هم الحرية العلمية في البلاد الغربية
فداء ياسر الجندي
البروفيسور ج. شين، عالم صيني عالمي شهير، متخصص في علم الأحافير والكيمياء الحيوية، وصاحب واحد من أهم الاكتشافات في العصر الحديث، وهو موقع في جنوب الصين وجد فيه كمية ضخمة من كنوز الأحافير، التي أضافت الكثير إلى علم الجيولوجيا وتاريخ الأحياء، وكشفت الكثير من الألغاز التي كانت تبحث عن حل، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى شهرة كبيرة لهذا العالم حتى إنه احتل غلاف أحد أعداد مجلة تايم.
ولشهرته وإبداعه في هذا المجال، استدعته إحدى المؤسسات العلمية الأميركية محاضرا زائرا في قسم الجيولوجيا بجامعة واشنطن، ليتكلم عن اكتشافه الفريد.
وتفاجأ الحاضرون بأنه راح يشرح كيف أن اكتشافه يقوض نظرية دارون، وهنا قاطعه بروفيسور أميركي كان حاضرا وقال له بلهجة لا تخلو من التحذير "أليس عجيبا أن يقوم عالم صيني بنقد دارون ونظريته؟"، وهو يلمح إلى أن الصين بلد ليس فيها حرية فكرية.
فابتسم الدكتور شين وقال "في الصين لا نستطيع أن ننتقد الحكومة، ولكن نستطيع أن ننتقد دارون ونظريته، ولكنكم في أميركا تستطيعون أن تنتقدوا الحكومة، ولا تستطيعون أن تنتقدوا دارون ونظريته".
اعلان
ومن الأمثلة الشهيرة على مواقف السلطات الأميركية من نظرية دارون، ما حدث مع البروفيسور "دين كينيون"، وهو عالم شهير في بيولوجيا التطور، وكان من المدافعين عن نظرية دارون ومن الباحثين فيها، وكانت له آنذاك مكانة كبيرة في الأوساط العلمية والأكاديمية.
ولكن هذه المكانة تلاشت لاحقا، وبعد بحث وتمحيص وتجارب ودراسات تراجع في العام 1985 عن رأيه هذا وأعلن أنه توصل إلى التأكد من فكرة وجود التصميم الذكي في الكون والأحياء، والتي تؤدي إلى الاعتراف بخالق الكون، وذلك في مؤتمر علمي في ولاية دالاس الأميركية.
وراح كينيون يحاضر في المؤتمرات العلمية حول هذا الأمر، ولكنه واجه مأزقا كبيرا بعد ذلك بثمان سنوات، عندما شرح لطلابه في الجامعة أن المعلومات الموجودة في الحمض النووي تعطي دليلا قاطعا على أن الحمض النووي هو نتيجة تصميم ذكي، ولم يكن يدرك أن الكلام عن هذا الموضوع في المؤسسات التعليمية الأميركية خط أحمر.
وكان من نتيجة ذلك اتهامه بأنه نبذ العلم وحاول زرع مفاهيم غير علمية في أذهان طلابه، ولها علاقة بالدين، وعزل من التدريس وعين أمين مختبر، علما بأنه عالم مشهور عالميا وحائز على دكتوراه في البيولوجيا ومن الرواد في علوم أصل الحياة.
قضية دوفر
وبلغ الأمر ذروته في المحاكمة الشهيرة المعروفة بقضية "دوفر" حين أصدر القاضي الأميركي جون جونز في ديسمبر/كانون الأول 2005 حكما قضائيا لا يكاد المرء يصدق أنه صدر في دولة حرية الفكر وحرية العلم، ويقضي الحكم بمنع المدرسين في إحدى المدارس بمدينة دوفر بولاية بنسلفانيا من إخبار الطلاب أن هناك كتابا في مكتبة المدرسة عن التصميم الذكي للكون والكائنات، بذريعة أن التصميم الذكي ليس فكرة علمية، بل هو عقيدة دينية متنكرة بثوب العلم، وأن الكلام عن الدين في درس العلوم هو خرق لدستور الولايات المتحدة.
لم يكن الحكم بمنع تدريس التصميم الذكي كتفسير لنشوء الكون، فهذا ممنوع أصلا، ولكن بمنع إخبار الطلاب أن في مكتبة مدرستهم كتابا حولها.
لذلك نرى أن معظم المنشورات العلمية الشهيرة في وسائل الإعلام الغربية، من مجلات وبرامج تلفزيونية وكتب، كمجلة تعتبر أن نظرية التطور أمر مسلم به لا يقبل النقاش، وكثيرا ما ترى في مقالاتها أمثال هذه العبارة "وقد طور هذا النوع من الأسماك عبر ملايين السنين نظاما ملاحيا يستطيع بواسطته المناورة لتجنب أخطار أعدائه".
