الإسرائيليون يستعيدون بالضمِ يهودا والسامرةَ
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تغمرُ السعادةُ غالبية الإسرائيليين المستوطنين في فلسطين والمحتلين لأرضها، ويشعر المنتسبون إلى الحركة الصهيونية بالغبطة والحبور وبالفرح والسرور، ومعهم أبناء الطائفة الإنجيلية الذين يؤمنون بالمسيح المخلص، وبحتمية معركة هارمجيدون، وغيرهم من أرباب المسيحيين الجدد ودعاة السامية العقائدية، الذين يحتفون ويحتفلون، ويرقصون ويغنون، ويتبادلون التهاني ويوزعون الهدايا، باقتراب اليوم الذي تعلن فيه الحكومة الإسرائيلية ضم مناطق جديدة من الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، وإخضاعها للسيادة الإسرائيلية والقوانين اليهودية، تمهيداً لمزيدٍ من الضم، واستعداداً ليوم الحسم، الذي فيه يقوضون المسجد الأقصى ويزيلون أنقاضه، ويحفرون تحته بحثاً عن قواعد هيكلهم المزعوم، ليعيدوا بناءه للمرة الثالثة.
يدعي الإسرائيليون أنهم يمارسون حقاً طبيعياً، ويحققون وعداً ربانياً، إذ يعودون إلى أرض الآباء والأجداد، وموطن الرسل والأنبياء، التي كتب الله لهم وأمرهم بالتوجه إليها والعيش فيها، وحثهم على التمسك فيها والدفاع عنها، ويعتقدون أنهم بما يقومون به اليوم من أعمالٍ، إنما يحررون أرضهم، ويستعيدون أملاكهم القديمة وممالكهم البائدة، ويرضون الرب بطاعتهم، ويدخلون عليه المسرة بتحقيق وعده وتلبية رغبته، بينما يتنزل غضبه وسخطه على المخالفين لأوامره، والمفرطين في حدوده، والعصاة الذين لا يلتزمون التعاليم التوراتية، ولا يحترمون الوصايا الدينية، ولا يقدسون الأرض ولا يحافظون عليها، ولا يحرصون على حرمة الأيام اليهودية.
ويعيبون على دول العالم التي تقف ضدهم وتعارضهم، وتندد بسياستهم وتشجب ممارستهم، وتنكر روايتهم وتكذب دعواهم، ويتهمونهم بالظلم والإجحاف، وإنكار حقوقهم والجحود بوعد الله لهم، ويطالبونهم بتأييدهم والوقوف معهم، ومساندتهم وعدم الاعتراض عليهم، والانتصار لمظلوميتهم وإعادة الحقوق إليهم، فهم بزعمهم لا يسيئون إلى أحد، ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا يسلبون شعباً حقه، ولا ينتزعون منه أرضه، ولا يخرجونه من دياره، ولا يحرمونه من مقدساته وممتلكاته.
يريد الإسرائيليون من الفلسطينيين أن يسلموا بالأمر الواقع، ويقبلوا بالمستجدات والوقائع، ويخضعوا لسياسة القوة وقانون الغالب، فلا يعترضوا على ما سيقومون به من مشاريع، ولا يقفوا في وجه أي مخططاتٍ جديدةٍ، ويرضوا بما ستمنحهم إياه "دولة إسرائيل"، ويقبلوا بالخارطة التي سربت إليهم، فهي غاية ما يمكنهم الحصول عليه، وهي أكثر المشاريع جديةً في تاريخهم، ولن يجدوا في حال رفضهم دولةً عربيةً تساندهم، ولا نظاماً دولياً يؤيدهم.
فهذه بزعمهم أرض "يهودا والسامرة"، التي قامت عليها ممالك بني إسرائيل القديمة، "أورشاليم وشخيم"، وهم أحرارٌ في العيش فيها، ولن يقبلوا أحداً أن يساكنهم أو يشاركهم فيها، وعلى السكان العرب في "يهودا والسامرة" مغادرتها إلى الدول العربية المجاورة، فهناك أرضهم وفيها شعوبهم، التي تشترك معهم في الهوية والدين، فقد آن أوان استعادة الأرض المقدسة وتطهيرها، وطرد كل من هو غير يهوديٍ منها.
