حسن ، ولا أحدثنا جديدا ، يليق بعصر نحن من أهله . يحلو لبعض الناس أن يتحدث برمزية عن كيس البصل ، ولكن صورة عنقود العنب أكثر جمالا وتعبيرا ، وإذا كانت النخلة هي عمتنا فإن حبات البلح المتدلية من شمروخها لا أجمل ولا أبهى
وكل ما نحتاج إليه أطر ، أقل مثالية ، وأكثر بشرية ، يسمو بها الفكر ، وتقودها الديناميكيات ..
ومع ذلك تبقى الجدلية المسكتة التي تقطع قول كل خطيب ؛ أن تجيب كل من عاب تجمعا على ما فيه من وهن : اصنع خيرا منه ...
جواب مسكت ، ولكنه ليس مقنعا يا أولي الألباب ...
لندن : ١٥ / رمضان / ١٤٤١
٨ / ه / ٢٠٢٠
___________
*مدير مركز الشرق العربي
09.05.2020
زهير سالم
أتذكر من الصف الخامس الابتدائي كتاب الأشياء . كان فيه درس عنوانه المزج والاتحاد . أتذكر المعلم يومها وقد جاءنا بقليل من برادة الحديد ونشارة الخشب ، ومزجهما ، ثم أخرج من جيبه قطعة مغناطيس فأعاد فصلهما بلحظات . وقال هذا نسميه المزج .
وكان قد أحضر معه موقدا صغيرا وقطعة رصاص ومادة أخرى وضعهما معا على النار ذابت المادتان واختلطتا وأصبحت مادة جديدة ، وقال هذا اتحاد .
تشكيلات كثير من البنى السياسية والإسلامية في مجتمعنا تنتظم تحت عنوان المزج . على مستوى الرؤية ، وعلى مستوى المعرفة ، وعلى مستوى الديناميكية العملياتية، ومع غياب القائد المسيطر أو الموجه ، بقوة الحب أو بقوة غيره . في حديثنا عن تجمع ، لا نستطيع أن نتحدث عن وحدة تجمع أكثر من حديثنا عن جوف طائرة تجمع ركاب يتوجهون من القاهرة إلى بغداد مثلا . وحتى في رحلات الحج تجد الحاج وتاجر المسابح ، جمع مسبحة ...
لذلك كثيرا ما نرى اليوم أبناء المدرسة الواحدة ، بل المتخرجين منها ، أو المدرسين فيها ، يرد بعضهم على بعض ، وينتقد بعضهم بعضا ، ويخرج بعضهم على سياقات بعض ؛ في مسائل الأصل فيهم أنهم لو سئلوا عنها ؛ وأحدهم في أدنى الأرض والآخر في أقصاها لأجابوا جوابا واحدا ..
قمت يوما بدراسة مقارنة لسياسات وطروحات قادة الفتح الإسلامي من خلال نصوص موثقة ؛ وأذهلني ما رأيت ؛ وكنت كأنني أمام أساتذة يقررون فصلا من كتاب واحد وكل بأسلوبه .
ويبقى للبصمة الإنسانية فردانيتها ، وحضورها ، ولا أحد يحاول أن يلغي الاختلاف ، ولا أن يتجاوز عن إيجابياته ، ولكن بين ما ندعو إليه وبين ما نحن فيه فروق من مفاوز ومهامه
من أجمل ما قرره سيد قطب رحمه الله تعالى : أن الرجل كان إذا أراد أن يدخل الإسلام خلع عنه أسمال الجاهلية ..
وكم من رجل اليوم ينخرط في التشكيلات والجماعات ليجعلها معبرا لأفكاره ، ومشجبا لأسماله ، وساحة لتغيرات مزاجه ،
وحين نتساءل اليوم عن سر الخلل نتجاهل حقيقة ناصعة جلية نتهرب جميعا من استحقاقاتها ..وهي أننا بعد أن انفرط في حياتنا عقد القبيلة ، لم نستطع بناء قبائل فكرية أو ثقافية أو سياسية تليق بعصرنا ..؟!
قد يظن البعض أنني أتحدث فقط عن التجمعات الإسلامية ..!!
ومنذ سنين وأنا أتساءل لماذا عجز العلمانيون السوريون وأخص منهم الدارسون في معاهد الغرب ، والمدرسون فيها عن تأسيس جسم وطني مترابط وقوي يعبر عنهم ، ويدفع عن مشروعهم . في مواجهة الاستبداد ، ليثبتوا للمواطن العادي أن الاستبداد المسيطر على عالمنا ، ليس علمانيا .
المشكلة فينا حضارية أو مدنية وليست إيديولوجية أو فكرية أو ثقافية . خطوط اللقاء في مجتمعاتنا مقطعة ، لا حافظنا على قديم ، وما كل قديم عندنا حسن ، ولا أحدثنا جديدا ، يليق بعصر نحن من أهله . يحلو لبعض الناس أن يتحدث برمزية عن كيس البصل ، ولكن صورة عنقود العنب أكثر جمالا وتعبيرا ، وإذا كانت النخلة هي عمتنا فإن حبات البلح المتدلية من شمروخها لا أجمل ولا أبهى
وكل ما نحتاج إليه أطر ، أقل مثالية ، وأكثر بشرية ، يسمو بها الفكر ، وتقودها الديناميكيات ..
ومع ذلك تبقى الجدلية المسكتة التي تقطع قول كل خطيب ؛ أن تجيب كل من عاب تجمعا على ما فيه من وهن : اصنع خيرا منه ...
جواب مسكت ، ولكنه ليس مقنعا يا أولي الألباب ...
لندن : ١٥ / رمضان / ١٤٤١
٨ / ه / ٢٠٢٠
___________
*مدير مركز الشرق العربي