الموت الذي جلبه المغول وقاومه العثمانيون.. "الاستشراق الوبائي" وتفشي الطاعون في البحر المتوسط
23/4/2020
عمران عبد الله
بينما توجهت أغلب الدراسات التي تبحث علاقة الأوبئة والطاعون بالإمبراطوريات الحديثة وعالم البحر المتوسط إلى البلاد الأوروبية، بقيت تأثيرات الطاعون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على المجتمعات العربية والمسلمة المحيطة بالبحر تفتقر للدراسة والبحث المعمق.
وإذ كانت الدولة العثمانية إمبراطورية مترامية الأطراف وضمت أراضيها لقرون طويلة سواحل البحر المتوسط في جنوب شرق أوروبا وساحل بلاد الشام وشمال أفريقيا، فقد عرفت العديد من ضربات الموت الأسود أو وباء الطاعون الذي تفشى عدة مرات منذ منتصف القرن الرابع عشر الميلادي وحتى أيامها الأخيرة في القرن العشرين.
أوبئة قديمة
ومع تفشي جائحة كورونا على ضفاف البحر المتوسط في هذه الأيام، تبرز أهمية الدراسة التي قدمتها الباحثة نوخيت فارليك في كتابها "الطاعون والإمبراطورية في العالم المتوسطي الحديث المبكر: التجربة العثمانية 1347–1600″، ووضعت بها الإمبراطورية العثمانية في سياق تاريخ الطاعون العالمي بدلا من اعتبارها بلدا "إسلاميا منعزلا" على هامش مركز الطاعون الأوروبي.
وبحثت المؤلفة في سجلات عثمانية أرشيفية والعديد من المصادر الأصلية والأجنبية بما فيها سجلات الممالك الأوروبية، لمحاولة رسم صورة شاملة للطاعون في السياق العثماني (خاصة في القرن السادس عشر الميلادي)، وخلصت إلى أن فتوحات العثمانيين وتوسع بلادهم قد أسهم في انتقال الطاعون عبر الأراضي الشاسعة للإمبراطورية.
أصبحت إسطنبول من مراكز الطاعون، الذي اعتبرت المؤلفة أنه سمة مستوطنة للإمبراطوريات بشكل عام، ورصد الكتاب دورات تفشي الوباء في ثلاث حقب زمنية تبدأ بمنتصف القرن الخامس عشر وحتى بداية القرن السابع عشر، ولم تتجاهل الدراسة اختلاف الواقع التاريخي عن السجلات الأرشيفية والأوامر السلطانية التي قد لا يتم تطبيقها بطريقة حرفية، في المقابل تقدم الأعمال الأدبية وسجلات القضاء صورا بديلة عن واقع الإجراءات الفعلي، منها سجل عن خسائر اقتصادية في مدينة بورصة الأناضولية على سبيل المثال.
يشرح كتاب "الطاعون والإمبراطورية في العالم المتوسطي الحديث المبكر" أثر (مواقع التواصل)
إجراءات وقائية
تشرح المؤلفة، أستاذة التاريخ في جامعة روتغرز الأميركية، أساليب "العلاج" وطرق الوقاية التي اتخذتها السلطات واتبعها المواطنون، وتتعرض لدور الدولة في تنظيم مواكب الصلاة والدعاء والتضرّع الجماعي لرفع الوباء، وتدرس طرق تشخيص الطاعون والتمييز بين الوفيات الناجمة عنه وتلك الناجمة عن أمراض أخرى في الإجراءات والسجلات والتشخيص الطبي.
وساهم تطور التعامل مع وباء الطاعون في "التحديث العثماني"، إذ تطورت التنظيمات والأنظمة الإدارية بطريقة ضمنت شكلا جديدا للحكم يتضمن طرق مراقبة ورقابة أكثر صرامة على الهيئات العامة والميادين والساحات العامة، وشكلت الممارسات الصحية المزيد من الضوابط على طرق بناء المنازل وفحص إمدادات المياه وتطور نظام إدارة الصحة العثمانية منذ منتصف القرن السادس عشر بحسب المؤلفة.