يعتقد الإسرائيليون أن هذه هي فرصتهم الذهبية، فلا ينبغي التفريط فيها أو إضاعتها، فقد لا يجود الزمان عليهم بمثلها أو بغيرها، ولهذا فإنهم يسابقون الزمن ويقفزون فوق المراحل، يسوون العقبات ويتجاوزون التحديات، ويمضون قدماً في تهويد الأرض وتزوير هويتها، تمهيداً لضمها وإعلان السيادة عليها، فقد أسرعوا في شق الطرق وتوسيع الشوارع، وربط شبكات الطرق ببعضها، وسبقوا بتوسيع المستوطنات وتسمينها، وبناء الجديد الديني والمزيد السياسي، وضم وتوحيد الصغير والبعيد منها، كما قاموا بتغيير أسماء الشوارع والمدن والبلدات العربية، وأطلقوا عليها أسماء يهودية، تخلد أنبياءهم وملوكهم وقادتهم الجدد والمعاصرين.
يعتقد الإسرائيليون أنهم سينجحون في مخططهم الجديد، وستشرق شمس الحقيقة على أحلامهم القديمة، وأن ما كان مستحيلاً قبل سنواتٍ غدا ممكناً وسهلاً هذه الأيام، إذ أن أنظمةً عربيةً كثيرة تؤيدهم وتناصرهم، وتقف معهم ولا تعارضهم، وتتفهم مشاريعهم وتؤمن بأحلامهم، وقد أبدت أغلبها استعدادها لمساعدتهم في تمرير مشاريعهم وتنفيذ مخططاتهم، أملاً في التعاون مع الكيان الصهيوني والاستفادة منه في الحفاظ على علاقاتهم قوية ومتينة مع الإدارة الأمريكية، ظناً منهم بوهمٍ وسفهٍ وقلة وعيٍ وضحالةِ عقلٍ، أنهم يستطيعون نيل ثقة أمريكا إذا ساندوا "إسرائيل" ووقفوا معها، وأيدوا سياساتها، وحاربوا أعداءها، وضيقوا على خصومها، وما علموا أنهم لن يرضوا عنهم حتى ولو تبعوا ملتهم، وآمنوا بديانتهم، وأصبحوا ذيولاً لهم، وأتباعاً وعبيداً عندهم.
إنه منطق اليهود جميعاً، متدينين وعلمانيين، قوميين ويساريين، وهو منطقٌ باطلٌ فاسدٌ، أعوجٌ منحرفٌ، لا أساس ديني يدعمه، ولا مستند تاريخي يسنده، بل هو منطقٌ يقوم على الأساطير والخرافات، إلا أنهم يتفقون عليه ولا يختلفون حوله، ويخططون له ويعملون من أجله، وقد جاءت الإدارة الأمريكية ورئيسها دونالد ترامب، لتساعدهم في تنفيذ رغباتهم وتحقيق أحلامهم، فمنحتهم الحق الباطل القائم على القوة الظالمة، بضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية إلى حدود الدولة العبرية، وتطبيق السيادة الإسرائيلية عليها.
يعتقد الإسرائيليون أن هذا المظلة ستحميهم، وأن هذه الإدارة ستتكفل أمنهم وستحفظ سلامتهم، وستحول دون الثورة عليهم والانتفاضة في وجوههم، والإطاحة بمشاريعهم، وما علموا أن الشعب الفلسطيني سيثور عليهم وسينتفض ضدهم، وسيفشل مشاريعهم وسيحبط مخططاتهم، وسينكفئ نصيرهم وسينقلب ظهيرهم، وسيتخلى عنهم سندهم، وسينتصر الحق العربي الفلسطيني، وسترتفع راياته في القدس، وبيارقه في الناصرة وصفد، وأعلامه في الغور والنقب.
