شرّه ممتد.. فيروس كورونا لا يقتل فقط مرضاه
وباء كورونا هز كل جوانب الرعاية الصحية بما في ذلك الخدمات الصحية اللازمة لمرضى السرطان وزراعة الأعضاء (رويترز)
14/5/2020
د. أسامة أبو الرب
مع توجيه طاقة المستشفيات والأطباء والممرضين وكل إمكانيات الجهاز الصحي عالميا لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19، ظهرت مشاكل نتيجة الضغط الكبير على القطاع الصحي، فكيف ذلك؟ وهل من حلول؟
وبينما يطغى فيروس كورونا المستجد على أنظمة الرعاية الصحية، يكافح الأشخاص الذين يعانون من أمراض أخرى للعثور على العلاج أو الأسرة.
فحاليا تم إعادة توجيه الموارد الطبية للتركيز على مرضى كورونا، والنتيجة أن هناك حالات مرضية أخرى لا تجد احتياجاتها، مثل إمدادات الدم أو العلاج الكيميائي أو حتى زيارات العيادة.
ووفقا لتقرير في نيويورك تايمز، فإن وباء كورونا قد هز كل جوانب الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات الصحية اللازمة لمرضى السرطان وزراعة الأعضاء وحتى جراحة الدماغ.
مع دخول العديد من المرضى للمستشفيات بمضاعفات كورونا، يتم تحويل غرف العمليات إلى وحدات للعناية المركزة، ويعاد توزيع الجراحين لعلاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في التنفس.
وحتى إذا كان هناك متسع لمرضى آخرين، فإن المراكز الطبية تتردد في إدخالهم ما لم يكن ذلك ضروريا تماما، خوفا من إصابتهم بكورونا أو حتى إصابة العاملين الصحيين بها.
أيضا يخشى المرضى أنفسهم من وضع قدمهم في المستشفى حتى لو كانوا مرضى حقا، فهم يخافون من أن يتلقوا العدوى بكورونا، وقد لا يبلغون عن أعراض خطيرة لديهم من أمراض أخرى حتى لا يضطروا لدخول المستشفى، وهذا قد يعني أن يصابوا بمضاعفات ولا يبلغوا عنها إلا بعد فوات الأوان.
وأيضا فإن العديد من المستشفيات قامت بإيقاف الجراحات والإجراءات غير الضرورية، مثل جراحة الركبة، وهو أمر مفهوم. لكن المشكلة أن تقييم ما هو ضروري وغير ضروري قد يكون أمرا صعبا، وقد تتحول حالة غير طارئة إلى أمر مهدد للحياة إذا لم تعالج بسرعة. أو قد يؤدي تأخير العلاج إلى التسبب بإعاقة دائمة للمريض.
السرطان
في الحقيقة فإن تأجيل العلاج هو أمر خطير بشكل خاص للمصابين بالسرطان، وهو يتعارض مع سنوات من رسائل الصحة العامة التي تحث الجميع على تلقي علاج السرطان مبكرا قبل تفاقمه.
ولكن مع وباء كورونا يقول الأطباء إنهم يحاولون توفير الرعاية لحالات السرطان الأكثر إلحاحا، ليس فقط للحفاظ على الموارد الطبية المستنزفة نتيجة كورونا، ولكن أيضا لحماية مرضى السرطان الذين لديهم احتمالات كبيرة للإصابة بمرض شديد إذا أصيبوا بفيروس كورونا.
ففي أميركا مثلا أبلغ ما يقرب من واحد من كل أربعة مرضى بالسرطان عن تأخيرات في رعايتهم بسبب وباء كورونا، بما في ذلك الوصول إلى المواعيد الشخصية والتصوير والجراحة والخدمات الأخرى، وفقا لمسح أخير أجرته شبكة مكافحة السرطان التابعة لجمعية السرطان الأميركية.
حتى بين مرضى كورونا
الضغط على الموارد الطبية يهدد مرضى كورونا أنفسهم، إذ يتعين عندها على الأطباء الاختيار بين من يضعونه على جهاز التنفس الصناعي لأنه يملك فرصة أكبر للنجاة، مع ترك الحالات "الميؤوس منها" لتموت.
وعندها يدرس الأطباء عوامل مثل العمر، والظروف الصحية الموجودة مسبقا، ومتوسط العمر المتوقع، ومعايير أخرى لتحديد المرضى الذين سيكون لهم الأولوية إذا لم يكن هناك ما يكفي من أجهزة التنفس الصناعي.