وتشير فارليك إلى أن الإدارة العثمانية وضعت قواعد وإجراءات رسمية لدفن ضحايا الطاعون مع زيادة أعداد المصابين به، وذلك لمكافحة العدوى وتقليل الضحايا، وأنشأ العثمانيون لذلك مقابر خاصة خارج أسوار المدن.
وداخل المدن جرى تطوير النظام الصحي والممارسات الوقائية، وتوسعت إجراءات النظافة وإزالة القمامة وتعبيد الطرق، ونُقلت بعض الورش الحرفية مثل المدابغ والمسالخ خارج المدن، وحصل المتضررون من الطاعون على إعفاءات ضريبية، خاصة خلال عصر التنظيمات والتحديث العثماني في القرن التاسع عشر الذي شهد موجات تفشّ للوباء القاتل.
ونظرا لكون الطاعون مشكلة متكررة في السلطنة العثمانية على مدى قرون طويلة، تطورت الممارسات الصحية والوقائية المرتبطة به وشملت بناء مراكز للحجر الصحي خاصة خلال القرن التاسع عشر، الذي عرف التوسع في إجراءات السيطرة على تنقل الأفراد المسافرين وحجزهم للاطمئنان من خلوهم من المرض القاتل، وكذلك تطهير السلع والبضائع.
وكانت المدن والموانئ والبلدات الواقعة على طرق ومسارات السفر القديمة أكثر عرضة للمعاناة من تفشي الأوبئة من المناطق الأخرى، ورغم تراجع المرض في أوروبا الغربية منذ القرن الثامن عشر فصاعدا، استمر الوباء في الإمبراطورية العثمانية حتى أواخر القرن التاسع عشر وبعد ذلك أيضا.
تاريخ المرض
وتؤرخ العديد من المصادر التاريخية بدايات تفشي "الموت الأسود" بوصول الطاعون إلى منطقة البحر الأسود من الشرق، قادما مع جيش مغولي حاصر بلدة كافا بالقرم (فيودوسيا الأوكرانية التي تحتلها روسيا حاليا) منتصف القرن الرابع عشر، وبدأ الجنود المغول يموتون بسبب الوباء، وقذفوا بعض الجثث بالمنجنيق فوق أسوار المدينة.
وأصيب السكان المحاصَرون بالمرض المعدي الذي حمله المسافرون معهم عبر سفن التجارة إلى موانئ إيطاليا والقسطنطينية البيزنطية، وانتشر الوباء عبر بحر إيجه وشرق المتوسط إلى حلب والساحل السوري والإسكندرية المصرية إلى مدن أخرى في الشرق الأوسط، وإلى أوروبا أيضا وقتل قرابة ثلث سكانها.
وحددت فارليك ثلاث مراحل رئيسية لتفشي الوباء في الأراضي العثمانية: الأولى استمرت من 1453 حتى 1517، والثانية من 1517 حتى 1570، والثالثة من 1570 حتى مطلع القرن السابع عشر في 1600، وتناقش كلا من هذه المراحل الثلاث بدقة، وانتشار وطبيعة الطاعون، وكيف أثر على السكان والدولة، وما إلى ذلك.
وخلفت آثار الطاعون تغيرات كبيرة في العالم العثماني، لكن الاضطرابات الهائلة كانت من نصيب أوروبا التي تغيرت بنيتها الاجتماعية بلا رجعة، وعرفت اضطهادا واسع النطاق للأقليات مثل الأجانب واليهود والمتسولين والمجذومين، وانتشرت نظريات مؤامرة حول أسباب الطاعون، وشملت التأثيرات تزايد النزعات المتشائمة في الفن والأدب.
ومع ذلك جلبت الخسائر البشرية الكبيرة التي سببها الطاعون نتائج إيجابية للفلاحين الناجين في أوروبا، وفتحت المجال أمام حراك اجتماعي دق مسمارا في نعش النظام الاقطاعي، بعد أن أصبحت الأرض وفيرة والأجور عالية وأصبح الترقي الاجتماعي ممكنا للعديد من المزارعين.
استشراق وبائي
وفي الكتاب الجماعي المتعدد التخصصات الذي حررته فارليك أيضا، وصدر عن منشورات "أي آر سي إنسانيات"، تلاحظ المؤلفة نشوء ما أسمته "الاستشراق الوبائي".