بيروت في 4/6/2020
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تغمرُ السعادةُ غالبية الإسرائيليين المستوطنين في فلسطين والمحتلين لأرضها، ويشعر المنتسبون إلى الحركة الصهيونية بالغبطة والحبور وبالفرح والسرور، ومعهم أبناء الطائفة الإنجيلية الذين يؤمنون بالمسيح المخلص، وبحتمية معركة هارمجيدون، وغيرهم من أرباب المسيحيين الجدد ودعاة السامية العقائدية، الذين يحتفون ويحتفلون، ويرقصون ويغنون، ويتبادلون التهاني ويوزعون الهدايا، باقتراب اليوم الذي تعلن فيه الحكومة الإسرائيلية ضم مناطق جديدة من الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، وإخضاعها للسيادة الإسرائيلية والقوانين اليهودية، تمهيداً لمزيدٍ من الضم، واستعداداً ليوم الحسم، الذي فيه يقوضون المسجد الأقصى ويزيلون أنقاضه، ويحفرون تحته بحثاً عن قواعد هيكلهم المزعوم، ليعيدوا بناءه للمرة الثالثة.
يدعي الإسرائيليون أنهم يمارسون حقاً طبيعياً، ويحققون وعداً ربانياً، إذ يعودون إلى أرض الآباء والأجداد، وموطن الرسل والأنبياء، التي كتب الله لهم وأمرهم بالتوجه إليها والعيش فيها، وحثهم على التمسك فيها والدفاع عنها، ويعتقدون أنهم بما يقومون به اليوم من أعمالٍ، إنما يحررون أرضهم، ويستعيدون أملاكهم القديمة وممالكهم البائدة، ويرضون الرب بطاعتهم، ويدخلون عليه المسرة بتحقيق وعده وتلبية رغبته، بينما يتنزل غضبه وسخطه على المخالفين لأوامره، والمفرطين في حدوده، والعصاة الذين لا يلتزمون التعاليم التوراتية، ولا يحترمون الوصايا الدينية، ولا يقدسون الأرض ولا يحافظون عليها، ولا يحرصون على حرمة الأيام اليهودية.
ويعيبون على دول العالم التي تقف ضدهم وتعارضهم، وتندد بسياستهم وتشجب ممارستهم، وتنكر روايتهم وتكذب دعواهم، ويتهمونهم بالظلم والإجحاف، وإنكار حقوقهم والجحود بوعد الله لهم، ويطالبونهم بتأييدهم والوقوف معهم، ومساندتهم وعدم الاعتراض عليهم، والانتصار لمظلوميتهم وإعادة الحقوق إليهم، فهم بزعمهم لا يسيئون إلى أحد، ولا يظلمون ولا يعتدون، ولا يسلبون شعباً حقه، ولا ينتزعون منه أرضه، ولا يخرجونه من دياره، ولا يحرمونه من مقدساته وممتلكاته.
يريد الإسرائيليون من الفلسطينيين أن يسلموا بالأمر الواقع، ويقبلوا بالمستجدات والوقائع، ويخضعوا لسياسة القوة وقانون الغالب، فلا يعترضوا على ما سيقومون به من مشاريع، ولا يقفوا في وجه أي مخططاتٍ جديدةٍ، ويرضوا بما ستمنحهم إياه "دولة إسرائيل"، ويقبلوا بالخارطة التي سربت إليهم، فهي غاية ما يمكنهم الحصول عليه، وهي أكثر المشاريع جديةً في تاريخهم، ولن يجدوا في حال رفضهم دولةً عربيةً تساندهم، ولا نظاماً دولياً يؤيدهم.
فهذه بزعمهم أرض "يهودا والسامرة"، التي قامت عليها ممالك بني إسرائيل القديمة، "أورشاليم وشخيم"، وهم أحرارٌ في العيش فيها، ولن يقبلوا أحداً أن يساكنهم أو يشاركهم فيها، وعلى السكان العرب في "يهودا والسامرة" مغادرتها إلى الدول العربية المجاورة، فهناك أرضهم وفيها شعوبهم، التي تشترك معهم في الهوية والدين، فقد آن أوان استعادة الأرض المقدسة وتطهيرها، وطرد كل من هو غير يهوديٍ منها.