لقد أدى هذا الانحياز الإعلامي الأعمى لنظرية التطور، والمدعوم من الحكومة الأميركية ونصوص الدستور إلى مهاجمة وتسفيه كل من يحاول نقد هذه النظرية، واتهامه بشتى التهم، ومن أمثلة ذلك الفاضحة ما حدث مع الدكتور ستيفن ماير.
ففي 18 يونيو/حزيران 2013، أصدر البروفيسور ستيفن ماير كتابه الشهير "شكوك دارون" الذي ينقد فيه بعض أساسيات نظرية دارون بأسلوب علمي رصين، وخلال بضع ساعات فقط بدأت التعليقات العدائية تنهال على موقعه الشبكي بلغة لا تمت للعلم بصلة وبعبارات تصف الكتاب بأقذع الصفات.
وخلال 24 ساعة من إصدار الكتاب، كان عدد التعليقات يقترب من عشرة آلاف، ومعظمها سلبي وعدائي، ويعلق الدكتور ماير ساخرا على هذه التعليقات "واضح أن كل هؤلاء قد قرؤوا الكتاب بعناية وتعمق قبل إعطاء الرأي فيه خلال بضع ساعات".
لعل فيما سبق نصف الإجابة عن سؤالنا حول سبب إنكار مبدأ التصميم الذكي، وتبني نظرية التطور، ونصف الجواب الثاني هو: هل حقا ما يدعون من أن التصميم الذكي ليس علما بل هو دين؟ وهل لديهم الحد الأدنى من الأدلة العلمية القاطعة على نظرية التطور؟
المصدر : الجزيرة
فداء ياسر الجندي
لماذا يتنكر أنصار نظرية دارون لكل الحقائق التي تدل على وجود تصميم ذكي وراء البرمجيات والمعلومات التي يحتويها الحمض النووي؟ ولماذا يتمسكون بالنظرية رغم فشلها بتفسير وجود المعلومات والبرمجيات بالخلايا؟
إن سبب ذلك ببساطة هو أنهم وإن كانوا يقرون بكل ما يوجد ويحدث في الخلايا، فإنهم عندما نصل للسؤال المحوري عن مصدر هذه المعلومات والبرمجيات، يرفضون الجواب، ويرفضون بشكل مطلق مجرد مناقشة احتمال أن يكون وراء هذا التصميم مصمم، ووراء هذا الإبداع مبدع، ويعدون هذا السؤال وأي إجابة عنه أمرا خارج نطاق العلم، وأمرا يتعلق بالدين والاعتقاد، وهم -كما يدعون- لا يؤمنون إلا بالعلم.
" إنهم يحظرون في مؤسساتهم التعليمية الإشارة إلى إمكانية وجود مصمم ذكي أو قوة خارقة خلف ذلك، ويعدون ذلك مخالفا لقوانينهم ودساتيرهم " |
حظر
وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل إنهم يحظرون في مؤسساتهم التعليمية الإشارة إلى إمكانية وجود مصمم ذكي أو قوة خارقة خلف ذلك، ويعدون ذلك مخالفاً لقوانينهم ودساتيرهم.
وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل إنهم يحظرون في مؤسساتهم التعليمية الإشارة إلى إمكانية وجود مصمم ذكي أو قوة خارقة خلف ذلك، ويعدون ذلك مخالفاً لقوانينهم ودساتيرهم.
البروفيسور ج. شين، عالم صيني عالمي شهير، متخصص في علم الأحافير والكيمياء الحيوية، وصاحب واحد من أهم الاكتشافات في العصر الحديث، وهو موقع في جنوب الصين وجد فيه كمية ضخمة من كنوز الأحافير، التي أضافت الكثير إلى علم الجيولوجيا وتاريخ الأحياء، وكشفت الكثير من الألغاز التي كانت تبحث عن حل، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى شهرة كبيرة لهذا العالم حتى إنه احتل غلاف أحد أعداد مجلة تايم.
ولشهرته وإبداعه في هذا المجال، استدعته إحدى المؤسسات العلمية الأميركية محاضرا زائرا في قسم الجيولوجيا بجامعة واشنطن، ليتكلم عن اكتشافه الفريد.
وتفاجأ الحاضرون بأنه راح يشرح كيف أن اكتشافه يقوض نظرية دارون، وهنا قاطعه بروفيسور أميركي كان حاضرا وقال له بلهجة لا تخلو من التحذير "أليس عجيبا أن يقوم عالم صيني بنقد دارون ونظريته؟"، وهو يلمح إلى أن الصين بلد ليس فيها حرية فكرية.
فابتسم الدكتور شين وقال "في الصين لا نستطيع أن ننتقد الحكومة، ولكن نستطيع أن ننتقد دارون ونظريته، ولكنكم في أميركا تستطيعون أن تنتقدوا الحكومة، ولا تستطيعون أن تنتقدوا دارون ونظريته".