أسهم باحثون من خلفيات مختلفة في كتاب "الطاعون والعدوى في المتوسط الإسلامي: تواريخ جديدة للمرض في المجتمع العثماني" (مواقع التواصل)
وفي مساحة متداخلة بين تخصصات تاريخ الأوبئة وتاريخ الصحة العامة والتاريخ البيئي ودراسات الاستشراق، يناقش الكتاب نشوء "الطاعون الشرقي" -وهو مصطلح استخدم في مرحلة ما بعد عصر التنوير في أوروبا- للإشارة إلى الأوبئة وتفشيها في أراضي الإمبراطورية العثمانية الشاسعة، وعلى سواحل المتوسط الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية.
وابتداء من القرن الثامن عشر عندما بدأت ذاكرة الطاعون تتلاشى في الذاكرة الأوروبية القصيرة، بعد أن قضى ثلث سكان القارة العجوز بالوباء القاتل، أصبح المشرق مرتبطا في المخيلة الأوروبية بصورة الوباء والطاعون بسبب استمرار تفشي الوباء.
وتناقش دراسة فارليك ارتباط الإمبراطورية العثمانية بخيالات أوروبية عن مشهد المرض في البلاد العثمانية، مما فاقم من المخاوف الأوروبية من العالم العثماني. وتتبع المؤلفة تبعات هذه الرؤية في كتابة التاريخ الحديث التي تأثرت بهذا "الاستشراق الوبائي"، وكيف أصبح ينظر إلى الشرق على أنه موقع المرض وتحويله إلى "آخر مريض" بالنسبة لأوروبا التي تجاهلت تاريخها المؤلم مع المرض.
وفي الكتاب ذاته، يناقش الأكاديمي في قسم التاريخ بجامعة أوهايو الأميركية سام وايت دلائل على أن الوباء لم يصل أوروبا من الأراضي العثمانية، في المقابل ساهمت الظروف المحيطة بموجات من تفشي المرض بما في ذلك نقل الماشية لمسافات أطول وطقس شتوي أكثر برودة وحروب تشبه لحد كبير الظروف التي تسببت في انتقال الوباء للأراضي العثمانية أواخر القرن الخامس عشر.
المصدر : الجزيرة
23/4/2020
عمران عبد الله
بينما توجهت أغلب الدراسات التي تبحث علاقة الأوبئة والطاعون بالإمبراطوريات الحديثة وعالم البحر المتوسط إلى البلاد الأوروبية، بقيت تأثيرات الطاعون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على المجتمعات العربية والمسلمة المحيطة بالبحر تفتقر للدراسة والبحث المعمق.
وإذ كانت الدولة العثمانية إمبراطورية مترامية الأطراف وضمت أراضيها لقرون طويلة سواحل البحر المتوسط في جنوب شرق أوروبا وساحل بلاد الشام وشمال أفريقيا، فقد عرفت العديد من ضربات الموت الأسود أو وباء الطاعون الذي تفشى عدة مرات منذ منتصف القرن الرابع عشر الميلادي وحتى أيامها الأخيرة في القرن العشرين.
أوبئة قديمة
ومع تفشي جائحة كورونا على ضفاف البحر المتوسط في هذه الأيام، تبرز أهمية الدراسة التي قدمتها الباحثة نوخيت فارليك في كتابها "الطاعون والإمبراطورية في العالم المتوسطي الحديث المبكر: التجربة العثمانية 1347–1600″، ووضعت بها الإمبراطورية العثمانية في سياق تاريخ الطاعون العالمي بدلا من اعتبارها بلدا "إسلاميا منعزلا" على هامش مركز الطاعون الأوروبي.
وبحثت المؤلفة في سجلات عثمانية أرشيفية والعديد من المصادر الأصلية والأجنبية بما فيها سجلات الممالك الأوروبية، لمحاولة رسم صورة شاملة للطاعون في السياق العثماني (خاصة في القرن السادس عشر الميلادي)، وخلصت إلى أن فتوحات العثمانيين وتوسع بلادهم قد أسهم في انتقال الطاعون عبر الأراضي الشاسعة للإمبراطورية.