يعتقد الإسرائيليون أن هذه هي فرصتهم الذهبية، فلا ينبغي التفريط فيها أو إضاعتها، فقد لا يجود الزمان عليهم بمثلها أو بغيرها، ولهذا فإنهم يسابقون الزمن ويقفزون فوق المراحل، يسوون العقبات ويتجاوزون التحديات، ويمضون قدماً في تهويد الأرض وتزوير هويتها، تمهيداً لضمها وإعلان السيادة عليها، فقد أسرعوا في شق الطرق وتوسيع الشوارع، وربط شبكات الطرق ببعضها، وسبقوا بتوسيع المستوطنات وتسمينها، وبناء الجديد الديني والمزيد السياسي، وضم وتوحيد الصغير والبعيد منها، كما قاموا بتغيير أسماء الشوارع والمدن والبلدات العربية، وأطلقوا عليها أسماء يهودية، تخلد أنبياءهم وملوكهم وقادتهم الجدد والمعاصرين.
يعتقد الإسرائيليون أنهم سينجحون في مخططهم الجديد، وستشرق شمس الحقيقة على أحلامهم القديمة، وأن ما كان مستحيلاً قبل سنواتٍ غدا ممكناً وسهلاً هذه الأيام، إذ أن أنظمةً عربيةً كثيرة تؤيدهم وتناصرهم، وتقف معهم ولا تعارضهم، وتتفهم مشاريعهم وتؤمن بأحلامهم، وقد أبدت أغلبها استعدادها لمساعدتهم في تمرير مشاريعهم وتنفيذ مخططاتهم، أملاً في التعاون مع الكيان الصهيوني والاستفادة منه في الحفاظ على علاقاتهم قوية ومتينة مع الإدارة الأمريكية، ظناً منهم بوهمٍ وسفهٍ وقلة وعيٍ وضحالةِ عقلٍ، أنهم يستطيعون نيل ثقة أمريكا إذا ساندوا "إسرائيل" ووقفوا معها، وأيدوا سياساتها، وحاربوا أعداءها، وضيقوا على خصومها، وما علموا أنهم لن يرضوا عنهم حتى ولو تبعوا ملتهم، وآمنوا بديانتهم، وأصبحوا ذيولاً لهم، وأتباعاً وعبيداً عندهم.
إنه منطق اليهود جميعاً، متدينين وعلمانيين، قوميين ويساريين، وهو منطقٌ باطلٌ فاسدٌ، أعوجٌ منحرفٌ، لا أساس ديني يدعمه، ولا مستند تاريخي يسنده، بل هو منطقٌ يقوم على الأساطير والخرافات، إلا أنهم يتفقون عليه ولا يختلفون حوله، ويخططون له ويعملون من أجله، وقد جاءت الإدارة الأمريكية ورئيسها دونالد ترامب، لتساعدهم في تنفيذ رغباتهم وتحقيق أحلامهم، فمنحتهم الحق الباطل القائم على القوة الظالمة، بضم ما تبقى من الأرض الفلسطينية إلى حدود الدولة العبرية، وتطبيق السيادة الإسرائيلية عليها.
يعتقد الإسرائيليون أن هذا المظلة ستحميهم، وأن هذه الإدارة ستتكفل أمنهم وستحفظ سلامتهم، وستحول دون الثورة عليهم والانتفاضة في وجوههم، والإطاحة بمشاريعهم، وما علموا أن الشعب الفلسطيني سيثور عليهم وسينتفض ضدهم، وسيفشل مشاريعهم وسيحبط مخططاتهم، وسينكفئ نصيرهم وسينقلب ظهيرهم، وسيتخلى عنهم سندهم، وسينتصر الحق العربي الفلسطيني، وسترتفع راياته في القدس، وبيارقه في الناصرة وصفد، وأعلامه في الغور والنقب.
بيروت في 4/6/2020