تنويه وتنبيه وشيء من هذا وذاك ...
زهير سالم*
وكتبت ما كتبت عن ذكرى النكبة ، قبل الاطلاع على بيان إخوتي في حركة حماس
ولا ضير في السياقات البشرية الطبيعية ، أن يتحسس الإنسان جرحه فيراه أكبر الجروح ، وأعمق الجروح ، على أن لا يتحول هذا الشعور إلى استراتيجية تولد التجاوز والإلغاء والاستخفاف بجراح الآخرين ؛ دماءهم وأعراضهم ..
وقلت فيما كتبت في ذكرى النكبة : إن قضية فلسطين هي أول القضايا ... وناغاني أخ من سراة أهل العراق وقال لي إن جرح الأحواز العربي أكبر وأعمق وأول ..!! وأذكر أن جرح إقليم الأحواز العربي يشمل في المساحة 350 ألف كم مربع ، أي أكبر من كل بلاد الشام ، وفي السكان بضعة عشر مليون إنسان من بني كعب وتميم وغيرهم وضعوا في عبودية الفرس منذ 1925 . اغتصبت الأحواز وخيراتها وبترولها ومياهها ليكون للدولة الصفوية المغتصبة ، ما تتقوى به ضد العرب والمسلمين !!
أقول لصديقي وأخي العراقي : عندما قلت قضية فلسطين أول ؛لم أقصد الأولوية الزمنية . وأعتقد أن أولوية القضية الفلسطينية منذ اغتصبت ما تزال حاضرة على أجندة المجتمع الدولي ، على ثلاثة مستويات ..
الأول تأمين نصاب البقاء بتأمين الرفاه والوفرة لكل المغتصبين المتدفقين إلى أرض فلسطين ..فنحن نعلم أن حجم أموال المساعدات التي تتدفق على " الكيان الغريب المزروع في جسدنا الحي " توفر لكل مغتصب دخلا شهريا يوازي أضعاف ما يقتات به أبناء المنطقة ..
والثاني - تأمين المحيط الحاضن ، في مثل البيوت البلاستيكية ، ما يزال يعيش الجسم الصهيوني حماية له من برد ومن صقيع ...!!
والثالث : توفير الأنظمة والقوى الضامنة على المستويين الدولي والإقليمي . تتذكرون الجسر الجوي الأمريكي عند جد الجد بالجيش المصري ، بقيادة سعد الدين الشاذلي ، ويوم أعلن السادات : أنا لن أحارب أمريكا ..
وأقول للسادات اليوم لا أحد منا يريد محاربة أمريكا .. ولا محاربة روسية .. ولا محاربة طهران المدعومة من أمريكا ومن روسية .. ولكن ماذا يفعل العراقيون والسوريون عندما يحاربهم كل هؤلاء ؟!!
إذن لم أقصد بأولوية القضية الفلسطينية أولوية زمنية ، بل أولوية سببية . وبسبب تمسكنا بأرضنا وحقنا في فلسطين نعاني جميعا في كل مكان . ويحمل الأخ الفلسطيني عن الأمة ما رشحه له من أحب أن يكرمه بعنوان ( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء )
ولو أردت أولوية زمنية ربما لتقدم على الأحواز مع تمسكنا بعروبة الأحواز ، ما كتبت عنه منذ عاما ، تراقيا المغتصبة منذ مطلع القرن العشرين ..
تراقيا أخت أندلس كما قال عنها شوقي وكتبت فيها من قبل .
" تراقيا " أو " مقدونيا " أو " أدرنة " .. أخت أندلس
يتفاعل الكثيرون مع قصيدة أحمد شوقي رحمه الله تعالى :
يا أخت أندلس عليك سلام ... هوت الخلافة عنك والإسلام
وهي بكائية ميمية جميلة معبرة ولكن لا ترقى في جمالها ولا في لوعتها ولا في طولها إلى نونية أبي البقاء في رثاء مدن الأندلس والتي مطلعها :
لكل شيء إذا ما تم نقصان ..فلا يغر بطيب العيش إنسان
هذا حديث الأدب وأما حديث السياسة فإن الكثيرين يظنون ويكتبون أن قصيدة شوقي هذه هي في رثاء الخلافة الإسلامية ودارها في اسطنبول وهذا لا يصح فانتبهوا ..
