بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح79) كتاب: "طه حسين مفكرا" (ج2)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبعِينَ, وَعُنوَانُهَا: "كِتَابُ طَهَ حُسَين مُفَكِّرًا". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين: الرَّابِعَةِ وَالسِّتِينَ, وَالخَامِسَةِ وَالستينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "أمَّا الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ فإِنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَسَاسٍ هُوَ النَقِيضُ مِنْ أَسَاسِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، وتَصْوِيرُهَا للحَيَاةِ غَيْرُ تَصْوِيرِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ لَهَا، ومَفْهُومُ السَعَادَةِ فِيهِا يَخْتَلِفُ عَنْ مَفْهُومِهَا في الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ كُلَّ الاخْتِلافِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: فِي هَذِهِ الحَلْقَةِ نُتَابِعُ مَعَكُمْ حَدِيثَنَا الَّذِي كُنَّا قَدْ بَدَأنَاه عَمَّا كَتَبَهُ الدُّكتُور عَبدُ المَجِيدِ عَبدُ السَّلامِ المُحتَسِبُ. فِي كِتَابِهِ "طَهَ حُسَين مُفَكِّرًا؟" فَهُوَ - رَحِمَهُ اللهُ - مِن المتأثرين بِفِكْرِ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَوضُوعُ "الحَضَارَة وَالمَدَنِيَّة", يَقُولُ المُؤَلِّفُ فِي الصَّفحَتَينِ الثَّالِثَةِ وَالثَّمَانِينَ وَالرَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: "وَطَهَ حُسَينٍ يَقُولُ لِلمِصرِيِّينَ: "إِنَّكُمْ تَستَعمِلُونَ الأشْكَالَ المَادِيَّةَ وَالأدَوَاتِ وُالمُختَرَعَاتِ الَّتِي صَمَّمَتْهَا وَصَنَعَتْهَا أُورُوبَا, فَلِمَاذَا لا تَزَالُونَ تَنفِرُونَ وَتَرفُضُونَ الحَضَارَةَ الأُورُوبِيَّةَ؟! وَهُوَ فِي مَوقِفِهِ هَذَا خَبِيثٌ مُخَاتِلٌ - أيْ مُخَادِعٌ - لأنَّ الحَضَارَةَ شَيءٌ, وَالمَدَنِيَّةَ وَالعِلْمَ شَيءٌ آخَرُ. وَهُوَ يَدعُو فِي مَوضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ "مُستَقبَلُ الثَّقَافَةِ فِي مِصْرَ" إِلَى أنْ تَكُونَ أسْبَابُ الحَضَارَةِ الأُورُوبِيَّةِ هِيَ أسبَابَ الحَضَارَةِ المِصرِيَّةِ؛ لأَنَّ المِصرِيِّينَ - عَلَى حَدِّ زَعْمِهِ المُتَهَافِتِ - لا يَستَطِيعُونَ أنْ يَعِيشُوا بِغَيرِ ذَلِكَ, فَضْلاً عَنْ أنْ يَرقَوْا وَيَسُودُوا".