أصبحت إسطنبول من مراكز الطاعون، الذي اعتبرت المؤلفة أنه سمة مستوطنة للإمبراطوريات بشكل عام، ورصد الكتاب دورات تفشي الوباء في ثلاث حقب زمنية تبدأ بمنتصف القرن الخامس عشر وحتى بداية القرن السابع عشر، ولم تتجاهل الدراسة اختلاف الواقع التاريخي عن السجلات الأرشيفية والأوامر السلطانية التي قد لا يتم تطبيقها بطريقة حرفية، في المقابل تقدم الأعمال الأدبية وسجلات القضاء صورا بديلة عن واقع الإجراءات الفعلي، منها سجل عن خسائر اقتصادية في مدينة بورصة الأناضولية على سبيل المثال.
يشرح كتاب "الطاعون والإمبراطورية في العالم المتوسطي الحديث المبكر" أثر (مواقع التواصل)
إجراءات وقائية
تشرح المؤلفة، أستاذة التاريخ في جامعة روتغرز الأميركية، أساليب "العلاج" وطرق الوقاية التي اتخذتها السلطات واتبعها المواطنون، وتتعرض لدور الدولة في تنظيم مواكب الصلاة والدعاء والتضرّع الجماعي لرفع الوباء، وتدرس طرق تشخيص الطاعون والتمييز بين الوفيات الناجمة عنه وتلك الناجمة عن أمراض أخرى في الإجراءات والسجلات والتشخيص الطبي.
وساهم تطور التعامل مع وباء الطاعون في "التحديث العثماني"، إذ تطورت التنظيمات والأنظمة الإدارية بطريقة ضمنت شكلا جديدا للحكم يتضمن طرق مراقبة ورقابة أكثر صرامة على الهيئات العامة والميادين والساحات العامة، وشكلت الممارسات الصحية المزيد من الضوابط على طرق بناء المنازل وفحص إمدادات المياه وتطور نظام إدارة الصحة العثمانية منذ منتصف القرن السادس عشر بحسب المؤلفة.
وتشير فارليك إلى أن الإدارة العثمانية وضعت قواعد وإجراءات رسمية لدفن ضحايا الطاعون مع زيادة أعداد المصابين به، وذلك لمكافحة العدوى وتقليل الضحايا، وأنشأ العثمانيون لذلك مقابر خاصة خارج أسوار المدن.
وداخل المدن جرى تطوير النظام الصحي والممارسات الوقائية، وتوسعت إجراءات النظافة وإزالة القمامة وتعبيد الطرق، ونُقلت بعض الورش الحرفية مثل المدابغ والمسالخ خارج المدن، وحصل المتضررون من الطاعون على إعفاءات ضريبية، خاصة خلال عصر التنظيمات والتحديث العثماني في القرن التاسع عشر الذي شهد موجات تفشّ للوباء القاتل.
ونظرا لكون الطاعون مشكلة متكررة في السلطنة العثمانية على مدى قرون طويلة، تطورت الممارسات الصحية والوقائية المرتبطة به وشملت بناء مراكز للحجر الصحي خاصة خلال القرن التاسع عشر، الذي عرف التوسع في إجراءات السيطرة على تنقل الأفراد المسافرين وحجزهم للاطمئنان من خلوهم من المرض القاتل، وكذلك تطهير السلع والبضائع.
وكانت المدن والموانئ والبلدات الواقعة على طرق ومسارات السفر القديمة أكثر عرضة للمعاناة من تفشي الأوبئة من المناطق الأخرى، ورغم تراجع المرض في أوروبا الغربية منذ القرن الثامن عشر فصاعدا، استمر الوباء في الإمبراطورية العثمانية حتى أواخر القرن التاسع عشر وبعد ذلك أيضا.
تاريخ المرض
وتؤرخ العديد من المصادر التاريخية بدايات تفشي "الموت الأسود" بوصول الطاعون إلى منطقة البحر الأسود من الشرق، قادما مع جيش مغولي حاصر بلدة كافا بالقرم (فيودوسيا الأوكرانية التي تحتلها روسيا حاليا) منتصف القرن الرابع عشر، وبدأ الجنود المغول يموتون بسبب الوباء، وقذفوا بعض الجثث بالمنجنيق فوق أسوار المدينة.
