معجزات "الممانعة": لا طعام لجيش الأسد.. لا لحوم للجيش اللبناني
06.07.2020
يوسف بزي
سوريا تي في
الاحد 5/7/2020
قرر نظام الأسد تقنين الطعام لجنوده، الأرز واللبن لن يتوفرا. كمية الخبز ستكون أقل. وعلى الأرجح، سيلعب الفساد دوره في مضاعفة سوء توزيع المواد الغذائية على أولئك الجنود المساكين. كما أن المساواة بين القطعات العسكرية لم تكن يوماً واردة. الفرقة الرابعة مثلاً ستكون أحسن حالاً بالتأكيد. وبالمحصلة، سيكافح جيش المجنّدين خصوصاً كما معظم الألوية والفرق ضد الجوع.
أصلاً، في سوريا كما في لبنان، ومنذ عقود، كان يدعى "جيش أبو شحاطة"، تدليلاً على حال الجنود المزرية، لباساً وتجهيزاً وطعاماً. جنود يحترفون سؤال العابرين عن السجائر مثلاً، أو تشبيح بعض الطعام، عدا تاريخ هذا الجيش في "التعفيش" المبتدئ على نحو سافر في العام 1976 عند دخوله إلى لبنان، ليتحول سلوكه اللصوصي إلى "سلاح" منذ العام 2011، لتطهير المدن السورية من عمرانها وسكانها والاستيلاء على ممتلكات الناس.
ليس لدى النظام القدرة على إطعام عسكرييه. وهو سيلجأ على الأرجح إلى تشجيعهم على تدبير مأكلهم بأي وسيلة يرونها مناسبة. أي ثمة احتمال كبير أن يزداد منسوب اللصوصية عند الجنود، أو حتى الاستعطاء والتذلل. سيكون جيشاً أقل كرامة وأكثر مهانة. بل وأكثر رذالة أيضاً. سيكافح الجنود ضد سوء التغذية. ومن الطبيعي سيلجؤون إلى استخدام سلطتهم بالسلاح للاستيلاء على ما يسد رمقهم من المدنيين. ولن يكبح النظام هذا السلوك طالما أنه عاجز عن تلبية حاجاتهم الغذائية.
بالطبع، يدرك نظام الأسد أن جنوداً مدقعين بائسين، في جيش يعتمد "نظاماً أخلاقياً" يقوم على تحطيم الكرامة الفردية للجندي وتعميم عقيدة "يا حيوان.." في علاقة البشر، سيكونون أكثر طواعية وطاعة وقابلية للتوحش أو للعنف والجريمة والتعدّي والتحلل الأخلاقي.
هذا النمط من ضمان الولاء، تعتمده ميليشيات كثيرة خصوصاً في أزمنة الحروب الأهلية. إذ أن البيئات المعدومة، والحرص على دوام بؤسها وتفشي الفقر والأمية فيها وانعدام فرص الترقي الاجتماعي، توفر "خزاناً بشرياً" مستداماً من الشباب والرجال الناقمين والمستعدين لارتكاب أي عنف والشعور بالانتماء إلى "قطيع" قوي، يثأر لمهانتهم العميقة. ومن يستغلهم ويقودهم إلى الموت ويديم شقاءهم، سيسمي لهم من هو العدو الذي حرمهم من العيش الكريم والكرامة، فيكون "العدو الصهيوني" أو "المؤامرة الكونية" أو "المعارض الخائن" أو الامبريالية الأميركية، أو.. ذاك المزارع المتخاذل، أو صاحب الدكان البخيل، أو التاجر الأناني، أو مجرد ركاب سيارة عابرة على حاجز..
هذا بالضبط ما يجعل جيش الأسد أقرب لأن يكون ميليشيات منه إلى جيش محترف. وهذا ما تشير إليه الكثير من انطباعات الروس الذين ذهلوا من مستوى الوضاعة التي يتصف بها جنود الأسد. بل إن عناصر "ميليشيا حزب الله" (الطامحة إلى حيازة صفات "الجيش المحترف") العائدين من سوريا، ينظرون إلى أولئك الجنود بكثير من الاحتقار الممزوج بالشفقة. ويتحدثون بتكرار عن صداماتهم مع الجنود السوريين بسبب أعمال إجرامية أو ارتكابات أخلاقية.