وَيُعَقِّبُ الدُّكتُورُ عَبدُ المَجِيدِ المُحتَسِبُ عَلَى كَلامِ طَهَ حُسَينٍ بِقَولِهِ: وَأنَا أستَطِيعُ أنْ أُؤَكِّدَ أنَّ المِصرِيَّينَ يَستَطِيعُونَ أنْ يَعِيشُوا بِغَيرِ هَذِهِ الحَضَارَةِ الأُورُوبِيَّةِ المُنحَطَّةِ؛ لأنَّ أهْلَ الصِّينِ وُرُوسيَا يَعِيشُونَ بِغَيرِهَا مَثَلاً. وَإِنَّ الأُصُولَ الَّتِي تَقُومُ عَلَيهَا هَذِهِ الحَضَارَةُ مُطَبَّقَةٌ فِي مِصْرَ مُنذُ سَنَةِ 1882م وَحَتَّى هَذِهِ اللَّحظَةِ, فَهَلْ تَرَى المِصرِيِّينَ سَادُوا وَارتَقَوْا؟! وَيُرَكِّزُ عَلَى فِكْرَةِ فَصْلِ الدِّينِ الإِسلامِيِّ عَنِ الحَيَاةِ انسِجَامًا مَعَ الأفكَارِ الرَّأسْمَالِيَّةِ الَّتِي يَتَبَنَّاهَا بِإِظهَارِ الاختِلافِ بَينَ وَاقِعِ رِجَالِ الدِّينِ النَّصَارَى, وَبَينَ وَاقِعِ عُلَمَاءِ الإِسلامِ. فَفِي أُورُوبَا حَدَثَتْ خُصُومَةٌ عَنِيفَةٌ بَينَ الدِّينِ وَالعَقْلِ, أو بَينَ رِجَالِ الدِّينِ, وَرِجَالِ العَقْلِ. فَقَدْ كَانَ لِرِجَالِ الدِّينِ النَّصَارَى فِي أُورُوبَا نُظُمٌ وَقَوَانِينُ, وَنُفُوذٌ وَسُلطَانٌ قَوِيٌّ, فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ أنْ يُدَافِعُوا عَنْ هَذَا السُّلْطَانِ. أمَّا المُسلِمُونَ فَقَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْ هَذَا الشَّرِّ. فَالإِسلامُ لا يَعرِفُ الإِكلِيرُوس أو طَبَقَةَ رِجَالِ الدِّينِ. فَهَذِهِ السَّيئَاتِ الَّتِي جَنَتْهَا أُورُوبَا مِنْ دِفَاعِ رِجَالِ الدِّينِ عَنْ سُلطَانِهِمْ لَنْ نَجْنِيَهَا نَحْنُ إِلاَّ إِذَا أدْخَلْنَا عَلَى الإِسلامِ ما لَيسَ فِيهِ وَحَمَّلْنَاهُ مَا لا يَحْتَمِلُ, وَكَأنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَقُولَ لِلمُسلِمِينَ فِي مِصْرَ: إِذَا كَانَ أهْلُ أُورُوبَا قَدْ فَصَلُوا الدِّينَ عَنِ الحَيَاةِ, وَعِندَهُمُ الإِكليرُوس أوْ طَبَقَةُ رِجَالِ الدِّينِ, فَلِمَاذَا لا نُسَوِّغُ فَصْلَ الدِّينِ عَنِ الحَيَاةِ, وَلَيسَ فِي الإِسلامِ إِكلِيرُوس؟! وَدَلِيلُهُ الوَاهِي يَحْمِلُ الرَّدَّ عَلَيهِ. فَإِذَا كَانَ أهْلُ أُورُوبَا قَدْ فَصَلُوا النَّصرَانِيَّةَ عَنِ الحَيَاةِ بِفِعْلِ تَسضلُّطِ رِجَالِ الدِّينِ, وَالإِنجِيلُ لَيسَ فِيهِ نِظَامٌ, وَإِنَّمَا كَانُوا يَسِيرُونَ بِحَسَبِ التَّشرِيعِ الَّذِي بَقِيَ فِي التَّورَاةِ, وِبِحَسَبِ القَانُونِ الرُّومَانِيِّ, فَمَا عُذْرُ المُسلِمِينَ فِي فَصْلِ الإِسلامِ عَنِ الحَيَاةِ؟! وَالمَعرُوفُ أنَّ الإِسلامَ نِظَامٌ شَامِلٌ مُتَكَامِلٌ قَائِمٌ بِرَأسِهِ غَيرُ مُحتَاجٍ إِلَى غَيرِهِ, وَلَيسَ فِيهِ إِكلِيرُوس. وَإِذَا كَانَتِ الكَنِيسَةُ قَدْ وَقَفَتْ حَاجِزًا مَنِيعًا أمَامَ تَفكِيرِ العُلَمَاءِ, وَنَتَائِجِ بُحُوثِهِمُ الَّتِي تُخَالِفُ مَا استَقَرَّ لَدَى عُقُولِ رِجَالِ الكَنِيسَةِ, فَمَا ذَنْبُ عُلَمَاءِ المُسلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَقِفُوا ذَلِكَ المَوقِفَ؟!
