أسماء الأسد ليست جوليا دومنا
20.05.2020
عمر قدور
المدن
الثلاثاء 19/5/2020
أنعش رامي مخلوف، من خلال ظهوره بثلاثة فيديوهات ونشره نصاً مبهماً على صفحته، صورةَ أسماء الأسد. كثر يرون المعركة بينه وبينها، هي التي تريد الإجهاز على موقعه المالي والاقتصادي لصالح أقربائها الصاعدين كأثرياء سلطة جدد، أو كأثرياء حرب وفق تعبير رامي في إطلالته قبل يومين. لا يندر بين هؤلاء من يشير إلى طابع طائفي للمعركة، فأسماء "السنّيّة" في مواجهة رامي "العلوَيّ"، من دون تبرئة الطرفين من استغلاله أيضاً، إذ يعوّل رامي على اجتذاب بعض المتعاطفين الطائفيين، بينما تستفيد سلطة بشار بدرء اتهامات الطائفية عنها.
قبل يوم من فيديو رامي الأخير، نشر موقع "رئاسة الجمهورية العربية السورية" تسجيلاً لأسماء الأسد، تتحدث فيه ضمن ورشة "جريح الوطن" المتعلقة ببرنامج مساعدة جرحى قوات الأسد والقوات الرديفة "أي الشبيحة بالتعبير الرسمي". ركّزت أسماء في حديثها على وجود البرنامج منذ ست سنوات، أي في الفترة التي أشار إليها رامي من قبل كزمن نشطت فيه مؤسسته لمساعدة الجرحى والمعاقين من قوات الأسد وشبيحته. ليصادف قبل يومين صدور مرسوم يخصص ما لا يقل عن 2% من مقاعد الجامعات والمعاهد السورية كمنح لذوي المصابين، بما في ذلك أجور النقل والسكن الجامعي. أي أن أسماء، وفق الافتراضات الشائعة، تواجه مخلوف في المجال الذي نال فيه شعبية لدى بعض الموالين ويستغله في حملته الحالية، بل تجرده من مزاعمه "الخيرية".
في الصراع المفترض بين أسماء ورامي نحن أمام عناصر درامية مشوّقة، مواجهة بين امرأة ورجل، الاختلاف المذهبي بينهما الذي قد يفيد في حشد مناصرين من هنا وهناك، وفوق ذلك ما لصورة سيدة القصر المسيطرة من جاذبية تاريخياً. قد يلزم القول أن أسماء الأخرس ليست جوليا دومنا، الحمصية التي تزوجت قائداً عسكرياً رومانياً وشاركته صعوده إلى العرش، ثم شاركته حكمه وكانت لها سطوة أثناء حكم ولديها من بعده. الألقاب التي أُسبغت على جوليا دومنا، مثل "أم الوطن" و"أم الجيوش"، لم تكن الأهم بموجب المؤرخين الذين توقفوا عند دورها كمستشارة سياسية، وكمشرفة وحاضرة في المجلس العلمي والأدبي الذي أنشأته. المنبت الحمصي المشترك بين أسماء "سيدة الياسمين بحسب لقب جديد!" وجوليا دومنا، فضلاً عن بروز الأولى مؤخراً، يجب ألا يغرينا بالظن أن أسماء تحكم إلى جانب زوجها، وستحكم مستقبلاً إلى جانب ابنها.
يُسجّل المؤرخون لجوليا دومنا أنها غزت روما بأقاربها وبعضٍ من أهل مدينتها، في حقبة لاحقة سيعتلي ابن أختها عرش الإمبراطورية، واليوم تُشاع صورة أسماء التي أتت بعائلتها وأقاربها لتُمسك بهم مفاصل الاقتصاد والمال، مرة أخرى مع عدم إغفال الاختلاف المذهبي بين منبتهم ومنبت أثرياء السلطة السابقين وعلى رأسهم رامي مخلوف. لكن أقصى ما يُقال اليوم عن صعود أقرباء أسماء لا يدنو من البنية العسكرية والمخابراتية، البنية الأهم لسلطة الأسد، أما الجانب الطائفي المزعوم لعملية الاستبدال فيقضي الاقتناع بسنّيّة أسماء الأخرس وعلوية رامي مخلوف، مع علمنا بأن تجار المخدرات الكبار لا يتعاطونها، وأقصى ما يذهب إليه ترويج هذا الجانب هي استعادة صورة قديمة تستهوي البعض عن سلطة الأسد المخابراتية العسكرية التي تتحالف مع رجال الدين والبرجوازيين السنة.
أنذر رامي وهدد قبل يومين بانهيار الاقتصاد السوري، فيما إذا استمرت الضغوط عليه، وبدا مرتاحاً غير منفعل وكأنه واثق جداً من مكامن قوته. أحد أسباب ثقته بنفسه استعداده المضمر للتضحية بشركة الاتصالات التي هي رأس جبل الخلافات، والاعتقاد السائد عموماً هو أنه يبتز ابن عمته بباقي الأعمال والأموال الخاصة بشراكتهما في الخارج. وإذا صحّ الربط الذي أشار إليه بين ارتفاع الأسعار "أي تدهور الليرة" والضغوط التي بدأت تُمارس عليه منذ منتصف العام الفائت فهذا يمنحه أرجحية على الأثرياء الجدد من أقرباء أسماء، وحتى على الهيئات المالية والاقتصادية لسلطة بشار التي لا تستطيع منع الانهيار الحاصل.
نحن لا نعلم في المقابل مصدر القوة المفترضة لأسماء و"عشيرتها"، باستثناء ما ينبغي لنا تخمينه حول تأثيرها على زوجها. وفق هذا التصور الميلودرامي، يكون واقعاً تحت سطوة ثلاثية، سطوة موسكو وطهران من الخارج وسطوة أسماء داخل قصره. ولكي يستقيم هذا التصور، يتوجب تحييد منافسين لأسماء من الحلقة الضيقة جداً أهمهم ماهر الأسد، الأمر الذي لا يليق بصورته أمام الموالين الذين يرونه أشد بأساً من أخيه، ومن المستبعد أن تقدر عليه أسماء وحدها مهما عزي إليها من مهارات. من المفهوم تصويب رامي على أسماء، واستغلال الجانب الطائفي، علاوة على تحييد ابن عمته وتصغيره المضمر بهذا التحييد؛ ما هو غير مفهوم هو انصياع الطرف الآخر للعبة والدفع بأسماء أيضاً إلى مواجهته.
لعلنا نفسد جانباً من "متعة وتشويق" هذا المسلسل بقراءة الأحجام الحقيقية لأبطاله المفترضين، بدءاً من عدم قدرتهم على التحرك من دون دفعٍ أو سماحٍ خارجيين. في الواقع يصعب الاقتناع بخوض أسماء ورامي صراعهما وكأن سوريا مباحة لهما، أو أن الاقتصاد السوري "بكل تهافته" خارج نهائياً عن اهتمامات الوصيين الروسي والإيراني. وإذا كان الصراع غير منفصل عن إعادة هيكلة السلطة تمهيداً لاستحقاقات سياسية قادمة، من المستحيل تصور حدوثه بعيداً عن الوصيين، سواء في ظل تفاهمهما أو تنافسهما.
حتى الآن لدينا طرفان قادران على إيقاع الأذى كل منهما بالآخر، الليرة السورية وشركة الاتصالات أول اختبار للتهديدات المتبادلة، واستمرار المعركة مع استعداد كل منهما للخسارة يؤشر إلى دفع خارجي مباشر أو غير مباشر. وقد لا يكون الدفع الخارجي تعبيراً عن مصالح متناقضة لموسكو وطهران، فلا يُستبعد أن تكون الجهة ذاتها هي من يدفع الطرفين إلى المواجهة، وإلى إيقاع الخسارة بهما معاً. في انتظار حلقات أخرى من المسلسل، طرفا المواجهة تصرفا بطريقة منضبطة مُستبعدة عن طبيعتهما المعروفة، وهو ما يضيف تشويقاً لا إلى ترقب الخاتمة فقط، وإنما أيضاً إلى معرفة كاتب النص ومخرجه.