هذا قد يعني في المحصلة أن هناك حالات كان لديها فرصة للنجاة لكنها لم تأخذها، مما يؤدي إلى وفيات كان يمكن منعها.
ما الحلول؟
ما زلنا نتعرف على الفيروس ونتعلم عنه، وحتى اللحظة فإن الحلول المطلوبة يجب أن تكون قادرة على تخفيف الضغط على وحدات العناية المركزة والمستشفيات بسبب مرضى كورونا، بحيث يعود هناك مجال ومتسع لمرضى الحالات الأخرى.
وقد تشمل الحلول التالي:
1- العثور على لقاح يعطى إلى الملايين من الناس، مما يمنحهم مناعة من فيروس كورونا، بحيث لا يصابوا به، أو إذا أصيبوا تكون الحالة بسيطة ولا تحتاج لدخول المستشفى، وهذا بالتالي يخفض الضغط على المستشفيات.
وحاليا يجري تطوير أكثر من 100 لقاح محتمل، العديد منها في مرحلة التجارب السريرية، لكن الخبراء يؤكدون صعوبة التوصل إلى لقاحات فعالة ضد فيروس كورونا.
2- العثور على علاج، مما يجعل السيطرة على حالات كورنا التي دخلت المستشفى بالفعل أسهل، وتقلل مضاعفاتها وحاجتها لأجهزة التنفس الصناعي، والنتيجة أيضا توفير أماكن المزيد من المتسع للحالات الأخرى.
وحتى اللحظة لم يتم الوصل لعلاج شاف لفيروس كورونا، وهناك علاجات تخضع لتجارب حققت بعض النتائج الإيجابية. ولكن هذه العقاقير لا تعطى الجميع الحالات.
3- استمرار سياسة الإغلاق، وذلك لتقليل عدد الإصابات الجديدة بالفيروس وعدم إحداث ضغط شديد على الأنظمة الصحية يؤدي لانهيارها.
4- تخفيف الإغلاق تدريجيا، للوصول إلى مناعة القطيع بشكل تدريجي، والتي تقوم فكرتها على أنه إذا كان لديك مرض جديد مثل كوفيد-19، وليس له لقاح، فعندها سينتشر بين السكان، ولكن إذا طور عدد كاف من الأشخاص ذاكرة مناعية، فسيتوقف المرض عن الانتشار، حتى لو لم يكن جميع السكان قد طوروا ذاكرة مناعية.
ويتطلب تطبيق مناعة القطيع على فيروس كورونا أن تصاب نسبة كبيرة من السكان بين 60 و70%، ثم تتعافي من المرض.
بالمقابل يقول خبراء الصحة العامة إن هناك حاجة لتوخي الحذر الشديد التي تحدث عمليات تفش جديدة. وتقول ماريا فان كيرخوف عالمة الأوبئة في منظمة الصحة العالمية "نحتاج إلى أن نقتنع بأن الأمر سيستغرق بعض الوقت من أجل الخروج من هذا الوباء".
5- محاول فهم الآلية التي يعمل بها فيروس كورونا، ولماذا يقتل البعض ويترك آخرين دون حتى أن يصيبهم بصداع خفيف؟ مما يساعد الأطباء على التعامل بشكل مناسب مع كل حالة تدخل المستشفى.
وحاليا يحاول باحثون بريطانيون دراسة جينات آلاف المرضى بكوفيد-19 من أجل الإجابة على هذا السؤال، وذلك عبر تتبع تسلسل الشفرة الجينية لمرضى كوفيد-19 الذين دخلوا في حالات حرجة ومقارنتها بالجينوم (الشريط الوراثي) للذين أصيبوا بالمرض وأنهم يعانون أعراض أو لم تظهر أعراض على الإطلاق.
وستشمل الدراسة، التي تبحث عن جينات وراثية معينة ربما تتسبب في تدهور الحالة الصحية لمرضى كوفيد-19، ما يصل إلى 20 ألف شخص يعالجون في الوقت الحالي أو تلقوا العلاج من كوفيد-19 في وحدات العناية المركزة.
وقال كينيث بيلي طبيب العناية المركزة الذي يقود الدراسة بجامعة أدنبره لرويترز "مؤشرات ستظهر في الشريط الوراثي وستساعدنا على فهم كيف يقتل هذا المرض مصابين".