قصيدة شوقي هذه ليست في رثاء الخلافة ولا في رثاء اسطنبول . هذه القصيدة في رثاء " تراقيا الغربية " في مقدونيا . أو مدينة أدرنة .
حيث بعد عزل السلطان عبد الحميد وخلوص الأمر إلى الاتحاديين " العسكر " اتحد الصرب والبلغار واليونان والجبل الأسود ضد الدولة العلية . وخاضوا حربا معها بين عامي 1912 - 1913 سقطت بموجبها هذه المنطقة المعروفة باسم تراقيا أو تراقيا الغربية بالتحديد فذكرت شوقي بعهد سقوط الممالك . وإذا شئت فاقرأ معي في القصيدة:
يا أخت أندلس عليك سلام ..هوت الخلافة عنك والإسلام
ثم ينادي على مقدونيا البقعة الجغرافية السليبة الضائعة على طريق الأندلس
" مقدونيا " والمسلمون عشيرة ..كيف الخؤولة فيك والأعمام ؟!
ويثني بذكر مدينة أدرنة وما جرى على أهلها :
صبرا " أدرنة " كل ملك زائل يوما ويبقى المالك العلام
ثم يرد على الذين يقولون استرحنا منها ومن همومها على عادة كل من يسوقون الهزيمة :
زعموك هما للخلافة ناصبا وهل الممالك راحة ومنام ؟!
ولو ظللت حتى الصباح أكرر : هل الممالك راحة ومنام لما وفيت هذا السؤال حقه . ويوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدد أكبر الكبائر : ألا وقول الزور وشهادة الزور يقول الصاحبي راوي الحديث فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .. أي إشفاقا عليه صلى الله عليه وسلم لشدة انفعاله .
وما أجمل ما ينصحنا به الإمام بين يدي كل صلاة سدوا الفرج وتحاذوا بالمناكب والأقدام ...
لندن : 21 / رمضان / 1441
14/ 5/ 2020
_____________
*مدير مركز الشرق العربي
زهير سالم*
وكتبت ما كتبت عن ذكرى النكبة ، قبل الاطلاع على بيان إخوتي في حركة حماس
ولا ضير في السياقات البشرية الطبيعية ، أن يتحسس الإنسان جرحه فيراه أكبر الجروح ، وأعمق الجروح ، على أن لا يتحول هذا الشعور إلى استراتيجية تولد التجاوز والإلغاء والاستخفاف بجراح الآخرين ؛ دماءهم وأعراضهم ..
وقلت فيما كتبت في ذكرى النكبة : إن قضية فلسطين هي أول القضايا ... وناغاني أخ من سراة أهل العراق وقال لي إن جرح الأحواز العربي أكبر وأعمق وأول ..!! وأذكر أن جرح إقليم الأحواز العربي يشمل في المساحة 350 ألف كم مربع ، أي أكبر من كل بلاد الشام ، وفي السكان بضعة عشر مليون إنسان من بني كعب وتميم وغيرهم وضعوا في عبودية الفرس منذ 1925 . اغتصبت الأحواز وخيراتها وبترولها ومياهها ليكون للدولة الصفوية المغتصبة ، ما تتقوى به ضد العرب والمسلمين !!
أقول لصديقي وأخي العراقي : عندما قلت قضية فلسطين أول ؛لم أقصد الأولوية الزمنية . وأعتقد أن أولوية القضية الفلسطينية منذ اغتصبت ما تزال حاضرة على أجندة المجتمع الدولي ، على ثلاثة مستويات ..
الأول تأمين نصاب البقاء بتأمين الرفاه والوفرة لكل المغتصبين المتدفقين إلى أرض فلسطين ..فنحن نعلم أن حجم أموال المساعدات التي تتدفق على " الكيان الغريب المزروع في جسدنا الحي " توفر لكل مغتصب دخلا شهريا يوازي أضعاف ما يقتات به أبناء المنطقة ..
والثاني - تأمين المحيط الحاضن ، في مثل البيوت البلاستيكية ، ما يزال يعيش الجسم الصهيوني حماية له من برد ومن صقيع ...!!