وَيَتَخَابَثُ طَهُ حُسَينٍ, وَيُوهِمُنَا بِأنَّهُ لا يُفَرِّقُ بَينَ العِلْمِ وَمُختَرَعَاتِهِ, وَبَينَ الحَضَارَةِ الأُورُوبِيَّةِ, يَقُولُ: "وَإِلاَّ فَمِنَ السُّخْفِ أنْ نَدْعُوَ إِلَى الأَخْذِ بِأسبَابِ الحَضَارَةِ الأُورُوبِيَّةِ, وَقَدْ دَخَلَ الرَّاديُو فِي الأزْهَرِ الشَّرِيفِ, وَقَامَ صَاحِبُ الفَضِيلَةِ الأُستَاذُ الأكْبَرُ يَتَحَدَّثُ بِهِ إِلَى المُسلِمِينَ فِي أقْطَارِ الأرْضِ جَمِيعًا". وَالرَّاديُو جِهَازٌ اختَرَعَهُ العُلَمَاءُ, وَلَيسَ هَذَا مِنَ الحَضَارَةِ, وَإِذَا كَانَ الرَّاديُو قَدْ دَخَلَ الأزْهَرَ, فَمَا المُسَوِّغُ لِلأَخْذِ بِأسبَابِ الحَضَارَةِ الأُورُوبِيَّةِ؟! وَلِمَاذَا لا نَأخُذُ بِأسبَابِ الحَضَارَةِ الإِسلامِيَّةِ, وَنَصْنَعَ الرَّاديُو فِي الوَقْتِ نَفسِهِ؟! وَهَلْ هَذَا مُحَالٌ؟! وَيَقُولُ الدُّكتُور عَبدُ المَجِيدِ المُحتَسِبُ فِي مَوضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ (صفحة 88): "طَهَ حُسَين مُفَكِّرًا": "وَنَحنُ نُسَلِّمُ بِأنَّ عَقْلَ طَهَ حُسَينٍ صَارَ عَقْلاً أُورُوبِيًّا أوْ فَرَنسِيًّا لِسَبَبٍ بَسِيطٍ, هُوَ أنَّهُ اقتَنَعَ بِالأفكَارِ الرَّأسْمَالِيَّةِ وَتَبَنَّاهَا, أوْ أصْبَحَ مَضْبُوعًا بِالثَّقَافَةِ الَّلاتِينِيَّةِ. وَهُوَ لانحِطَاطِهِ الفِكْرِيِّ يُرِيدُ أنْ يُعَمِّمَ, فَيَجْعَلَ العَقْلَ المِصْرِيَّ فِي المَاضِي وَالحَاضِرِ عَقلاً غَربِيًّا. وَإِذَا كَانَ العَقْلُ المِصرِيُّ عَقلاً أُورُوبِيًّا, فَلِمَاذَا هَزَمَ المِصْرِيُّونَ مَلِكَ فَرَنْسَا لِوِيس التَّاسِعَ فِي إِبَّانِ الحَمْلاتِ الصَّلِيبِيَّةِ, وَأسَرُوهُ فِي المَنصُورَةِ, ثُمَّ افتَدَى نَفْسَهُ؟! هَذَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى الاختِلافِ بَينَ المِصْرِيِّينَ المُسلِمِينَ, وَبَينَ الفَرَنسِيِّينَ الحَاقِدِينَ. وَيَقُولُ المُحتَسِبُ - رَحِمَهُ اللهُ - (صفحة 90): وَتَأثُّرُ طَهَ حُسَينٍ وَاضِحٌ بَيِّنٌ بِكَاتِبٍ قِبْطِيٍّ مِصْرِيٍّ كَانَ يُعلِي مِنْ شَأنِ الثَّقَافَةِ "الأنجلُوسَكسُونِيَّة" مُقَابِلَ طَهَ حُسَينٍ الَّذِي كَانَ يُعلِي مِنْ شَأنِ الثَّقَافَةِ الَّلاتِينِيَّةِ. ذَلِكَ الكَاتِبُ هُوَ سَلامَة مُوسَى, وَكِتَابُهُ: "اليَومُ وَالغَدُ" يُؤَكِّدُ فِكْرَةَ تَأثُّرِ طَهَ حُسَينٍ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأفكَارِ الَّتِي طَرَحْنَاهَا. وَيَبلُغُ بِهِ الحَمْقُ وَالإِسفَافُ مَبْلَغًا عَظِيمًا, وَيَأبِى إِلاَّ أنْ يُسَجِّلَ لأبنَاءِ الأُمَّةِ تَارِيخَ التَّهرِيجِ الفِكْرِيِّ فِي مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ تَارِيخِهَا الأَسوَدِ, فَهُوَ شَغُوفٌ مَهْوُوسٌ بِالحَضَارَةِ الأُورُوبِيَّةِ؛ لأنَّهَا حَضَارَةُ العَالَمِ أجْمَعَ الآنَ. وَهَذَا كَذِبٌ وَتَزوِيرٌ لِلوَاقِعِ, وَهُوَ يَحُثُّ المِصرِيِّينَ عَلَى أنْ يَلبَسُوا القُبَّعَةَ دُونَ الطَّربُوشِ؛ لأنَّ القُبَّعَةَ تَبعَثُ فِي المِصرِيِّينَ العَقلِيَّةَ الأُورُوبِيَّةَ, وَقَد نَسِيَ الكَاتِبُ التَّالِفُ سَلامَةَ مُوسَى أنَّ الطَّربُوشَ قَدْ نَقَلَهُ الأترَاكُ مِنَ النَّمسَا إِلَى بِلادِ الدَّولَةِ العُثمَانِيَّةِ. أيْ أنَّهُ أُورُوبِيُّ الصُّنعِ, فَلِمَاذَا يُرِيدُ مِنَ المِصرِيِّينَ أنْ يَستَبدِلُوا لِبَاسًا أُورُوبِيًّا بِلِبَاسٍ أُورُوبِيٍّ, وَقَدْ صَرَّحَ مِرَارًا بِأنَّهُ يُحِبُّ كُلَّ مَا هُوَ أُورُوبِيِّ؟! وَمَا عَلاقَةُ القُبَّعَةِ بِتَغْيِيرِ العَقْلِيَّةِ؟! وَالَّذِي يَبدُو أنَّ عَقْلَ سَلامَة مُوسَى كَانَ مُستَقِرًّا فِي قُبَّعَتِهِ أو فِي أُذُنَيهِ, فَلَو وَضَعْنَا قُبَّعَةً عَلَى رَأسِ حِمَارٍ, هَلْ تَبعَثُ القُبَّعَةُ فِي هَذَا الحِمَارِ العَقلِيَّةَ الأُورُوبِيَّةَ؟!
وَيَتَحَامَلُ عَلَى الأزْهَرِ الشَّرِيفِ وَالمَحَاكِمِ الشَّرعِيَّةِ تَحَامُلاً شَدِيدًا, إِذْ يُسَمِّي مَا يَقُومُ بِهِ الأزْهَرُ بِتَدرِيسِهِ بـ"ثقَافَةِ القُرُونِ المُظلِمَةِ" وَيَنتَقِدُ شُيُوخَ الأزْهَرِ بِأنَّهُمْ لا يَزَالُونَ يَلبَسُونَ الجُبَبَ وَالقَفَاطِينَ, وَلا يَتَوَرَّعُونَ مِنَ التَّوَضُّؤِ عَلَى قَوَارِعِ الطَّرِيقِ فِي الأرْيَافِ, وَلا زَالُوا يُسَمُّونَ الأقبَاطَ وَاليَهُودَ "كُفَّارًا" كَمَا كَانَ يُسَمِّيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ قَبلَ ألْفٍ وَثَلاثِمِائَةِ عَامٍ. هَذِهِ الأفكَارُ تُقطُرُ حِقْدًا عَلَى الإِسلامِ, وَلَكِنْ تَحْتَ اسْمِ نَقْدِ شُيُوخِ الأزْهَرِ, وَالأزْهَرُ أوَّلُ جَامِعَةٍ مُنَظَّمَةٍ فِي العَالَمِ. وَثَقَافَةُ القُرُونِ المُظلِمَةِ كَمَا يُسَمِّيهَا هَذَا التَّالِفُ الوَقِحُ كَانَتِ الثَّقَافَةَ الأُولَى فِي العَالَمِ عِدَّةَ قُرُونٍ. وَالَّذِي يَتَوَضَّأُ عَلَى قَوَارِعِ الطَّرِيقِ فِي الأرْيَافِ أرْقَى فِكْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي لِخَشَبَةٍ لا تَعقِلُ, وَلَو كَانَ مُثَقَّفًا بِثَقَافَةٍ أُورُوبِيَّةٍ مِثلَ سَلامَة مُوسَى. وَالَّذِي يُسَمِّي الأقبَاطَ وَاليَهُودَ "كُفَّارًا" هُوَ الإِسلامُ, وَعُمَرُ t صَاحِبُ الرَّسُولِ الأعْظَمِ r وَهَذِهِ التَّسمِيَةُ مَفْهُومٌ وَقَنَاعَةٌ عِندَ كُلِّ مُسلِمٍ؛ لأنَّ اللهَ بَيَّنَهَا فِي القُرآنِ وَالحَدِيثِ. وَالحَقُّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ رَغْمَ أنْفِ سَلامَةَ مُوسَى وَبِطَانَتِهِ".
00 P20 3 2018
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.