وباء كورونا هز كل جوانب الرعاية الصحية بما في ذلك الخدمات الصحية اللازمة لمرضى السرطان وزراعة الأعضاء (رويترز)
14/5/2020
د. أسامة أبو الرب
مع توجيه طاقة المستشفيات والأطباء والممرضين وكل إمكانيات الجهاز الصحي عالميا لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19، ظهرت مشاكل نتيجة الضغط الكبير على القطاع الصحي، فكيف ذلك؟ وهل من حلول؟
وبينما يطغى فيروس كورونا المستجد على أنظمة الرعاية الصحية، يكافح الأشخاص الذين يعانون من أمراض أخرى للعثور على العلاج أو الأسرة.
فحاليا تم إعادة توجيه الموارد الطبية للتركيز على مرضى كورونا، والنتيجة أن هناك حالات مرضية أخرى لا تجد احتياجاتها، مثل إمدادات الدم أو العلاج الكيميائي أو حتى زيارات العيادة.
ووفقا لتقرير في نيويورك تايمز، فإن وباء كورونا قد هز كل جوانب الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات الصحية اللازمة لمرضى السرطان وزراعة الأعضاء وحتى جراحة الدماغ.
مع دخول العديد من المرضى للمستشفيات بمضاعفات كورونا، يتم تحويل غرف العمليات إلى وحدات للعناية المركزة، ويعاد توزيع الجراحين لعلاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في التنفس.
وحتى إذا كان هناك متسع لمرضى آخرين، فإن المراكز الطبية تتردد في إدخالهم ما لم يكن ذلك ضروريا تماما، خوفا من إصابتهم بكورونا أو حتى إصابة العاملين الصحيين بها.
أيضا يخشى المرضى أنفسهم من وضع قدمهم في المستشفى حتى لو كانوا مرضى حقا، فهم يخافون من أن يتلقوا العدوى بكورونا، وقد لا يبلغون عن أعراض خطيرة لديهم من أمراض أخرى حتى لا يضطروا لدخول المستشفى، وهذا قد يعني أن يصابوا بمضاعفات ولا يبلغوا عنها إلا بعد فوات الأوان.
وأيضا فإن العديد من المستشفيات قامت بإيقاف الجراحات والإجراءات غير الضرورية، مثل جراحة الركبة، وهو أمر مفهوم. لكن المشكلة أن تقييم ما هو ضروري وغير ضروري قد يكون أمرا صعبا، وقد تتحول حالة غير طارئة إلى أمر مهدد للحياة إذا لم تعالج بسرعة. أو قد يؤدي تأخير العلاج إلى التسبب بإعاقة دائمة للمريض.
السرطان
في الحقيقة فإن تأجيل العلاج هو أمر خطير بشكل خاص للمصابين بالسرطان، وهو يتعارض مع سنوات من رسائل الصحة العامة التي تحث الجميع على تلقي علاج السرطان مبكرا قبل تفاقمه.
ولكن مع وباء كورونا يقول الأطباء إنهم يحاولون توفير الرعاية لحالات السرطان الأكثر إلحاحا، ليس فقط للحفاظ على الموارد الطبية المستنزفة نتيجة كورونا، ولكن أيضا لحماية مرضى السرطان الذين لديهم احتمالات كبيرة للإصابة بمرض شديد إذا أصيبوا بفيروس كورونا.
ففي أميركا مثلا أبلغ ما يقرب من واحد من كل أربعة مرضى بالسرطان عن تأخيرات في رعايتهم بسبب وباء كورونا، بما في ذلك الوصول إلى المواعيد الشخصية والتصوير والجراحة والخدمات الأخرى، وفقا لمسح أخير أجرته شبكة مكافحة السرطان التابعة لجمعية السرطان الأميركية.
حتى بين مرضى كورونا
الضغط على الموارد الطبية يهدد مرضى كورونا أنفسهم، إذ يتعين عندها على الأطباء الاختيار بين من يضعونه على جهاز التنفس الصناعي لأنه يملك فرصة أكبر للنجاة، مع ترك الحالات "الميؤوس منها" لتموت.
وعندها يدرس الأطباء عوامل مثل العمر، والظروف الصحية الموجودة مسبقا، ومتوسط العمر المتوقع، ومعايير أخرى لتحديد المرضى الذين سيكون لهم الأولوية إذا لم يكن هناك ما يكفي من أجهزة التنفس الصناعي.