20.05.2020
عمر قدور
المدن
الثلاثاء 19/5/2020
أنعش رامي مخلوف، من خلال ظهوره بثلاثة فيديوهات ونشره نصاً مبهماً على صفحته، صورةَ أسماء الأسد. كثر يرون المعركة بينه وبينها، هي التي تريد الإجهاز على موقعه المالي والاقتصادي لصالح أقربائها الصاعدين كأثرياء سلطة جدد، أو كأثرياء حرب وفق تعبير رامي في إطلالته قبل يومين. لا يندر بين هؤلاء من يشير إلى طابع طائفي للمعركة، فأسماء "السنّيّة" في مواجهة رامي "العلوَيّ"، من دون تبرئة الطرفين من استغلاله أيضاً، إذ يعوّل رامي على اجتذاب بعض المتعاطفين الطائفيين، بينما تستفيد سلطة بشار بدرء اتهامات الطائفية عنها.
قبل يوم من فيديو رامي الأخير، نشر موقع "رئاسة الجمهورية العربية السورية" تسجيلاً لأسماء الأسد، تتحدث فيه ضمن ورشة "جريح الوطن" المتعلقة ببرنامج مساعدة جرحى قوات الأسد والقوات الرديفة "أي الشبيحة بالتعبير الرسمي". ركّزت أسماء في حديثها على وجود البرنامج منذ ست سنوات، أي في الفترة التي أشار إليها رامي من قبل كزمن نشطت فيه مؤسسته لمساعدة الجرحى والمعاقين من قوات الأسد وشبيحته. ليصادف قبل يومين صدور مرسوم يخصص ما لا يقل عن 2% من مقاعد الجامعات والمعاهد السورية كمنح لذوي المصابين، بما في ذلك أجور النقل والسكن الجامعي. أي أن أسماء، وفق الافتراضات الشائعة، تواجه مخلوف في المجال الذي نال فيه شعبية لدى بعض الموالين ويستغله في حملته الحالية، بل تجرده من مزاعمه "الخيرية".
في الصراع المفترض بين أسماء ورامي نحن أمام عناصر درامية مشوّقة، مواجهة بين امرأة ورجل، الاختلاف المذهبي بينهما الذي قد يفيد في حشد مناصرين من هنا وهناك، وفوق ذلك ما لصورة سيدة القصر المسيطرة من جاذبية تاريخياً. قد يلزم القول أن أسماء الأخرس ليست جوليا دومنا، الحمصية التي تزوجت قائداً عسكرياً رومانياً وشاركته صعوده إلى العرش، ثم شاركته حكمه وكانت لها سطوة أثناء حكم ولديها من بعده. الألقاب التي أُسبغت على جوليا دومنا، مثل "أم الوطن" و"أم الجيوش"، لم تكن الأهم بموجب المؤرخين الذين توقفوا عند دورها كمستشارة سياسية، وكمشرفة وحاضرة في المجلس العلمي والأدبي الذي أنشأته. المنبت الحمصي المشترك بين أسماء "سيدة الياسمين بحسب لقب جديد!" وجوليا دومنا، فضلاً عن بروز الأولى مؤخراً، يجب ألا يغرينا بالظن أن أسماء تحكم إلى جانب زوجها، وستحكم مستقبلاً إلى جانب ابنها.
يُسجّل المؤرخون لجوليا دومنا أنها غزت روما بأقاربها وبعضٍ من أهل مدينتها، في حقبة لاحقة سيعتلي ابن أختها عرش الإمبراطورية، واليوم تُشاع صورة أسماء التي أتت بعائلتها وأقاربها لتُمسك بهم مفاصل الاقتصاد والمال، مرة أخرى مع عدم إغفال الاختلاف المذهبي بين منبتهم ومنبت أثرياء السلطة السابقين وعلى رأسهم رامي مخلوف. لكن أقصى ما يُقال اليوم عن صعود أقرباء أسماء لا يدنو من البنية العسكرية والمخابراتية، البنية الأهم لسلطة الأسد، أما الجانب الطائفي المزعوم لعملية الاستبدال فيقضي الاقتناع بسنّيّة أسماء الأخرس وعلوية رامي مخلوف، مع علمنا بأن تجار المخدرات الكبار لا يتعاطونها، وأقصى ما يذهب إليه ترويج هذا الجانب هي استعادة صورة قديمة تستهوي البعض عن سلطة الأسد المخابراتية العسكرية التي تتحالف مع رجال الدين والبرجوازيين السنة.