بهذا المعنى، ومع ازدياد خطر فقدان الغذاء والعناية الطبية اللائقة والتدفئة واللباس وسائر حاجيات العيش اليومي للجنود، سيجنح هذا الجيش أكثر من أي وقت مضى إلى "التشبيح"، الذي بات عقيدة مكتملة له، لا كـ"نمط عيش" فقط بل كشرط لدوام السلطة نفسها. إن تعميم "التشبيح" على نحو منهجي وشامل سيجعل الجنود والضباط بدافع الشعور أنهم جميعاً مرتكبون وشركاء في موبقاتهم، أكثر تضامناً وإحساساً بكونهم عصابة متآلفة، وسيكونون أكثر ولاء للنظام، لأن هذا ببساطة في سوريا المفقرة "مصدر الرزق" الوحيد المتوفر لمئات الألوف من الشبان المسلحين.
في العصور القديمة، كانت الاجتياحات البربرية وحملات الغزو تعتمد على سياسة النهب لضمان تغذية الجنود، وغالباً ما كان ذلك يفاقم من خطر المجاعة بين السكان المدنيين. وهذا الحال قد تصل إليه بعض المناطق في سوريا، إن ظل النظام عاجزاً عن الفكاك من تداعيات العقوبات المفروضة عليه.
ليس هذا حال سوريا وحدها. ففي لبنان، ما زال حزب الله يؤمن حداً مقبولاً من "الرفاهية" لمنظمته العسكرية، وبراتب معقول، لكن حال بيئته الشعبية تتدهور إلى حد الفاقة والعوز.. ويزداد منسوب النقمة بين شرائح الشبان العاطلين عن العمل أو قليلي التعليم والمهارات، وهؤلاء هم يمثلون ما بات يُعرف بـ"جيش الموتوسيكلات" (الدراجات النارية)، أي الشبيحة القابلين على ممارسة العنف والشغب. هؤلاء الغاضبون من أحوالهم وبؤسهم، يوجههم حزب الله سياسياً مثلما يشاء من دون توريط "ميليشياته" المحترفة في هكذا أعمال شائنة.
أما المفارقة المحزنة، فهي اضطرار الجيش اللبناني الرسمي، قبل أيام للإعلان عن توقف تقديمه اللحوم لعسكرييه أثناء الخدمة. والمعروف أن الجيش اللبناني هو أقرب إلى جيش صغير محترف ومنضبط، ويتمتع بشروط ما يمكن تسميته "المدرسة الغربية" التي تميل إلى مبدأ النوع لا الكم، أي الاعتماد على الجندي الحسن التدريب والتجهيز والمرفّه، كشرط للتفوق وجودة الأداء.
إن راتب الجندي اللبناني قبل خريف العام 2019، كان يوازي تقريباً 700 دولار شهرياً، مع ضمان الطبابة المجانية له ولأسرته والتعليم لأبنائه، عدا الحوافز والتقديمات وتسهيلات القروض.. إلخ، فيما كان مستوى معيشة الضباط هو موضع حسد حتى لمن هم من الطبقة الوسطى.
اضطرار الحكومة اللبنانية إلى أن يصل تقشفها للمس بطعام الجنود، يشكل سابقة تاريخية بالغة الدلالة على فداحة التأزم الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان. وثمة شعور أن هذا البلد الذي ألحقه حزب الله بمحور الممانعة، بدأ يتماثل أكثر مع حال سوريا بؤساً وتحللاً.. وجوعاً. والخوف من مستقبل يفقد فيه هذا الحزب قدرته أيضاً على إطعام مسلحيه كما أن يفقد الجيش اللبناني طاقته على إطعام جنوده. حينها.. تضمن "الممانعة" بتحويل بلادنا إلى بيئات بؤس مداومة على النقمة و"خزانات بشرية" ترفد حروبها الأبدية بشباب الموت والقتل والنهب والتشبيح وكراهية العالم
06.07.2020
يوسف بزي
سوريا تي في
الاحد 5/7/2020
قرر نظام الأسد تقنين الطعام لجنوده، الأرز واللبن لن يتوفرا. كمية الخبز ستكون أقل. وعلى الأرجح، سيلعب الفساد دوره في مضاعفة سوء توزيع المواد الغذائية على أولئك الجنود المساكين. كما أن المساواة بين القطعات العسكرية لم تكن يوماً واردة. الفرقة الرابعة مثلاً ستكون أحسن حالاً بالتأكيد. وبالمحصلة، سيكافح جيش المجنّدين خصوصاً كما معظم الألوية والفرق ضد الجوع.