اعلان
ومن الأمثلة الشهيرة على مواقف السلطات الأميركية من نظرية دارون، ما حدث مع البروفيسور "دين كينيون"، وهو عالم شهير في بيولوجيا التطور، وكان من المدافعين عن نظرية دارون ومن الباحثين فيها، وكانت له آنذاك مكانة كبيرة في الأوساط العلمية والأكاديمية.
ولكن هذه المكانة تلاشت لاحقا، وبعد بحث وتمحيص وتجارب ودراسات تراجع في العام 1985 عن رأيه هذا وأعلن أنه توصل إلى التأكد من فكرة وجود التصميم الذكي في الكون والأحياء، والتي تؤدي إلى الاعتراف بخالق الكون، وذلك في مؤتمر علمي في ولاية دالاس الأميركية.
وراح كينيون يحاضر في المؤتمرات العلمية حول هذا الأمر، ولكنه واجه مأزقا كبيرا بعد ذلك بثمان سنوات، عندما شرح لطلابه في الجامعة أن المعلومات الموجودة في الحمض النووي تعطي دليلا قاطعا على أن الحمض النووي هو نتيجة تصميم ذكي، ولم يكن يدرك أن الكلام عن هذا الموضوع في المؤسسات التعليمية الأميركية خط أحمر.
وكان من نتيجة ذلك اتهامه بأنه نبذ العلم وحاول زرع مفاهيم غير علمية في أذهان طلابه، ولها علاقة بالدين، وعزل من التدريس وعين أمين مختبر، علما بأنه عالم مشهور عالميا وحائز على دكتوراه في البيولوجيا ومن الرواد في علوم أصل الحياة.
" بلغ الأمر ذروته في المحاكمة الشهيرة المعروفة بقضية "دوفر" حين أصدر القاضي الأميركي جون جونز في ديسمبر/كانون الأول 2005 حكما قضائيا لا يكاد المرء يصدق أنه صدر في دولة حرية الفكر وحرية العلم " |
قضية دوفر
وبلغ الأمر ذروته في المحاكمة الشهيرة المعروفة بقضية "دوفر" حين أصدر القاضي الأميركي جون جونز في ديسمبر/كانون الأول 2005 حكما قضائيا لا يكاد المرء يصدق أنه صدر في دولة حرية الفكر وحرية العلم، ويقضي الحكم بمنع المدرسين في إحدى المدارس بمدينة دوفر بولاية بنسلفانيا من إخبار الطلاب أن هناك كتابا في مكتبة المدرسة عن التصميم الذكي للكون والكائنات، بذريعة أن التصميم الذكي ليس فكرة علمية، بل هو عقيدة دينية متنكرة بثوب العلم، وأن الكلام عن الدين في درس العلوم هو خرق لدستور الولايات المتحدة.
لم يكن الحكم بمنع تدريس التصميم الذكي كتفسير لنشوء الكون، فهذا ممنوع أصلا، ولكن بمنع إخبار الطلاب أن في مكتبة مدرستهم كتابا حولها.
لذلك نرى أن معظم المنشورات العلمية الشهيرة في وسائل الإعلام الغربية، من مجلات وبرامج تلفزيونية وكتب، كمجلة تعتبر أن نظرية التطور أمر مسلم به لا يقبل النقاش، وكثيرا ما ترى في مقالاتها أمثال هذه العبارة "وقد طور هذا النوع من الأسماك عبر ملايين السنين نظاما ملاحيا يستطيع بواسطته المناورة لتجنب أخطار أعدائه".
لقد أدى هذا الانحياز الإعلامي الأعمى لنظرية التطور، والمدعوم من الحكومة الأميركية ونصوص الدستور إلى مهاجمة وتسفيه كل من يحاول نقد هذه النظرية، واتهامه بشتى التهم، ومن أمثلة ذلك الفاضحة ما حدث مع الدكتور ستيفن ماير.
ففي 18 يونيو/حزيران 2013، أصدر البروفيسور ستيفن ماير كتابه الشهير "شكوك دارون" الذي ينقد فيه بعض أساسيات نظرية دارون بأسلوب علمي رصين، وخلال بضع ساعات فقط بدأت التعليقات العدائية تنهال على موقعه الشبكي بلغة لا تمت للعلم بصلة وبعبارات تصف الكتاب بأقذع الصفات.
وخلال 24 ساعة من إصدار الكتاب، كان عدد التعليقات يقترب من عشرة آلاف، ومعظمها سلبي وعدائي، ويعلق الدكتور ماير ساخرا على هذه التعليقات "واضح أن كل هؤلاء قد قرؤوا الكتاب بعناية وتعمق قبل إعطاء الرأي فيه خلال بضع ساعات".
لعل فيما سبق نصف الإجابة عن سؤالنا حول سبب إنكار مبدأ التصميم الذكي، وتبني نظرية التطور، ونصف الجواب الثاني هو: هل حقا ما يدعون من أن التصميم الذكي ليس علما بل هو دين؟ وهل لديهم الحد الأدنى من الأدلة العلمية القاطعة على نظرية التطور؟
المصدر : الجزيرة