أنذر رامي وهدد قبل يومين بانهيار الاقتصاد السوري، فيما إذا استمرت الضغوط عليه، وبدا مرتاحاً غير منفعل وكأنه واثق جداً من مكامن قوته. أحد أسباب ثقته بنفسه استعداده المضمر للتضحية بشركة الاتصالات التي هي رأس جبل الخلافات، والاعتقاد السائد عموماً هو أنه يبتز ابن عمته بباقي الأعمال والأموال الخاصة بشراكتهما في الخارج. وإذا صحّ الربط الذي أشار إليه بين ارتفاع الأسعار "أي تدهور الليرة" والضغوط التي بدأت تُمارس عليه منذ منتصف العام الفائت فهذا يمنحه أرجحية على الأثرياء الجدد من أقرباء أسماء، وحتى على الهيئات المالية والاقتصادية لسلطة بشار التي لا تستطيع منع الانهيار الحاصل.
نحن لا نعلم في المقابل مصدر القوة المفترضة لأسماء و"عشيرتها"، باستثناء ما ينبغي لنا تخمينه حول تأثيرها على زوجها. وفق هذا التصور الميلودرامي، يكون واقعاً تحت سطوة ثلاثية، سطوة موسكو وطهران من الخارج وسطوة أسماء داخل قصره. ولكي يستقيم هذا التصور، يتوجب تحييد منافسين لأسماء من الحلقة الضيقة جداً أهمهم ماهر الأسد، الأمر الذي لا يليق بصورته أمام الموالين الذين يرونه أشد بأساً من أخيه، ومن المستبعد أن تقدر عليه أسماء وحدها مهما عزي إليها من مهارات. من المفهوم تصويب رامي على أسماء، واستغلال الجانب الطائفي، علاوة على تحييد ابن عمته وتصغيره المضمر بهذا التحييد؛ ما هو غير مفهوم هو انصياع الطرف الآخر للعبة والدفع بأسماء أيضاً إلى مواجهته.
لعلنا نفسد جانباً من "متعة وتشويق" هذا المسلسل بقراءة الأحجام الحقيقية لأبطاله المفترضين، بدءاً من عدم قدرتهم على التحرك من دون دفعٍ أو سماحٍ خارجيين. في الواقع يصعب الاقتناع بخوض أسماء ورامي صراعهما وكأن سوريا مباحة لهما، أو أن الاقتصاد السوري "بكل تهافته" خارج نهائياً عن اهتمامات الوصيين الروسي والإيراني. وإذا كان الصراع غير منفصل عن إعادة هيكلة السلطة تمهيداً لاستحقاقات سياسية قادمة، من المستحيل تصور حدوثه بعيداً عن الوصيين، سواء في ظل تفاهمهما أو تنافسهما.
حتى الآن لدينا طرفان قادران على إيقاع الأذى كل منهما بالآخر، الليرة السورية وشركة الاتصالات أول اختبار للتهديدات المتبادلة، واستمرار المعركة مع استعداد كل منهما للخسارة يؤشر إلى دفع خارجي مباشر أو غير مباشر. وقد لا يكون الدفع الخارجي تعبيراً عن مصالح متناقضة لموسكو وطهران، فلا يُستبعد أن تكون الجهة ذاتها هي من يدفع الطرفين إلى المواجهة، وإلى إيقاع الخسارة بهما معاً. في انتظار حلقات أخرى من المسلسل، طرفا المواجهة تصرفا بطريقة منضبطة مُستبعدة عن طبيعتهما المعروفة، وهو ما يضيف تشويقاً لا إلى ترقب الخاتمة فقط، وإنما أيضاً إلى معرفة كاتب النص ومخرجه.