أصلاً، في سوريا كما في لبنان، ومنذ عقود، كان يدعى "جيش أبو شحاطة"، تدليلاً على حال الجنود المزرية، لباساً وتجهيزاً وطعاماً. جنود يحترفون سؤال العابرين عن السجائر مثلاً، أو تشبيح بعض الطعام، عدا تاريخ هذا الجيش في "التعفيش" المبتدئ على نحو سافر في العام 1976 عند دخوله إلى لبنان، ليتحول سلوكه اللصوصي إلى "سلاح" منذ العام 2011، لتطهير المدن السورية من عمرانها وسكانها والاستيلاء على ممتلكات الناس.
ليس لدى النظام القدرة على إطعام عسكرييه. وهو سيلجأ على الأرجح إلى تشجيعهم على تدبير مأكلهم بأي وسيلة يرونها مناسبة. أي ثمة احتمال كبير أن يزداد منسوب اللصوصية عند الجنود، أو حتى الاستعطاء والتذلل. سيكون جيشاً أقل كرامة وأكثر مهانة. بل وأكثر رذالة أيضاً. سيكافح الجنود ضد سوء التغذية. ومن الطبيعي سيلجؤون إلى استخدام سلطتهم بالسلاح للاستيلاء على ما يسد رمقهم من المدنيين. ولن يكبح النظام هذا السلوك طالما أنه عاجز عن تلبية حاجاتهم الغذائية.
بالطبع، يدرك نظام الأسد أن جنوداً مدقعين بائسين، في جيش يعتمد "نظاماً أخلاقياً" يقوم على تحطيم الكرامة الفردية للجندي وتعميم عقيدة "يا حيوان.." في علاقة البشر، سيكونون أكثر طواعية وطاعة وقابلية للتوحش أو للعنف والجريمة والتعدّي والتحلل الأخلاقي.
هذا النمط من ضمان الولاء، تعتمده ميليشيات كثيرة خصوصاً في أزمنة الحروب الأهلية. إذ أن البيئات المعدومة، والحرص على دوام بؤسها وتفشي الفقر والأمية فيها وانعدام فرص الترقي الاجتماعي، توفر "خزاناً بشرياً" مستداماً من الشباب والرجال الناقمين والمستعدين لارتكاب أي عنف والشعور بالانتماء إلى "قطيع" قوي، يثأر لمهانتهم العميقة. ومن يستغلهم ويقودهم إلى الموت ويديم شقاءهم، سيسمي لهم من هو العدو الذي حرمهم من العيش الكريم والكرامة، فيكون "العدو الصهيوني" أو "المؤامرة الكونية" أو "المعارض الخائن" أو الامبريالية الأميركية، أو.. ذاك المزارع المتخاذل، أو صاحب الدكان البخيل، أو التاجر الأناني، أو مجرد ركاب سيارة عابرة على حاجز..
هذا بالضبط ما يجعل جيش الأسد أقرب لأن يكون ميليشيات منه إلى جيش محترف. وهذا ما تشير إليه الكثير من انطباعات الروس الذين ذهلوا من مستوى الوضاعة التي يتصف بها جنود الأسد. بل إن عناصر "ميليشيا حزب الله" (الطامحة إلى حيازة صفات "الجيش المحترف") العائدين من سوريا، ينظرون إلى أولئك الجنود بكثير من الاحتقار الممزوج بالشفقة. ويتحدثون بتكرار عن صداماتهم مع الجنود السوريين بسبب أعمال إجرامية أو ارتكابات أخلاقية.