وأصيب السكان المحاصَرون بالمرض المعدي الذي حمله المسافرون معهم عبر سفن التجارة إلى موانئ إيطاليا والقسطنطينية البيزنطية، وانتشر الوباء عبر بحر إيجه وشرق المتوسط إلى حلب والساحل السوري والإسكندرية المصرية إلى مدن أخرى في الشرق الأوسط، وإلى أوروبا أيضا وقتل قرابة ثلث سكانها.
وحددت فارليك ثلاث مراحل رئيسية لتفشي الوباء في الأراضي العثمانية: الأولى استمرت من 1453 حتى 1517، والثانية من 1517 حتى 1570، والثالثة من 1570 حتى مطلع القرن السابع عشر في 1600، وتناقش كلا من هذه المراحل الثلاث بدقة، وانتشار وطبيعة الطاعون، وكيف أثر على السكان والدولة، وما إلى ذلك.
وخلفت آثار الطاعون تغيرات كبيرة في العالم العثماني، لكن الاضطرابات الهائلة كانت من نصيب أوروبا التي تغيرت بنيتها الاجتماعية بلا رجعة، وعرفت اضطهادا واسع النطاق للأقليات مثل الأجانب واليهود والمتسولين والمجذومين، وانتشرت نظريات مؤامرة حول أسباب الطاعون، وشملت التأثيرات تزايد النزعات المتشائمة في الفن والأدب.
ومع ذلك جلبت الخسائر البشرية الكبيرة التي سببها الطاعون نتائج إيجابية للفلاحين الناجين في أوروبا، وفتحت المجال أمام حراك اجتماعي دق مسمارا في نعش النظام الاقطاعي، بعد أن أصبحت الأرض وفيرة والأجور عالية وأصبح الترقي الاجتماعي ممكنا للعديد من المزارعين.
استشراق وبائي
وفي الكتاب الجماعي المتعدد التخصصات الذي حررته فارليك أيضا، وصدر عن منشورات "أي آر سي إنسانيات"، تلاحظ المؤلفة نشوء ما أسمته "الاستشراق الوبائي".
أسهم باحثون من خلفيات مختلفة في كتاب "الطاعون والعدوى في المتوسط الإسلامي: تواريخ جديدة للمرض في المجتمع العثماني" (مواقع التواصل)
وفي مساحة متداخلة بين تخصصات تاريخ الأوبئة وتاريخ الصحة العامة والتاريخ البيئي ودراسات الاستشراق، يناقش الكتاب نشوء "الطاعون الشرقي" -وهو مصطلح استخدم في مرحلة ما بعد عصر التنوير في أوروبا- للإشارة إلى الأوبئة وتفشيها في أراضي الإمبراطورية العثمانية الشاسعة، وعلى سواحل المتوسط الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية.
وابتداء من القرن الثامن عشر عندما بدأت ذاكرة الطاعون تتلاشى في الذاكرة الأوروبية القصيرة، بعد أن قضى ثلث سكان القارة العجوز بالوباء القاتل، أصبح المشرق مرتبطا في المخيلة الأوروبية بصورة الوباء والطاعون بسبب استمرار تفشي الوباء.
وتناقش دراسة فارليك ارتباط الإمبراطورية العثمانية بخيالات أوروبية عن مشهد المرض في البلاد العثمانية، مما فاقم من المخاوف الأوروبية من العالم العثماني. وتتبع المؤلفة تبعات هذه الرؤية في كتابة التاريخ الحديث التي تأثرت بهذا "الاستشراق الوبائي"، وكيف أصبح ينظر إلى الشرق على أنه موقع المرض وتحويله إلى "آخر مريض" بالنسبة لأوروبا التي تجاهلت تاريخها المؤلم مع المرض.
وفي الكتاب ذاته، يناقش الأكاديمي في قسم التاريخ بجامعة أوهايو الأميركية سام وايت دلائل على أن الوباء لم يصل أوروبا من الأراضي العثمانية، في المقابل ساهمت الظروف المحيطة بموجات من تفشي المرض بما في ذلك نقل الماشية لمسافات أطول وطقس شتوي أكثر برودة وحروب تشبه لحد كبير الظروف التي تسببت في انتقال الوباء للأراضي العثمانية أواخر القرن الخامس عشر.
المصدر : الجزيرة