هذا قد يعني في المحصلة أن هناك حالات كان لديها فرصة للنجاة لكنها لم تأخذها، مما يؤدي إلى وفيات كان يمكن منعها.
ما الحلول؟
ما زلنا نتعرف على الفيروس ونتعلم عنه، وحتى اللحظة فإن الحلول المطلوبة يجب أن تكون قادرة على تخفيف الضغط على وحدات العناية المركزة والمستشفيات بسبب مرضى كورونا، بحيث يعود هناك مجال ومتسع لمرضى الحالات الأخرى.
وقد تشمل الحلول التالي:
1- العثور على لقاح يعطى إلى الملايين من الناس، مما يمنحهم مناعة من فيروس كورونا، بحيث لا يصابوا به، أو إذا أصيبوا تكون الحالة بسيطة ولا تحتاج لدخول المستشفى، وهذا بالتالي يخفض الضغط على المستشفيات.
وحاليا يجري تطوير أكثر من 100 لقاح محتمل، العديد منها في مرحلة التجارب السريرية، لكن الخبراء يؤكدون صعوبة التوصل إلى لقاحات فعالة ضد فيروس كورونا.
2- العثور على علاج، مما يجعل السيطرة على حالات كورنا التي دخلت المستشفى بالفعل أسهل، وتقلل مضاعفاتها وحاجتها لأجهزة التنفس الصناعي، والنتيجة أيضا توفير أماكن المزيد من المتسع للحالات الأخرى.
وحتى اللحظة لم يتم الوصل لعلاج شاف لفيروس كورونا، وهناك علاجات تخضع لتجارب حققت بعض النتائج الإيجابية. ولكن هذه العقاقير لا تعطى الجميع الحالات.
3- استمرار سياسة الإغلاق، وذلك لتقليل عدد الإصابات الجديدة بالفيروس وعدم إحداث ضغط شديد على الأنظمة الصحية يؤدي لانهيارها.
4- تخفيف الإغلاق تدريجيا، للوصول إلى مناعة القطيع بشكل تدريجي، والتي تقوم فكرتها على أنه إذا كان لديك مرض جديد مثل كوفيد-19، وليس له لقاح، فعندها سينتشر بين السكان، ولكن إذا طور عدد كاف من الأشخاص ذاكرة مناعية، فسيتوقف المرض عن الانتشار، حتى لو لم يكن جميع السكان قد طوروا ذاكرة مناعية.
ويتطلب تطبيق مناعة القطيع على فيروس كورونا أن تصاب نسبة كبيرة من السكان بين 60 و70%، ثم تتعافي من المرض.
بالمقابل يقول خبراء الصحة العامة إن هناك حاجة لتوخي الحذر الشديد التي تحدث عمليات تفش جديدة. وتقول ماريا فان كيرخوف عالمة الأوبئة في منظمة الصحة العالمية "نحتاج إلى أن نقتنع بأن الأمر سيستغرق بعض الوقت من أجل الخروج من هذا الوباء".
5- محاول فهم الآلية التي يعمل بها فيروس كورونا، ولماذا يقتل البعض ويترك آخرين دون حتى أن يصيبهم بصداع خفيف؟ مما يساعد الأطباء على التعامل بشكل مناسب مع كل حالة تدخل المستشفى.
وحاليا يحاول باحثون بريطانيون دراسة جينات آلاف المرضى بكوفيد-19 من أجل الإجابة على هذا السؤال، وذلك عبر تتبع تسلسل الشفرة الجينية لمرضى كوفيد-19 الذين دخلوا في حالات حرجة ومقارنتها بالجينوم (الشريط الوراثي) للذين أصيبوا بالمرض وأنهم يعانون أعراض أو لم تظهر أعراض على الإطلاق.
وستشمل الدراسة، التي تبحث عن جينات وراثية معينة ربما تتسبب في تدهور الحالة الصحية لمرضى كوفيد-19، ما يصل إلى 20 ألف شخص يعالجون في الوقت الحالي أو تلقوا العلاج من كوفيد-19 في وحدات العناية المركزة.
وقال كينيث بيلي طبيب العناية المركزة الذي يقود الدراسة بجامعة أدنبره لرويترز "مؤشرات ستظهر في الشريط الوراثي وستساعدنا على فهم كيف يقتل هذا المرض مصابين".