والثالث : توفير الأنظمة والقوى الضامنة على المستويين الدولي والإقليمي . تتذكرون الجسر الجوي الأمريكي عند جد الجد بالجيش المصري ، بقيادة سعد الدين الشاذلي ، ويوم أعلن السادات : أنا لن أحارب أمريكا ..
وأقول للسادات اليوم لا أحد منا يريد محاربة أمريكا .. ولا محاربة روسية .. ولا محاربة طهران المدعومة من أمريكا ومن روسية .. ولكن ماذا يفعل العراقيون والسوريون عندما يحاربهم كل هؤلاء ؟!!
إذن لم أقصد بأولوية القضية الفلسطينية أولوية زمنية ، بل أولوية سببية . وبسبب تمسكنا بأرضنا وحقنا في فلسطين نعاني جميعا في كل مكان . ويحمل الأخ الفلسطيني عن الأمة ما رشحه له من أحب أن يكرمه بعنوان ( وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء )
ولو أردت أولوية زمنية ربما لتقدم على الأحواز مع تمسكنا بعروبة الأحواز ، ما كتبت عنه منذ عاما ، تراقيا المغتصبة منذ مطلع القرن العشرين ..
تراقيا أخت أندلس كما قال عنها شوقي وكتبت فيها من قبل .
" تراقيا " أو " مقدونيا " أو " أدرنة " .. أخت أندلس
يتفاعل الكثيرون مع قصيدة أحمد شوقي رحمه الله تعالى :
يا أخت أندلس عليك سلام ... هوت الخلافة عنك والإسلام
وهي بكائية ميمية جميلة معبرة ولكن لا ترقى في جمالها ولا في لوعتها ولا في طولها إلى نونية أبي البقاء في رثاء مدن الأندلس والتي مطلعها :
لكل شيء إذا ما تم نقصان ..فلا يغر بطيب العيش إنسان
هذا حديث الأدب وأما حديث السياسة فإن الكثيرين يظنون ويكتبون أن قصيدة شوقي هذه هي في رثاء الخلافة الإسلامية ودارها في اسطنبول وهذا لا يصح فانتبهوا ..
قصيدة شوقي هذه ليست في رثاء الخلافة ولا في رثاء اسطنبول . هذه القصيدة في رثاء " تراقيا الغربية " في مقدونيا . أو مدينة أدرنة .
حيث بعد عزل السلطان عبد الحميد وخلوص الأمر إلى الاتحاديين " العسكر " اتحد الصرب والبلغار واليونان والجبل الأسود ضد الدولة العلية . وخاضوا حربا معها بين عامي 1912 - 1913 سقطت بموجبها هذه المنطقة المعروفة باسم تراقيا أو تراقيا الغربية بالتحديد فذكرت شوقي بعهد سقوط الممالك . وإذا شئت فاقرأ معي في القصيدة:
يا أخت أندلس عليك سلام ..هوت الخلافة عنك والإسلام
ثم ينادي على مقدونيا البقعة الجغرافية السليبة الضائعة على طريق الأندلس
" مقدونيا " والمسلمون عشيرة ..كيف الخؤولة فيك والأعمام ؟!
ويثني بذكر مدينة أدرنة وما جرى على أهلها :
صبرا " أدرنة " كل ملك زائل يوما ويبقى المالك العلام
ثم يرد على الذين يقولون استرحنا منها ومن همومها على عادة كل من يسوقون الهزيمة :
زعموك هما للخلافة ناصبا وهل الممالك راحة ومنام ؟!
ولو ظللت حتى الصباح أكرر : هل الممالك راحة ومنام لما وفيت هذا السؤال حقه . ويوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدد أكبر الكبائر : ألا وقول الزور وشهادة الزور يقول الصاحبي راوي الحديث فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .. أي إشفاقا عليه صلى الله عليه وسلم لشدة انفعاله .
وما أجمل ما ينصحنا به الإمام بين يدي كل صلاة سدوا الفرج وتحاذوا بالمناكب والأقدام ...
لندن : 21 / رمضان / 1441
14/ 5/ 2020
_____________
*مدير مركز الشرق العربي