بهذا المعنى، ومع ازدياد خطر فقدان الغذاء والعناية الطبية اللائقة والتدفئة واللباس وسائر حاجيات العيش اليومي للجنود، سيجنح هذا الجيش أكثر من أي وقت مضى إلى "التشبيح"، الذي بات عقيدة مكتملة له، لا كـ"نمط عيش" فقط بل كشرط لدوام السلطة نفسها. إن تعميم "التشبيح" على نحو منهجي وشامل سيجعل الجنود والضباط بدافع الشعور أنهم جميعاً مرتكبون وشركاء في موبقاتهم، أكثر تضامناً وإحساساً بكونهم عصابة متآلفة، وسيكونون أكثر ولاء للنظام، لأن هذا ببساطة في سوريا المفقرة "مصدر الرزق" الوحيد المتوفر لمئات الألوف من الشبان المسلحين.
في العصور القديمة، كانت الاجتياحات البربرية وحملات الغزو تعتمد على سياسة النهب لضمان تغذية الجنود، وغالباً ما كان ذلك يفاقم من خطر المجاعة بين السكان المدنيين. وهذا الحال قد تصل إليه بعض المناطق في سوريا، إن ظل النظام عاجزاً عن الفكاك من تداعيات العقوبات المفروضة عليه.
ليس هذا حال سوريا وحدها. ففي لبنان، ما زال حزب الله يؤمن حداً مقبولاً من "الرفاهية" لمنظمته العسكرية، وبراتب معقول، لكن حال بيئته الشعبية تتدهور إلى حد الفاقة والعوز.. ويزداد منسوب النقمة بين شرائح الشبان العاطلين عن العمل أو قليلي التعليم والمهارات، وهؤلاء هم يمثلون ما بات يُعرف بـ"جيش الموتوسيكلات" (الدراجات النارية)، أي الشبيحة القابلين على ممارسة العنف والشغب. هؤلاء الغاضبون من أحوالهم وبؤسهم، يوجههم حزب الله سياسياً مثلما يشاء من دون توريط "ميليشياته" المحترفة في هكذا أعمال شائنة.
أما المفارقة المحزنة، فهي اضطرار الجيش اللبناني الرسمي، قبل أيام للإعلان عن توقف تقديمه اللحوم لعسكرييه أثناء الخدمة. والمعروف أن الجيش اللبناني هو أقرب إلى جيش صغير محترف ومنضبط، ويتمتع بشروط ما يمكن تسميته "المدرسة الغربية" التي تميل إلى مبدأ النوع لا الكم، أي الاعتماد على الجندي الحسن التدريب والتجهيز والمرفّه، كشرط للتفوق وجودة الأداء.
إن راتب الجندي اللبناني قبل خريف العام 2019، كان يوازي تقريباً 700 دولار شهرياً، مع ضمان الطبابة المجانية له ولأسرته والتعليم لأبنائه، عدا الحوافز والتقديمات وتسهيلات القروض.. إلخ، فيما كان مستوى معيشة الضباط هو موضع حسد حتى لمن هم من الطبقة الوسطى.
اضطرار الحكومة اللبنانية إلى أن يصل تقشفها للمس بطعام الجنود، يشكل سابقة تاريخية بالغة الدلالة على فداحة التأزم الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان. وثمة شعور أن هذا البلد الذي ألحقه حزب الله بمحور الممانعة، بدأ يتماثل أكثر مع حال سوريا بؤساً وتحللاً.. وجوعاً. والخوف من مستقبل يفقد فيه هذا الحزب قدرته أيضاً على إطعام مسلحيه كما أن يفقد الجيش اللبناني طاقته على إطعام جنوده. حينها.. تضمن "الممانعة" بتحويل بلادنا إلى بيئات بؤس مداومة على النقمة و"خزانات بشرية" ترفد حروبها الأبدية بشباب الموت والقتل والنهب والتشبيح وكراهية العالم